ما مدى صحة حديث أبي هريرة : ( إن موسى - عليه السلام - لَطَمَ عينَ ملك الموت فأعوره ) ؟ وكيف الرد على من يضعِّفه بحجة أنه من الإسرائيليات ؟ وهل يجوز أن نسمِّي ملك الموت عزرائيل ؟ وكيف يجوز لنبيٍّ أن يضرب ملكًا مع العلم بأن ملك الموت شديد ؟ وهل أَذِنَ الله - سبحانه وتعالى - لموسى - عليه السلام - بذلك ؟
A-
A=
A+
السائل : يقول السَّائل : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن موسى - عليه السلام - لَطَمَ عين ملك الموت فأعوَرَه ) ، سمعت أحد العلماء يضعِّف هذا الحديث ، ويقول : إن رائحة الإسرائيلية لَتفوح من هذا الحديث ؛ فكيف نردُّ عليهم ؟ وهل يجوز أن نسمي ملك الموت " عزرائيل " ؟ وهل هناك رواية صحيحة على أن اسمه " عزرائيل " ؟ وكيف يجوز لنبيٍّ أن يضرب مَلَكًا مع العلم بأن ملك الموت شديد ؟ وهل أَذِنَ الله - سبحانه وتعالى - لموسى - عليه السلام - بذلك ؟
الشيخ : هذا السؤال له شعبتان :
الشعبة الأولى : تتعلَّق بحديث لطم موسى - عليه السلام - للملك حتى فقأَ عينه .
والشعبة الأخرى : هي هل صحَّ أن ملك موت يُسمى بعزارئيل كما هو شائع عند كثير من الناس .
نجيب عن هذا الشقِّ الثاني لأن الجواب فيه مختصر لنعود إلى الجواب عن الشطر الأول :
لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إطلاقًا تسميه ملك الموت بعزرائيل ، فقد جاء في كثير من الأحاديث اسم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل هذا ثابت ، لكن تسمية ملك الموت بعزرائيل ؛ فليس له أصل في السنة فضلًا عن القرآن الكريم .
نعود إلى الجواب عن الشق الأول من السؤال ، وهو حديث ملك الموت وتضعيف من ضعَّفه من العلماء :
بين يدي الجواب أريد أن أذكِّركم بقاعدة علميَّة معترف بها حتى عند من ليس مسلمًا ، هذه القاعدة العلمية هي : أنه لا يجوز لمن كان جاهلًا بعلم أن يتكلم فيه ؛ لأنه يخالف نصوصًا من الكتاب والسنة ، من ذلك قول ربنا - تبارك وتعالى - : (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولًا )) ، فالذي يريد أن يتكلم في الطب - مثلًا - لا يجوز أن يتكلم إذا كان مفسِّرًا ؛ لأن الطب ليس من علمه ، كما أن هذا الطبيب المختص في مهنته لا يجوز أن يتكلم في التفسير أو في الفقه أو في غير ذلك ؛ لأن هذا وذاك إذا تكلما في غير اختصاصهما ؛ فقد قفا ما لا علم له به ، ويكون قد خالف النص القرآني السابق ، هذا أظن من الأمور التي يصح أن يُذكر معه المثل العربي القديم : " هذا أمر لا يختلف في اثنان ، ولا ينتطح فيه عنزان " أي : أنه لا يجوز أن يتكلم في علمٍ ما إلا أهل الاختصاص ؛ إذا كان هذا أمرًا مسلَّمًا - وهو كذلك - عُدْنا إلى هذا الحديث أو غيره ، من الذي يتكلم فيه ؟ آلطبيب مثلًا ؟ الجواب : طبعًا لا ، آلكمياوي مثلًا ؟ الجواب : لا . أسئلة كثيرة كثيرة نقترب من الحقيقة ، آلمفسِّر ؟ الجواب : لا . آلفقيه ؟ الجواب : لا . إذًا من الذي يتكلَّم ؟ إنما هو العالم بالحديث ، وعلماء الحديث " كانوا " - كما قيل - :
كانوا إذا عدُّوا قليلًا *** فصاروا اليوم أقلَّ من القليلِ
ولذلك فلا يجوز لطلاب العلم أن يتورَّطوا بكلمة تُنقل عن عالم لا نعرف هويَّة واختصاص هذا العالم إذا ما قال : الحديث الفلاني ضعيف ، هذه قاعدة يجب أن نلتزمها دائمًا وأبدًا ، ومن عجائب المصائب التي حلَّت في الأمة من الغفلة عن القواعد العلمية المبثوثة في الكتاب والسنة أنهم يبتعدون عنها كلَّ البعد ، وإذا جاء دورُ ما يتعلق بما يخصُّ أنفسهم تجدهم يحقِّقون مثل ذلك النَّصِّ القرآني الذي يُلزم المسلمين أن يرجعوا إلى أهل الاختصاص ، مثلًا إذا أصاب أحدنا أو أحد من يخصُّنا مرض ما ؛ فهو لا يذهب إلى أيِّ طبيب ، وإنما قبل كل شيء يسأل عن المختص في ذاك المرض ، ثم يتابع السؤال والبحث والتحقيق عن الطبيب الماهر المختص في ذلك المرض ؛ حين ذاك يذهب إليه ويعرض نفسه أو حبيبه عليه ، أما فيما يتعلق بالدين ؛ فأصبح الأمر فوضى لا نظام له ، ذلك أن الناس اليوم كلما رأوا إنسانًا يُدندن حول بعض المسائل الفقهية ، أو حول بعض الآيات القرآنية ، أو الأحاديث النبوية ؛ ظنُّوا أنه عالم زمانه ! فيتوجَّهون بالأسئلة ، فيقعون في المَحذُور الذي جاء ذكره في الحديث الأول ؛ ألا وهو قوله - عليه السلام - : ( قتلوه ، قاتلهم الله ؛ ألا سألوا - أي : أهل العلم - ؛ فإنما شفاء العيِّ السؤال ) .
بعد هذا أعود لأقول : أيُّ إنسان تكلم في غير اختصاصه لا يجوز له ذلك ، وبخاصة إذا تبيَّن أن كلامه مخالف لأهل الاختصاص في العلم الذي تكلَّم هو فيه بغير علم ، فحديث لطم موسى - عليه السلام - لملك الموت حديث أخرجه الإمام البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( جاء ملك الموت إلى موسى - عليه الصلاة والسلام - فقال له : أجِبْ ربَّك . - يعني سلِّمني نفسك وروحك - . فما كان من موسى - عليه السلام - إلا أن لَطَمَه تلك اللطمة ففقأَ عينه ، فرجع الملك ملك الموت إلى ربِّه ، قال : يا رب ، أرسلتني إلى عبد يكره الموت . فقال الله له : عُدْ إليه وقل له : إن ربَّك يقول لك : ضع يدك على جلد ثور ، فلَكَ من العمر من السنين بعدد كل الشعرات التي تكون تحت أصابعك . فرجع ملك الموت إلى موسى - عليه السلام - وقال له ما أمَرَه به ربُّه ، قال موسى : وماذا بعد ذلك ؟ قال : الموت . قال : فالآن . فقبض ملكُ الموت روحَ موسى - عليه السلام - في تلك اللحظة ) . قال نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - : ( ولو كنتُ ثمَّةَ - أي حيث قبض ملك الموت روح موسى - لَأريتُكم قبره عند الكثيب الأحمر ) . هذا نصُّ الحديث في " الصحيحين " .
فالجواب الآن يحتاج إلى أن نتكلم في أكثر من مسألة :
المسألة الأولى : يتبيَّن بعد ورود هذا الحديث في " الصحيحين " أن ذلك الذي ضعَّفه هو الضعيف ؛ ذلك لأنه تكلَّم بغير علم ، وفي ظنِّي أن هذا المُضعِّف هو من أولئك الناس الكثيرين الذين يُسلِّطون ويُحكِّمون عقولهم - إن لم أقل أهواءهم ! - في الحكم على الأحاديث الصحيحة بأنها ضعيفة ، وربما قالوا : إنها موضوعة ، ما الدليل على ما زعموه من الضعف والوضع ؟ هو تحكيمهم عقولهم ، واتباعهم لأهوائهم ، (( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ )) ؛ ذلك لأنَّ الإيمان ضَعُفَ في صدور كثير من الناس ولو ممَّن قد ينتمون إلى العلم ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لم يدرسوا السُّنَّة دراسةً واعيةً مستوعبةً لطرق الحديث التي من عادتها أنها تُزيل ما قد يقع في نفوس البعض من إشكال .
نحن الآن بعد أن بيَّنا أن الذي ضعَّف الحديث هو الضعيف ، لأنه خالف أوَّلًا الإمامين اللَّذين وضعا الكتابين يُسمَّيان بـ " الصحيحين " هما باتفاق علماء السنة أصح كتاب بعد كتاب الله - تبارك وتعالى - ؛ " صحيح البخاري " و " صحيح مسلم " ، وليس هذا فقط ، بل تلقَّت الأمة ذلك بالقبول ؛ ولذلك كان كل حديث جاء في " الصحيحين " لم يتكلم أحد من علماء الحديث الذين كانوا في مرتبة البخاري ومسلم بشيء من النقد ؛ فهذه الأحاديث كلها ثابتة يقينًا عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ إذًا فلا نُقيم وزنًا لمن يضعِّف مثل هذا الحديث مهما كان شأنه ، ومهما ظنَّ الناس فيه علمًا .
أما الإشكال الذي يصوِّره السؤال أن ملك الموت كيف يضربه موسىى - عليه السلام - ؟
الجواب - وهذا في إشارة إلى ما قلته أن هؤلاء الناس لا يدرسون السنة - الجواب : في رواية في " مسند الإمام أحمد " بسند صحيح قال : ( كان ملك الموت يأتي الناس على صورة البشر ) ، فإذًا ملك الموت لما جاء عند موسى فقال له : أجِبْ ربَّك ؛ ما جاءه بالعلامة التي تجعل موسى - عليه السلام - ينتبه إلى أنَّ هذا الذي يقول له : ( أسلِمْ روحك ) هو ملك مرسل من الله ؛ فهو جاءه بصورة بشر ، وأيُّ إنسان منَّا لو جاءه شخص ويقول : ( سلِّمني روحك ) ؛ فماذا سيكون موقفه منه ؟! سيكون موقف موسى - عليه السلام - بالذات ؛ لأنه يتعدَّى على وظيفة لملكٍ كريمٍ لا يشاركه فيها الملائكة الآخرون ، فيكف إنسان يتقدَّم إلى بشر مثله ويقول : أسلِمْ روحَك ؟! فما كان منه إلا أن فقأه ، ضربه صفعه ففقأ عينه ، هذا أمر طبيعي ، والشبهة تطيح وتزول من أصلها وفصلها حينما نتذكَّر هذه الرواية الأخرى : ( أن ملك الموت كان يأتي الناس عيانًا بصورة البشر ) ؛ لذلك ترون في تتمَّة الحديث أن ملك الموت لما شَكَا أمره إلى الله وقال له : ( أرسلْتَني إلى عبدٍ يكره الموت أعطاه علامة ، وقال له : ارجع إلى موسى ، وقل له : إن ربَّك يأمرك أن تضع يدك - إلى آخر الحديث - على جلد ثور ، فلك من العمر بكلِّ شعرة تحت يدك ) . لما رجع الملك بهذا البرهان إلى موسى - عليه الصلاة والسلام - قال له : ( وماذا بعد ذلك ؟ قال : الموت . قال : إذًا فالآن ) . فقبضَ روحَه في تلك الساعة .
لماذا استسلم ...
...
إنه من أهل السنة ، أو أنه سلفي المنهج والعقيدة ؛ هل من الضروري أن يكون صادقًا كلُّ فرد من هؤلاء المدَّعين أن يكون صادقًا فيما يقول ، مطابقًا واقعه لما يقول ؟ قد وقد ، فإذًا القضية ليست بدعوى انتساب صحيح ، أو بدعوى انتساب إلى فرقة باسم جديد ؛ بقدر ما المسألة تتعلَّق بمحاولة كل مسلم أن يُلاحظ العلامة التي جعلَها الرسول - عليه السلام - للفرقة الناجية ؛ أن يكون على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، هذا هو الحُكم القاطع في الجواب عن هذا السؤال ، وبطبيعة الحال هناك مجال للتفصيل كثير وكثير جدًّا ، لكن الوقت الآن ليس مجالًا له .
نعم .
السائل : ... .
الشيخ : هذا السؤال له شعبتان :
الشعبة الأولى : تتعلَّق بحديث لطم موسى - عليه السلام - للملك حتى فقأَ عينه .
والشعبة الأخرى : هي هل صحَّ أن ملك موت يُسمى بعزارئيل كما هو شائع عند كثير من الناس .
نجيب عن هذا الشقِّ الثاني لأن الجواب فيه مختصر لنعود إلى الجواب عن الشطر الأول :
لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إطلاقًا تسميه ملك الموت بعزرائيل ، فقد جاء في كثير من الأحاديث اسم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل هذا ثابت ، لكن تسمية ملك الموت بعزرائيل ؛ فليس له أصل في السنة فضلًا عن القرآن الكريم .
نعود إلى الجواب عن الشق الأول من السؤال ، وهو حديث ملك الموت وتضعيف من ضعَّفه من العلماء :
بين يدي الجواب أريد أن أذكِّركم بقاعدة علميَّة معترف بها حتى عند من ليس مسلمًا ، هذه القاعدة العلمية هي : أنه لا يجوز لمن كان جاهلًا بعلم أن يتكلم فيه ؛ لأنه يخالف نصوصًا من الكتاب والسنة ، من ذلك قول ربنا - تبارك وتعالى - : (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولًا )) ، فالذي يريد أن يتكلم في الطب - مثلًا - لا يجوز أن يتكلم إذا كان مفسِّرًا ؛ لأن الطب ليس من علمه ، كما أن هذا الطبيب المختص في مهنته لا يجوز أن يتكلم في التفسير أو في الفقه أو في غير ذلك ؛ لأن هذا وذاك إذا تكلما في غير اختصاصهما ؛ فقد قفا ما لا علم له به ، ويكون قد خالف النص القرآني السابق ، هذا أظن من الأمور التي يصح أن يُذكر معه المثل العربي القديم : " هذا أمر لا يختلف في اثنان ، ولا ينتطح فيه عنزان " أي : أنه لا يجوز أن يتكلم في علمٍ ما إلا أهل الاختصاص ؛ إذا كان هذا أمرًا مسلَّمًا - وهو كذلك - عُدْنا إلى هذا الحديث أو غيره ، من الذي يتكلم فيه ؟ آلطبيب مثلًا ؟ الجواب : طبعًا لا ، آلكمياوي مثلًا ؟ الجواب : لا . أسئلة كثيرة كثيرة نقترب من الحقيقة ، آلمفسِّر ؟ الجواب : لا . آلفقيه ؟ الجواب : لا . إذًا من الذي يتكلَّم ؟ إنما هو العالم بالحديث ، وعلماء الحديث " كانوا " - كما قيل - :
كانوا إذا عدُّوا قليلًا *** فصاروا اليوم أقلَّ من القليلِ
ولذلك فلا يجوز لطلاب العلم أن يتورَّطوا بكلمة تُنقل عن عالم لا نعرف هويَّة واختصاص هذا العالم إذا ما قال : الحديث الفلاني ضعيف ، هذه قاعدة يجب أن نلتزمها دائمًا وأبدًا ، ومن عجائب المصائب التي حلَّت في الأمة من الغفلة عن القواعد العلمية المبثوثة في الكتاب والسنة أنهم يبتعدون عنها كلَّ البعد ، وإذا جاء دورُ ما يتعلق بما يخصُّ أنفسهم تجدهم يحقِّقون مثل ذلك النَّصِّ القرآني الذي يُلزم المسلمين أن يرجعوا إلى أهل الاختصاص ، مثلًا إذا أصاب أحدنا أو أحد من يخصُّنا مرض ما ؛ فهو لا يذهب إلى أيِّ طبيب ، وإنما قبل كل شيء يسأل عن المختص في ذاك المرض ، ثم يتابع السؤال والبحث والتحقيق عن الطبيب الماهر المختص في ذلك المرض ؛ حين ذاك يذهب إليه ويعرض نفسه أو حبيبه عليه ، أما فيما يتعلق بالدين ؛ فأصبح الأمر فوضى لا نظام له ، ذلك أن الناس اليوم كلما رأوا إنسانًا يُدندن حول بعض المسائل الفقهية ، أو حول بعض الآيات القرآنية ، أو الأحاديث النبوية ؛ ظنُّوا أنه عالم زمانه ! فيتوجَّهون بالأسئلة ، فيقعون في المَحذُور الذي جاء ذكره في الحديث الأول ؛ ألا وهو قوله - عليه السلام - : ( قتلوه ، قاتلهم الله ؛ ألا سألوا - أي : أهل العلم - ؛ فإنما شفاء العيِّ السؤال ) .
بعد هذا أعود لأقول : أيُّ إنسان تكلم في غير اختصاصه لا يجوز له ذلك ، وبخاصة إذا تبيَّن أن كلامه مخالف لأهل الاختصاص في العلم الذي تكلَّم هو فيه بغير علم ، فحديث لطم موسى - عليه السلام - لملك الموت حديث أخرجه الإمام البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( جاء ملك الموت إلى موسى - عليه الصلاة والسلام - فقال له : أجِبْ ربَّك . - يعني سلِّمني نفسك وروحك - . فما كان من موسى - عليه السلام - إلا أن لَطَمَه تلك اللطمة ففقأَ عينه ، فرجع الملك ملك الموت إلى ربِّه ، قال : يا رب ، أرسلتني إلى عبد يكره الموت . فقال الله له : عُدْ إليه وقل له : إن ربَّك يقول لك : ضع يدك على جلد ثور ، فلَكَ من العمر من السنين بعدد كل الشعرات التي تكون تحت أصابعك . فرجع ملك الموت إلى موسى - عليه السلام - وقال له ما أمَرَه به ربُّه ، قال موسى : وماذا بعد ذلك ؟ قال : الموت . قال : فالآن . فقبض ملكُ الموت روحَ موسى - عليه السلام - في تلك اللحظة ) . قال نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - : ( ولو كنتُ ثمَّةَ - أي حيث قبض ملك الموت روح موسى - لَأريتُكم قبره عند الكثيب الأحمر ) . هذا نصُّ الحديث في " الصحيحين " .
فالجواب الآن يحتاج إلى أن نتكلم في أكثر من مسألة :
المسألة الأولى : يتبيَّن بعد ورود هذا الحديث في " الصحيحين " أن ذلك الذي ضعَّفه هو الضعيف ؛ ذلك لأنه تكلَّم بغير علم ، وفي ظنِّي أن هذا المُضعِّف هو من أولئك الناس الكثيرين الذين يُسلِّطون ويُحكِّمون عقولهم - إن لم أقل أهواءهم ! - في الحكم على الأحاديث الصحيحة بأنها ضعيفة ، وربما قالوا : إنها موضوعة ، ما الدليل على ما زعموه من الضعف والوضع ؟ هو تحكيمهم عقولهم ، واتباعهم لأهوائهم ، (( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ )) ؛ ذلك لأنَّ الإيمان ضَعُفَ في صدور كثير من الناس ولو ممَّن قد ينتمون إلى العلم ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لم يدرسوا السُّنَّة دراسةً واعيةً مستوعبةً لطرق الحديث التي من عادتها أنها تُزيل ما قد يقع في نفوس البعض من إشكال .
نحن الآن بعد أن بيَّنا أن الذي ضعَّف الحديث هو الضعيف ، لأنه خالف أوَّلًا الإمامين اللَّذين وضعا الكتابين يُسمَّيان بـ " الصحيحين " هما باتفاق علماء السنة أصح كتاب بعد كتاب الله - تبارك وتعالى - ؛ " صحيح البخاري " و " صحيح مسلم " ، وليس هذا فقط ، بل تلقَّت الأمة ذلك بالقبول ؛ ولذلك كان كل حديث جاء في " الصحيحين " لم يتكلم أحد من علماء الحديث الذين كانوا في مرتبة البخاري ومسلم بشيء من النقد ؛ فهذه الأحاديث كلها ثابتة يقينًا عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ إذًا فلا نُقيم وزنًا لمن يضعِّف مثل هذا الحديث مهما كان شأنه ، ومهما ظنَّ الناس فيه علمًا .
أما الإشكال الذي يصوِّره السؤال أن ملك الموت كيف يضربه موسىى - عليه السلام - ؟
الجواب - وهذا في إشارة إلى ما قلته أن هؤلاء الناس لا يدرسون السنة - الجواب : في رواية في " مسند الإمام أحمد " بسند صحيح قال : ( كان ملك الموت يأتي الناس على صورة البشر ) ، فإذًا ملك الموت لما جاء عند موسى فقال له : أجِبْ ربَّك ؛ ما جاءه بالعلامة التي تجعل موسى - عليه السلام - ينتبه إلى أنَّ هذا الذي يقول له : ( أسلِمْ روحك ) هو ملك مرسل من الله ؛ فهو جاءه بصورة بشر ، وأيُّ إنسان منَّا لو جاءه شخص ويقول : ( سلِّمني روحك ) ؛ فماذا سيكون موقفه منه ؟! سيكون موقف موسى - عليه السلام - بالذات ؛ لأنه يتعدَّى على وظيفة لملكٍ كريمٍ لا يشاركه فيها الملائكة الآخرون ، فيكف إنسان يتقدَّم إلى بشر مثله ويقول : أسلِمْ روحَك ؟! فما كان منه إلا أن فقأه ، ضربه صفعه ففقأ عينه ، هذا أمر طبيعي ، والشبهة تطيح وتزول من أصلها وفصلها حينما نتذكَّر هذه الرواية الأخرى : ( أن ملك الموت كان يأتي الناس عيانًا بصورة البشر ) ؛ لذلك ترون في تتمَّة الحديث أن ملك الموت لما شَكَا أمره إلى الله وقال له : ( أرسلْتَني إلى عبدٍ يكره الموت أعطاه علامة ، وقال له : ارجع إلى موسى ، وقل له : إن ربَّك يأمرك أن تضع يدك - إلى آخر الحديث - على جلد ثور ، فلك من العمر بكلِّ شعرة تحت يدك ) . لما رجع الملك بهذا البرهان إلى موسى - عليه الصلاة والسلام - قال له : ( وماذا بعد ذلك ؟ قال : الموت . قال : إذًا فالآن ) . فقبضَ روحَه في تلك الساعة .
لماذا استسلم ...
...
إنه من أهل السنة ، أو أنه سلفي المنهج والعقيدة ؛ هل من الضروري أن يكون صادقًا كلُّ فرد من هؤلاء المدَّعين أن يكون صادقًا فيما يقول ، مطابقًا واقعه لما يقول ؟ قد وقد ، فإذًا القضية ليست بدعوى انتساب صحيح ، أو بدعوى انتساب إلى فرقة باسم جديد ؛ بقدر ما المسألة تتعلَّق بمحاولة كل مسلم أن يُلاحظ العلامة التي جعلَها الرسول - عليه السلام - للفرقة الناجية ؛ أن يكون على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، هذا هو الحُكم القاطع في الجواب عن هذا السؤال ، وبطبيعة الحال هناك مجال للتفصيل كثير وكثير جدًّا ، لكن الوقت الآن ليس مجالًا له .
نعم .
السائل : ... .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 230
- توقيت الفهرسة : 00:15:38
- نسخة مدققة إملائيًّا