تكلم على الفتنة النازلة بالمسلمين اليوم في العراق والكويت والسعودية والبلدان الأخرى وكذلك على الاستعانة بالكفار .
A-
A=
A+
الشيخ : ... إذا عرفنا ذلك حينئذ ندخل في صلب هذه الفتنة التي ألمت بالعالم الإسلامي العربي خاصة ثم الإسلامي عامة فإننا سنجد أن من آثار هذه الفتنة أن يتكلم فيها من لا علم عنده مطلقا بالشريعة فيقول هذا في فلان من الناس إنه كافر أو في فلان من الناس إنه مجاهد أو فلان أصاب وفلان أخطأ هؤلاء الناس لا يجوز لهم أن يصدروا رأيا لهم فيكونون والحالة هذه قد خالفوا الآية السابقة (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا )) ، كما أنهم يخالفون قول الله عز وجل: (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) والرسول عليه السلام يأمر أهل العلم بأن يجيبوا إذا سئلوا وأن لا يكتموا العلم الذين أعطوا كما قال عليه الصلاة والسلام: ( من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ) والناس اليوم إما عالم وإما غير عالم ولا حالة وسطى بين هؤلاء و هؤلاء وربنا عز وجل قد أوضح السبيل لكل من الطائفتين في قوله عز وجل: (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) ، فأهل الذكر عليهم البيان ومن سواهم عليهم السؤال عن البيان وحينئذ حينما ينطلق المجتمع الإسلامي بعلمائه وبغير علمائه في هذا الحدود تستقيم حياتهم وإن خالفوا اضطربت حياتهم كما هو واقع المسلمين اليوم إذا يجب على كل فرد من أفراد المسلمين أن ينظر إلى نفسه إن كان يرى في نفسه أهلية العلم فسئل فعليه أن يجيب وإن كان يعرف من نفسه أنه ليس من أهل العلم فحذار أن يتكلم بما لا علم عنده وعليه أن يصمت وأن يسأل أهل العلم كما سمعتم آنفا في الآية السابقة ، بين يدي هذه المقدمة أتحدث عن الفتنة النازلة بالمسلمين عامة كما ذكرنا فأقول: إن هذه الفتنة تتعلق بجنسين من الناس , الأول الحكام والآخر المحكومون , الأول رؤوس الدول الإسلامية والآخر الشعوب المسلمة ثم نقول أو نعود إلى القسم الأول ألا وهم الحكام فنقول: هؤلاء طائفتان بالنسبة للفتنة القائمة الآن كلهم عليه مسؤولية شرعية لا أحد منهم ينجوا منها إلا إن افترض أنه تاب إلى الله عزّ و جلّ و أناب و لكن و الحالة هذه لا بد من أن تظهر آثار هذه التوبة عمليا وليس قوليا بعض هؤلاء الحكام ظهر اعتداؤهم شرعا على دولة مجاورة لهم واجتاحوها كما يقال في ليلة لا قمر فيها وهذا حكم مخالف للشرع واضح لا يقبل جدلا من أهل العلم أما عامة الناس فقد قلنا ما يجب أنه نقول في حقهم وهو أنهم لا يجوز لهم أن يتكلموا لأنهم لا علم عندهم ربنا عز وجل يقول في محكم كتابه: (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )) ، ولا شك عندنا مطلقا في أن الحكم المسيطر على العراق بغى على الحكم المسيطر على الكويت وحينئذ لو كان هناك من يحكّم الشريعة الإسلامية في كل مصيبة أو نازلة أو كان بإمكانه ولو كان عادة يطبق الأحكام الشرعية مائة في المائة وهذا مع الأسف عزيز لا وجود له اليوم لكني أقول حتى لو وجد مثل هذا الحكم فإنه مع الأسف الشديد لا يوجد مستطيعا لتطبيق الآية السابقة (( فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )) ، ذلك لأنكم تعلمون جميعا إن شاء الله بأن الدول العربية قبل نزول هذه البلية قد عقدوا اجتماعات كثيرة ومؤتمرات عديدة كان جماهير المسلمين وشعوبهم لا يعرفون شيئا من الخلافات التي تدور في تلك المؤتمرات أو كما يقولون اليوم ما يجري وراء الكواليس جمهور الناس لا يعلمون شيئا من ذلك لكنهم كانوا يلاحظون أن هناك خلافات وخلافات كثيرة أو شديدة ولذلك تنعقد تلك المؤتمرات وتلك الاجتماعات ومعنى ذلك أنها لم تفد هذه الدول اجتماعاتهم ومؤتمراتهم شيئا فكان من نتيجة ذلك أي من عدم وجود حاكم يحكم بما أنزل الله على الأقل في هذه المسألة أو يحكم بما أنزل الله في هذه المسألة لكنه لا يستطيع تنفيذها لأن تنفيذها يحتاج إلى قوة أقوى من قوة الباغي لأن الله عز وجل يقول كما سمعتم: (( فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )) ، ونحن نعلم بحكم الواقع وهذا مما يفرحنا ويحزننا من جهة أخرى نعلم من جهة الواقع أنّ الدّولة السعودية كانت هي الدّولة المرشّحة لتنفّذ هذا الحكم الشرعي لما هو معروف عنها أنها هي من بين الدول العربية بل والإسلامية الأعجمية الأخرى هي التي تطبق الأحكام الشرعية وإن كان هذا التطبيق في بعض الجزئيات فيها نظر ولكنها على كل حال الأمر كما قيل قديما وحديثا: " حنانيك بعض الشر أهون من بعض " فالذي يحكم بالإسلام بالمائة خمسين خير من الذي يحكم الإسلام بالمائة عشرين وهكذا دواليك هذا يفرحنا من جهة أن هذه الدولة تطبق الأحكام الشرعية أحسن من غيرها لكن يحزننا أن غيرها من الدول الإسلامية الأخرى ليس فقط لا تسير مسيرتها على عجرها وبجرها بل لأنها لا تكاد تحكم بما أنزل الله مطلقا وإنما تحكم بالقوانين التي قد يكون بعضها إنجليزيا وبعضها فرنسيا وهكذا لذلك فإذا قال الله عز وجل: (( فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )) ، كان المفروض أن الدولة السعودية هي المرشحة لما ذكرنا من تفوقها على غيرها من الدول العربية الأخرى في تطبيق الأحكام الشرعية كانت هي المرشحة أو المفروض أن تنفذ هذا الحكم الشرعي لكن مع الأسف لا تستطيع أن تنفّذ هذا الحكم الشرعي لماذا ؟ لأنها أولا لا تطبق الأحكام الشرعية بالمائة مائة وثانيا لو أرادت أن تطبق هذا الحكم الشرعي ككثير من الأحكام الأخرى التي تطبّقها والحمد لله فهذا الحكم تنفيذه يتطلّب أن تكون الدولة المنفّذة له هي أقوى دولة بالنسبة للدول العربية الإسلامية لكننا نحن مع الأسف الشديد لم نجد هذه القوة في هذه الدولة التي هي خير من غيرها من الدول العربية من حيث تمسكها بتنفيذ الأحكام الشّرعية لأنّها ضعيفة من حيث قوّتها المادّية بالنّسبة للدّولة الباغية , الدولة الباغية كما تدل مظاهر تلك المؤتمرات وتلك اللقاءات لم يفد فيها الأمر الأول المأمور به في الآية السابقة (( فأصحلوا بينهما )) ما أمكن الإصلاح حينئذ يأتي الأمر الآخر في الآية (( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )) من الذي يقاتل هذه الفئة الباغية ؟ من كان أقوى منها , هذه الأقوى مع الأسف الشديد لم توجد ليس فقط في هذه الدولة التي قلنا إنها كانت هي المفروض أن تكون المنفذة لهذا الحكم أو لهذا الأمر الثاني في الآية الكريمة بعد أن لم يفد تنفيذ الأمر الأول وهو محاولة الصلح وأكبر دليل على ذلك أن هذا البغي الذي لم يمكن إزالته بالطريقة الأولى والحسنى وهي الصلح ولا بالطريقة الأخرى وهي المقاتلة أو القتال لما ذكرناه مع الأسف نتج من هذا البغي أمر ما كان ليخطر في بال أحد من المسلمين كافة أن يتحقق في سبيل ماذا ؟ في سبيل تحاشي اعتداء وبغي آخر قد يقع من هذه الدولة الباغية على الدولة الأخرى المجاورة للدولة المبغي عليها ألا وهي الدولة السعودية ما الذي نتج من وراء ذلك ؟ الاستعانة ليس فقط بالدول العربية ومعلوم كما ذكرنا آنفا أنها لا تحكم الشريعة الإسلامية بل وفيها دولة تعلن أنها لا تتبنى الإسلام دينا وإنما تتبنى البعث دينا ومنهاجا لها ألا وهي الدولة السورية فاستعانت الدولة السعودية الشرعية بهذه الدول وفيها الدولة السورية وهي دولة بعثية معروفة ومعروفة أنها كانت دائما تتحدث عن الإمبرالية وعن الأمريكان واليهودية ونحو ذلك وإذا هي أخيرا تنضم إلى الجيش الأمريكي والجيش البريطاني اللذين استعانت بهما الدولة السعودية لماذا خشية أن يصيبها ما أصاب جارتها على حد المثل الشامي ما أدري إذا كان هذا معروفا في هذه البلاد " إذا حلق جارك بلّ أنت " فخشيت الدولة السعودية أن يصيبها ما أصاب الكويت من الدولة العراقية كيف حلت المشكلة ودفعت الخوف عنها من وقوع اعتداء جديد عليها ؟ استعانت بالكفار هل هذه الاستعانة مشروعة في الإسلام علما بأن طلاب العلم فضلا عن أهل العلم والمبرزين في المجال العلمي يعلمون جميعا أن هناك قاعدة شرعية لم يضعها الفقهاء على الأقل بعضهم فإن القواعد الفقهية مع الأسف مع أنها قواعد أصولية فهي في كثير من الأحيان تختلف من مذهب إلى آخر فالأصول التي يرجعون إليها في تطبيق الفروع قد يختلف مذهب عن آخر فالقاعدة التي يعلمها كما قلت آنفا حتى طلاب العلم يعلمون أنها ليست قاعدة وضعها بعض العلماء الأصوليين و إنما قاعدة وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الموصوف بحق في قوله تعالى: (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )) ذلك محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال مقعّدا ومؤصّلا لتلك القاعدة والأصل ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إنا لا نستعين بمشرك ) إنا لا نستعين بمشرك قاعدة وضعها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجعلها شريعة مستمرّة إلى يوم القيامة وفي لفظ آخر وهذا اللفظ الأول أخرجه الإمام مسلم في صحيحه و في لفظ آخر أخرجه أبو عبد الله الحاكم في كتابه المعروف في المستدرك بلفظ: ( إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين ) ، فهذه قاعدة لا يجوز لدولة مسلمة إذا كانت تحكم بما أنزل الله أما إذا كانت قد تجردت وكفرت بما أنزل فليس بعد الكفر ذنب وليست الدولة السعودية كذلك لأنها تزال في كثير إن لم أقل في أكثر أحكامها تصدر عن كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم أما ها هنا فقد خرجت عن هذه القاعدة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما شرحنا . إذا عرفنا هذه الحقيقة فهنا مخالفتان صريحتان من دولتين مسلمتين الباغية والتي خشيت البغي من الباغية ... ببغيها على جارتها والأخرى باستعانتها بأعداء الأمة الإسلامية كلها ألا وهم الأمريكان والبريطان وغيرهم من الدول الصليبية الأخرى وهي معلومة لديكم ومن عجب أن تكون الاستعانة المذكورة هي ببعض الدول التي عرف موقفها تجاه المسلمين أنها ضدهم ومؤيدة لموقف اليهود في احتلالهم لفلسطين سواء كان البريطانيين أولا ثم الأمريكيين ثانيا فهؤلاء كلهم مما تمالؤوا في تأييد سيطرة اليهود على فلسطين ضد المسلمين جميعا لو كان يمكن أن تخالف هذه القاعدة النبوية ( إنا لا نستعين بمشرك ) لو كان يمكن أن تخالف هذه القاعدة النبوية بالاستعانة ببعض المشركين لكان ذلك بمشركين لم يعرف تاريخهم الأسود في انحيازهم للمستعمرين اليهود على المسلمين كان يمكن أن يكون هذا مع شي من التحفظ لأن مخالفة القاعدة النبوية لا يجوز إلا في ظرف خاص لا يستطيع أن يلم به إلا أولوا الأمر الذي يجمع الأمراء والعلماء ولكني أقول كلمة ربما لم يسبق في كل ما جرى مني من حديث حول هذه المسألة إن كان يجوز الاستعانة بهؤلاء الكفار الصليبين وإدخالهم إلى البلاد الإسلامية التي تعتبر ملجأ البلاد الإسلامية الأخرى كلها إن كان يجوز الاستعانة بهؤلاء المشركين وإدخالهم إلى بلاد المسلمين فما هو الموضع الذي لا يجوز الاستعانة بالمشركين ؟ إذا كان الاستعانة بالمشركين وصل بحكم الضرورة التي نسمعها أحيانا من بعضهم استجازوا بها زعموا أن يدخلوا الكفار إلى بلاد الإسلام فإذا هذا معناه تعطيل القاعدة النبوية لأنّني لا أتصور أخرى بالكفار يمكن أن تكون أخطر من هذه الاستعانة.
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 454
- توقيت الفهرسة : 00:09:12
- نسخة مدققة إملائيًّا