ما حكم الإسلام في بيع التقسيط؟
A-
A=
A+
السائل : سمعنا كثيرا منك فيما سبق بالنسبة لبيوع المرابحة التي يمارسها البنك الإسلامي ثم علمنا في الفترة الأخيرة أن صندوق إدارة التمويل ... أموال اليتامى بدأ يتجاوز بعض تجاوزات وأخطاء البنك الإسلامي التي كان يعيبها عليهم العلماء أمثالك في مسألة حيازة البضاعة إلى ملكه وإلى نفسه ثم بيعها وغير ذلك ولكن يبقى عندهم مشكلة التقسيط وهم يقسطون بنسبة مبينة يبينوها للزبون قبل أن يشتروا له وقبل أن يبيعوا فما حكم الإسلام في هذه المسألة؟
الشيخ : نحن نرى أن أخذ الزيادة مقابل الأجل الذي يسمى اليوم ببيع التقسيط هذه الزيادة ليست مشروعة بل هي ربا بنص الحديث المعروف ألا وهو قوله عليه السلام ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) لكن إذا صح ما ذكرت من أن الجماعة نجوا من المخالفة التي أشرت إليها وبقوا على أخذ الزيادة مقابل الأجل ففي اعتقادي هانت المشكلة بعض الشيء لأن الأمر الأول في اعتقادي لا ينبغي أن يكون فيه أي خلاف بين علماء المسلمين, أما أخذ الزيادة مقابل الأجل كما كان يقول الفقهاء قديما أو مقابل التقسيط كما يقول التجار حديثا فهذه مسألة فيها خلاف فعلا قديما وحديثا, ونحن وإن كنا لا نسوغ ارتكاب المخالفة للشرع بحجة أن المسألة خلافية لكنّنا بلا شك من جهة أخرى نرى أن المسألة الخلافية إذا ما أخذ آخذ ما بوجهة نظر طائفة من العلماء فهذا بلا شك أهون شرا من الذي يخالف العلماء اتباعا لرأي مرجوح لا وجه له أو اتباعا لمصلحة شخصية فردية أو هوى متبع, فبيع التقسيط فيه إلى اليوم مع الأسف لا يزال يوجد بعض العلماء يرون جوازه أما نحن فلا نزال نتمسك بحديثين اثنين أو بأكثر من ذلك أولهما ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) والآخر ( نهى عن بيعتين في بيعة ) قال أحدهم للراوي " ما بيعتين في بيعة؟ قال: أن تقول أبيعك هذا نقدا بكذا ونسيئة بكذا وكذا " لهذا ننصح تجار المسلمين كافة أن لا يتعاملوا ببيع التقسيط ذلك خير لهم وأبقى في الدنيا والأخرى, أما في الدنيا فهذا من الأمور التي أتعجب كيف أنه مما يخفى على التجار ذلك لأن من طريقة بيع بعض التجار في بعض المناسبات والأحوال أنهم يعلنون تنزيلات في المئة مثلا عشرة عشرين إعلانات ضخمة لماذا هذا الإعلان؟ لأنه حقيقة يجلب الزبائن إليهم فيبيعون مبيعات كثيرة وكثيرة جدا بسبب هذا التنزيل فلو أن تاجرا من تجار المسلمين الذين يرغبون أن يتخذوا من وراء تجارته بالبضاعة المادية يرغبون أن يتاجروا بهذه التجارة تجارة أخروية أيضا لو أن أحدهم توجه إلى هذا فأعلن بأنه يبيع بضائعه بسعر النّقد تقسيطا لوجدت الناس تهافتوا إليه لأن الناس كل الناس حتى الأغنياء يرغبون أن يشتروا البضاعة بأرخص الأثمان فإذا ما اشتهر أحد التجار بأنه يبيع بضاعة ما تقسيطا بسعر النقد لتعطلت مبيوعات التجار الآخرين الذين يبيعون بسعر التقسيط أكثر من بيع النقد من سعر النقد وحينئذ يكون هذا التاجر الذي وحد السعر يكون رابحا دنيويا أكثر من الآخرين وأخرويا أيضا لأنه حينما يبيع بضاعة ما لمشترٍ ما بالتقسيط فله أجر على ذلك شرعا وقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة كما نذكر هذا بمثل هذه المناسبة دائما حضّا للتجار على أن يهتبلوها فرصة ليكتسبوا بتجارتهم المادية أجورا عند الله عز وجل قد لا يحظى بها قائم الليل وصائم النهار لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في بعض الأحاديث الصّحيحة ( قرض درهمين صدقة درهم ) قرض درهمين يساوي صدقة درهم فالتاجر إذا أقرض مسلما مئة دينار فكأنه تصدق بنصف دينار, مئتي دينار كأنه تصدق بمئة دينار فتصور تاجرا يبيع بالمئات كل يوم فكم سيسجل له عند الله عز وجل من صدقات ولا ينتبه لها إطلاقا مع أنه يربح ماديا أكثر من التجار الآخرين لذلك أنا أرجو يوم يفيء هؤلاء التجار وأولئك الذين يقومون على إدارة البنوك ويسمونها بالبنوك الإسلامية أنهم يرفعون الربح مقابل التقسيط فإنهم سيكونون رابحين دنيا وأخرى عند الله تبارك وتعالى هذا جواب هذه المسألة التي طالما تكلمنا عليها كثيرا وكثيرا جدا.
السائل : عطفا على هذا السؤال يا شيخنا حيدث ( من باع في بيعة واحدة ) أو الحديث الآخر الذي ذكرته وهو مداره على البيعتين هم يقولون الآن لأنني كنت عندهم بالأمس هم يقولون نحن لا نبيع بيعتين نحن نشتري ببيعة واحدة نشتري نقدا ثم نبيعك إياها تقسيطا ونحوز هذه البضاعة عندنا لمدة خمسة أيام أو ستة أيام أو أسبوع بحسب الحال, أقل من خمسة أيام لا يحوزونها يسجلونها باسمهم مثلا السيارة يشترونها نقدا ثم يضعونها عندهم من خمسة أيام إلى أسبوع ثم يبيعوك إياها بيعة واحدة بالتقسيط بمبلغ كذا تكون نسبة الربح فيه عن نسبة الربا أو نسبة الفائدة يسمى ما يسمى ثمانية في المئة زيادة عن الذي اشتروه هم من الشركة نقدا فيحتجون بأن هذا بيعة واحدة لأنهم اشتروه نقدا وباعوك نسيئة تقسيطا.
الشيخ : معلوم هذا يا أخي بس هذا من باب الحيل الشرعية التي يسمونها لو جاء رجل قال أنا أريد هذه السيارة نقدا بأي سعر يبيعونه؟ بسعر التقسيط؟ قل لا.
السائل : أكيد سيبيعونه أقل.
الشيخ : هذا هو البيعتين, هو حينما قال عليه السلام (من باع بيعتين في بيعة ) يعني من عرض بضاعة يبيعها على بيعتين إما نقدا وإما تقسيطا يبيع هذه البضاعة بسعرين سعر الأقل هو سعر النقد, سعر الأكثر هو سعر التقسيط فقوله أنا ما أبيع بيعتين هذا من باب إغماض العين والنظر إلى المسألة بعين واحدة, أنا أدري أن بعض الفقهاء المتأخرين يقولون وهذا أيضا من باب النظر إلى الموضوع بعين واحدة يقولون التاجر إذا عرض البضاعة هكذا صراحة نقدا بمئة وتقسيطا بمئة وعشرين يقولون هذا لا يجوز - يرحمك الله - أما إذا قال هذا تقسيطا بمئة وعشرين هذا يجوز لماذا؟ لأنه لم يذكر البيعة الأخرى هي بيعة النقد, سبحان الله! هذه شكلية محضة لأن الشارع الحكيم حينما نهى عن بيعتين في بيعة ما قصد ولا نظر إلى الشكل وإنما نظر - أهلا وسهلا وين أنت غرقتنا هون لا كان تحضر أمام الجمع مكبر الصوت وتحط أنت بدل العروس حطنا نحن - حينما نهى عن بيعتين في بيعة لم ينه عن صورة شكلية وإنما عن مقصد ربوي فحينما يقولون الممنوع أن تعرض صورة بيعتين وإن كان المبيع في النهاية انتهى إلى بيعة واحدة يقولون فإذا أنت عرضت بيعة واحدة فلا شيء عليك هم نظروا إلى اللفظ وما نظروا إلى المعنى المقصود من هذا اللفظ, اللفظُ ( نهى عن بيعتين في بيعة ) , اللفظ ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) أي له أحد الثمنين الثمن الأقل وهو عادة ثمن النقد والثمن الأكثر وهو عادة ثمن الدين أي التقسيط فإذا البائع رأسا عرض البيعة الثانية أي التي فيها الزيادة وكتم في نفسه هو والشاري صورة البيعة الأولى التي هي أنقص هو حصل المحظور بهذه الصورة اللي هي نص الصورة التي جاء ذكرها في الحديث, هذا الذي عرض البيعة الثانية بالمئة ربح بالمئة عشرين قال مئة وعشرين تقسيطا لو جاء رجل قال أنا أريد أن أشتري هذه نقدا سيقول له بمئة إذا ما فائدة كتمان هذا في نفسه وعدم عرضها في لفظه ما دام المحظور حصل ألا وهو الزيادة مقابل التقسيط؟! هذا يشبه تماما كثيرا من المعاملات التي حذر الشارع من تعاطيها منها مثلا وهذا مع الأسف الشديد يقع في بعض البلاد الإسلامية وهو المعروف عند الفقهاء بنكاح التحليل, نكاح التحليل أخذ هذا الإسم من قوله عليه الصلاة والسلام ( لعن الله المحلل والمحلل له ) وواضح إن شاء الله عند جميع الحاضرين أن المقصود من هذا الحديث هو أن رجلا يتفق له أنه طلق زوجته الطلقة الثالثة والأخيرة والتي جاء ذكرها في قوله تبارك وتعالى (( فإن طلقها من بعد فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره )) هذا الرجل يندم ولات حين مندم, يندم على أن زوجته خرج من حوزته رغم أنفه شرعا فمتى يتمكن من أن يعيدها إلى عصمته حتى تتزوج بزوج آخر كما هو نص الآية المذكورة آنفا وهات حتى هذا الزوج الآخر يقع بينه وبينها خلاف أو شقاق أو نزاع فيطلقها بعد ذلك هو يجوز له أن يتزوجها هذا مما لا يصبر عليه كثير من الناس ولذلك يلعبون بالنص الشرعي ويحتالون عليه فيستعيرون رجلا يعقدون له على المطلقة ليس كما عقد الزوج الأول عليها أي ليحصن نفسه بها ويحصن نفسها به, وإنما ليحللها إلى الزوج الأول فقال عليه الصلاة والسلام ( لعن الله المحلل والمحلل له ) هذا احتيال واضح جدا لأن الله عز وجل حينما ذكر في الآية السابقة (( فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره )) أراد زوجا شرعيا وهذا المحلل ليس زوجا شرعيا ألا يوجد هناك بعض الآراء الفقهية منذ القديم تجيز نكاح التحليل؟ مع الأسف يوجد هذا الرأي, ومع الأشد من الأسف يوجد حتى اليوم من يفتي من بعض أهل العلم بجواز نكاح التحليل بل نحن نعرف بعضهم في دمشق الشام من المفتين بجواز نكاح التحليل من كان يقول لبعض معارفه أنا أحلّل أي إنه لم يستحيي أن يصدق عليه الحديث المعروف ثبوته وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمى المحلّل بالتيس المستعار فرضي هذا المفتي والمدعي للعلم رضي لنفسه أن يكون التيس المستعار لم؟ لأنه وجد في مذهبه من أباح له نكاح التحليل وبالتالي يقول أنا أوفق بين الزوجين وأنا أشفق على المطلق الأول فأعيد إلى عصمته زوجته هذا نوع من التلاعب على الأحكام الشرعية وهذا من صنع اليهود الذين ذكر الله عز وجل قصتهم في القرآن الكريم حينما حرم الله عز وجل عليهم الصيد يوم السبت فاحتالوا بعد أن صبروا مدة طويلة فاحتالوا على هذا الحكم من التحريم للصيد يوم السبت أنهم حصروا السمك في الخلجان واصطادوه يوم الأحد فلعنهم الله تبارك وتعالى كما ذكر ذلك في القرآن الكريم هذا أمر معروف عند كثير من المسلمين حتى العامة بأنهم يسمعون القرآن ويذكرون بهذه الحيلة لكن هناك حيلة أخرى لليهود ذكرها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث صحيح في " البخاري ومسلم " أو على الأقل في أحدهما ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( لعن الله اليهود حرّمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه ) ما معنى هذا الحديث؟ ربنا عز وجل أيضا ذكر في القرآن الكريم فقال (( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم )) منها الشحوم فكان من الأحكام التي أنزلت في شريعة موسى عليه السلام وعلى قومه اليهود أنهم إذا ذبحوا الشاة الفارهة السمينة حل لهم لحمها الأحمر وحرم عليهم شحمها الأبيض (( بظلم من الذين هادوا )) استمروا على هذا الحكم على مضض مدة من الزمن ثم سوّل لهم الشيطان وزين لهم أن يحتالوا على هذا الحكم فماذا فعلوا؟ أخذوا هذه الشحوم المحرمة عليهم أكلها وبيعها وشراؤها فألقوها في القدور وأوقدوا النار من تحتها فتحولت إلى سائل إلى شكل جديد فبهذا التغيير زين لهم الشيطان وقال لهم هذا شيء آخر فليس هو الشحم المحرم عليهم في شريعتهم فباعوا هذا الشحم وأكلوا ثمنه والشحم هو شحم لكن الصورة تغيرت فلعنهم الله أيضا بالإحتيال المذكور في هذا الحديث المسلمون بعضهم اليوم يقعون في كثير من الأحكام المحرمة شرعا بسبب التغيير للشكل وكما يقال في بعض البلاد تغيير الشكل من أجل الأكل, فالآن حرام أن تقول أبيعك هذه المسجلة بمئة نقدا وبمئة وعشر مثلا تقسيطا هذا ما يجوز أما إذا قلت أبيعك بمئة وعشرة تقسيطا هذا يجوز إيش الفرق؟ النتيجة أنه أخذ العشر مقابل التقسيط أي مقابل عدم صبره على أخيه في الوفاء وفي الأداء فالصورة هنا لا ينظر إليها وإنما ينظر إلى ثمرتها لذلك نحن نقول أن الذين يأكلون الربا وهو من الكبائر بنص القرآن الكريم لأنه معرض لمحاربة الله له والحديث الصريح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر بأن من الكبائر أكل الربا أنا أعتقد أن أكل الربا مع الإحتيال أشد إثما من أكله بدون احتيال لأنه من يأكله مع الحيلة ضم إثما إلى كبيرة فهذا إثمه أكبر من إثم آكل الربا وهو يقول الله يتوب علينا شو بدنا نساوي بدنا نعيش طبعا هذه تعللات لا قيمة لها لكن المهم أنه يعترف بأنه يواقع محرما فهذا يرجى منه يوما ما أن يتوب إلى الله عز وجل أما الذي يقول هذا بيع وشراء ويحتج بقوله تبارك وتعالى (( وأحل الله البيع وحرم الربا )) هذا لن يتوب من أكله الربا لأنه زين له الشيطان سوء عمله فسوف لا يعود إلى ربه ولا يتوب إليه من هنا قال بعض العلماء بحق أن جرم البدعة أكثر من جرم المحرم من هنا قال بعض العلماء جرم البدعة آثم من جرم المعصية لم؟ قالوا لأن العاصي يرجى له أن يتوب أما المبتدع فلسان حاله يقول رب زدني, رب زدني لأنه يظن أنه ممن يحسب أنه يحسن صنعا وهذا المعنى قد جاء في حديث من غرائب الأحاديث الدقيقة المعنى ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( أبى الله أن يقبل توبة صاحب بدعة ) هو الحكم الشرعي أن من تاب تاب الله عليه سواء كان عاصيا أو كان مبتدعا فكيف قال ( أبى الله أن يقبل توبة صاحب بدعة ) ؟ هنا الإباء إباء كوني أي إنه كونيا هذا المبتدع لا يتوب لأنه ممن زين له سوء عمله كما قال الله عز وجل في الآية المتعلقة بالكفار (( قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه )) فهؤلاء سواء كانوا كفارا أو كانوا مبتدعين هؤلاء وهؤلاء زين لهم سوء عملهم ولذلك لا يرجى أن يتوبوا إلى ربهم فهذا معنى الحديث ( أن الله يأبى أن يقبل توبة صاحب بدعة ) كذلك من يتلاعب على حكم من أحكام الشريعة من الأحكام المحرمة فيزين هذا الحكم بتغييره بسبب تلاعبه المشار إليه فيحتال ويجعله مباحا وهو في واقع أمره محرم شرعا لكن زين له بأن تغيير الشكل والصورة يخرج الحكم من كونه محرما إلى كونه مباحا هذا كالمبتدع لا يرجى لكل منهما أن يتوبا إلى الله تبارك وتعالى من هنا ننصح كل مسلم أن يكون بعيدا كل البعد عن التلاعب بأحكام الشرع من جهة وعن أن يقع في البدعة التي يسمونها بالبدعة الحسنة من جهة أخرى خشية أن يزين له سوء عمله فلا يتصور أن يتوب يوما ما إلى ربه وهذا نهاية الجواب عن هذا السؤال.
الشيخ : نحن نرى أن أخذ الزيادة مقابل الأجل الذي يسمى اليوم ببيع التقسيط هذه الزيادة ليست مشروعة بل هي ربا بنص الحديث المعروف ألا وهو قوله عليه السلام ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) لكن إذا صح ما ذكرت من أن الجماعة نجوا من المخالفة التي أشرت إليها وبقوا على أخذ الزيادة مقابل الأجل ففي اعتقادي هانت المشكلة بعض الشيء لأن الأمر الأول في اعتقادي لا ينبغي أن يكون فيه أي خلاف بين علماء المسلمين, أما أخذ الزيادة مقابل الأجل كما كان يقول الفقهاء قديما أو مقابل التقسيط كما يقول التجار حديثا فهذه مسألة فيها خلاف فعلا قديما وحديثا, ونحن وإن كنا لا نسوغ ارتكاب المخالفة للشرع بحجة أن المسألة خلافية لكنّنا بلا شك من جهة أخرى نرى أن المسألة الخلافية إذا ما أخذ آخذ ما بوجهة نظر طائفة من العلماء فهذا بلا شك أهون شرا من الذي يخالف العلماء اتباعا لرأي مرجوح لا وجه له أو اتباعا لمصلحة شخصية فردية أو هوى متبع, فبيع التقسيط فيه إلى اليوم مع الأسف لا يزال يوجد بعض العلماء يرون جوازه أما نحن فلا نزال نتمسك بحديثين اثنين أو بأكثر من ذلك أولهما ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) والآخر ( نهى عن بيعتين في بيعة ) قال أحدهم للراوي " ما بيعتين في بيعة؟ قال: أن تقول أبيعك هذا نقدا بكذا ونسيئة بكذا وكذا " لهذا ننصح تجار المسلمين كافة أن لا يتعاملوا ببيع التقسيط ذلك خير لهم وأبقى في الدنيا والأخرى, أما في الدنيا فهذا من الأمور التي أتعجب كيف أنه مما يخفى على التجار ذلك لأن من طريقة بيع بعض التجار في بعض المناسبات والأحوال أنهم يعلنون تنزيلات في المئة مثلا عشرة عشرين إعلانات ضخمة لماذا هذا الإعلان؟ لأنه حقيقة يجلب الزبائن إليهم فيبيعون مبيعات كثيرة وكثيرة جدا بسبب هذا التنزيل فلو أن تاجرا من تجار المسلمين الذين يرغبون أن يتخذوا من وراء تجارته بالبضاعة المادية يرغبون أن يتاجروا بهذه التجارة تجارة أخروية أيضا لو أن أحدهم توجه إلى هذا فأعلن بأنه يبيع بضائعه بسعر النّقد تقسيطا لوجدت الناس تهافتوا إليه لأن الناس كل الناس حتى الأغنياء يرغبون أن يشتروا البضاعة بأرخص الأثمان فإذا ما اشتهر أحد التجار بأنه يبيع بضاعة ما تقسيطا بسعر النقد لتعطلت مبيوعات التجار الآخرين الذين يبيعون بسعر التقسيط أكثر من بيع النقد من سعر النقد وحينئذ يكون هذا التاجر الذي وحد السعر يكون رابحا دنيويا أكثر من الآخرين وأخرويا أيضا لأنه حينما يبيع بضاعة ما لمشترٍ ما بالتقسيط فله أجر على ذلك شرعا وقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة كما نذكر هذا بمثل هذه المناسبة دائما حضّا للتجار على أن يهتبلوها فرصة ليكتسبوا بتجارتهم المادية أجورا عند الله عز وجل قد لا يحظى بها قائم الليل وصائم النهار لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في بعض الأحاديث الصّحيحة ( قرض درهمين صدقة درهم ) قرض درهمين يساوي صدقة درهم فالتاجر إذا أقرض مسلما مئة دينار فكأنه تصدق بنصف دينار, مئتي دينار كأنه تصدق بمئة دينار فتصور تاجرا يبيع بالمئات كل يوم فكم سيسجل له عند الله عز وجل من صدقات ولا ينتبه لها إطلاقا مع أنه يربح ماديا أكثر من التجار الآخرين لذلك أنا أرجو يوم يفيء هؤلاء التجار وأولئك الذين يقومون على إدارة البنوك ويسمونها بالبنوك الإسلامية أنهم يرفعون الربح مقابل التقسيط فإنهم سيكونون رابحين دنيا وأخرى عند الله تبارك وتعالى هذا جواب هذه المسألة التي طالما تكلمنا عليها كثيرا وكثيرا جدا.
السائل : عطفا على هذا السؤال يا شيخنا حيدث ( من باع في بيعة واحدة ) أو الحديث الآخر الذي ذكرته وهو مداره على البيعتين هم يقولون الآن لأنني كنت عندهم بالأمس هم يقولون نحن لا نبيع بيعتين نحن نشتري ببيعة واحدة نشتري نقدا ثم نبيعك إياها تقسيطا ونحوز هذه البضاعة عندنا لمدة خمسة أيام أو ستة أيام أو أسبوع بحسب الحال, أقل من خمسة أيام لا يحوزونها يسجلونها باسمهم مثلا السيارة يشترونها نقدا ثم يضعونها عندهم من خمسة أيام إلى أسبوع ثم يبيعوك إياها بيعة واحدة بالتقسيط بمبلغ كذا تكون نسبة الربح فيه عن نسبة الربا أو نسبة الفائدة يسمى ما يسمى ثمانية في المئة زيادة عن الذي اشتروه هم من الشركة نقدا فيحتجون بأن هذا بيعة واحدة لأنهم اشتروه نقدا وباعوك نسيئة تقسيطا.
الشيخ : معلوم هذا يا أخي بس هذا من باب الحيل الشرعية التي يسمونها لو جاء رجل قال أنا أريد هذه السيارة نقدا بأي سعر يبيعونه؟ بسعر التقسيط؟ قل لا.
السائل : أكيد سيبيعونه أقل.
الشيخ : هذا هو البيعتين, هو حينما قال عليه السلام (من باع بيعتين في بيعة ) يعني من عرض بضاعة يبيعها على بيعتين إما نقدا وإما تقسيطا يبيع هذه البضاعة بسعرين سعر الأقل هو سعر النقد, سعر الأكثر هو سعر التقسيط فقوله أنا ما أبيع بيعتين هذا من باب إغماض العين والنظر إلى المسألة بعين واحدة, أنا أدري أن بعض الفقهاء المتأخرين يقولون وهذا أيضا من باب النظر إلى الموضوع بعين واحدة يقولون التاجر إذا عرض البضاعة هكذا صراحة نقدا بمئة وتقسيطا بمئة وعشرين يقولون هذا لا يجوز - يرحمك الله - أما إذا قال هذا تقسيطا بمئة وعشرين هذا يجوز لماذا؟ لأنه لم يذكر البيعة الأخرى هي بيعة النقد, سبحان الله! هذه شكلية محضة لأن الشارع الحكيم حينما نهى عن بيعتين في بيعة ما قصد ولا نظر إلى الشكل وإنما نظر - أهلا وسهلا وين أنت غرقتنا هون لا كان تحضر أمام الجمع مكبر الصوت وتحط أنت بدل العروس حطنا نحن - حينما نهى عن بيعتين في بيعة لم ينه عن صورة شكلية وإنما عن مقصد ربوي فحينما يقولون الممنوع أن تعرض صورة بيعتين وإن كان المبيع في النهاية انتهى إلى بيعة واحدة يقولون فإذا أنت عرضت بيعة واحدة فلا شيء عليك هم نظروا إلى اللفظ وما نظروا إلى المعنى المقصود من هذا اللفظ, اللفظُ ( نهى عن بيعتين في بيعة ) , اللفظ ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) أي له أحد الثمنين الثمن الأقل وهو عادة ثمن النقد والثمن الأكثر وهو عادة ثمن الدين أي التقسيط فإذا البائع رأسا عرض البيعة الثانية أي التي فيها الزيادة وكتم في نفسه هو والشاري صورة البيعة الأولى التي هي أنقص هو حصل المحظور بهذه الصورة اللي هي نص الصورة التي جاء ذكرها في الحديث, هذا الذي عرض البيعة الثانية بالمئة ربح بالمئة عشرين قال مئة وعشرين تقسيطا لو جاء رجل قال أنا أريد أن أشتري هذه نقدا سيقول له بمئة إذا ما فائدة كتمان هذا في نفسه وعدم عرضها في لفظه ما دام المحظور حصل ألا وهو الزيادة مقابل التقسيط؟! هذا يشبه تماما كثيرا من المعاملات التي حذر الشارع من تعاطيها منها مثلا وهذا مع الأسف الشديد يقع في بعض البلاد الإسلامية وهو المعروف عند الفقهاء بنكاح التحليل, نكاح التحليل أخذ هذا الإسم من قوله عليه الصلاة والسلام ( لعن الله المحلل والمحلل له ) وواضح إن شاء الله عند جميع الحاضرين أن المقصود من هذا الحديث هو أن رجلا يتفق له أنه طلق زوجته الطلقة الثالثة والأخيرة والتي جاء ذكرها في قوله تبارك وتعالى (( فإن طلقها من بعد فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره )) هذا الرجل يندم ولات حين مندم, يندم على أن زوجته خرج من حوزته رغم أنفه شرعا فمتى يتمكن من أن يعيدها إلى عصمته حتى تتزوج بزوج آخر كما هو نص الآية المذكورة آنفا وهات حتى هذا الزوج الآخر يقع بينه وبينها خلاف أو شقاق أو نزاع فيطلقها بعد ذلك هو يجوز له أن يتزوجها هذا مما لا يصبر عليه كثير من الناس ولذلك يلعبون بالنص الشرعي ويحتالون عليه فيستعيرون رجلا يعقدون له على المطلقة ليس كما عقد الزوج الأول عليها أي ليحصن نفسه بها ويحصن نفسها به, وإنما ليحللها إلى الزوج الأول فقال عليه الصلاة والسلام ( لعن الله المحلل والمحلل له ) هذا احتيال واضح جدا لأن الله عز وجل حينما ذكر في الآية السابقة (( فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره )) أراد زوجا شرعيا وهذا المحلل ليس زوجا شرعيا ألا يوجد هناك بعض الآراء الفقهية منذ القديم تجيز نكاح التحليل؟ مع الأسف يوجد هذا الرأي, ومع الأشد من الأسف يوجد حتى اليوم من يفتي من بعض أهل العلم بجواز نكاح التحليل بل نحن نعرف بعضهم في دمشق الشام من المفتين بجواز نكاح التحليل من كان يقول لبعض معارفه أنا أحلّل أي إنه لم يستحيي أن يصدق عليه الحديث المعروف ثبوته وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمى المحلّل بالتيس المستعار فرضي هذا المفتي والمدعي للعلم رضي لنفسه أن يكون التيس المستعار لم؟ لأنه وجد في مذهبه من أباح له نكاح التحليل وبالتالي يقول أنا أوفق بين الزوجين وأنا أشفق على المطلق الأول فأعيد إلى عصمته زوجته هذا نوع من التلاعب على الأحكام الشرعية وهذا من صنع اليهود الذين ذكر الله عز وجل قصتهم في القرآن الكريم حينما حرم الله عز وجل عليهم الصيد يوم السبت فاحتالوا بعد أن صبروا مدة طويلة فاحتالوا على هذا الحكم من التحريم للصيد يوم السبت أنهم حصروا السمك في الخلجان واصطادوه يوم الأحد فلعنهم الله تبارك وتعالى كما ذكر ذلك في القرآن الكريم هذا أمر معروف عند كثير من المسلمين حتى العامة بأنهم يسمعون القرآن ويذكرون بهذه الحيلة لكن هناك حيلة أخرى لليهود ذكرها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث صحيح في " البخاري ومسلم " أو على الأقل في أحدهما ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( لعن الله اليهود حرّمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه ) ما معنى هذا الحديث؟ ربنا عز وجل أيضا ذكر في القرآن الكريم فقال (( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم )) منها الشحوم فكان من الأحكام التي أنزلت في شريعة موسى عليه السلام وعلى قومه اليهود أنهم إذا ذبحوا الشاة الفارهة السمينة حل لهم لحمها الأحمر وحرم عليهم شحمها الأبيض (( بظلم من الذين هادوا )) استمروا على هذا الحكم على مضض مدة من الزمن ثم سوّل لهم الشيطان وزين لهم أن يحتالوا على هذا الحكم فماذا فعلوا؟ أخذوا هذه الشحوم المحرمة عليهم أكلها وبيعها وشراؤها فألقوها في القدور وأوقدوا النار من تحتها فتحولت إلى سائل إلى شكل جديد فبهذا التغيير زين لهم الشيطان وقال لهم هذا شيء آخر فليس هو الشحم المحرم عليهم في شريعتهم فباعوا هذا الشحم وأكلوا ثمنه والشحم هو شحم لكن الصورة تغيرت فلعنهم الله أيضا بالإحتيال المذكور في هذا الحديث المسلمون بعضهم اليوم يقعون في كثير من الأحكام المحرمة شرعا بسبب التغيير للشكل وكما يقال في بعض البلاد تغيير الشكل من أجل الأكل, فالآن حرام أن تقول أبيعك هذه المسجلة بمئة نقدا وبمئة وعشر مثلا تقسيطا هذا ما يجوز أما إذا قلت أبيعك بمئة وعشرة تقسيطا هذا يجوز إيش الفرق؟ النتيجة أنه أخذ العشر مقابل التقسيط أي مقابل عدم صبره على أخيه في الوفاء وفي الأداء فالصورة هنا لا ينظر إليها وإنما ينظر إلى ثمرتها لذلك نحن نقول أن الذين يأكلون الربا وهو من الكبائر بنص القرآن الكريم لأنه معرض لمحاربة الله له والحديث الصريح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر بأن من الكبائر أكل الربا أنا أعتقد أن أكل الربا مع الإحتيال أشد إثما من أكله بدون احتيال لأنه من يأكله مع الحيلة ضم إثما إلى كبيرة فهذا إثمه أكبر من إثم آكل الربا وهو يقول الله يتوب علينا شو بدنا نساوي بدنا نعيش طبعا هذه تعللات لا قيمة لها لكن المهم أنه يعترف بأنه يواقع محرما فهذا يرجى منه يوما ما أن يتوب إلى الله عز وجل أما الذي يقول هذا بيع وشراء ويحتج بقوله تبارك وتعالى (( وأحل الله البيع وحرم الربا )) هذا لن يتوب من أكله الربا لأنه زين له الشيطان سوء عمله فسوف لا يعود إلى ربه ولا يتوب إليه من هنا قال بعض العلماء بحق أن جرم البدعة أكثر من جرم المحرم من هنا قال بعض العلماء جرم البدعة آثم من جرم المعصية لم؟ قالوا لأن العاصي يرجى له أن يتوب أما المبتدع فلسان حاله يقول رب زدني, رب زدني لأنه يظن أنه ممن يحسب أنه يحسن صنعا وهذا المعنى قد جاء في حديث من غرائب الأحاديث الدقيقة المعنى ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( أبى الله أن يقبل توبة صاحب بدعة ) هو الحكم الشرعي أن من تاب تاب الله عليه سواء كان عاصيا أو كان مبتدعا فكيف قال ( أبى الله أن يقبل توبة صاحب بدعة ) ؟ هنا الإباء إباء كوني أي إنه كونيا هذا المبتدع لا يتوب لأنه ممن زين له سوء عمله كما قال الله عز وجل في الآية المتعلقة بالكفار (( قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه )) فهؤلاء سواء كانوا كفارا أو كانوا مبتدعين هؤلاء وهؤلاء زين لهم سوء عملهم ولذلك لا يرجى أن يتوبوا إلى ربهم فهذا معنى الحديث ( أن الله يأبى أن يقبل توبة صاحب بدعة ) كذلك من يتلاعب على حكم من أحكام الشريعة من الأحكام المحرمة فيزين هذا الحكم بتغييره بسبب تلاعبه المشار إليه فيحتال ويجعله مباحا وهو في واقع أمره محرم شرعا لكن زين له بأن تغيير الشكل والصورة يخرج الحكم من كونه محرما إلى كونه مباحا هذا كالمبتدع لا يرجى لكل منهما أن يتوبا إلى الله تبارك وتعالى من هنا ننصح كل مسلم أن يكون بعيدا كل البعد عن التلاعب بأحكام الشرع من جهة وعن أن يقع في البدعة التي يسمونها بالبدعة الحسنة من جهة أخرى خشية أن يزين له سوء عمله فلا يتصور أن يتوب يوما ما إلى ربه وهذا نهاية الجواب عن هذا السؤال.
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 1046
- توقيت الفهرسة : 00:04:46