كلمة للشيخ في بيان العقيدة الصحيحة الصافية التي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كلمة للشيخ في بيان العقيدة الصحيحة الصافية التي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - .
A-
A=
A+
الشيخ : ... (( ... وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد :

فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

روى الإمام أحمد وغيره عن جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه - قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في يد عمر صحيفة ، فسأله عنها ، فقال - رضي الله عنه - : هذه صحيفة من التوراة كَتَبَها لي رجل من اليهود . فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( يا ابن الخطاب ، أمتهوِّكون أنتم كما تهوَّكت اليهود والنصارى ؟! والذي نفس محمد بيده ؛ لو كان موسى حيًّا لَمَا وَسِعَه إلا اتباعي ) .

في هذا الحديث ما يشرح لنا جانبًا من جوانب شهادة أن محمدًا رسول الله ؛ ذلك أن كثيرًا من المسلمين ينطقون بالركن الأول من الإسلام : " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، ولكنهم أو ولكن الكثير من هؤلاء ينطقون بما لا يفهمون معناه على وجه الصحة ، ولقد تكلَّمنا مرارًا وتكرارًا وبمناسبات شتَّى على الشهادة الأولى لا إله إلا الله ، وأنها تعني أنه لا معبود بحقٍّ في هذا الوجود إلا الله - تبارك وتعالى - ؛ هذا المعنى الموجز وهو المعنى الصحيح في هذه الكلمة الطَّيِّبة " لا إله إلا الله " يجهل هذا المعنى كثيرٌ ممن ينطقون بهذه الكلمة ، ولست الآن في صدد شرح هذا المعنى الصحيح لا معبود بحقٍّ إلا الله ؛ فإنها تستلزم أن لا يتوجَّه المسلم إلى غير الله - تبارك وتعالى - بشيء من العبادات مطلقًا ، فما يفعله كثير من الناس اليوم من دعاء غير الله ، والنَّذر لغير الله ، والذَّبح لغير الله ، والحلف بغير الله ، إلى غير ذلك من الأمور ؛ كل ذلك ينافي قول المسلم وشهادة المؤمن : " لا إله إلا الله " ؛ لأن هذه الأمور التي ذكرناها كلها عبادات لا يجوز التوجُّه بها إلا إلى هذا الإله رب السماوات والأرض .

ومع ذلك فنجد هؤلاء المسلمين الذين أشرنا إليهم يذهبون إلى القبور ، فيذبحون هناك ، وينذرون النذور ، وقد يطوفون حول بعض القبور زعموا استشفاءً طلب الاستشفاء ممَّن لو كان حيًّا لَمَا استطاع أن يمدَّ المستشفي بها شفاءً ؛ لأنه لا شافي إلا الله - تبارك وتعالى - ؛ فكيف بهم وهم يطلبون الشفاء من الموتى من الذين أصبحوا ترابًا رميمًا ؛ فهذا ممَّا ينافي شهادة التوحيد هذه ، تكلَّمنا في هذه الشهادة كما قلنا مرارًا وتكرارًا ، والآن أريد أن أتكلَّم بشيء من التوسُّع والبسط حول الشهادة الثانية التي لا يتمُّ إيمان المؤمن إلا بها ؛ فمَن شهد أن لا إله إلا الله ثم لم يُتبِعْها بشهادة أن محمدًا رسول الله لن تنفعَه الشهادة الأولى ؛ لذلك كان مقرَّرًا بين المسلمين جميعًا أن الركن ... مما بُنِيَ عليه الإسلام هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله .

ولكنَّ هذه الشهادة من الشهادة لله بالوحدانية ولنبيِّه بالرسالة لا تُنجِي صاحبها من الخلود في النار إلا إذا فَهِمَها قبل كل شيء فهمًا صحيحًا ، ثم حقَّقَها في منطلقه في حياته تحقيقًا صادقًا ؛ فكيف يكون تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله ؟ أَيكونُ ذلك بمجرَّد أن نطيعه في بعض ما أتانا به عن الله - عز وجل - ونخالفه إلى أمور لم يأتِ بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله - تبارك وتعالى - ؟! هذا ما أريد أن أبيِّنه الآن في هذه الكلمة في هذه الليلة المباركة إن شاء الله .

فيجب أن نعلم أن قول المسلم : " وأشهد أن محمدًا رسول الله " ، أو " وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله " لا يتحقَّق هذا المعنى حتَّى يُخلِصَ له - عليه الصلاة والسلام - في اتباعه كما يخلص لربِّه في توحيده ، ومعنى الشهادتين أن تخلِصَ لله - عز وجل - في عبادته فلا تشرك معه أحدًا في شيء من العبادات كما ذكرنا ، وأن تخلِصَ للرسول - عليه الصلاة والسلام - في اتباعه فلا تشرك معه متبوعًا غيره ؛ ولَئِن فَعَلَ ذلك إنسان فلم يؤمِنْ به إيمانًا خالصًا صادقًا ، مصداق هذا الذي أقوله حديث جابر السابق ؛ فقد قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - كما سمعتم لعمر : ( والذي نفسي بيده ؛ لو كان موسى حيًّا مَا وَسِعَه إلا اتِّباعي ) . فإذا كان موسى - عليه الصلاة والسلام - وهو الذي كلَّمَه الله تكليمًا ، وأنزل عليه التوراة ؛ مع ذلك لو كان في زمن الرسول - عليه الصلاة والسلام - مَا وَسِعَه إلا اتباعي ؛ فكيف يكون حال مَن ليس من الأنبياء والرسل ؟ فلا بد أن يكون هذا أوجب وأوجب أن يسألوا عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - .

وما معنى نتَّبع الرسول ؟ كمعنى يعبد الله ، ما معنى يعبد الله ؟ أي : لا يعبد غيره ، يعبد الله وحده لا شريك له ؛ فما معنى نتَّبع الرسول ؟ أي : نتَّبعه وحده لا نتَّخذ معه متبوعًا غيره ؛ وذلك لأن موسى كليم الله ، فهذه الصحيفة التي رآها الرسول - عليه السلام - في يده كأنه يقول له : أَلَم يكفِكَ ما أتيتُك يا عمر من الله من وحي السماء حتى تشرك فيما أتيتُك به ما أنزل الله على موسى ؟! وقد صار ما أنزل الله على موسى شرعًا منسوخًا ، وأن الله - عز وجل - أنزل القرآن على قلب محمَّد - عليه الصلاة والسلام - وجعله مهيمنًا مسيطرًا على سائر الكتب والشرائع التي كانت من قبل .

فإذا كان موسى بشريعته لا يسَعُه إلا أن يدَعَ شريعته ويخلص في اتباعه لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وههنا بيت القصيد من هذه الكلمة ، فإذا كان موسى لا يسَعُه إلا اتباع الرسول - عليه السلام - ولا يتَّبع شريعته ؛ تُرى إذا اخترع مخترعٌ ما طريقةً أو منهجًا أو حزبًا أو أيَّ شيء آخر لم يأتِ به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فاتَّبَعَه ؛ فلا يكون حين ذاك قد أخلَصَ للرسول - عليه الصلاة والسلام - في الاتباع ، وبالتالي لا يكون حقَّقَ معنى هذه الشهادة " وأن محمدًا رسول الله " ؛ لأن هذه الشهادة تستلزم اتباع الرسول فيما أرسَلَه الله به من الحقِّ والنور ، وإذا افترضنا أن إنسانًا اتَّبع غير رسول الله ؛ أقول : لو افترضنا وهذه فرضية واقعة في صور شتَّى وطرائق قددًا ، فإذا فرضنا أن إنسانًا اتبع غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو في بعض المسائل وهو يعلم أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يأتِ بهذه المسائل من عند الله - عز وجل - ؛ ومع ذلك اتَّبع هذا الإنسان أو هذه الطريق أو هذا المذهب أو الحزب فما يكون مخلصًا في اتباعه للرسول - عليه الصلاة والسلام - .

وإلا فحينما رأى الرسل - عليه السلام - في يد عمر الصحيفة ؛ هل يظنُّ ظانٌّ أن عمر أراد أن يستبدل الصحيفة بالشريعة الإسلامية أم أن يعرض عن الشريعة الإسلامية ؛ أي : عن الرسالة التي دعانا الرسول - عليه السلام - إليها وصدَّقَه عليها ، وآمن بها ؛ هل يدَعُها إلى اتباع التوراة ؟ هذا ما لا يخطر في بال إنسان مطلقًا ؛ إذًا ما هو الذي أنكره الرسول - عليه الصلاة والسلام - على عمر بن الخطاب حينما قال له تلك الكلمة العظيمة : ( أمتهوِّكون أنتم كما تهوَّكت اليهود والنصارى ؟! ) ؛ أي : أمنحرفون أنتم عن شريعة الله كما انحرفَ اليهود والنصارى عن شريعة الله ؟! ( والذي نفس محمد بيده ؛ لو كان موسى حيًّا لَمَا وَسِعَه إلا اتباعي ) . فإذا كان عمر لا يُعقل أن ينحرف عن اتباع الرسول - عليه السلام - قيدَ شعرة ؛ فما الذي أنكَرَه الرسول - عليه الصلاة والسلام - على عمر إذًا إذا كنا نحن تبع رسول الله في معنى أن ينحرف عمر عن اتباع الرسول - عليه السلام - فيما جاء به ؟ الذي خَشِيَه رسولُ الله على عمر أن يشرِكَ مع الرسول في اتباعه غيرَه من الأنبياء والرسل ؛ فماذا نقول للذين يشركون مع الرسول في اتباع غير الأنبياء والرسل ؟ هؤلاء أشدُّ إنكار من إنكار الرسول على عمر بن الخطاب - رضي الله تبارك وتعالى عنه - .

إذا عرفنا هذا فالله - عز وجل - يقول : (( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ )) ، ما معنى قوله - تعالى - : (( وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ )) ؟ أي : لا تتَّخذوا من دونه أشخاصًا تتَّبعونهم كما لو كان أُنزِلَ عليهم من السماء ؛ أي : كما تتَّبعون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فاتباع غير رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - معناه شيئان اثنان :

الأول : الشَّكُّ في أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - أدَّى الرسالة وبلَّغ الأمانة ، فلو شكَّ في هذا فهو كافر مرتَدٌّ عن دين الإسلام .

والشيء الآخر : إشراك شخص مع الله - عز وجل - في التشريع ، والله - تبارك وتعالى - أنكر أن يكون له شركاء ، فيقول - عز وجل - : (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )) ؛ فلا يجوز لمسلم أن يشرِّع من عند نفسه شيئًا مهما ... وكبر ، وبالتالي لا يجوز لمسلم أن يتَّبع هذا المشرِّع ولو في أدنى مسألة وأحسَنِها ، فالذي شرَّعَ المسألة من عند نفسه أشرك مع الله - تبارك وتعالى - ، فلم يؤمِنْ بحقيقة لا إله إلا الله ، ومن اتَّبع هذا المشرِّع من دون الله فقد اتَّخَذَه شريكًا مع الله ، وبالتالي لم يوحِّد الرسول في اتباعه وحده ولم يخلِصْ له في ذلك .

ولهذا لما أنزل الله - عز وجل - على قلب محمَّد - عليه الصلاة والسلام - قوله - عز وجل - : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) كان في المجلس أحد الصحابة ممَّن كان تعلَّم القراءة والكتابة ، وبالتالي كان تنصَّرَ قبل بعثة الرسول - عليه السلام - من بين العرب الوثنيين ؛ ألا وهو عديُّ بن حاتم الطائي ، لما نزلت هذه الآية كان هو قد أسلم وكفر بالنصرانية ، وآمن بالله ورسوله ، ولكنه كان على علم بما كان عليه النصارى ، فأشكل عليه قول ربِّنا - تبارك وتعالى - في حقِّ النصارى : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) ، قال : يا رسول الله ، والله ما اتَّخذناهم أربابًا من دون الله . خَفِيَ عليه معنى اتِّخاذ النصارى الأحبار والقسِّيسين أربابًا من دون الله ، توهَّمَ أن المقصود بهذه الآية أنهم اعتقدوا أن القسِّيسين والرهبان يخلقون مع الله ، فبيَّن له الرسول - عليه السلام - المقصود من هذه الآية ، وأنه ليس ذلك الفهم الذي عَرَضَ له ، فقال له على طريقة السؤال والجواب ؛ قال : ( أَلَسْتُم كنتم إذا حرَّموا لكم حرامًا حرَّمتموه ؟! وإذا أحلُّوا لكم حلالًا حلَّلتموه ؟! ) . قال : أما هذا فقد كان . فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( ذلك اتِّخاذكم إيَّاهم أربابًا من دون الله ) . أي : حينما كان القسِّيسين يقولون : هذا حلال ؛ فيقولون : حلال ، وأن هذا حرام ؛ فيقولون : حرام ، والواقع أن هذا التحريم والتحليل صدر من عند أنفسهم ولم يتلقَّوه بواسطة نبيِّهم عن ربِّهم ، فبيَّنَ الرسول - عليه السلام - أنُّو هذا هو معنى (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) ، فكفرت الطائفتان ؛ الطائفة التي حلَّلت وحرَّمت من عند نفسها ، والطائفة الأخرى التي اتَّبعَتْهم على عَمَاها كما يقولون دون بصيرة من شريعة الله - تبارك وتعالى - .

ولهذا فالمسلم إذا أخلَصَ للرسول - عليه الصلاة والسلام - في الاتباع كان ذلك عصمةً له من أن يخلَّ في التوحيد لله - تبارك وتعالى - في عبادته ، فكأنَّ توحيد الله في عبادته وإفراد الرسول في اتباعه أمران مرتبطان لا ينقطع أحدُهما عن الآخر ، فَمَن أراد أن يكون من المؤمنين الصادقين المخلصين في شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ؛ فلا بد له أن يوحِّد رسول الله في الاتباع ، كما يوحِّد الله في العبادة ؛ فمن أخلَّ بهذا - أي : مَن أخلَّ في توحيد الرسول في الاتباع - فشأنه شأن من أخلَّ في توحيد الله في العبادة ، فكلٌّ من التوحيدَين - إذا صح التعبير - توحيد الله في عبادته وتوحيد الرسول في اتباعه ركن من أركان الإسلام ؛ إذا اختلَّ أحدهما انهار هذا الإسلام من أسِّه وأصله .

وإذا عرفنا هذا يتبيَّن لنا خطر ما وصلَ إليه بعضُ الناس اليوم من الإخلال بهذا الإخلاص لرسول الله في الاتباع ، فجعلوا الإخلاص في الاتباع لغير رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأنا أذكر لكم بعض الأمثلة .

هناك بعض المشايخ الطرقيين قديمًا وحديثًا يلقِّنون أتباعهم ومَن يسمُّونهم بمريديهم مثل الجمل الآتية : " المريد بين يدَي الشَّيخ كالميت بين يدي الغاسل " ، هذا الكلام نقلوه من رسول الله والمؤمنون به فخصُّوا به المشايخ ، لو قال المسلم : " المسلم بين يدي الرسول - عليه الصلاة والسلام - كالميِّت بين يدي الغاسل " ربما يكون فيه شيء من الغلوِّ من حيث التعبير ، أما من حيث المعنى فهذا مصداق قول الله - تبارك وتعالى - : (( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) ، هذا التسليم إذا عبَّر عنه معبِّرٌ متكلِّمٌ بتلك الكلمة ؛ أي : لو قال : المسلم بين يدي الرسول كالميت بين يدي الغاسل لَكان أصابَ هذا المعنى ، ولو أنَّنا لا نقرُّه في تعبيره ، فما بالكم وقد أقرُّوا التعبير والمعنى كليهما معًا وجعلوه ... أي : رسول الله ؟! لا ؛ لغير رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فأين إخلاص اتباع لرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهم قالوا في غير الرسول ممَّن هو منهم ما لم يقولوه برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟

أضِفْ إلى ذلك كلمة أخرى مشهورة لديهم : " مَن قال لشيخه : لِمَ ؟ لا يفلح أبدًا " ، بينما نحن نجد أصحاب الرسول - عليه السلام - قد قالوا له بمناسبات شتَّى : لِمَ يا رسول الله ؟ فلم ينكر عليهم ؛ لأنه يعلم أنهم يسألون ليستفسروا عمَّا يكون قد غمضَ عليهم ، أما هؤلاء الذين نصبوهم وأنزلوه منزلة الرسول المعصوم فقد قالوا فيهم : " من قال لشيخه : لِمَ ؟ لا يفلح أبدًا " .

وليس هذا فقط ، بل من قال لشيخه في المنام : لِمَ ؟ لا يفلح . في المنام !! وهذا مذكور في كتاب مشهور ؛ وهو كتاب " إحياء علوم الدين " للغزَّالي الذي يعتقد جماهير الناس اليوم من المثقَّفين لا ... المثقَّفون يسمُّونه بحجة الإسلام ، حجة الإسلام هذا جاء في كتابه في " الإحياء " أنا قرأته بنفسي ، حكى القصة الآتية ، سمَّى شيخًا من الشيوخ التابعين في القرن الربع أن مريدًا له جاءه ، فقال له : رأيتُك في المنام ... أنك تأمرني بشيء ، فقلت لك : لِمَ ؟ - هذا في المنام كله !! - . قال المريد لشيخه : لِمَ ؟ قال راوي القصة في " الإحياء " فهَجَرَه شيخه شهرًا كاملًا ؛ لماذا ؟ لأن مريده قال له في المنام وليس في اليقظة : لِمَ ؟ هجره شهرًا كاملًا ، وليس أن حجَّة الإسلام الغزالي أورد هذه القصة ومرَّ عليها مرَّ الكرام ؛ لا ، بل وقف عندها متفقِّهًا مستنبطًا كما يفعل الفقيه المسلم في كتاب الله وفي حديث رسول الله ، فقال : دلَّت هذه القصة على أن المريد كان في قلبه زغل ضدَّ شيخه ؛ لِمَ ؟ لأنه لو كان قلبه صافيًا مع شيخه لم يَرَ في منامه نفسه يقول له : لِمَ ؟ مع أن كل عالم يعلم أن الرؤيا التي يراها المسلم فهي تحتمل أن تكون واحدة من ثلاثة كما قال - عليه السلام - في الحديث الصحيح : ( الرؤى ثلاث : فرؤيا من الرحمن ، ورؤيا من تهاويل الشيطان - أي : من تلاعبه ببني الإنسان - ، ورؤيا من تحديث النفس ) ... رؤيا هذا المريد المسكين لتأويل واحد من هذه التآويل ؛ أي : إن نفسه كانت تحدِّثه في أثناء النهار بالاعتراض على شيخه ، فرأى هذا في منامه ؛ مع أنه من المممكن أن تكون هذه الرؤيا من تهاويل الشيطان ، بل لعل الشيطان أراد بهذه القصة أن يُذَلَّ الشَّيخ نفسه قبل المريد ، ولا شك أن الشَّيخ حينما يهجر تلميذَه المخلص له في الاتباع لأنه قال له في المنام : لِمَ ؟ لا يكون متبعًا للشرع ، بل يكون ... له ، وإلا قوله له : لِمَ ؟ لو صدر في قيد حياته في صحته في حياته لم يكن في ذلك أيُّ خطأ وأيُّ وزر ؛ فلا يجوز أن يُهجر ؛ لماذا ؟ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول : ( لا يحلُّ لرجلٍ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) .

السائل : ثلاثة أيام .

الشيخ : ثلاثة أيام .

( لا يحلُّ لرجلٍ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، يلتقيان فيعرض هذا عن هذا ، ويعرض هذا عن هذا ، وخيرُهما الذي يبادر أخاه بالسلام ) . فإذا كان الرسول يقرِّر أنه لا يجوز هجر المسلم إلا ثلاثة أيام فما فوق ذلك حرام ؛ فكيف يجوز للشَّيخ العالم ذي الأخلاق الكريمة ومنها التواضع و ... والمعشر الحَسَن ؛ كيف يجوز أن يهجر أخاه المسلم ليس ثلاثة أيام بل شهرًا كاملًا لمجرَّد أنه قال له في المنام : لِمَ ؟ فانظروا كم انحرفَ المسلمون عن إخلاص الاتباع للرسول - عليه السلام - ، بل لقد انعدم هذا الاتباع بالكلية من أمثال هؤلاء ؛ حيث نقلوه من اتباع الرسول إلى اتباع الشَّيخ ؛ ولذلك وقعنا في مشكلة التي نحياها اليوم إذا قلت للإنسان : قال الله قال رسول الله ؛ كان الجواب : قال : شيخي كذا . ذلك لأنَّ الإخلاص في الاتباع قد فقدوه ، بل أحلُّوا محلَّه متبوعين آخرين ألا وهم المشايخ ، أي : مشايخ الطرق ، هذا مثال .

مواضيع متعلقة