تتمة الكلام حول حديث ( من باع بيعتين في بيعة ) وحكم بيع التقسيط . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تتمة الكلام حول حديث ( من باع بيعتين في بيعة ) وحكم بيع التقسيط .
A-
A=
A+
الشيخ : ( من باع بيعتين في بيعة ) ؛ هذا حديث أبي هريرة، حديث ابن مسعود : ( نهى عن بيعتين في بيعة ) ، فأحدهما شاهد للآخر، ولكن في كلٍّ من الحديثين فائدة لا توجد في الحديث الآخر، أما حديث أبي هريرة فهي العلة النقلية حيث قال - عليه السلام - في تمام الحديث: ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) ؛ أوكسهما: أنقصهما ثمنا كما هو واضح، وإلا فإذا أخذ أكثرهما فقد أخذ الربا، ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو ربا ) ؛ هذا الحديث يعطينا فائدة أخرى غير العلة المنصوص عليها فيه وهي أنها علة ربوية، أما الفائدة الأخرى فهي: أن البيع صحيح والزيادة باطلة. أما الذين يفسرون حديث ابن مسعود نهى عن بيعتين في بيعة بأنه لجهالة الثمن فهم أولاً يعللون كما ذكرنا آنفا بعلة تخالف العلة المنصوص عليها في حديث أبي هريرة وثانيا يبطلون البيع وحديث أبي هريرة يُنَفِذه ولا يبطله ولكن يبطل الزيادة، ثم يأتي مؤيدا لحديث أبي هريرة رواية عن ابن مسعود -موقوفة هذه الرواية عليه- أنه قال " صفقة في صفقتين ربا " ، فإذًا نحن نأخذ العلة المنصوص عليها على الأقل نفضلها ونؤزرها على العلة التي لم يأت نص عليها أولاً، ثم هي مخالفة للعلة المنصوص عليها ثانياً، وأخيراً إنها علة غير واقعة في تعامل الناس وبخاصة اليوم، إذا جئنا إلى الذي اشترى سيارة ما، على طريقة التقسيط أين جهالة الثمن؟، بعد الأخذ والرد والزيادة على الشراء بثمن التقسيط ثمن نهائي أنهاه التاجر ثم كتب عنده في الدفتر الخاص بالحسابات وكتب ما يسمونه بالكمبيالات إلى آخره . كيف يصح أن يقال إنهما انفصلا على ثمن مجهول أهو ثمن النقد أم ثمن الأجل؟. هذا في الحقيقة لا يوافق واقع بيع التقسيط اليوم تماما، بل أنا أقول ولا في الزمن القديم، قبل وجود السندات والكمبيالات وما شابه ذلك. بدليل إذا جاء الرجل يريد أن يشتري ناقة أو شاة أو نحو ذلك بثمنين فسينفصلان على إحدى البيعتين، إن نقده الثمن فقد تحدد ثمن وانتهى الإشكال، وإن انصرفا ولم ينقده ثمن فبدهي جدًّا أنهما انصرفا على ثمن التقسيط -الأجل- فأين جهالة الثمن؟. ذلك مفقود تماما . أخيرا والبحث في هذا يطول ويطول جدا أريد أن ألفت النظر أن هذه المعاملة؛ أي بيع التقسيط دخيلة في الإسلام، دخيلة على المعاملات الإسلامية هي مبايعة أجنبية غربية من أقوام وصفهم الله -تبارك وتعالى- في القرآن الكريم بأنهم : (( لَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ )) ، فهؤلاء لا يحرمون ولا يحللون ونحن بسبب تقليدنا الأعمى لهؤلاء الكفار استحسنَّا واستيسرنا بيع التقسيط، وفعلا فيه قضاء لمصالح الناس ولكن ليس من القاعدة المرفوضة في الإسلام -قولهم: الغاية تبرر الوسيلة - .الذي أريد أن أذكر به أن بيع التقسيط رفع الشفقة والرحمة من قلوب الأغنياء على الفقراء، وكان من الممكن لكل التجار أن يكسبوا أجوراً وثواباً عظيماً جداً في أثناء كسبهم للمال الحلال، وبخاصة أن هذا الكسب الحلال مع الأجور والثواب العظيم من الله؛ أنفع لهم في العاجلة فضلا عن الآجلة، كيف ذلك لقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- : ( أن قرض درهمين يساوي صدقة درهم ) ، قرض مائتين دينار يساوي صدقة مائة دينار، إذا أقرضت أخاك المسلم مائتي دينار فكأنما تصدقت بمائة دينار، فلو أن التجار الذين وسَّع الله عليهم في أموالهم، باعوا بسعر النقد في التقسيط ولم يأخذوا زيادة على بيع النقد وصبروا في الوفاء على إخوانهم المسلمين لله -عزوجل- ليس لأجل الزيادة التي سماها الرسول صراحة بالربا، وإنما تقربا منهم إلى الله -تبارك وتعالى- فتأملوا كم وكم يتوفر عندهم كل يوم من الصدقات دون أن يتصدقوا سوى أن يبيعوا بسعر النقد بيع التقسيط. سيجمعون في يوم الألوف المؤلفة من الصدقات وهم لم يتصدقوا. هذا من ناحية الآجلة، أما العاجلة؛ فانظروا الآن معي هذا السر الإلهي إنما يريد أن لا يربح المسلم على أخيه المسلم مستغلا حاجته أكثر مما يستفيد البائع من الغني. إذا تصورتم معي تاجرين يبيعان بضاعة واحدة. أحدهما يبيع بثمن واحد لا فرق عنده بين ثمن النقد وبين ثمن التقسيط. والآخر يأخذ زيادة على بيع التقسيط. أي الرجلين تنفق بضاعته أكثر؟.
الحويني : الأول.
الشيخ : أنبئوني بعلم. تاجرين كلاهما يبيع بضاعة واحدة وسعرهما في التقسيط واحد لكن أحدهما إذا باع بالتقسيط يبيع بنفس سعر النقد، أما الآخر فيأخذ زيادة, الزبائن تكثر على الأول أم على الثاني؟ .
السائلون : على الأول.
الشيخ : على الأول؛ إذن لماذا لا يبيع الناس بسعر واحد سعر التقسيط هو عين سعر النقد؟, ذلك هو الجشع وهو الطمع أولاً، ثم الرغبة عن أجر الآجلة التي ذكرناها آنفا؛ أنه لو كان -مثلاً- يريد أن يبيع بسعر التقسيط زيادة ألف ريال مثلاً فلم يأخذ منه هذه الزيادة ماذا يكتب له صدقة خمسمائة ريال كتبت له هكذا لأنه باعه وصبر عليه في الوفاء، لذلك فالأجر الذي يكسبه التاجر لو باع بسعر واحد ولم يأخذ الزيادة ذلك له خيراً عاجلاً وآجلاً. ولكن أولاً الجشع والطمع, وثانياً تقليدنا للأوربيين الذين وصفهم رب العالمين كما ذكرنا آنفا في القرآن الكريم: (( لَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )) . وبسبب هذه المعاملة السيئة التي تسربت بين التجار اليوم كان من الأسباب التي ضعفت الثقة والرباط الذي كان يكون في الأزمنة السالفة بين الأغنياء وبين الفقراء، ومثل هذا التحكم هو الذي يولد الانفجار ويولد الأحزاب الشيوعية ونحوها التي انقلبت على الأثرياء ليعودوا أخيراً فقراء كباراً وصغاراً، ذلك سبب من لا يقف عند ما أمر الله - عز وجل - من العدل والإحسان، وحسن تعامل المسلمين بعضهم مع بعض. ولعل في هذا القدر الكفاية والحمد لله رب العالمين .
الشيخ : سوا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة, تراصوا لا تدعوا فرجات للشيطان، تقدم هناك في الأخير ... لا تمدوا رؤوسكم انظروا يمينا ويسارا كما أنتم تقدموا حتى تروا من خلف الإمام تقدموا خطيب يتقدموا الذين عن يسارك ... دراويش .. يا الله
إمامة الشيخ للمصلين .
الشيخ : خلاص تفضل
السائل : فضيلة الشيخ قبل قراءة الأسئلة بودنا نكمل آخر مسألة
الشيخ : وهي ؟
السائل : ( من باع بيعتين في بيعه واحدة فله أوكسهما أو الربا )
الشيخ : تفضل
السائل : البيع عقد لازم وإذا قال اشترى هذا بكذا نقداً أو بكذا نسيئة سوف يكون البيع لازم في بيعة واحدة، ولكن لو حملنا الحديث على بيع العينة -مثلاً- اشترى بكذا نسيئة وأبيع نقداً، وأبيع نقداً وأشترى نسيئة، هنا بيعتان لازمتان في بيعة واحدة فيكون له أوكسهما أو الربا ؟.
الشيخ : من فسر هذا التفسير؟.
السائل : الذي فسر تفسيرك فضيلة الشيخ ... .
الشيخ : من فسر تفسيرك هذا ؛ أي من حمل الحديث على بيع العينة؟.
السائل : قصدك تسأل من من العلماء.
الشيخ : أنا ذكرت لك أيضاً من من العلماء من فسر التفسير الذي سمعته مني آنفا وتفسيرنا سلفي وتفسيرك خلفي، وحسبنا هذا كما قيل
" فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بما فيه ينضح "
لكني أعلم أنك سلفي مثلي ألست كذلك؟.
السائل : أرجو هذا.
الشيخ : وأنا أرجو معك، فلماذا ندع تفسير السلف ومن الراوي الذي يروي الحديث مباشرة لماذا ندعه ؟.
هذا مع كل ما ذكرناه من أن بيع التقسيط فيه استغلال لحاجة القاصر العاجز الذي لا يستطيع أن يدفع الثمن نقداً وفيه تعويد التجار على الجشع المادي والإعراض عن الأجر الأخروي، وهذا فرق كبير جداً بين هذا التفسير وذاك التفسير، وأنا أذكر أن من الحكم المروية عن بعض الكتب الإلهية وليس يهمنا هنا السند بطبيعة الأمر لأننا نتكلم عن الحكمة قالوا : " بأن عيسى عليه الصلاة السلام وعظ ذات يوم الحواريين وذكر لهم بأنه سيأتي من بعده أنبياء كذا، ويأتي من بعده رسول اسمه أحمد وهو آخر من يبعث من الرسل، قالوا له: فكيف نعرف الصادق من الكاذب؟، أجاب بقوله " وهنا الحكمة : " من ثمارهم تعرفونه " . فنحن نعرف تمييز قول على آخر من حيث النتيجة والعاقبة فإذا قيل بجواز بيع بالتقسيط وأخذ زيادة مقابل هذا الصبر في الوفاء، فيه ما أشرنا إليه من تطبيع التجار على الجشع والطمع وعلى استغلال حاجة الضعفاء الذين لا يستطيعون أن يدفعوا ثمن الحاجة إلا بثمن، وفيه أيضا كما ذكرنا سابقاً أن التاجر وهو عادة لا ينصرف إلى عبادة الله وذكره كما هو شأن غير التجار المتفرغين بذكر وعبادة الله. فالله - عز وجل - قد أوجد لهؤلاء التجار هذه الفرصة بأن يكسبوا أجوراً كما يقولون في بعض البلاد السورية -كالمنشار على الطالع والنازل- فهو بلاش يقعد أن يذكر الله ويصلي على نبيه ويتلو القرآن لأنه غير متفرغ وإنما هو متفرغ للبيع والشراء، لا بأس من ذلك لأنه مباح لكنه قد أفسح له المجال أن يكتسب من الحسنات ما لا يستطيعه أولئك المتفرغون للعبادة من الفقراء والمساكين، وذلك بأن يصبر في الوفاء على الشارين من عنده بضاعة، فيكتب له مقابل كل درهمين صدقة درهم، وعلى ذلك فقس. فإذن ثمرة هذا القول أنفع للمجتمع الإسلامي من أن نعطل دلالة هذا الحديث على أن المقصود ببيعتين في بيعة، أقول هذا بكذا نقداً وهذا بكذا وكذا نسيئة، بينما أنت تبعاً لمن أشرت إليه آنفا تحمله على بيع العينة، وبيع العينة حسبنا أن نعرف النهي عنه في قوله عليه السلام: ( إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد -في سبيل الله- سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، خلاصة القول لا أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، لا أريد أن أجادلكم؛ كما أنني لا أريد أن تجادلونني، أنا ذكرت ما عندي من بضاعة مزجاة فمن أعجبته فالحمد لله، ومن لا فلينظر بضاعة خير له من تلك .

مواضيع متعلقة