خطبة عرفة لعلي حسن الحلبي .
A-
A=
A+
الحلبي : - يخطب - إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالينا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد : فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ، وكل ضلالةٍ في النار ، أما بعد : فإننا في هذا اليوم العظيم يوم عرفة ، الذي نجلس فيه ، في هذا المقام للخطبة امتثالاً للأمر النبوي العام ، الذي ورد وصح عن النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وذلك قوله صلوات الله وسلامه عليه : ( خذوا عني مناسككم ) وهذا اليوم أيها الأخوة في الله ، يوم ذكرٍ ، ويوم دعاءٍ ، ويوم خشوعٍ ، ويوم إخباتٍ ، ويوم تذللٍ لله تبارك وتعالى ، إنه يوم عظيم إنه يوم يباهي الله تبارك وتعالى فيه بأهل عرفات أهل سمائه ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء ، يقول انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبرا ) وهذا اليوم العظيم لما فيه من طاعةٍ لله تبارك وتعالى ، ولما فيه من تضرع لله العظيم سبحانه وتعالى ، ولما فيه من توجهٍ وسؤالٍ ومسألةٍ لله العظيم عز وجل ، يصغر الشيطان ويتضائل كما قال عليه الصلاة والسلام : ( ما رؤي الشيطان في يوم أصغر ولا أرذل من يوم عرفة ) وكذا هذا اليوم ، يوم ينزل الله تبارك وتعالى فيه إلى سماء الدنيا ، ويغفر لعدد أهل عرفة أكثر من عدد شعر غنم كلب ، وهي قبيلة من قبائل العرب عرفت بكثرة أغنامها ، كناية عن كثرة ما يغفر الله عز وجل ، وهذا اليوم العظيم يوم يجب أن تنتهز أوقاته ، وتهتبل ساعاته ، فلا تضيع بنوم ، أو لهوٍ ، أو كلامٍ لا فائدة منه ولا جدوى فيه ، بل على المسلمين جميعاً أن يذكر الواحد منهم الآخر ، بأن يكثر من ذكر الله ، ويكثر من التهليل والتكبير والتعظيم ، كما يقول عليه الصلاة والسلام : ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير ) وهذا اليوم يوم من أعظم أيام الحج لذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه بأنه الحج فقال : ( الحج عرفة ) ، بيان منه ، أو بياناً منه صلى الله عليه وسلم ، على عظم هذا اليوم ، وعلى عظم هذا الموقف ، وعلى عظم ما يفعله الحاج في هذا الموقف ، فيبقى الحاج في هذا اليوم ، إلى أن تغرب الشمس ، ما بين ذكرٍ وتسبيحٍ ومسألةٍ وطاعةٍ لله عز وجل ، وبعد الخطبة نقوم فنصلي الظهر والعصر جمعاً وقصراً ، وهكذا بين ذكرٍ وتسبيحٍ وطاعةٍ لله عز وجل ، إلى أن تغرب الشمس ، ثم ننطلق إلى مزدلفة فنصلي هناك المغرب والعشاء أيضاً جمعاً ، فإذا أدرك ذلك في المغرب ، جُمِعَ جَمع تقديم وإذا أدرك في العشاء ، جُمع جمع تأخير ، وهكذا المسلم في هذه الأيام ، يسأل ربه عز وجل من خيري الدنيا والآخرة ، ويمحي ضغائن القلوب ، ويمحي سواد النفوس ، ويفتح صفحة جديدة مع ربه عز وجل ، وفي هذا الحديث الذي ذكرناه ، ( خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ) . أقول في هذا الحديث إشارة من النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، إلى عظم التوحيد ، إلى عظم توحيد الله عز وجل ، فهو الغاية التي خلق الله الخلق من أجلها ، كما قال تبارك وتعالى : (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين )) ، وكذا كما في حديث معاذ وغيره ، عندما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: ( يا معاذ إنك تقدم على قوم هم أهل كتاب فليكن ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله ) ، وكذلك في حديث معاذ عندما كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم ، قال له : ( يا معاذ ، أتدري حق الله على العبيد ؟ ) فقال معاذ رضي الله عنه : " الله ورسوله أعلم " ، ثم كررها الثانية والثالثة حتى قال في كل مرة يقول الله ورسوله أعلم ، حتى قال له رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام : ( يا معاذ حق الله على العبيد ، أن يطيعوه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحق العبيد على الله أن لا يعذبهم إن هم فعلوا ذلك ) ففي هذا الحديث وفي هذا اليوم الذي يكثر فيه المسلمون من التهليل لله ، ومن ذكر كلمة التوحيد لا إله إلا الله إشعار وبيان بتجديد العهد مع الله عز وجل ، وإلزام من النفوس والقلوب والعقول في الاستمرارية في دعوة التوحيد في النفس وفي الغير ، كما قال تبارك وتعالى : (( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرةٍ أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )) ، هذا ما ينبغي لنا أن نتدارسه وأن نقوله وأن تلهج به ألسنتنا ، وأن تعصف به قلوبنا في هذا اليوم العظيم ، يذكر بعضنا الآخر وينبه أحدنا الآخر ، عملاً بمثل قوله تبارك وتعالى : (( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات * وتواصوا بالحق تواصوا بالصبر )) ، وهكذا نبيت في مزدلفة إلى الفجر ، وهذا أمر يتساهل فيه كثير من الناس ، وأحياناً لا يصلون الفجر في مزدلفة وهذا أمر قد يعرض حجهم للبطلان والعياذ بالله تعالى ، فعلى المسلمين أن يلتزموا بصلاة الفجر في مزدلفة ؛ لأن هذا ركن من أركان الحج ، كما هو مذهب بعض أهل العلم ، فعلى المسلم على الأقل أن يحتاط لدينه ، بهذه الصلاة المباركة في ذلك الموطن المبارك ، الذي بين النبي عليه الصلاة والسلام ، من فعله وعمله أهمية الصلاة فيه ، وهكذا يفعل المسلم هذه الأفعال كلها ملتزماً بأمر الله ، وقائماً على سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وننبه إلى أمرٍ مهمٍ جداً ، يخطئ فيه كثير من الناس أيضاً ، عندما ينظر الواحد منهم فيقتدي بصاحبٍ له وبمرافقٍ له ، ليس هو من أهل العلم ، وليس هو من طلاب العلم ، فإذا ذهب يذهب ، وإذا جلس يجلس ، والصواب في هذا وخاصة في هذا المنسك العظيم ، في هذا الركن العظيم من أركان الإسلام ، على المسلم أن يسأل أهل العلم ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنما شفاء العي السؤال ) وكما قال رب العالمين في كتابه المبين : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا اليوم بداية خيرٍ لنا ولكم وللأمة الإسلامية ، وأن يجعل الهداية في قلوبنا وفي عقولنا وفي أعمالنا فنكون حينئذٍ مطبقين علماً وعملاً ، قولاً وتطبيقاً ، الكلمة الطبية التي أقيمت من أجلها السموات والأرض ، لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعندما نقول: لا إله إلا الله ، لا نقولها كلمة مجردة عن معانيها خاوية عن مدلولاتها ، إنما نقولها كلمة لها معانيها العظيمة ، ولها مدلولاتها الكبيرة التي تعني بكلمةٍ مختصرةٍ وجيزة : " أن لا معبود بحقٍ إلا الله " أن لا معبود بحق إلا الله ، فينبغي أن يكون الدعاء لله ، والنذر لله ، والحلف بالله ، ونرى للأسف الشديد بعض الحجاج من بعض البلاد ، يحلفون بغير الله في هذه الأيام وفي هذا الموقف ، في هذا الموقف العظيم نراهم يحلفون بشرفهم أو بآبائهم ، أو بأجدادهم ، وهذا كله مناقض لكلمة التوحيد ، مناقض لـ لا إله إلا الله ، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من حلف بغير الله فقد كفر ) ، وفي رواية : ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) . وهكذا الكلمة الثانية التي لا يتم إسلام العبد إلا بها ، محمد رسول الله ، فكما أن لا إله إلا الله ، تعني أن لا معبود بحق إلا الله ، وكذلك محمد رسول الله تعني لا متبوع بحق إلا رسول الله ، فالمتبوع الحق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تبارك وتعالى : (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما )) ، وكذلك أيضاً كما قال تبارك وتعالى مبيناً عنوان المحبة ومبيناً مفتاح الطاعة الحقيقية لله تبارك وتعالى يقول الله عز وجل في كتابه العزيز : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم وتقديم قوله على الرأي وعلى الهوى وعلى ما تشتهيه النفس وعلى ما يألفه العقل وعلى ما يعتاده الناس ، هو علامة الحب الحقيقي لله تبارك وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم . أسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه . والآن نؤذن للصلاة ثم نقيم فأذنوا .
يؤذن للصلاة في موسم الحج . والآن تُقام الصلاة
الشيخ : صل أنت بهم .
الحلبي : استقيموا اعتدلوا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، الكتف بالكتف والقدم بالقدم من وصل صفاً وصله الله ، ومن قطع صفاً قطعه الله ، حاذوا بين المناكب والأقدام ، سووا الصفوف ، كلٌ ينظر إلى من يمينه ، يا إخوان إذا بعض المصلين يكشفون كتفهم فليستروه ، من يكشف كتفه أو ظهره فليستره ، فإن هذا الكشف إنما هو في الطواف في طواف القدوم ، أما ما يفعله الناس فهو أمر مخالف للسنة ، استووا ولا تختلفوا ، ارجع قليلا .
يؤذن للصلاة في موسم الحج . والآن تُقام الصلاة
الشيخ : صل أنت بهم .
الحلبي : استقيموا اعتدلوا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، الكتف بالكتف والقدم بالقدم من وصل صفاً وصله الله ، ومن قطع صفاً قطعه الله ، حاذوا بين المناكب والأقدام ، سووا الصفوف ، كلٌ ينظر إلى من يمينه ، يا إخوان إذا بعض المصلين يكشفون كتفهم فليستروه ، من يكشف كتفه أو ظهره فليستره ، فإن هذا الكشف إنما هو في الطواف في طواف القدوم ، أما ما يفعله الناس فهو أمر مخالف للسنة ، استووا ولا تختلفوا ، ارجع قليلا .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 409
- توقيت الفهرسة : 00:42:15
- نسخة مدققة إملائيًّا