تتمة الكلام عن أهل الفترة .
A-
A=
A+
الشيخ : لا أعتقد أنّ أحدا يضيّق معنى هذه الآية (( وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا )) بشخصه أي كلّ قوم لا بدّ أن يأتيهم رسول بشخصه بدعوته ذلك لأنّ من المعلوم أوّلا بالنّصّ قوله عليه الصّلاة والسّلام ( فضّلت على الأنبياء قبلي بخمس خصال ) وذكر فيها عليه السّلام قوله وأنّه (كان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى النّاس كافّة ) قوله عليه السّلام وبعثت إلى النّاس كافّة مع قوله تعالى (( وما أرسلناك إلاّ كافّة للنّاس بشيرا ونذيرا )) ، وقوله (( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين )) كلّ هذا وذاك يدلّ على أنّ بعثة الرّسول عليه السّلام ليست فقط لشخصه بل وببلوغ الدّعوة إلى من بعد وفاته عليه الصّلاة والسّلام كذلك نقول حينما قال عليه السّلام ( وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة ) لا يعني يبعث بشخصه فقط بل وبدعوته بعد وفاته عليه الصّلاة والسّلام هذه حقائق في اعتقادي لا يمكن لأحد أن يماري أو يجادل فيها لأنّه سيلزمه محظوران اثنان المحظور الأوّل أن يعتقد أنّ بعثة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إلى النّاس كافّة محصورة بالعرب الّذين دعاهم الرّسول عليه الصّلاة والسّلام مباشرة إلى الإسلام أمّا بعد وفاته فقد انتهت دعوته عليه السّلام وبعثته ورسالته والشّيء الآخر وهذا بلا شكّ باطل والشّيء الآخر مثله وهو أن يعتقد أولئك الشّاكّين المرتابين في صحّة تلك الأحاديث وهي صحيحة دون خلاف بين العلماء أن يعتقدوا أنّنا نحن اليوم معشر المسلمين وعددهم يبلغ عشرات الملايين لم تبلغنا الدّعوة لماذا لأنّه ما جاءنا رسول مباشرة فهل من عاقل يقول بمثل هذا القول الّذي يلزمهم أن يقولوا به إذا قالوه في العرب الّذين كانوا قبيل بعثة الرّسول عليه السّلام لأنّ÷م يقولون هؤلاء ما جاءهم رسول لكنّهم يعلمون أنّهم جاءتهم دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصّلاة والسّلام وهي دعوة التّوحيد فكفر من كفر بها وآمن من آمن بها فإذن فلا فرق بين دعوة إبراهيم وإسماعيل من حيث شمولها لكلّ من بلغته الدّعوة ولو بعد وفاة الرّسول المرسل إليهم مباشرة لأنّه ليس المقصود من بعثة الرّسول هو الشّخص وإنّما المقصود دعوته ورسالته ذلك بأنّنا لو فرضنا إنسانا في زمن الرّسول المبعوث مباشرة إلى قوم ما كان أصمّ أبكم التقى مع الرّسول المبعوث لكنّه هو لا يفقه شيئا ممّا يقوله لما به من صمم وبكم فهذا لم تبلغه الدّعوة وإن كان قد بلغه الرّسول بشخصه والعكس كذلك حين نتصوّر قوما جاءتهم دعوة الرّسول عليه السّلام دون أن يروا الرّسول بعينه وشخصه فقد قامت الحجّة عليهم إذا كان الأمر كذلك وهو كذلك دون خلاف بين مسلمين فحينئذ جاء ... بالنسبة لتلك الأحاديث الصّحيحة الّتي تشهد بأنّ أولئك الأشخاص هم من أهل النّار فلازم ذلك أنّهم قد بلغتهم الدّعوة وأقيمت عليهم الحجّة فلا جرم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حكم عليهم بأنّهم من أهل النّار فقول من يقول بالذّات في هذه الأحاديث أنّ إسماعيل أو إبراهيم أو غيرهما من الأنبياء الّذين أرسلوا إلى العرب ما جاءهم رسول مباشرة فهذا كما لو قال قائل اليوم أنّ التّابعين وأتباع التّابعين إلى هذا الزّمان وإلى آخر الزّمان الّذي لايبقى على وجه الأرض من يشهد أن لا إله إلاّ الله إلاّ جاءت ريح طيّبة وقبضت أرواحهم كلّ هؤلاء من المسلمين أتباع الصّحابة ومن بعدهم نقول لم تبلغهم الدّعوة لأنّهم ما جاءهم الرّسول فهل من عاقل يقول بمثل هذه الكلمة ظنّي أنّه لا أحد يقول إذن نحن نلزمهم بأن يقولوا نفس الكلمة معنا لأنّه ليس المقصود من إرسال الرّسل فيما قبل الرّسول عليه السّلام هو أشخاصهم فقط بل المقصود دعوتهم أيضا ... فلا فرق بين قوم دعاهم الرّسول مباشرة بدعوته وبين قوم أو أقوام آخرين جاءتهم دعوة الرّسول بواسطة أتباع الرّسول فكلّ من هؤلاء وهؤلاء قد قامت حجّة الله عزّ وجلّ على النّاس جميعا بطريق من هاتين الطّريقتين إمّا بوصول دعوة الرّسول بواسطته هو مباشرة أو وصول دعوة الرّسول بواسطة أتباعه الّذين آمنوا به فحينئذ نعرف من هم أهل الفترة وخلاصة ذلك أنّ أهل الفترة هم الّذين لم تبلغهم دعوة الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم مباشرة منه إليهم أو بواسطة أحد أتباع هذا الرّسول إلى هنا فيما يبدو لي ينتهي الجواب عن السّؤال السّابق ولكن لا بدّ لي من كلمة قصيرة حول الدّعوة الّتي يجب أن تبلغ ناسا لتكون حجّة الله قائمة عليهم لأنّهم قد تكون جاءتهم الدّعوة بطريق غير طريق الرّسول فلا تكون الحجّة قائمة في هذه الحالة لتقصير وقع من هؤلاء المبلّغين فقد ذكرت آنفا أنّ الرّسالة قد تبلغ بطريق من طريقتين الطّريقة الأولى بشخص الرّسول وهذه بلا شكّ ولا ريب أقوى من الطّريقة الأخرى وهي أن تصل الدّعوة إلى قوم ما بواسطة أتباع الرّسول سواء كان هؤلاء الأتباع من أتباع الرّسول مباشرة أو على التّسلسل كما نقول في فهم حديث الرّسول عليه السّلام ( خير النّاس قرني ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم ) فخير النّاس أصحابه عليه السّلام لأنّهم هم الّذين أرسل إليهم الرّسول مباشرة ثمّ التّابعون لهؤلاء الأصحاب ثمّ أتباعهم فالطّريقة الأخرى أن تصل الدّعوة إلى ناس ما بطريق أتباع الرّسول سواءا التّابعين بالصّحابة أو أتباعهم أو من جاء من بعدهم كما هو واقعنا اليوم الّذي أريد أن أذكّر به إتماما للفائدة أنّ الدّعوة الّتي تصل إلى قوم ما بالطّريقة الأخرى ليس بطريقة الرّسول مباشرة يجب أن تكون هذه الدّعوة قد بلغتهم صافية نقيّة لا تغيير فيها ولا تبديل فيها ولا تحوير لأنّها في هذه الحالة إذا بلغتهم كذلك تكون بلوغ الدّعوة إليهم بواسطة الأتباع كما لو كانت وصلت إليهم بواسطة الرّسول مباشرة أمّا إذا كان الأمر على خلاف ذلك أي إنّ قوما ما أو ناسا ما بلغتهم دعوة الإسلام محرّفة مغيّرة مبدّلة وبخاصّة ما كان منها متعلّقا في أصولها وفي عقيدتها فهؤلاء النّاس أنا أوّل من يقول لم تبلغهم الدّعوة لأنّ المقصود بلوغ الدّعوة على صفائها وبياضها ونقائها أمّا على الفرض الآن أنّها بلغتهم مغيّرة مبدّلة فهؤلاء لم تبلغهم الدّعوة وبالتّالي لم تقم حجّة الله تبارك وتعالى عليه هذا الّذي أردت أن أضيفه إلى ما سبق من البيان لتتمّ الفائدة إن شاء الله .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 364
- توقيت الفهرسة : 00:00:43