شرح أحاديث الصيام من " بلوغ المرام " ، قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( لا تقدِّموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين إلا رجلٌ كان يصوم صومًا فليَصُمْه ) .
A-
A=
A+
الشيخ : ... من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ [آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَ] يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِع اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد .
فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
وبالنَّظر إلى أنَّنا قادمون على شهر الصيام شهر رمضان المبارك - إن شاء الله تعالى - رأينا أن نغتنم هذه المناسبة من هذا الاجتماع أن نقرأ عليكم ونبيِّن لكم بعض الأحاديث التي وَرَدَتْ في كتاب الصيام من كتاب " بلوغ المرام من أحاديث الأحكام " للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني .
قال - رحمه الله - : كتاب " الصيام " عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( لا تقدِّموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين إلا رجلٌ كان يصوم صومًا فليَصُمْه ) . متَّفقٌ عليه .
في هذا الحديث نهيٌ صريحٌ عن التقدُّم بين يدي رمضان بصوم يومٍ أو أكثر من يومٍ ، وهذا من باب المُحافظة على المقدار المفروض من الصِّيام ، ذلك هو شهر رمضان ، فلا يجوز لمسلم أن يزيدَ على رمضان سواء في التقدُّم أو في التأخُّر يومًا أو يومَين ، وهذا الحديث في الواقع وإن كان جاء خاصًّا في النهي عن التقدُّم وعن وصل أيام من شهر شعبان بشهر رمضان ففيه تلميح قويٌّ إلى أنه لا يجوز الزيادة على العبادة المفروضة ، هذا حكمٌ صريح في النهي عن أن يتقدَّمَ الرجل بصوم يومٍ أو يومين بين يدي رمضان ، ويدخل في هذا بلا شك صوم يوم الشك كما سيأتي في الحديث الثاني .
فهذا النهي عن تقدُّم رمضان بصوم يومٍ أو يومين يؤكِّد وجوب المحافظة على العبادة كما شُرعت بدون زيادة أو نقص ، فالذي فرضه الله - عز وجل - على عباده المؤمنين إنما هو صوم شهر رمضان ، فقد يكون تارةً ثلاثين يومًا وقد يكون تارةً تسعًا وعشرين يومًا ؛ فلا يجوز أن يتقدَّم بصوم يوم أو يومين خشية أن يصبح رمضان أكثر من ثلاثين يومًا مع الزمن مع مضي الزمن ومضيِّ العهد بالمسلمين عن العلم بالكتاب والسنة .
فأقول : في الوقت الذي هذا الحديث ينهى نهيًا صريحًا عن التقدُّم بين يدي رمضان بصوم يومٍ أو يومين كذلك كلُّ عبادة لا يجوز أن يتقدَّمَها كما أنه لا يجوز أن يصلَ بها ما ليس منها من العبادات والطاعات الأخرى ؛ فلا بد من الفصل الذي يُحقِّق استقلال هذا الصوم المفروض ؛ ألا وهو صوم رمضان ؛ لا بد من الفصل بإفطار قبله وبعده ليتحقَّقَ أن هذا الفرض هو فرض رمضان فقط لا يتقدَّمه شيء ولا يُوصَل به شيء ، ومن هذا القبيل تمامًا ما جاء في " صحيح مسلم " من نهي الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن يصِلَ فرض الجمعة بالسنة التي بعدها ، فأَمَرَ بالفصل بين الفرض والتطوُّع إما بالكلام وإما بالخروج والانصراف ، نهى الرسول - عليه السلام - عن وصل الفرض بالسنة التي بعده .
هذا - أيضًا - من باب سدِّ الذريعة أن يُوصل بالفرض ما ليس منه ، فيوم الجمعة بصورة خاصَّة وكل الفرائض بصورة عامَّة ينبغي بعد السلام الفصل إما بخروج وتغيير المكان وإما أن تتكلَّم مع صاحبك بكلامٍ عاديٍّ تحقيقًا للفصل ؛ علمًا أن الأمر كما قال - عليه الصلاة والسلام - بالنسبة للصلاة : ( تحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم ) ، يعني يحلُّ لك ما كان حرامًا من قبل في الصلاة بمجرَّد قولك : السلام عليكم ورحمة الله بالتسليمة الأولى ، ولكن من باب التأكيد لهذا الفصل بأكثر من السلام ومن باب سدِّ الذريعة أن يُوصَل بهذه الفريضة - وهي فريضة الصلاة - شيءٌ ليس منها أكَّد الرسول - عليه السلام - على المصلي أن يتكلَّم أو أن ينصرف ، يمين يسار أمام وخلف كلُّ هذا يؤكد هذا الأمر الذي أَمَرَ به الرسول - عليه السلام - ألَّا يتقدَّم بين يدي رمضان بصوم يومٍ أو يومين ، يبقى شهر رمضان بدون زيادة عليه كما أنه لا يجوز النقص منه ، والزائد كما يقول العامة أخو الناقص .
يقول : ( لا تقدَّموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين ) ، هل هذا النهي على إطلاقه ؟ يقول الرسول - عليه السلام - جوابًا على هذا السؤال : ( إلا رجلٌ كان يصوم صومًا فليَصُمْه ) ، هذا الاستثناء يوضِّح أن النهي السابق إنما هو خاصٌّ بمن يتعمَّد التقدُّم بين يدي رمضان بصوم يومٍ أو يومين ، أما إنسان آخر له نظام من الصيام - مثلًا - أن يكون من عادته اتباع السنة المعروفة أن يصوم من كلِّ أسبوع يوم الاثنين ويوم الخميس ، فاتَّفق أن جاء يوم الخميس وكان ذلك قبل رمضان بيوم ؛ فهل يدخل في هذه النهي ( لا تقدَّموا رمضان بصوم يومٍ أو يومين ) ؟
الجواب : لا ، ( إلا رجلٌ كان يصوم صومًا فليَصُمْه ) ، فهذا الذي اعتاد هذا الصيام المشروع له أن يتقدَّم رمضان بمثل هذا الصيام لأنه لم يتقصَّد هذا التقدُّم ، وكأن المقصود مباشرةً بهذا النهي هو صيام يوم الشك الذي سيأتي الحديث الخاص فيه ؛ لأن الذي يصوم يوم الشك يصوم اليوم الذي هو بين يدي رمضان ولم يثبت بعد أنَّ هذا اليوم - أي : يوم الشك - هو من رمضان فيصومه احتياطًا ، وفتح باب الاحتياط في الدين هو فتح لباب كبير من الزيادة في الدين ، وهذا في الواقع له أمثلة كثيرة في بعض الأحكام الفقهية .
لعلَّ الحاضرين يعلمون أنَّ بعض المذاهب تُوجب على من صلى يوم الجمعة أن يصلِّيَها بعد الفراغ منها ظهرًا ، بعض المذاهب تُوجب هذا ، لكن مذاهب أخرى لا توجبه من باب ما يوجبه المذهب الأول وهو أن الصلاة لم تصح تلك فتصلَّى هذه ، لكن هذا المذهب الآخر يقول أنُّو هناك شروط فيها خلاف إذا توفَّرت صحت الصلاة ، صلاة الجمعة وإن لم تتوفَّر لم تصح الصلاة ؛ فمن باب الاحتياط يحسُن أن يُصلَّى بعد الجمعة صلاة الظهر ، هذا الاحتياط يؤدِّي بقائله إلى مخالفة ما هو معلوم من الدِّين بالضرورة ؛ ألا وهو أن الله - عز وجل - إنما فرض في كلِّ يوم وليلة خمس صلوات ، وإلى مخالفة نصٍّ آخر وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا صلاة في يومٍ مرَّتين ) ، فنحن نعلم أنَّ المفروض يوم الجمعة هو صلاة الجمعة ، فإذا كانت صلاة الجمعة لا تصحُّ فصلاة الظهر ، أما أن يصلِّي مرتين مرة بنيَّة الجمعة ومرة بنيَّة الظهر فهذا خلاف هذا الحديث مع مخالفة ذلك المعلوم من الدِّين بالضرورة ، الحديث يقول : ( لا صلاة في يومٍ مرَّتين ) ، هذا في الوقت الواحد وقت الظهر صلى صلاتين صلاة الجمعة ثم صلاة ظهر .
فلذلك لا يجوز أن يتقدَّم الإنسان على الحكم المنصوص عليه في الشرع من باب الاحتياط ؛ أو من باب ما يقوله العامة : " زيادة الخير خير " ، لا خير بعدما شرع الله - عز وجل - على لسان نبيِّه - عليه السلام - من الخير .
الخلاصة : هذا الحديث في الوقت الذي ينهى المسلم أن يتقدَّم بين يدي رمضان بصوم يومٍ أو يومين يوضِّح أنه لا مانع من صيام ما كان معتادًا له قبل رمضان ، إذا كان له عادة أن يصوم - مثلًا - ثلاثة أيام من كلِّ شهر فجاء رمضان فله أن يصومَ هذه الثلاثة أيام ، له أن يصوم يومين ، له أن يصوم يوم واحد ما دام أنه لم يتقصَّد الصيام من أجل رمضان ؛ لأن رمضان محدود أيامه ، إنما صام تنفيذًا لتلك العادة المشروعة التي كان عليها .
إذًا هذا الحديث المُتَّفق على صحَّته بين العلماء يشمل مباشرةً ما اختلف فيه العلماء من صوم يوم الشك ؛ صوم يوم الشك منهم من يقول بشرعيَّته - أيضًا - احتياطًا ، ومنهم من يقول لا يُشرع صيامه الحديث الذي سبق دليلٌ ومؤيِّد لهذا القول الذي يقول بعدم شرعيَّة صوم يوم الشك ؛ ذلك لأنه سيأتي في الأحاديث الصحيحة أنَّ رمضان يثبت بالرؤية ، فإن لم يكن هناك رؤية فإتمام الشهر - أي : شهر شعبان - ثلاثين يومًا ؛ فلماذا يصوم الإنسان يوم الشك ؟
فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
وبالنَّظر إلى أنَّنا قادمون على شهر الصيام شهر رمضان المبارك - إن شاء الله تعالى - رأينا أن نغتنم هذه المناسبة من هذا الاجتماع أن نقرأ عليكم ونبيِّن لكم بعض الأحاديث التي وَرَدَتْ في كتاب الصيام من كتاب " بلوغ المرام من أحاديث الأحكام " للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني .
قال - رحمه الله - : كتاب " الصيام " عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( لا تقدِّموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين إلا رجلٌ كان يصوم صومًا فليَصُمْه ) . متَّفقٌ عليه .
في هذا الحديث نهيٌ صريحٌ عن التقدُّم بين يدي رمضان بصوم يومٍ أو أكثر من يومٍ ، وهذا من باب المُحافظة على المقدار المفروض من الصِّيام ، ذلك هو شهر رمضان ، فلا يجوز لمسلم أن يزيدَ على رمضان سواء في التقدُّم أو في التأخُّر يومًا أو يومَين ، وهذا الحديث في الواقع وإن كان جاء خاصًّا في النهي عن التقدُّم وعن وصل أيام من شهر شعبان بشهر رمضان ففيه تلميح قويٌّ إلى أنه لا يجوز الزيادة على العبادة المفروضة ، هذا حكمٌ صريح في النهي عن أن يتقدَّمَ الرجل بصوم يومٍ أو يومين بين يدي رمضان ، ويدخل في هذا بلا شك صوم يوم الشك كما سيأتي في الحديث الثاني .
فهذا النهي عن تقدُّم رمضان بصوم يومٍ أو يومين يؤكِّد وجوب المحافظة على العبادة كما شُرعت بدون زيادة أو نقص ، فالذي فرضه الله - عز وجل - على عباده المؤمنين إنما هو صوم شهر رمضان ، فقد يكون تارةً ثلاثين يومًا وقد يكون تارةً تسعًا وعشرين يومًا ؛ فلا يجوز أن يتقدَّم بصوم يوم أو يومين خشية أن يصبح رمضان أكثر من ثلاثين يومًا مع الزمن مع مضي الزمن ومضيِّ العهد بالمسلمين عن العلم بالكتاب والسنة .
فأقول : في الوقت الذي هذا الحديث ينهى نهيًا صريحًا عن التقدُّم بين يدي رمضان بصوم يومٍ أو يومين كذلك كلُّ عبادة لا يجوز أن يتقدَّمَها كما أنه لا يجوز أن يصلَ بها ما ليس منها من العبادات والطاعات الأخرى ؛ فلا بد من الفصل الذي يُحقِّق استقلال هذا الصوم المفروض ؛ ألا وهو صوم رمضان ؛ لا بد من الفصل بإفطار قبله وبعده ليتحقَّقَ أن هذا الفرض هو فرض رمضان فقط لا يتقدَّمه شيء ولا يُوصَل به شيء ، ومن هذا القبيل تمامًا ما جاء في " صحيح مسلم " من نهي الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن يصِلَ فرض الجمعة بالسنة التي بعدها ، فأَمَرَ بالفصل بين الفرض والتطوُّع إما بالكلام وإما بالخروج والانصراف ، نهى الرسول - عليه السلام - عن وصل الفرض بالسنة التي بعده .
هذا - أيضًا - من باب سدِّ الذريعة أن يُوصل بالفرض ما ليس منه ، فيوم الجمعة بصورة خاصَّة وكل الفرائض بصورة عامَّة ينبغي بعد السلام الفصل إما بخروج وتغيير المكان وإما أن تتكلَّم مع صاحبك بكلامٍ عاديٍّ تحقيقًا للفصل ؛ علمًا أن الأمر كما قال - عليه الصلاة والسلام - بالنسبة للصلاة : ( تحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم ) ، يعني يحلُّ لك ما كان حرامًا من قبل في الصلاة بمجرَّد قولك : السلام عليكم ورحمة الله بالتسليمة الأولى ، ولكن من باب التأكيد لهذا الفصل بأكثر من السلام ومن باب سدِّ الذريعة أن يُوصَل بهذه الفريضة - وهي فريضة الصلاة - شيءٌ ليس منها أكَّد الرسول - عليه السلام - على المصلي أن يتكلَّم أو أن ينصرف ، يمين يسار أمام وخلف كلُّ هذا يؤكد هذا الأمر الذي أَمَرَ به الرسول - عليه السلام - ألَّا يتقدَّم بين يدي رمضان بصوم يومٍ أو يومين ، يبقى شهر رمضان بدون زيادة عليه كما أنه لا يجوز النقص منه ، والزائد كما يقول العامة أخو الناقص .
يقول : ( لا تقدَّموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين ) ، هل هذا النهي على إطلاقه ؟ يقول الرسول - عليه السلام - جوابًا على هذا السؤال : ( إلا رجلٌ كان يصوم صومًا فليَصُمْه ) ، هذا الاستثناء يوضِّح أن النهي السابق إنما هو خاصٌّ بمن يتعمَّد التقدُّم بين يدي رمضان بصوم يومٍ أو يومين ، أما إنسان آخر له نظام من الصيام - مثلًا - أن يكون من عادته اتباع السنة المعروفة أن يصوم من كلِّ أسبوع يوم الاثنين ويوم الخميس ، فاتَّفق أن جاء يوم الخميس وكان ذلك قبل رمضان بيوم ؛ فهل يدخل في هذه النهي ( لا تقدَّموا رمضان بصوم يومٍ أو يومين ) ؟
الجواب : لا ، ( إلا رجلٌ كان يصوم صومًا فليَصُمْه ) ، فهذا الذي اعتاد هذا الصيام المشروع له أن يتقدَّم رمضان بمثل هذا الصيام لأنه لم يتقصَّد هذا التقدُّم ، وكأن المقصود مباشرةً بهذا النهي هو صيام يوم الشك الذي سيأتي الحديث الخاص فيه ؛ لأن الذي يصوم يوم الشك يصوم اليوم الذي هو بين يدي رمضان ولم يثبت بعد أنَّ هذا اليوم - أي : يوم الشك - هو من رمضان فيصومه احتياطًا ، وفتح باب الاحتياط في الدين هو فتح لباب كبير من الزيادة في الدين ، وهذا في الواقع له أمثلة كثيرة في بعض الأحكام الفقهية .
لعلَّ الحاضرين يعلمون أنَّ بعض المذاهب تُوجب على من صلى يوم الجمعة أن يصلِّيَها بعد الفراغ منها ظهرًا ، بعض المذاهب تُوجب هذا ، لكن مذاهب أخرى لا توجبه من باب ما يوجبه المذهب الأول وهو أن الصلاة لم تصح تلك فتصلَّى هذه ، لكن هذا المذهب الآخر يقول أنُّو هناك شروط فيها خلاف إذا توفَّرت صحت الصلاة ، صلاة الجمعة وإن لم تتوفَّر لم تصح الصلاة ؛ فمن باب الاحتياط يحسُن أن يُصلَّى بعد الجمعة صلاة الظهر ، هذا الاحتياط يؤدِّي بقائله إلى مخالفة ما هو معلوم من الدِّين بالضرورة ؛ ألا وهو أن الله - عز وجل - إنما فرض في كلِّ يوم وليلة خمس صلوات ، وإلى مخالفة نصٍّ آخر وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا صلاة في يومٍ مرَّتين ) ، فنحن نعلم أنَّ المفروض يوم الجمعة هو صلاة الجمعة ، فإذا كانت صلاة الجمعة لا تصحُّ فصلاة الظهر ، أما أن يصلِّي مرتين مرة بنيَّة الجمعة ومرة بنيَّة الظهر فهذا خلاف هذا الحديث مع مخالفة ذلك المعلوم من الدِّين بالضرورة ، الحديث يقول : ( لا صلاة في يومٍ مرَّتين ) ، هذا في الوقت الواحد وقت الظهر صلى صلاتين صلاة الجمعة ثم صلاة ظهر .
فلذلك لا يجوز أن يتقدَّم الإنسان على الحكم المنصوص عليه في الشرع من باب الاحتياط ؛ أو من باب ما يقوله العامة : " زيادة الخير خير " ، لا خير بعدما شرع الله - عز وجل - على لسان نبيِّه - عليه السلام - من الخير .
الخلاصة : هذا الحديث في الوقت الذي ينهى المسلم أن يتقدَّم بين يدي رمضان بصوم يومٍ أو يومين يوضِّح أنه لا مانع من صيام ما كان معتادًا له قبل رمضان ، إذا كان له عادة أن يصوم - مثلًا - ثلاثة أيام من كلِّ شهر فجاء رمضان فله أن يصومَ هذه الثلاثة أيام ، له أن يصوم يومين ، له أن يصوم يوم واحد ما دام أنه لم يتقصَّد الصيام من أجل رمضان ؛ لأن رمضان محدود أيامه ، إنما صام تنفيذًا لتلك العادة المشروعة التي كان عليها .
إذًا هذا الحديث المُتَّفق على صحَّته بين العلماء يشمل مباشرةً ما اختلف فيه العلماء من صوم يوم الشك ؛ صوم يوم الشك منهم من يقول بشرعيَّته - أيضًا - احتياطًا ، ومنهم من يقول لا يُشرع صيامه الحديث الذي سبق دليلٌ ومؤيِّد لهذا القول الذي يقول بعدم شرعيَّة صوم يوم الشك ؛ ذلك لأنه سيأتي في الأحاديث الصحيحة أنَّ رمضان يثبت بالرؤية ، فإن لم يكن هناك رؤية فإتمام الشهر - أي : شهر شعبان - ثلاثين يومًا ؛ فلماذا يصوم الإنسان يوم الشك ؟
- تسجيلات متفرقة - شريط : 58
- توقيت الفهرسة : 00:00:03
- نسخة مدققة إملائيًّا