«وفي الحديث دليل واضح على أن كثرة الأتباع وقلتهم ليست معيارا لمعرفة كون الداعية على حق أو باطل؛ فهؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع كون دعوتهم واحدة، ودينهم واحدا؛ فقد اختلفوا من حيث عدد أتباعهم قلة وكثرة، حتى كان فيهم من لم يصدقه إلا رجل واحد، بل ومن ليس معه أحد! ففي ذلك عبرة بالغة للداعية والمدعوين في هذا العصر، فالداعية عليه أن يتذكر هذه الحقيقة، ويمضي قُدما في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، ولا يبالي بقلة المستجيبين له؛ لأنه ليس عليه إلا البلاغ المبين، وله أسوة حسنة بالأنبياء السابقين الذين لم يكن مع أحدهم إلا الرجل والرجلان! والمدعو عليه أن لا يستوحش من قلة المستجيبين للداعية ، ويتخذ ذلك سببا للشك في الدعوة الحق وترك الإيمان بها، فضلا عن أن يتخذ ذلك دليلا على بطلان دعوته؛ بحجة أنه لم يتبعه أحد، أو إنما اتبعه الأقلون! ولو كانت دعوته صادقة؛ لا تبعه جماهير الناس! والله عزَّ وجلَّ يقول: {وَمَا أكْثَرَ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}».
- «السلسلة الصحيحة» ( 1/ 755-756) -