سؤال من مسلم بريطاني - مقيم قي انجلترا - ، حول الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ؟
A-
A=
A+
السائل :
I want to ask a question about Hijra, as a British Muslim my government does not give me any troubles - I actually living in England- and there is no problems about going to the mosques to pray, there are no problems for me with work or anything else, the only problem is come from the people themselves.
I have 5 children Alhamdulillah, and I came here because I thought that it would be safer for my children to actually be here.
What I want to know is that as a Muslim living in a country which is not phenomenally Muslim, is that still Hijra or is it incumbent on me to can I travel anywhere in the world at this time?
Part of the reason I'm asking this question is that it is good to be here as a Muslim, but I feel that there is Dawa for me as the Muslim outside of this country.
سائل آخر [ ترجمة للسؤال ] : سؤال الأخ الكريم عن موضوع الهجرة ؛ أنه هو يعيش في بلد بريطانيا غير مسلم ، والحكومة البريطانية لا تضع أمامه أيَّ عراقيل من حيث الصلاة أو الذهاب للمسجد ، وهنالك بعض المساجد ، ولكن يسأل بالنسبة لأطفاله أنه هل يعني - مسلمين ، الحمد لله رب العالمين - يجب عليه أن يُهاجر من تلك البلاد إلى هذه البلاد ، من أجل الأحكام الشرعية في هذه البلاد ، أو أنه يبقى مسلم في تلك البلاد ويذهب للمسجد ويصلي ويدعو للإسلام في تلك البلاد ؟
الشيخ : هذا سؤال مهم ، وبخاصة بالنسبة لمن كان كافرًا ، ثم هداه الله فأسلم .
ونحن نقول بصراحة : يجب على كل مسلم في كل بلاد الله الواسعة إذا هداه الله للإسلام بعد أن كان كافرًا أن يُهاجر من تلك الأرض إلى أرض مسلمة تُقام فيها أحكام الله - عز وجل - ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يقول : ( المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما ) ، يُشير - عليه الصلاة والسلام - في هذا الحديث الصحيح إلى ما كان عليه العرب قبل الإسلام ، وبخاصة البدو منهم ؛ حيث كان كلٌّ منهم يُوقد نارًا بين يدي خيمته ، فيقول - صلى الله عليه وآله وسلم - ينبغي على المسلم أن يكون مسكنه بعيدًا عن مسكن المشرك ؛ بحيث لو أن كلًّا منهما أوقد نارًا بين يدي خيمته لا تبدو نار أحدهما للآخر لِبُعد المسافة من بينهما ، هذا معنى قوله - عليه السلام - : ( المؤمن والمشرك لا تتراءى نارهما ) ، وفي الحديث الآخر : ( من جامَعَ المشرك فهو مثله ) ؛ أي : من خالطه بجسده وسكنه ومعاملته وكان ذلك غالبًا عليه فهو مثله في الضلال ، وإن كانت نسبة الضلال تختلف كما ذلك في الإيمان ، فكما أن الإيمان درجات فكذلك الضلال درجات ، فمن جامع المشرك فهو مثله .
ثم أكَّد ذلك - عليه الصلاة والسلام - بعبارة فيها رهبة شديدة ؛ ألا وهي قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( أنا بريءٌ من كلِّ مسلمٍ يُقيم بين ظهراني المشركين ) ، والسبب في ذلك من الناحية النفسية أن الطبع سرَّاق ، وبخاصة أنه يسرُق الشر ولا يمتصُّ الخير إلا بصعوبة ، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى هذه الحقيقة في بعض الأحاديث الصحيحة ، منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ( مثل الجليس الصالح كمثل بائع المسك ؛ إما أن يُحذيَك ) - أي : يُعطيك مجانًا - ، ( وإما أن تشتري منه ، وإما أن تشمَّ منه رائحة طيبة ) ، يعني - عليه الصلاة والسلام - أن المسلم إذا خالط الناس الصالحين اكتسبَ منهم ولا بد ، وأدنى درجات الاكتساب في هذا المثال أن يشمَّ منه رائحة سليمة وطيبة ، وبالعكس ؛ قال - عليه السلام - : ( ومثل الجليس السُّوء كمثل الحداد ؛ إما أن يحرقَ ثيابك ، وإما أن تشمَّ منه رائحة كريهة ) ، وباختصار هذا الحديث يعني أن الصَّاحب ساحب ، الصاحب ساحب ؛ إن كان صالحًا سحب جاره إلى الخير ، وإن كان طالحًا فاسدًا سحب جاره إلى الشر .
ثم حكى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لنا مثالًا واقعيًّا مما وقع في بعض الأمم من قبلنا ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( قتل رجلٌ ممن قبلكم تسعة وتسعين نفسًا ، ثم أراد أن يتوبَ ، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ على راهب ) - يعني دُلَّ على عابد ، ولكنه جاهل ليس بالعالم - ؛ ( فجاءه وقال له : أنا قتلت تسعة وتسعين نفسًا ، وأريد أن أتوب ؛ فهل لي من توبة ؟ قال : قتلت تسعة وتسعين نفسًا وتُريد أن تتوب ؟! لا توبة لك ، فما كان من هذا القاتل إلا أن قتلَه ، وأكمل بذلك الرقم المائة نفس قتلها بغير حقٍّ ، ولكنه كان جادًّا في رجوعه إلى ربِّه وتوبته إليه ، فلم يزل يسأل عن أعلم أهل الأرض حتى دُلَّ في هذه المرة على عالمٍ حقًّا ، فسأله وقال له : إني قتلت مائة نفس بغير حق ؛ فهل لي من توبة ؟ قال : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ولكنك ) - هنا الشاهد - ؛ ( ولكنك بأرض سوء ؛ فاخرج منها إلى البلدة الفلانية الصَّالح أهلها ، فخرج من بلدته يمشي تائبًا إلى ربه إلى تلك البلدة الصالح أهلها ) ؛ باعتبار أن العالم نصحَه بذلك ، ( وفي الطريق جاءه الأجل ، فاختلفت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ) ، كلٌّ يدَّعي أنه من حقِّه ، ملائكة العذاب يعرفون من حياته الشَّرَّ المستطير ؛ ولذلك فهم يرون أن يتولَّوا قبض روحه ، وملائكة الرحمة يرون كما قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - في حديث آخر : ( إنما الأعمال بالخواتيم ) ، وهذا رجل خرج تائبًا إلى ربه فهو من حقّنا نحن ملائكة الرحمة أن نتولَّى قبض روحه ، ( فأرسل الله إليهم حكمًا فقال لهم : قيسُوا ما بينه وبين كلٍّ من القريتين ؛ فإلى أيِّهما كان أقرب فألحقوه بأهلها ، فقاسوا ، فوجدوه أقرب إلى القرية الصالح أهلها بنحو مَيْل الرجل في أثناء مشيه ؛ أن الرجل لا يمشي هكذا ، وإنما يمشي هكذا ؛ هذه المَيْلة هي التي رجَّحت المسافة القريبة منه إلى القرية الصالح أهلها ، فتولَّت ملائكة الرحمة قبض روحه ) .
والشاهد من هذا الحديث الصحيح - وهو في " الصحيحين " البخاري ومسلم - الشاهد منه : أن هذا العالم الفاضل عرف أن هذا الرجل الذي بلغت به الجُرأة إلى أن يقتلَ تسعة وتسعين نفسًا من قبل ، ثم أتمَّ العدد بذلك العابد الجاهل ؛ فصار القتلة الذين قتلهم مائة بغير حقٍّ ، يُشير هذا العالم أن هذه النفس الأمَّارة بالسوء إنما ساعدها على ذلك البيئة التي كان يعيش فيها ، وقضى شطر حياته الأكبر فيها ، ولذلك نَصَحَه بأن ينتقل من تلك البلد الشِّرِّيرة إلى البلدة الصالحة .
والأحاديث التي تؤكد هذه الحقيقة أن البيئة تؤثِّر في الإنسان صلاحًا أو طلاحًا ، ومن العجائب أن البيئة تؤثِّر من الناحية الأخلاقية والإيمانية كما تؤثِّر من الناحية الطبية ، والناس اليوم بصورة خاصة يُعنون بتصفية البيئة من كل ما يؤثِّر بالصحة البدنية ، والطب قائم اليوم على أساس يُقرُّه الشرع ، بل قد جاء قبل الطب به ألا وهو الحجْر الطبي ، وذلك معناه أن الإنسان يجب قبل كل شيء أن يختارَ المناخ الصحي الذي يُساعده على أن يُحافظ على صحته ، ولا ينتقل إلى أرض مَوبوءة ، هذا مما يهتمُّ به الناس اليوم كثيرًا وكثيرًا جدًّا .
أما الجانب الأخلاقي ومراعاة البيئة الصالحة ؛ فهذا مما لا يهتم به إلا المسلمون بخاصة ، وبعض الناس الآخرين من أصحاب الديانة الأخرى بقلة جدًّا ، ولذلك فقد يؤثِّر من يُقيم بين ظهراني المشركين قد يتأثَّر كثيرًا وكثيرًا جدًّا بهذه الإقامة ، وقد لمستُ أنا هذا في تطوافي في بعض البلاد لمس اليد بعد أن آمنت بذلك إيمانًا بالغيب لِمَا قرأناه عليكم من بعض الأحاديث الصحيحة ، خُلاصتها أن الجوَّ الذي يُحيط بالإنسان إن كان صالحًا أثَّر في المواطن أو الساكن في ذلك الجو خيرًا ، وإلا أثَّر فيه شرًّا ، لمستُ هذا التأثير لمسَ اليد ، ومما وقع لي أنه كان قُدِّر لي أن أسافر إلى بريطانيا نفسها ، وطُفْتُ في بعض بلادها ، وكان الوقت يومئذٍ شهر رمضان ، فقيل لي بأن هناك في بلدة بعيدة عن لندن نحو مائتين كيلومتر جالية إسلامية من الهنود أو الباكستانيين ، وأنَّ عليها شخص فاضل ملتزم للكتاب وللسنة ، فذهبنا إلى تلك القرية ، وجلسنا على مائدة الإفطار ، وفعلًا رأيتُ الرجل كما وُصِف لي ، ولكن رابَني منه مظهره ؛ فإن مظهره بريطاني ، ليس مظهره مظهر المسلمين ، وذلك أنه لابس للجاكيت والبنطلون زايد العقدة هذه " الكرافيت " ، ونحن نجلس أو نُفطر تكلمنا في بعض المسائل الدينية ، فلفتُّ نظره إلى زيِّه هذا الذي ليس هو زي الباكستانيين المعروفين في كل البلاد ، وبخاصة أنه عقدَ هذه العُقدة على رقبته ، ومن فضل الرجل أنه استجابَ للنصيحة بعد أن ذكرتُ له بعض الأحاديث التي تنهى المسلمين عن التشبُّه بالكافرين ، من ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( بُعثت بين يدي الساعة بالسَّيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له ، وجُعل رزقي تحت ظلِّ رمحي ، وجُعل الذُّلُّ والصَّغار على من خالف أمري ، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم ) ، وما كدْتُ أنتهي من هذه الموعظة مع ذاك الرجل الفاضل حتى بادر وحلَّ العقدة من رقبته ، ورمى بها أرضًا ، فشكرتُ له ذلك .
ولكن بقدر ما سرَّني استجابته الفعلية لموعظتي ساءَني بعد ذلك تعليله لوضعه لهذه العقدة - وهنا الشاهد - قال : أنا فعلتُ ذلك لأن أهل هذه البلاد - يعني الإنكليز - ينظرون إلى إخواننا الفلسطينيين نظرة بُغْض وحقد ، ومن شعار الفلسطينيين أنَّهم لا يضعون العقدة ، بل يفكُّون الزر الأعلى ، وربما الأدنى قليلًا ؛ بحيث يظهر شيء من العنق ، هكذا حدَّثني هناك ، فينظر فلما كان الإنكليز ينظرون إلى هذا الجنس من المسلمين نظرة احتقار قال صاحبي : فنحن حتى لا ينظر إلينا هؤلاء تلك النظرة نفسها وضعنا العقدة هذه ، قلت له آسفًا ليتك لم تتكلم ! لأنَّ هذا عذر - كما يُقال - شرٌّ من الذنب ، أو أقبح من الذَّنب ، أنت تهتم بنظرة الكفار إلى إخوانك المسلمين نظرة احتقار ، فتتجاوب أنت مع هذه النظرة ، وتريد أن لا ينظرَ إليك أولئك تلك النظرة نفسها ويجمعك بين يجمع بينك وبين الفلسطينيين الإيمان والتوحيد ، ويُفرِّق بينك وبين الإنكليز الذين تسكن أنت بين ظهرانيهم الكفر والشرك والضلال .
هذه قصة من قصص كثيرة تدلُّ على أن البيئة لها تأثيرها ، وهذا ظاهر جدًّا جدًّا ؛ حتى أن بعض أهل هذه البلاد نجدهم - كما نراكم والحمد لله - جميعًا بأزياء عربية إسلامية ، فإذا ما سافر بعضهم إلى تلك البلاد الغربيَّة تغيَّرت شخصيَّته تغيُّرًا جذريًّا ، فرفع العِمامة هذه ، ورفع القلنسوة ، ولبس الجاكيت والبنطلون ، وعقد العقدة ، وصار إنسانًا كأنَّه غير مسلم .
هذا يدلُّ على أقل الأحوال أنه لا يعتزُّ بدينه ، ولا يعتزُّ بالتالي بقومه وبعاداتهم ، فلا يجوز للمسلم إذًا أن يتشبَّه بالكفار ، ونحن نعلم أن الذي يعيش في بلاد الكفار ولو كان من قبلُ كافرًا أنه لا يستطيع أن يتخلَّص من آثار تلك البيئة الطالحة إلا بأن ينخلعَ منها انخلاعًا ، وأن يُسافر إلى بلاد المسلمين .
لذلك قد جاء في القرآن الكريم أن الملائكة حينما تتولَّى قبض روح الكافر الذي لم يُهاجر إلى بلاد الإسلام ، ولم يؤمن بالإسلام ، (( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها )) ، فالهجرة سنَّة متّبعٌ من قديم الزمان ، والسِّرُّ في ذلك أن يتمكَّن المسلم من المحافظة على دينه .
ومن الخطأ الفاحش جدًّا جدًّا جدًّا اليوم أن يُسمِّيَ المسلمون بعض المسلمين الذين يُسافرون من بلاد الإسلام إلى بلاد أخرى ليست دولة إسلامية ، ولا بلادًا إسلامية كأمريكا فيُسمُّون أنفسهم بالمهاجرين ، وهذا قلبٌ للحقيقة الشرعية ، فالمُهاجر أولًا إنما هو - كما قال - عليه السلام - في بعض الأحاديث الصحيحة - ( من هجر ما نهى الله عنه ) ؛ ( المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) .
وهؤلاء الذين يُسافرون - ولا أقول يهاجرون - من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفار صنعوا عكس الشرع ، الشرع كما قلنا في هذه الكلمة إنما يأمر الكفار أن يُهاجروا من بلادهم إلى بلاد الإسلام ، فانقلبت - مع الأسف الشديد - هذه الحقيقة على بعض المسلمين ، فسمَّوْا سفرهم من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر بالهجرة ، والهجرة إنما تكون من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ، أو في بعض الأحيان تكون الهجرة من بلاد الكفر إلى بلد آخر كافر ؛ لكن الحرية الدينية هناك خير من ذاك .
أما وبلاد الإسلام الآن موجودة - والحمد لله - ، ولذلك فمَنْ كان إسلامه إسلامًا حقًّا فعليه أن يهْجرَ وطنه الكافر ، ويهاجر إلى وطنه المسلم ؛ لأنَّ وطن المسلم هي كل بلاد الإسلام ، ولا تعصُّب بين المسلمين وتأقلمٌ بإقليم خاص ، ففي أيِّ بلد حلَّ المسلم فهو بلده ، وبذلك يحافظ على إسلامه من جهة الذي أسلم حديثًا ، ومن جهة أخرى يُنمِّيه ويُغذِّيه ويتمكَّن من أن يُربِّيَ نفسه وذويه بالأخلاق الإسلامية الأخرى ، نحن طالما تكلَّمنا بالنسبة للذين يُقيمون من المسلمين في بلاد الكفر ، من أين يتعلَّمون الإسلام ؟ لا يسعهم أن يتعلَّموا الإسلام وأحكامه كيف يُخالط ، يُعامل زوجته ، ويعامل أولاده ، ويعامل جيرانه ، ويُصحِّح عقيدته قبل كل شيء ؛ لا يمكنه ذلك إلا بالهجرة ؛ لذلك أمر الشرع كتابًا وسنَّة بهجر المسلم لبلاد الكفر إلى بلاد الإسلام .
هذا ما عندي جوابًا عن هذا السؤال .
I want to ask a question about Hijra, as a British Muslim my government does not give me any troubles - I actually living in England- and there is no problems about going to the mosques to pray, there are no problems for me with work or anything else, the only problem is come from the people themselves.
I have 5 children Alhamdulillah, and I came here because I thought that it would be safer for my children to actually be here.
What I want to know is that as a Muslim living in a country which is not phenomenally Muslim, is that still Hijra or is it incumbent on me to can I travel anywhere in the world at this time?
Part of the reason I'm asking this question is that it is good to be here as a Muslim, but I feel that there is Dawa for me as the Muslim outside of this country.
سائل آخر [ ترجمة للسؤال ] : سؤال الأخ الكريم عن موضوع الهجرة ؛ أنه هو يعيش في بلد بريطانيا غير مسلم ، والحكومة البريطانية لا تضع أمامه أيَّ عراقيل من حيث الصلاة أو الذهاب للمسجد ، وهنالك بعض المساجد ، ولكن يسأل بالنسبة لأطفاله أنه هل يعني - مسلمين ، الحمد لله رب العالمين - يجب عليه أن يُهاجر من تلك البلاد إلى هذه البلاد ، من أجل الأحكام الشرعية في هذه البلاد ، أو أنه يبقى مسلم في تلك البلاد ويذهب للمسجد ويصلي ويدعو للإسلام في تلك البلاد ؟
الشيخ : هذا سؤال مهم ، وبخاصة بالنسبة لمن كان كافرًا ، ثم هداه الله فأسلم .
ونحن نقول بصراحة : يجب على كل مسلم في كل بلاد الله الواسعة إذا هداه الله للإسلام بعد أن كان كافرًا أن يُهاجر من تلك الأرض إلى أرض مسلمة تُقام فيها أحكام الله - عز وجل - ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يقول : ( المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما ) ، يُشير - عليه الصلاة والسلام - في هذا الحديث الصحيح إلى ما كان عليه العرب قبل الإسلام ، وبخاصة البدو منهم ؛ حيث كان كلٌّ منهم يُوقد نارًا بين يدي خيمته ، فيقول - صلى الله عليه وآله وسلم - ينبغي على المسلم أن يكون مسكنه بعيدًا عن مسكن المشرك ؛ بحيث لو أن كلًّا منهما أوقد نارًا بين يدي خيمته لا تبدو نار أحدهما للآخر لِبُعد المسافة من بينهما ، هذا معنى قوله - عليه السلام - : ( المؤمن والمشرك لا تتراءى نارهما ) ، وفي الحديث الآخر : ( من جامَعَ المشرك فهو مثله ) ؛ أي : من خالطه بجسده وسكنه ومعاملته وكان ذلك غالبًا عليه فهو مثله في الضلال ، وإن كانت نسبة الضلال تختلف كما ذلك في الإيمان ، فكما أن الإيمان درجات فكذلك الضلال درجات ، فمن جامع المشرك فهو مثله .
ثم أكَّد ذلك - عليه الصلاة والسلام - بعبارة فيها رهبة شديدة ؛ ألا وهي قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( أنا بريءٌ من كلِّ مسلمٍ يُقيم بين ظهراني المشركين ) ، والسبب في ذلك من الناحية النفسية أن الطبع سرَّاق ، وبخاصة أنه يسرُق الشر ولا يمتصُّ الخير إلا بصعوبة ، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى هذه الحقيقة في بعض الأحاديث الصحيحة ، منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ( مثل الجليس الصالح كمثل بائع المسك ؛ إما أن يُحذيَك ) - أي : يُعطيك مجانًا - ، ( وإما أن تشتري منه ، وإما أن تشمَّ منه رائحة طيبة ) ، يعني - عليه الصلاة والسلام - أن المسلم إذا خالط الناس الصالحين اكتسبَ منهم ولا بد ، وأدنى درجات الاكتساب في هذا المثال أن يشمَّ منه رائحة سليمة وطيبة ، وبالعكس ؛ قال - عليه السلام - : ( ومثل الجليس السُّوء كمثل الحداد ؛ إما أن يحرقَ ثيابك ، وإما أن تشمَّ منه رائحة كريهة ) ، وباختصار هذا الحديث يعني أن الصَّاحب ساحب ، الصاحب ساحب ؛ إن كان صالحًا سحب جاره إلى الخير ، وإن كان طالحًا فاسدًا سحب جاره إلى الشر .
ثم حكى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لنا مثالًا واقعيًّا مما وقع في بعض الأمم من قبلنا ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( قتل رجلٌ ممن قبلكم تسعة وتسعين نفسًا ، ثم أراد أن يتوبَ ، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ على راهب ) - يعني دُلَّ على عابد ، ولكنه جاهل ليس بالعالم - ؛ ( فجاءه وقال له : أنا قتلت تسعة وتسعين نفسًا ، وأريد أن أتوب ؛ فهل لي من توبة ؟ قال : قتلت تسعة وتسعين نفسًا وتُريد أن تتوب ؟! لا توبة لك ، فما كان من هذا القاتل إلا أن قتلَه ، وأكمل بذلك الرقم المائة نفس قتلها بغير حقٍّ ، ولكنه كان جادًّا في رجوعه إلى ربِّه وتوبته إليه ، فلم يزل يسأل عن أعلم أهل الأرض حتى دُلَّ في هذه المرة على عالمٍ حقًّا ، فسأله وقال له : إني قتلت مائة نفس بغير حق ؛ فهل لي من توبة ؟ قال : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ولكنك ) - هنا الشاهد - ؛ ( ولكنك بأرض سوء ؛ فاخرج منها إلى البلدة الفلانية الصَّالح أهلها ، فخرج من بلدته يمشي تائبًا إلى ربه إلى تلك البلدة الصالح أهلها ) ؛ باعتبار أن العالم نصحَه بذلك ، ( وفي الطريق جاءه الأجل ، فاختلفت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ) ، كلٌّ يدَّعي أنه من حقِّه ، ملائكة العذاب يعرفون من حياته الشَّرَّ المستطير ؛ ولذلك فهم يرون أن يتولَّوا قبض روحه ، وملائكة الرحمة يرون كما قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - في حديث آخر : ( إنما الأعمال بالخواتيم ) ، وهذا رجل خرج تائبًا إلى ربه فهو من حقّنا نحن ملائكة الرحمة أن نتولَّى قبض روحه ، ( فأرسل الله إليهم حكمًا فقال لهم : قيسُوا ما بينه وبين كلٍّ من القريتين ؛ فإلى أيِّهما كان أقرب فألحقوه بأهلها ، فقاسوا ، فوجدوه أقرب إلى القرية الصالح أهلها بنحو مَيْل الرجل في أثناء مشيه ؛ أن الرجل لا يمشي هكذا ، وإنما يمشي هكذا ؛ هذه المَيْلة هي التي رجَّحت المسافة القريبة منه إلى القرية الصالح أهلها ، فتولَّت ملائكة الرحمة قبض روحه ) .
والشاهد من هذا الحديث الصحيح - وهو في " الصحيحين " البخاري ومسلم - الشاهد منه : أن هذا العالم الفاضل عرف أن هذا الرجل الذي بلغت به الجُرأة إلى أن يقتلَ تسعة وتسعين نفسًا من قبل ، ثم أتمَّ العدد بذلك العابد الجاهل ؛ فصار القتلة الذين قتلهم مائة بغير حقٍّ ، يُشير هذا العالم أن هذه النفس الأمَّارة بالسوء إنما ساعدها على ذلك البيئة التي كان يعيش فيها ، وقضى شطر حياته الأكبر فيها ، ولذلك نَصَحَه بأن ينتقل من تلك البلد الشِّرِّيرة إلى البلدة الصالحة .
والأحاديث التي تؤكد هذه الحقيقة أن البيئة تؤثِّر في الإنسان صلاحًا أو طلاحًا ، ومن العجائب أن البيئة تؤثِّر من الناحية الأخلاقية والإيمانية كما تؤثِّر من الناحية الطبية ، والناس اليوم بصورة خاصة يُعنون بتصفية البيئة من كل ما يؤثِّر بالصحة البدنية ، والطب قائم اليوم على أساس يُقرُّه الشرع ، بل قد جاء قبل الطب به ألا وهو الحجْر الطبي ، وذلك معناه أن الإنسان يجب قبل كل شيء أن يختارَ المناخ الصحي الذي يُساعده على أن يُحافظ على صحته ، ولا ينتقل إلى أرض مَوبوءة ، هذا مما يهتمُّ به الناس اليوم كثيرًا وكثيرًا جدًّا .
أما الجانب الأخلاقي ومراعاة البيئة الصالحة ؛ فهذا مما لا يهتم به إلا المسلمون بخاصة ، وبعض الناس الآخرين من أصحاب الديانة الأخرى بقلة جدًّا ، ولذلك فقد يؤثِّر من يُقيم بين ظهراني المشركين قد يتأثَّر كثيرًا وكثيرًا جدًّا بهذه الإقامة ، وقد لمستُ أنا هذا في تطوافي في بعض البلاد لمس اليد بعد أن آمنت بذلك إيمانًا بالغيب لِمَا قرأناه عليكم من بعض الأحاديث الصحيحة ، خُلاصتها أن الجوَّ الذي يُحيط بالإنسان إن كان صالحًا أثَّر في المواطن أو الساكن في ذلك الجو خيرًا ، وإلا أثَّر فيه شرًّا ، لمستُ هذا التأثير لمسَ اليد ، ومما وقع لي أنه كان قُدِّر لي أن أسافر إلى بريطانيا نفسها ، وطُفْتُ في بعض بلادها ، وكان الوقت يومئذٍ شهر رمضان ، فقيل لي بأن هناك في بلدة بعيدة عن لندن نحو مائتين كيلومتر جالية إسلامية من الهنود أو الباكستانيين ، وأنَّ عليها شخص فاضل ملتزم للكتاب وللسنة ، فذهبنا إلى تلك القرية ، وجلسنا على مائدة الإفطار ، وفعلًا رأيتُ الرجل كما وُصِف لي ، ولكن رابَني منه مظهره ؛ فإن مظهره بريطاني ، ليس مظهره مظهر المسلمين ، وذلك أنه لابس للجاكيت والبنطلون زايد العقدة هذه " الكرافيت " ، ونحن نجلس أو نُفطر تكلمنا في بعض المسائل الدينية ، فلفتُّ نظره إلى زيِّه هذا الذي ليس هو زي الباكستانيين المعروفين في كل البلاد ، وبخاصة أنه عقدَ هذه العُقدة على رقبته ، ومن فضل الرجل أنه استجابَ للنصيحة بعد أن ذكرتُ له بعض الأحاديث التي تنهى المسلمين عن التشبُّه بالكافرين ، من ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( بُعثت بين يدي الساعة بالسَّيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له ، وجُعل رزقي تحت ظلِّ رمحي ، وجُعل الذُّلُّ والصَّغار على من خالف أمري ، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم ) ، وما كدْتُ أنتهي من هذه الموعظة مع ذاك الرجل الفاضل حتى بادر وحلَّ العقدة من رقبته ، ورمى بها أرضًا ، فشكرتُ له ذلك .
ولكن بقدر ما سرَّني استجابته الفعلية لموعظتي ساءَني بعد ذلك تعليله لوضعه لهذه العقدة - وهنا الشاهد - قال : أنا فعلتُ ذلك لأن أهل هذه البلاد - يعني الإنكليز - ينظرون إلى إخواننا الفلسطينيين نظرة بُغْض وحقد ، ومن شعار الفلسطينيين أنَّهم لا يضعون العقدة ، بل يفكُّون الزر الأعلى ، وربما الأدنى قليلًا ؛ بحيث يظهر شيء من العنق ، هكذا حدَّثني هناك ، فينظر فلما كان الإنكليز ينظرون إلى هذا الجنس من المسلمين نظرة احتقار قال صاحبي : فنحن حتى لا ينظر إلينا هؤلاء تلك النظرة نفسها وضعنا العقدة هذه ، قلت له آسفًا ليتك لم تتكلم ! لأنَّ هذا عذر - كما يُقال - شرٌّ من الذنب ، أو أقبح من الذَّنب ، أنت تهتم بنظرة الكفار إلى إخوانك المسلمين نظرة احتقار ، فتتجاوب أنت مع هذه النظرة ، وتريد أن لا ينظرَ إليك أولئك تلك النظرة نفسها ويجمعك بين يجمع بينك وبين الفلسطينيين الإيمان والتوحيد ، ويُفرِّق بينك وبين الإنكليز الذين تسكن أنت بين ظهرانيهم الكفر والشرك والضلال .
هذه قصة من قصص كثيرة تدلُّ على أن البيئة لها تأثيرها ، وهذا ظاهر جدًّا جدًّا ؛ حتى أن بعض أهل هذه البلاد نجدهم - كما نراكم والحمد لله - جميعًا بأزياء عربية إسلامية ، فإذا ما سافر بعضهم إلى تلك البلاد الغربيَّة تغيَّرت شخصيَّته تغيُّرًا جذريًّا ، فرفع العِمامة هذه ، ورفع القلنسوة ، ولبس الجاكيت والبنطلون ، وعقد العقدة ، وصار إنسانًا كأنَّه غير مسلم .
هذا يدلُّ على أقل الأحوال أنه لا يعتزُّ بدينه ، ولا يعتزُّ بالتالي بقومه وبعاداتهم ، فلا يجوز للمسلم إذًا أن يتشبَّه بالكفار ، ونحن نعلم أن الذي يعيش في بلاد الكفار ولو كان من قبلُ كافرًا أنه لا يستطيع أن يتخلَّص من آثار تلك البيئة الطالحة إلا بأن ينخلعَ منها انخلاعًا ، وأن يُسافر إلى بلاد المسلمين .
لذلك قد جاء في القرآن الكريم أن الملائكة حينما تتولَّى قبض روح الكافر الذي لم يُهاجر إلى بلاد الإسلام ، ولم يؤمن بالإسلام ، (( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها )) ، فالهجرة سنَّة متّبعٌ من قديم الزمان ، والسِّرُّ في ذلك أن يتمكَّن المسلم من المحافظة على دينه .
ومن الخطأ الفاحش جدًّا جدًّا جدًّا اليوم أن يُسمِّيَ المسلمون بعض المسلمين الذين يُسافرون من بلاد الإسلام إلى بلاد أخرى ليست دولة إسلامية ، ولا بلادًا إسلامية كأمريكا فيُسمُّون أنفسهم بالمهاجرين ، وهذا قلبٌ للحقيقة الشرعية ، فالمُهاجر أولًا إنما هو - كما قال - عليه السلام - في بعض الأحاديث الصحيحة - ( من هجر ما نهى الله عنه ) ؛ ( المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) .
وهؤلاء الذين يُسافرون - ولا أقول يهاجرون - من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفار صنعوا عكس الشرع ، الشرع كما قلنا في هذه الكلمة إنما يأمر الكفار أن يُهاجروا من بلادهم إلى بلاد الإسلام ، فانقلبت - مع الأسف الشديد - هذه الحقيقة على بعض المسلمين ، فسمَّوْا سفرهم من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر بالهجرة ، والهجرة إنما تكون من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ، أو في بعض الأحيان تكون الهجرة من بلاد الكفر إلى بلد آخر كافر ؛ لكن الحرية الدينية هناك خير من ذاك .
أما وبلاد الإسلام الآن موجودة - والحمد لله - ، ولذلك فمَنْ كان إسلامه إسلامًا حقًّا فعليه أن يهْجرَ وطنه الكافر ، ويهاجر إلى وطنه المسلم ؛ لأنَّ وطن المسلم هي كل بلاد الإسلام ، ولا تعصُّب بين المسلمين وتأقلمٌ بإقليم خاص ، ففي أيِّ بلد حلَّ المسلم فهو بلده ، وبذلك يحافظ على إسلامه من جهة الذي أسلم حديثًا ، ومن جهة أخرى يُنمِّيه ويُغذِّيه ويتمكَّن من أن يُربِّيَ نفسه وذويه بالأخلاق الإسلامية الأخرى ، نحن طالما تكلَّمنا بالنسبة للذين يُقيمون من المسلمين في بلاد الكفر ، من أين يتعلَّمون الإسلام ؟ لا يسعهم أن يتعلَّموا الإسلام وأحكامه كيف يُخالط ، يُعامل زوجته ، ويعامل أولاده ، ويعامل جيرانه ، ويُصحِّح عقيدته قبل كل شيء ؛ لا يمكنه ذلك إلا بالهجرة ؛ لذلك أمر الشرع كتابًا وسنَّة بهجر المسلم لبلاد الكفر إلى بلاد الإسلام .
هذا ما عندي جوابًا عن هذا السؤال .