هل حديث عروة بن مضرِّس يدل على صحة الإفراد في الحج ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل حديث عروة بن مضرِّس يدل على صحة الإفراد في الحج ؟
A-
A=
A+
السائل : يقول : حديث عروة بن مُضرِّس : ( خرجت من جبلي طي ، وما تركت من جبلٍ من الجبال إلا وقفت عليه ) إلى آخر الحديث ؛ ألا يدل على صحة حَجِّ من حَجَّ مفردًا ؟

الشيخ : لا يدل على الإطلاق ، وإنما يدل على مَن ضاق عليه الوقت ، ونحن حينما نقول بأنه يجب على كلِّ حاجٍّ أن يحج متمتعًا أو قارنًا إذا ساق الهدي من الميقات كما فعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فإنما نعني بذلك مَن كان مستطيعًا لذلك ، أما من ادَّاركه الوقت كما في حديث عروة هذا ابن مضرِّس ؛ فلم يتمكن إلا من الوقوف في عرفة يوم عرفة ؛ فهذا حجُّه صحيح ؛ كما أننا نستطيع أن نتصوَّرَ حجًّا مفردًا لبعض الناس ، وبخاصة من النساء كما وقع للسيدة عائشة - رضي الله تعالى عنها - حينما حجَّت مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وكانت متمتَّعة كما كانت سائر أزواجه - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ولكنها لما نزلت في مكان قريب من مكة اسمه " سرِف " ، ودخل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليها ووَجَدَها تبكي ؛ قال لها : ( ما لك أنُفست ؟ ) . قالت : نعم ، يا رسول الله ، قال - عليه الصلاة والسلام - : ( هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم ؛ فاصنعي ما يصنع الحاجُّ غير أن لا تطوفي ولا تصلي ) ، فبسبب ما عرض لها من الحيض لم تستطع أن تُتمَّ عمرتها ، فانقلب تمتُّعها إلى حجٍّ مفرد ، ولذلك جاء في تمام قصَّتها - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما عزم على الرحيل من مكة إلى المدينة ، ودخل عليها ووجدها تبكي - أيضًا - قال لها : ( ما لك ؟ ) . قالت : ما لي ؟! يعود الناس بحج وعمرة ، وأعود بحج دون عمرة ! وتعني بالناس ضرَّاتها ؛ حيث كنَّ كما ذكرنا مثلها متمتِّعات بالعمرة إلى الحج ، لكن هي عرضَ لها الحيض ، فمنعها أن تتمكَّن من الإتيان بالعمرة بين يدي الحجِّ ، فأَسِفَتْ لما أصابها ، وبكت على نفسها حينما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - وسألها عن السبب ؟ فأجابت بما سمعتم ، فطيَّبَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خاطرَها ، وأمرَ أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أن يُردِفَها خلفه وأن يخرج بها إلى التنعيم لتُحرم من هناك بعمرة ، وقال لها - عليه الصلاة والسلام - بهذه المناسبة : ( إنما أجرُك على قدرِ نَصَبِك ) ؛ أي : إنَّ ما فَجَأَك من الحيض ومنعك من إتمام العمرة ؛ فالآن أنت تخرجين إلى التنعيم ، وتأتين بعمل زائد ؛ فأجرك على قدر تعبك .

فهذه إذًا كانت عمرتها كانت حجَّتها حجَّة مفردة ، لكن الناس اليوم يأتون - كما أقول في كثير من المناسبات - يأتون بالعمرة التي أذن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعائشة بها على اعتبار أنها كانت حاضت ، ولم تتمكَّن من الإتيان بعمرة الحج ، فما يفعله الناس من الخروج بعد الحج إلى التنعيم والإتيان بالعمرة فهي عمرة الحائض ، وليست عمرة النساء اللَّاتي لم يحضْنَ ؛ فضلًا عن أن تكون هذه العمرة مشروعة للرجال الذين لا يحيضون - والحمد لله ! - .

كذلك ما يفعله الناس اليوم من تقصُّد الحج المفرد - أيضًا - هم يتمثَّلون ما وقع للسيدة عائشة رغم أنفها ، وبقضاء الله وقدره عليها ، ولم تكن راغبةً في ذلك لو كان ذلك في قدرتها ؛ فلا يجوز إذًا للرجال ولا للنساء أن يتقصَّدن الحج المفرد ، يُحرمْنَ بالحج المفرد من الميقات وهنَّ باستطاعتهنَّ وهم - أيضًا - الرجال بالأولى أن ينووا العمرة بين يدي الحج كما قال - تعالى - : (( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي )) ، وقال - عليه الصلاة والسلام - مؤكِّدًا لمعنى هذه الآية : ( دخلت العمرة في الحجِّ إلى يوم القيامة ) وشبَّك - عليه الصلاة والسلام - هكذا بين أصابعه ؛ فلا يجوز الفكُّ بين العمرة والحج إلا لعذر شرعي كنحو ما ذكرناه آنفًا في الجواب عن حديث عروة والجواب عن حديث عائشة .

نعم .

سائل آخر : حديث عروة بن مضرس تتمته : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من شهد معنا صلاتنا هذه وكان قد وقف بعرفة ) إلى آخر الحديث ( تمَّ حجه وقضى تفثَه ) .

الشيخ : أي نعم .

السائل : هذا يدل على إقراره ، ثم إنه .

الشيخ : يدل على ماذا ؟

سائل آخر : يدل على إقرار لفعل على أن العموم حديث عروة قال : ( من شهد معنا ) ما أجابه ... جاء بالحج ، إنما قال له : ( من شهد معنا صلاتنا هذه ، وكان قد وقف بعرفة في ساعة من ليل أو نهار ؛ فقد تمَّ حجُّه ) ، وأما حديث عائشة - رضي الله عنها - فإنه في حديث في مسلم قال لها - اللهم صلِّ وسلم على سيِّدنا محمد - قال لها : ( يسعك صلاتك بالبيت لحجِّك وعمرتك ) .

الشيخ : كيف ؟

سائل آخر : حديث عائشة في مسلم .

الشيخ : فهمت فهمت ؛ قال لها ماذا ؟

سائل آخر : ( يسعك طوافك بالبيت لحجِّك وعمرتك ) .

الشيخ : ولماذا أمرها ؟

سائل آخر : تطييبًا لخاطرها .

الشيخ : وهذا ما قلته ، ولماذا قال لها : ( إنما أجرك على قدر نصبك ) ؟

سائل آخر : يعني هي اعتمرت للحج .

الشيخ : نعم ؟

سائل آخر : يعني هي اعتمرت للحج - رضي الله عنها - ؛ فلا تُسمَّى حجتها حجة مفردة يعني ، ليست حجتها حجة مفردة ؛ لا يمكن أن يقال أن حجة عائشة حجة مفردة .

الشيخ : يا أخي ، هذا من الناحية العملية حج مفرد ، لكن من ناحية ما انتهى إليها حجُّها فهو حجٌّ مفرد زائد عمرة بعد الحج بسبب عذرها ، أما ما ذكرت من حديث عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَن صلى صلاتنا معنا هذه في جمع ، ثم كان قد وقف ساعة من ليل أو نهار في عرفة ؛ فقد قضى حجَّه وتمَّ نفثه ) ؛ هل معنى ذلك أن من لم يزد على ذلك بأن حجَّه صحيح ؟ بمعنى - مثلًا - لم يطف طواف الإفاضة ؟ هل صحيح أن يكون حجه ؟

الجواب - بارك الله فيك - : أن أحكام أيِّ عبادة من العبادات - ومنها الحج - لا يؤخذ من حديث واحد ؛ كمثل حديث - مثلًا - : ( الحج عرفة ) ؛ فلا يُؤخذ أن من وقف على عرفات فهذا هو حجه ؛ فهناك مناسك أخرى ؛ منها ما هو ركن كالوقوف بعرفة ، وأيضًا الصلاة في مزدلفة على خلاف ذلك بين الفقهاء ، وطواف الإفاضة ؛ فكلُّ هذه الأحكام لا تُؤخذ من حديث واحد ، وإنما يُضمُّ بعضها إلى بعض ، ونحن ما أنكرنا ولا قلنا أن الرسول - عليه السلام - ما أقرَّ عروة ، نحن قلنا إنه أقرَّه على ذلك ، لكن قصة عروة تدل على أنه جاء وقطع هذه الجبال الكثيرة ، ثم أدرك الرسول - عليه السلام - وهو في عرفة ؛ فقال - عليه الصلاة والسلام - له : ما دمت أن الأمر كذلك فحجُّك صحيح ، وإن كان حجًّا مفردًا ؛ لأننا لا نستطيع بهذا الحديث الواحد أن نضرب الأحاديث الأخرى ، وقد ذكرت آنفًا قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( دخلت العمرة في الحجِّ إلى يوم القيامة ) .

فحديث عروة لا يمثِّل لنا كلَّ أحكام الحج ، وإنما هو يُعالج موضوع هذا الصحابي الذي جاء من مسافات بعيدة كما يصف ذلك هو بنفسه ، وأدرك الوقوف في عرفات ، فأخبره - عليه الصلاة والسلام - بأنَّك ما دمت كما وصفتَ بأن حجَّك صحيح ؛ فماذا نفعل بالأحاديث الأخرى التي فيها تأكيد دخول العمرة في الحج إلى يوم القيامة ؟ نضرب هذا الحديث بحديث عروة أم نجمع بينها ؟

لا بد من الجمع ، هذه طريقة العلماء في أحكام الشريعة ، الصلاة - مثلًا - صفتها الوضوء الذي هو أقلُّ أنواعًا لا يُؤخذ من حديث واحد كحديث عثمان - مثلًا - ، أو حديث غيرة من الصحابة ، وإنما يُؤخذ صفة الوضوء من مجموع الأحاديث التي وردت فضلًا عن الصلاة ، فضلًا عن الحج ، فضلًا عن الزكاة ، هكذا يجب على كل طالب علم ؛ أن لا يقف في نظرته عند حديث واحد مُعيَّن ؛ فيبني عليه حكمًا ، ثم هو لا يلتفت إلى الأحاديث الأخرى ، فقوله - عليه الصلاة والسلام - باختصار : ( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ) إلى أحاديث أخرى بهذا المعنى يجب أن يُضمَّ إلى حديث عروة ؛ حينذاك يُقال بأن الواجب أن ينوي كلُّ حاجٍّ التمتع بالعمرة إلى الحج كما ذكرنا ، ولا داعي لإعادة الكلام الذي سبق ذكره آنفًا .

سائل آخر : يا شيخ ، ... يعني أول شيء أهل العلم أجابوا على هذا الحديث على حديث سراقة ؛ قالوا أنه : ( دخلت العمرة في الحج ) ؛ أي : دخلت أعمالها في أعماله ومن الصحابة - رضي الله عنهم - .

الشيخ : عفوًا ، إيش يعني دخلت أعمال العمرة في الحج ؟

سائل آخر : أي : دخلت الطواف والسعي دخلا في الحج .

الشيخ : يعني لما بدُّو يلبي الإنسان بالحج ماذا يقول ؟

سائل آخر : لبيك حجَّة .

الشيخ : آ ، والرسول ماذا فعل ؟

سائل آخر : قال : لبيك حجَّة ، ثم أضاف إليها العمرة .

الشيخ : طيب ؛ ونساء الرسول ماذا فعلْنَ ؟

سائل آخر : نساء الرسول - صلى الله عليه وسلم - روت عائشة أنه : " لسنا ننوي إلا الحج " .

الشيخ : كيف ؟

سائل آخر : روي عن ابن عمر : " لسنا ننوي إلا الحج " ، أما عائشة - رضي الله عنها - ... .

الشيخ : كل نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرمْنَ بالعمرة بين يدي الحج ، ولذلك جاء في حديث عائشة الذي ذكرته آنفًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل عليها وجدها تبكي ، وقال لها : ( ما لك ؟ ) . قالت : " ما لي ؟ يعود الناس بحجة وعمرة " - تعني ضرَّاتها - ، لأنهن كنَّ مثلها هي ، كنَّ متمتعات بعمرة إلى الحج ، أهل الرسول - عليه السلام - كلهنَّ قد كنَّ متمتعات بالعمرة إلى الحج ، ولذلك كان مما آسفَها أن تعود هي بدون عمرة بسبب حيضها ، فترفَّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بها كما ذكرنا آنفًا ، فنساء الرسول كلهنَّ كنَّ مُلبياتٍ للعمرة بين يدي الحج ، وهذا لا مجال الآن لتفصيل القول فيه ؛ فراجع كتاب : " زاد المعاد " ؛ فستجد هناك عشرات الأحاديث كلها مُجْمِعة على أن العمرة بين يدي الحج أمرٌ واجبٌ لا مناص منه لكل حاج إلا في صور نادرة كما ذكرت آنفًا .

نعم .
  • فتاوى جدة - شريط : 26
  • توقيت الفهرسة : 02:25:28
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة