قال الله - تعالى - : (( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا )) ، نعلم أن ثم في العربية تفيد الترتيب مع التراخي ؛ فهل يعني ذلك أن المرور على الصراط يأخذ وقتًا طويلًا ؟
A-
A=
A+
السائل : قوله - تعالى - : (( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا )) ، نحن نعلم أن ثم تفيد الترتيب والتراخي ؛ فهل نفهم من هذا يعني أن الصراط طويلٌ جدًّا ، وأنه يأخذ وقتًا طويلًا فتكون النجاة يعني ؟
الشيخ : ما هذا مصرَّح في بعض النصوص أنُّو ناس يمرُّون على الصراط كالبرق ، وناس كالجواد المُسرع ، وهكذا ، وناس على بطونهم ، وهذا المرور بلا شك يختلف من ناس إلى آخرين ، لكن خُذِ المرور الأسرع هذا لا ينافي المرور ، ولا ينافي الحكمة التي ذكرها " فخر الدين الرازي " في " تفسيره الكبير " أنَّ من حكمة دخول المؤمنين الذين يُنجِيهم الإيمان من أن تمسَّهم النار بعذاب حكمة دخولهم أنهم يرون الذين كانوا يضحكون بهم ويستهزئون في الدنيا يرونهم يُعذَّبون ، فربُّنا - عز وجل - يشف صدور قومٍ مؤمنين بهذه الرؤية ؛ يعني أشبه ما يكون الإنسان - كما أقول أنا أحيانًا - استحبَّ الخروج بالسيارة تحت المطر الغزير ، فالمطر ينزل بكثرة وغزارة حول السيارة ونحن لا نتأثَّر فيها ، فنرى هذا المنظر الإلهي الجميل ؛ فكذلك المؤمنون يوم القيامة : (( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )) ، فهذا المرور من حكمته ما ذُكِرَ آنفًا ، فما ينافي أبدًا المرور على الصراط أنَّهم يمرُّون في النار ، وهذا القول أصحُّ ؛ لأنُّو أوَّلًا : هو الذي ينافي ما أشرتَ إليه من تمام الآية : (( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا )) ، لأنهم إذا كانوا لم يدخلوها فليس هنا للإنجاء معنى ، فهذا هو الظاهر أوَّلًا ، ثم تأتي نصوص السنة كما هي عادتها مع الكتاب فإنَّها توضِّح ما قد يحتاج للتوضيح من آيات الله - عزَّ وجل - في كتابه ، هناك في " صحيح مسلم " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال يومًا : ( لا يدخل النار أحدٌ من أهل بدرٍ وأصحاب الشجرة ) ، لا يدخل النار أحد من هؤلاء ، سمعَتْ الحديث زوجته حفصة - رضي الله عنها - فقالت : كيف يا رسول الله وربنا يقول : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا )) . شيء لا بد منه ؛ فقال - عليه السلام - لها : ( أتمِّي الآية ) ؛ (( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا )) . واضح جدًّا من هذا الحديث أمران اثنان :
الأمر الأول : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفى دخول أهل بدر وأصحاب الشجرة الذين بايعوه تحت الشجرة أن يدخلوا النار دخول عذاب كما ذكرنا آنفًا ، لكن حفصة أشكَلَ عليها هذا النفي لأنَّه يتنافى مع عموم قوله - تعالى - : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) .
الشيء الثاني : الذي نستفيده من هذا الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ زوجته حفصة على فهمها للآية ؛ أنها تعني الدخول ؛ ولذلك وقعَ في نفسها تعارض بينَ ما تفهَمُه من الآية ولا أقول بين الآية وبين الحديث ، وإنما وقع التعارض بينما فَهِمَتْه من الآية وبين الحديث الذي سمعته من الرسول - عليه السلام - ، فكان الجواب من الرسول جوابًا سمحًا سهلًا : ( أتمِّي الآية ) ؛ (( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا )) ؛ يعني أنَّ أهل بدر وأهل الحديبية هم من هؤلاء المقطوع بنجاتهم من أن تمسَّهم النار بعذاب ، هذا حديث صريح في الموضوع يحول بينَنا وبين تأويل الآية بتآويل أخرى غير التأويل الأول ... .
الجواب : لا ، الصراط هو في جهنم ، جسر في جهنم يمرُّ فيه الناس .
من التآويل الأخرى أنهم (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) يعني يمرُّ حولها ، ولكلٍّ دليله من حيث الاستدلال باللغة العربية ، لكلٍّ وجهة ، وما في مناقشة من الناحية العربية ، وهنا تظهر أهمية السنة المحمدية ؛ لأنها كما يُقال اليوم تضع النقاط على الحروف تعمل عملية تصفية ، هذا التأويل لغةً صحيح ، لكن غير مُراد هنا ، هذا التأويل - وهو الأول - هو المراد هنا بأدلة من السنة ذكرتُ آنفًا حديث حفصة - رضي الله عنها - ، من هذه الأحاديث ما أخرجه الشَّيخان في " صحيحيهما " من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( ما من مسلمَين يموت لهما ثلاثةٌ من الولد إلا لن تمسَّه النار إلا تحلَّة القسم ) . ( ما من مسلمَين ) - أي : زوجين مسلمين - ( يموت لهما ثلاثةٌ من الولد إلا لن تمسَّه النار إلا تحلَّة القسم ) . تحلَّة القسم هو هذا المرور في جهنم ، لكن ما تؤذيه .
وهناك حديث أصرح من كلِّ ما تقدم ، لكن لا يجوز لنا أن نذكُرَه إلا مع بيان ضعفه ، فمن حيث معناه يلتقي مع الحديثين السابقين ، لكن من حيث مَبناه ومن حيث إسناده فإسناده ضعيف ، يقول راوي الحديث - وقد أُنسِيت اسمه الآن - : كنا في مجلس فذكرنا الآية السابقة : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) ، فاختلف أهل المجلس الأقوال الثلاثة ، وانفضَّ المجلس على الخلاف ، قال : فلقيت جابر بن عبد الله الأنصاري فقصَصْت عليه الخلاف حول الآية ، فما كان منه إلا أن وَضَعَ أصبعيه في أذنيه قائلًا صُمَّتا إن لم أكُنْ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( لا يبقى برٌّ ولا فاجرٌ إلا ويدخلها ، ثم تكون على المؤمنين بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم ) . حديث جميل ، لكن ماذا نعمل ؟ العلم لا يُساعدنا إلا أن نذكرَه مع بيان ضعفه .
غيره ؟
الشيخ : ما هذا مصرَّح في بعض النصوص أنُّو ناس يمرُّون على الصراط كالبرق ، وناس كالجواد المُسرع ، وهكذا ، وناس على بطونهم ، وهذا المرور بلا شك يختلف من ناس إلى آخرين ، لكن خُذِ المرور الأسرع هذا لا ينافي المرور ، ولا ينافي الحكمة التي ذكرها " فخر الدين الرازي " في " تفسيره الكبير " أنَّ من حكمة دخول المؤمنين الذين يُنجِيهم الإيمان من أن تمسَّهم النار بعذاب حكمة دخولهم أنهم يرون الذين كانوا يضحكون بهم ويستهزئون في الدنيا يرونهم يُعذَّبون ، فربُّنا - عز وجل - يشف صدور قومٍ مؤمنين بهذه الرؤية ؛ يعني أشبه ما يكون الإنسان - كما أقول أنا أحيانًا - استحبَّ الخروج بالسيارة تحت المطر الغزير ، فالمطر ينزل بكثرة وغزارة حول السيارة ونحن لا نتأثَّر فيها ، فنرى هذا المنظر الإلهي الجميل ؛ فكذلك المؤمنون يوم القيامة : (( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )) ، فهذا المرور من حكمته ما ذُكِرَ آنفًا ، فما ينافي أبدًا المرور على الصراط أنَّهم يمرُّون في النار ، وهذا القول أصحُّ ؛ لأنُّو أوَّلًا : هو الذي ينافي ما أشرتَ إليه من تمام الآية : (( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا )) ، لأنهم إذا كانوا لم يدخلوها فليس هنا للإنجاء معنى ، فهذا هو الظاهر أوَّلًا ، ثم تأتي نصوص السنة كما هي عادتها مع الكتاب فإنَّها توضِّح ما قد يحتاج للتوضيح من آيات الله - عزَّ وجل - في كتابه ، هناك في " صحيح مسلم " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال يومًا : ( لا يدخل النار أحدٌ من أهل بدرٍ وأصحاب الشجرة ) ، لا يدخل النار أحد من هؤلاء ، سمعَتْ الحديث زوجته حفصة - رضي الله عنها - فقالت : كيف يا رسول الله وربنا يقول : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا )) . شيء لا بد منه ؛ فقال - عليه السلام - لها : ( أتمِّي الآية ) ؛ (( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا )) . واضح جدًّا من هذا الحديث أمران اثنان :
الأمر الأول : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفى دخول أهل بدر وأصحاب الشجرة الذين بايعوه تحت الشجرة أن يدخلوا النار دخول عذاب كما ذكرنا آنفًا ، لكن حفصة أشكَلَ عليها هذا النفي لأنَّه يتنافى مع عموم قوله - تعالى - : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) .
الشيء الثاني : الذي نستفيده من هذا الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ زوجته حفصة على فهمها للآية ؛ أنها تعني الدخول ؛ ولذلك وقعَ في نفسها تعارض بينَ ما تفهَمُه من الآية ولا أقول بين الآية وبين الحديث ، وإنما وقع التعارض بينما فَهِمَتْه من الآية وبين الحديث الذي سمعته من الرسول - عليه السلام - ، فكان الجواب من الرسول جوابًا سمحًا سهلًا : ( أتمِّي الآية ) ؛ (( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا )) ؛ يعني أنَّ أهل بدر وأهل الحديبية هم من هؤلاء المقطوع بنجاتهم من أن تمسَّهم النار بعذاب ، هذا حديث صريح في الموضوع يحول بينَنا وبين تأويل الآية بتآويل أخرى غير التأويل الأول ... .
الجواب : لا ، الصراط هو في جهنم ، جسر في جهنم يمرُّ فيه الناس .
من التآويل الأخرى أنهم (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) يعني يمرُّ حولها ، ولكلٍّ دليله من حيث الاستدلال باللغة العربية ، لكلٍّ وجهة ، وما في مناقشة من الناحية العربية ، وهنا تظهر أهمية السنة المحمدية ؛ لأنها كما يُقال اليوم تضع النقاط على الحروف تعمل عملية تصفية ، هذا التأويل لغةً صحيح ، لكن غير مُراد هنا ، هذا التأويل - وهو الأول - هو المراد هنا بأدلة من السنة ذكرتُ آنفًا حديث حفصة - رضي الله عنها - ، من هذه الأحاديث ما أخرجه الشَّيخان في " صحيحيهما " من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( ما من مسلمَين يموت لهما ثلاثةٌ من الولد إلا لن تمسَّه النار إلا تحلَّة القسم ) . ( ما من مسلمَين ) - أي : زوجين مسلمين - ( يموت لهما ثلاثةٌ من الولد إلا لن تمسَّه النار إلا تحلَّة القسم ) . تحلَّة القسم هو هذا المرور في جهنم ، لكن ما تؤذيه .
وهناك حديث أصرح من كلِّ ما تقدم ، لكن لا يجوز لنا أن نذكُرَه إلا مع بيان ضعفه ، فمن حيث معناه يلتقي مع الحديثين السابقين ، لكن من حيث مَبناه ومن حيث إسناده فإسناده ضعيف ، يقول راوي الحديث - وقد أُنسِيت اسمه الآن - : كنا في مجلس فذكرنا الآية السابقة : (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )) ، فاختلف أهل المجلس الأقوال الثلاثة ، وانفضَّ المجلس على الخلاف ، قال : فلقيت جابر بن عبد الله الأنصاري فقصَصْت عليه الخلاف حول الآية ، فما كان منه إلا أن وَضَعَ أصبعيه في أذنيه قائلًا صُمَّتا إن لم أكُنْ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( لا يبقى برٌّ ولا فاجرٌ إلا ويدخلها ، ثم تكون على المؤمنين بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم ) . حديث جميل ، لكن ماذا نعمل ؟ العلم لا يُساعدنا إلا أن نذكرَه مع بيان ضعفه .
غيره ؟
- تسجيلات متفرقة - شريط : 79
- توقيت الفهرسة : 00:21:34
- نسخة مدققة إملائيًّا