بشأن فتواكم المتعلِّقة الذهب المحلَّق هل هذا خاص بالذي لم يُزكَّ عنه ؟ وهل يُزكَّى عن الذهب الذي ترتديه المرأة ؟ وهل يجوز للرجل أن يزكِّي من ماله عن هذا الذَّهب الذي ترتديه زوجته ؟ وهل يمكن فصله لكي يصير حلالًا ؟
A-
A=
A+
السائل : هناك أسئلة وردت كثيرة - أيضًا - بشأن فتواكم المتعلِّقة بالذهب ؛ تحريم الذهب المحلَّق بالنسبة للنساء - أيضًا - ، فهنا ورد سؤال - مثلًا - يقول : أنه هو حديث جاء حديث أنَّ امرأة جاءت إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت قد لبست سوار من ذهب ، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : أنه يجب عليها أن تزكِّيَ فيه ، وأنها تُطوَّق بنار يوم القيامة . فقالوا : أن هذا بالنسبة إذا لم يزكِّ عن الذهب فيكون حرام . هناك - أيضًا - متعلِّق بهذا الموضوع - أسئلة كثيرة - : هل يُزكَّى عن هذا الذهب الذي ترتديه المرأة ؟ وهل يجوز للرجل أن يزكِّي من ماله عن هذا الذَّهب الذي ترتديه زوجته ؟ وهل يمكن أن نفصل الحلقة حلقة الذهب بفضَّة أو بخيط أو بشيء من هذا فيعود حلالًا ؟ كل هذه أمور متعلقة بالذهب المحلَّق للنساء .
الشيخ : قبل الإجابة على هذه الأسئلة أرجو من النساء الحاضرات ومن يبلغهنَّ صوتي أو جوابي أن يتثقَّفْنَ ، وأن يتفقَّهن في الدين ، وأن يقرأْنَ ما يسَّر الله لهنَّ من الكتب المؤلفة على منهج الكتاب والسنة والسلف الصالح ، أقول هذا لأن كل الأسئلة التي وردت الآن هي محرَّرة تحريرًا كاملًا في كتابي " آداب الزفاف في السنة المطهرة " ، وأرجو فيما بعد أن ترجع المرأة المثقَّفة منكنَّ إلى هذا الكتاب لتتبيَّن لها الحقيقة بأوضح بيان . بعد هذه التوطئة أقول :
هناك أحاديث كثيرة لتحريم نوع معيَّن من الذهب ، وأحاديث أخرى في إيجاب الزكاة على هذا الذهب الذي تتحلَّى به المرأة ، فلا يجوز الخلط بين كلٍّ من النوعين من الحديثين ، حديث يوجب الزكاة على الحليِّ ، وحديث آخر يحرِّم ذاك النوع من الحليِّ دون أن يتعرَّضَ لإيجاب الزكاة ، هذه الأحاديث كلها موجودة في ذلك الكتاب " آداب الزفاف في السنة المطهرة " .
الحديث الذي جاء في السؤال فيه أنَّ الرسول - عليه السلام - قال للمرأة : ( أتخرجين زكاته ؟ ) . قالت : لا . فقال - عليه السلام - : ( جمرةٌ من نار ) ، لكن هذا شيء ، وحديث آخر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى في يد امرأة فتخًا من ذهب - والفتخ هو الخاتم ، وقيل : إنه الخاتم الضخم - فتخًا من ذهب ، فضرب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بعُصَيَّة كانت في يده على إصبعها ) . دون أن يأتي في هذا الحديث ذكر لأمره - صلى الله عليه وسلم - بإيجاب إخراج الزكاة ، فخلط ذاك الحديث بهذا الحديث أمر لا يجوز إسلاميًّا ؛ خاصَّة إذا كان من الدعاة أو الداعيات ، يجب علينا نحن السلفيين جميعًا نساءً ورجالًا أن نكونَ على بصيرةٍ من ديننا كما قال ربُّنا - عزوجل - : (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )) ، فإذا كان جاء في حديث أنَّ الرسول - عليه السلام - سألَ المرأة التي في يدها خاتم من فضَّة : ( أتخرجين زكاة ؟ ) . قالت : لا . قال : ( جمرة من نار ) ، وجاء حديث آخر بأنه : ضربَها لأنها تتختَّم بخاتم من ذهب دون أن يتعرَّض لسؤالها بما سأل الأولى ؛ فحينئذٍ نأخذ من كل من الحديث حكمًا لا نأخذه من حديث آخر ، ففي الحديث الأول نأخذ حكمًا بوجوب إخراج زكاة الحليِّ ، الحديث الآخر : نأخذ حكمًا بأنه لا يجوز التَّحلِّي بما كان ذهبًا ، وانظُرْنَ - أيضًا - بأن هناك فرقًا الحديث الذي فيه أن الرسول - عليه السلام - قال : ( أتخرجين زكاته ؟ ) جاء في خاتم الفضة ، خاتم الفضة الذي يجوز للرجل فضلًا عن المرأة أن يتختَّم به .
فإذًا موضوع الحديث هو موضوع حكم وجوب إخراج الزكاة عن الحليِّ بغضِّ النظر هذا الحلي مباح أو محرم ، أما الحديث الآخر ففيه التصريح أنه رأى خاتمًا في يد امرأة فضربها بعُصيَّة كانت بيده ، ثم انطلقت هذه المرأة إلى فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وسُرعان ما دخل الرسول - عليه السلام - عليها فوجدَ في يدها سلسلة من ذهب ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( يا فاطمة ، أيسرُّك أن يتحدَّث الناس فيقولوا : فاطمة بنت محمَّد في يدها سلسلة من نار ؟! ) ، - عفوًا - ( في عنقها سلسلة من نار ؟! ) ، وعَذَمَها عذمًا شديدًا . فما كان منها - رضي الله عنها - إلا أن انطلقت فباعت السلسلة واشترت بثمنها عبدًا وأعتقَتْه ، فلما بلغ ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الحمد لله الذي نجَّى فاطمة من النار ) .
ففي هذا الحديث - أيضًا - لا نرى فيه ذكرًا لقضية الزكاة ، وإنما الحديث كله يدندن حول التحلِّي بالذهب ، والتحلي في أول القصة بالخاتم ، وفي نهاية القصة المتعلِّقة بفاطمة سلسلة من ذهب تعلِّقُها على عنقها فحرَّم ذلك - عليه السلام - ، ولمَّا تابت السيدة فاطمة وأتمَمَت توبتها بتحقيق حديث معروف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قوله : ( وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها ، وخالِقِ الناسَ بخلقٍ حسنٍ ) ، لما السيدة فاطمة - رضي الله عنها - باعت السلسلة واشترت بقيمة هذه السلسلة عبدًا أعتقته قال - عليه السلام - وهو فرح مسرور : ( الحمد لله الذي نجَّى فاطمة من النار ) .
ماذا فعلت فاطمة هنا حتى أنَّ أباها حَمِدَ الله - عز وجل - أن أنجى ابنته من النار ؟ هل هي لم تزكِّ ؟ لم يأت ذكر الزكاة في هذه القصة إطلاقًا لا في أولها ولا في آخرها ، لكن الرسول - عليه السلام - صرَّح : ( أيسرُّك أن يتحدث الناس فيقولوا : في عنق فاطمة سلسلة من نار ؟ ) ؛ ذلك لأنها تتحلَّى وتتزيَّن بما حرَّم الله - تبارك وتعالى - .
وشيء آخر - أو حديث آخر - أرجو أن يظلَّ محفوظًا في أذهانكنَّ ؛ أَلَا وهو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( من أحبَّ أن يطوِّقَ حبيبَه بطوقٍ من نار فليطوِّقْه بطوقٍ من ذهب ، ومن أحبَّ أن يسوِّرَ حبيبَه بسوارٍ من نار فليسوِّرْه بسوارٍ من ذهب ، ومن أحبَّ أن يحلِّقَ حبيبَه بحلقةٍ من نارٍ فليحلِّقْه بحلقةٍ من ذهبٍ ، وأما الفضة فالعبوا بها ، فالعبوا بها ، فالعبوا بها ) .
إذا كان بعض الناس يخلط بين حديث إيجاب الزكاة على الحليِّ ، وبين حديث تحريم التحلِّي بالذهب ؛ فهل هناك خلط - أيضًا - بين ذلك الحديث وبين حديث فاطمة ، وبين ذاك الحديث والحديث الأخير : ( من أحبَّ أن يحلِّقَ حبيبَه بحلقةٍ من نارٍ فليحلِّقْه بحلقةٍ من ذهب ) ، فمن الاسراف بل والاعتداء على نصوص الشريعة أن تُحمَلَ كل هذه الأحاديث على حديث واحد الذي فيه أن الرسول - عليه السلام - أنكر على المرأة لأنها لا تُخرِجُ زكاة ذلك الحليَّ ، فهذه نقطة ينبغي أن نكون على بيِّنةٍ منها . باختصار هناك أحاديث متنوِّعة كلها تدندن حول تحريم الذَّهب المحلَّق على النساء ، حديث واحد منها يدندن حول إيجاب الزكاة على الحليِّ ، حتى ولو كان فضَّة التي أباح الرسول - عليه السلام - للمرأة أن تتزيَّن به .
وحقيقة أخرى طالما سمعتها هنا وهناك ، وتلك إشاعة من بعض الحاقدين الحاسدين المغرضين ؛ يشيعون بين الناس أنُّو لا أحد من علماء المسلمين من يوم أرسل الله محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى زمن الألباني ما أحد يقول بما يقول الألباني من تحريم الذهب المحلَّق على النساء . هذه فرية أرجو ألَّا نقعَ نحن السلفيين الذين أنعم الله علينا فوحَّدنا في اجتماعنا على كتاب الله وعلى حديث رسول الله وعلى منهج السلف الصالح ، فالمسألة فيها خلاف ، وفيها أقوال تُوافق قولنا ، وفيها أقوال تُخالف قولنا ، وإن كانت هذه الأقوال أكثر من تلك ، وأظن أننا جميعًا مقتنعون أن الحقَّ لا يُعرف بالرجال وإنما الرجال تُعرف بالحق ، اعرف الحقَّ تعرف الرجال ، والله - عز وجل - يقول : (( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )) ، فنحن لسنا جمهوريِّين نتَّبع الناس على ما كان المتَّبعون للحكم أكثر وهو الراجح عندنا ، وما كان المتَّبعون أقل فهو مرجوح ، لا ، لو كان هناك قاعدة في هذه القضية لَكان اتباع الأقل عددًا أولى من اتباع الأكثر عددًا إذا اختلفوا ؛ لأننا نجد في نصوص الكتاب والسنة أنَّ الله - عز وجل - يذمُّ الكثرة ويمدح القلة ولا عكس ، لكن نحن لا نجعل القاعدة لا هكذا ولا على العكس ، وإنما نقول : نحن أتباع الدليل ، مع من كان وأيًّا ما كان . لكن الشاهد أن القول بأن هذه المسألة لا يقول بها إلا فلان فهذا زور وبهتان ما أنزل الله به من سلطان ، ومن شاء البسط والبيان فعليه " بآداب الزفاف في السنة المطهرة " كما ذكرنا .
السائل : هل يجوز فصل حلقة الذهب ... ؟
الشيخ : وأما تساؤل البعض عن السِّوار والخاتم إذا كان مفصولًا ؛ أي : لا يشكِّل حلقة كاملة ، وإنما في فتحة ، فهذا لا يغيِّر الحكم ؛ لأن هذا السوار سواء كان حلقة مغلقة أو كان حلقة مفتوحة فاسمه سوار ، ونحن لا نخرج عن اللغة العربية ، ولذلك فالسوار سوار سواء كان مُغلقًا أو كان مفتوحًا ، فلا يجوز على كل حال ، لكن إذا خرج الشيء عن كونه سوارًا من ذهب ، أو عن كونه طَوقًا من ذهب ، أو حلقة من ذهب ؛ حينَ ذاك أخذ حكمًا آخر ، مثلًا سوار من فضَّة عليه زرٌّ أو فصٌّ من ذهب ؛ فهذا السوار لا يُقال لغةً سوار من ذهب ، بل هو سوار من فضة ولو كان في عليه فص أو نقش من ذهب ، كذلك لو افترضنا صورة أخرى ؛ طوقًا يحيط بالعنق من قماش من قطيفة لون جميل قماش ناعم إلى آخره ، يُعلَّق عليه في أسفله قطعة من ذهب ، فهذا لا يُسمَّى طوق من ذهب ، هو طوق من قماش ، لكن معلَّق عليه قطعة من ذهب ، هذه القطعة يجوز للمرأة استعمالها ؛ لأننا إنما ذكرنا أن المُحلَّق - أي : الذي يحيط بالعنق - هو الذي حرَّمته تلك الأحاديث ، ولم تحرِّم الأحاديث الذهب على النساء مطلقًا كما قد يتوهَّم بعض الناس ، وإنما حرَّم الذهب المحلَّق ؛ إما أن يحيط بالإصبع ، وإما أن يحيط بالمعصم ، وإما أن يحيط بالعنق ، فلو أنَّ امرأة اتخذت مشطًا من ذهب وعلَّقته شبَّكته بشعرها ، لا مانع من ذلك ؛ لأنه مباح في عموم قوله - عليه السلام - : ( حلٌّ لإناث أمتي ) .
فتساؤل بعض النساء كما يقول كثير منهنَّ ومن أزواجهنَّ ما خليت لنا يا شيخ شيء للزينة ، إذا كان هذا حرام وهذا حرام وهذا حرام فلم يبقَ شيء ؛ فالجواب : لم يبقَ شيء لأنهنَّ اعتدْنَ نوع من التحلي هو الذي حرَّمه الشارع ، أما لو اتَّخذت امرأة أزرارًا من ذهب ، مشطًا من ذهب ؛ فهذا كله جائز ؛ لأنه ليس ذهبًا محلَّقًا ؛ فإذًا كون السوار مفتوح هذا لا يرفع عنه اسم السوار ، لكن هذا السوار اللي هو مفتوح هو فضة ، وفي هذه الفتحة هَيْ رُكِّب عليه قطعة من ذهب زينة ما في مانع ؛ لأن السوار في هذه الصورة لا يُوصف لغةً ولا شرعا بأنه سوار من ذهب ، وهكذا قِسْ في كلِّ الأنواع التي حرَّمها الرسول - عليه الصلاة والسلام - .
الشيخ : قبل الإجابة على هذه الأسئلة أرجو من النساء الحاضرات ومن يبلغهنَّ صوتي أو جوابي أن يتثقَّفْنَ ، وأن يتفقَّهن في الدين ، وأن يقرأْنَ ما يسَّر الله لهنَّ من الكتب المؤلفة على منهج الكتاب والسنة والسلف الصالح ، أقول هذا لأن كل الأسئلة التي وردت الآن هي محرَّرة تحريرًا كاملًا في كتابي " آداب الزفاف في السنة المطهرة " ، وأرجو فيما بعد أن ترجع المرأة المثقَّفة منكنَّ إلى هذا الكتاب لتتبيَّن لها الحقيقة بأوضح بيان . بعد هذه التوطئة أقول :
هناك أحاديث كثيرة لتحريم نوع معيَّن من الذهب ، وأحاديث أخرى في إيجاب الزكاة على هذا الذهب الذي تتحلَّى به المرأة ، فلا يجوز الخلط بين كلٍّ من النوعين من الحديثين ، حديث يوجب الزكاة على الحليِّ ، وحديث آخر يحرِّم ذاك النوع من الحليِّ دون أن يتعرَّضَ لإيجاب الزكاة ، هذه الأحاديث كلها موجودة في ذلك الكتاب " آداب الزفاف في السنة المطهرة " .
الحديث الذي جاء في السؤال فيه أنَّ الرسول - عليه السلام - قال للمرأة : ( أتخرجين زكاته ؟ ) . قالت : لا . فقال - عليه السلام - : ( جمرةٌ من نار ) ، لكن هذا شيء ، وحديث آخر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى في يد امرأة فتخًا من ذهب - والفتخ هو الخاتم ، وقيل : إنه الخاتم الضخم - فتخًا من ذهب ، فضرب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بعُصَيَّة كانت في يده على إصبعها ) . دون أن يأتي في هذا الحديث ذكر لأمره - صلى الله عليه وسلم - بإيجاب إخراج الزكاة ، فخلط ذاك الحديث بهذا الحديث أمر لا يجوز إسلاميًّا ؛ خاصَّة إذا كان من الدعاة أو الداعيات ، يجب علينا نحن السلفيين جميعًا نساءً ورجالًا أن نكونَ على بصيرةٍ من ديننا كما قال ربُّنا - عزوجل - : (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )) ، فإذا كان جاء في حديث أنَّ الرسول - عليه السلام - سألَ المرأة التي في يدها خاتم من فضَّة : ( أتخرجين زكاة ؟ ) . قالت : لا . قال : ( جمرة من نار ) ، وجاء حديث آخر بأنه : ضربَها لأنها تتختَّم بخاتم من ذهب دون أن يتعرَّض لسؤالها بما سأل الأولى ؛ فحينئذٍ نأخذ من كل من الحديث حكمًا لا نأخذه من حديث آخر ، ففي الحديث الأول نأخذ حكمًا بوجوب إخراج زكاة الحليِّ ، الحديث الآخر : نأخذ حكمًا بأنه لا يجوز التَّحلِّي بما كان ذهبًا ، وانظُرْنَ - أيضًا - بأن هناك فرقًا الحديث الذي فيه أن الرسول - عليه السلام - قال : ( أتخرجين زكاته ؟ ) جاء في خاتم الفضة ، خاتم الفضة الذي يجوز للرجل فضلًا عن المرأة أن يتختَّم به .
فإذًا موضوع الحديث هو موضوع حكم وجوب إخراج الزكاة عن الحليِّ بغضِّ النظر هذا الحلي مباح أو محرم ، أما الحديث الآخر ففيه التصريح أنه رأى خاتمًا في يد امرأة فضربها بعُصيَّة كانت بيده ، ثم انطلقت هذه المرأة إلى فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وسُرعان ما دخل الرسول - عليه السلام - عليها فوجدَ في يدها سلسلة من ذهب ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( يا فاطمة ، أيسرُّك أن يتحدَّث الناس فيقولوا : فاطمة بنت محمَّد في يدها سلسلة من نار ؟! ) ، - عفوًا - ( في عنقها سلسلة من نار ؟! ) ، وعَذَمَها عذمًا شديدًا . فما كان منها - رضي الله عنها - إلا أن انطلقت فباعت السلسلة واشترت بثمنها عبدًا وأعتقَتْه ، فلما بلغ ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الحمد لله الذي نجَّى فاطمة من النار ) .
ففي هذا الحديث - أيضًا - لا نرى فيه ذكرًا لقضية الزكاة ، وإنما الحديث كله يدندن حول التحلِّي بالذهب ، والتحلي في أول القصة بالخاتم ، وفي نهاية القصة المتعلِّقة بفاطمة سلسلة من ذهب تعلِّقُها على عنقها فحرَّم ذلك - عليه السلام - ، ولمَّا تابت السيدة فاطمة وأتمَمَت توبتها بتحقيق حديث معروف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قوله : ( وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها ، وخالِقِ الناسَ بخلقٍ حسنٍ ) ، لما السيدة فاطمة - رضي الله عنها - باعت السلسلة واشترت بقيمة هذه السلسلة عبدًا أعتقته قال - عليه السلام - وهو فرح مسرور : ( الحمد لله الذي نجَّى فاطمة من النار ) .
ماذا فعلت فاطمة هنا حتى أنَّ أباها حَمِدَ الله - عز وجل - أن أنجى ابنته من النار ؟ هل هي لم تزكِّ ؟ لم يأت ذكر الزكاة في هذه القصة إطلاقًا لا في أولها ولا في آخرها ، لكن الرسول - عليه السلام - صرَّح : ( أيسرُّك أن يتحدث الناس فيقولوا : في عنق فاطمة سلسلة من نار ؟ ) ؛ ذلك لأنها تتحلَّى وتتزيَّن بما حرَّم الله - تبارك وتعالى - .
وشيء آخر - أو حديث آخر - أرجو أن يظلَّ محفوظًا في أذهانكنَّ ؛ أَلَا وهو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( من أحبَّ أن يطوِّقَ حبيبَه بطوقٍ من نار فليطوِّقْه بطوقٍ من ذهب ، ومن أحبَّ أن يسوِّرَ حبيبَه بسوارٍ من نار فليسوِّرْه بسوارٍ من ذهب ، ومن أحبَّ أن يحلِّقَ حبيبَه بحلقةٍ من نارٍ فليحلِّقْه بحلقةٍ من ذهبٍ ، وأما الفضة فالعبوا بها ، فالعبوا بها ، فالعبوا بها ) .
إذا كان بعض الناس يخلط بين حديث إيجاب الزكاة على الحليِّ ، وبين حديث تحريم التحلِّي بالذهب ؛ فهل هناك خلط - أيضًا - بين ذلك الحديث وبين حديث فاطمة ، وبين ذاك الحديث والحديث الأخير : ( من أحبَّ أن يحلِّقَ حبيبَه بحلقةٍ من نارٍ فليحلِّقْه بحلقةٍ من ذهب ) ، فمن الاسراف بل والاعتداء على نصوص الشريعة أن تُحمَلَ كل هذه الأحاديث على حديث واحد الذي فيه أن الرسول - عليه السلام - أنكر على المرأة لأنها لا تُخرِجُ زكاة ذلك الحليَّ ، فهذه نقطة ينبغي أن نكون على بيِّنةٍ منها . باختصار هناك أحاديث متنوِّعة كلها تدندن حول تحريم الذَّهب المحلَّق على النساء ، حديث واحد منها يدندن حول إيجاب الزكاة على الحليِّ ، حتى ولو كان فضَّة التي أباح الرسول - عليه السلام - للمرأة أن تتزيَّن به .
وحقيقة أخرى طالما سمعتها هنا وهناك ، وتلك إشاعة من بعض الحاقدين الحاسدين المغرضين ؛ يشيعون بين الناس أنُّو لا أحد من علماء المسلمين من يوم أرسل الله محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى زمن الألباني ما أحد يقول بما يقول الألباني من تحريم الذهب المحلَّق على النساء . هذه فرية أرجو ألَّا نقعَ نحن السلفيين الذين أنعم الله علينا فوحَّدنا في اجتماعنا على كتاب الله وعلى حديث رسول الله وعلى منهج السلف الصالح ، فالمسألة فيها خلاف ، وفيها أقوال تُوافق قولنا ، وفيها أقوال تُخالف قولنا ، وإن كانت هذه الأقوال أكثر من تلك ، وأظن أننا جميعًا مقتنعون أن الحقَّ لا يُعرف بالرجال وإنما الرجال تُعرف بالحق ، اعرف الحقَّ تعرف الرجال ، والله - عز وجل - يقول : (( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )) ، فنحن لسنا جمهوريِّين نتَّبع الناس على ما كان المتَّبعون للحكم أكثر وهو الراجح عندنا ، وما كان المتَّبعون أقل فهو مرجوح ، لا ، لو كان هناك قاعدة في هذه القضية لَكان اتباع الأقل عددًا أولى من اتباع الأكثر عددًا إذا اختلفوا ؛ لأننا نجد في نصوص الكتاب والسنة أنَّ الله - عز وجل - يذمُّ الكثرة ويمدح القلة ولا عكس ، لكن نحن لا نجعل القاعدة لا هكذا ولا على العكس ، وإنما نقول : نحن أتباع الدليل ، مع من كان وأيًّا ما كان . لكن الشاهد أن القول بأن هذه المسألة لا يقول بها إلا فلان فهذا زور وبهتان ما أنزل الله به من سلطان ، ومن شاء البسط والبيان فعليه " بآداب الزفاف في السنة المطهرة " كما ذكرنا .
السائل : هل يجوز فصل حلقة الذهب ... ؟
الشيخ : وأما تساؤل البعض عن السِّوار والخاتم إذا كان مفصولًا ؛ أي : لا يشكِّل حلقة كاملة ، وإنما في فتحة ، فهذا لا يغيِّر الحكم ؛ لأن هذا السوار سواء كان حلقة مغلقة أو كان حلقة مفتوحة فاسمه سوار ، ونحن لا نخرج عن اللغة العربية ، ولذلك فالسوار سوار سواء كان مُغلقًا أو كان مفتوحًا ، فلا يجوز على كل حال ، لكن إذا خرج الشيء عن كونه سوارًا من ذهب ، أو عن كونه طَوقًا من ذهب ، أو حلقة من ذهب ؛ حينَ ذاك أخذ حكمًا آخر ، مثلًا سوار من فضَّة عليه زرٌّ أو فصٌّ من ذهب ؛ فهذا السوار لا يُقال لغةً سوار من ذهب ، بل هو سوار من فضة ولو كان في عليه فص أو نقش من ذهب ، كذلك لو افترضنا صورة أخرى ؛ طوقًا يحيط بالعنق من قماش من قطيفة لون جميل قماش ناعم إلى آخره ، يُعلَّق عليه في أسفله قطعة من ذهب ، فهذا لا يُسمَّى طوق من ذهب ، هو طوق من قماش ، لكن معلَّق عليه قطعة من ذهب ، هذه القطعة يجوز للمرأة استعمالها ؛ لأننا إنما ذكرنا أن المُحلَّق - أي : الذي يحيط بالعنق - هو الذي حرَّمته تلك الأحاديث ، ولم تحرِّم الأحاديث الذهب على النساء مطلقًا كما قد يتوهَّم بعض الناس ، وإنما حرَّم الذهب المحلَّق ؛ إما أن يحيط بالإصبع ، وإما أن يحيط بالمعصم ، وإما أن يحيط بالعنق ، فلو أنَّ امرأة اتخذت مشطًا من ذهب وعلَّقته شبَّكته بشعرها ، لا مانع من ذلك ؛ لأنه مباح في عموم قوله - عليه السلام - : ( حلٌّ لإناث أمتي ) .
فتساؤل بعض النساء كما يقول كثير منهنَّ ومن أزواجهنَّ ما خليت لنا يا شيخ شيء للزينة ، إذا كان هذا حرام وهذا حرام وهذا حرام فلم يبقَ شيء ؛ فالجواب : لم يبقَ شيء لأنهنَّ اعتدْنَ نوع من التحلي هو الذي حرَّمه الشارع ، أما لو اتَّخذت امرأة أزرارًا من ذهب ، مشطًا من ذهب ؛ فهذا كله جائز ؛ لأنه ليس ذهبًا محلَّقًا ؛ فإذًا كون السوار مفتوح هذا لا يرفع عنه اسم السوار ، لكن هذا السوار اللي هو مفتوح هو فضة ، وفي هذه الفتحة هَيْ رُكِّب عليه قطعة من ذهب زينة ما في مانع ؛ لأن السوار في هذه الصورة لا يُوصف لغةً ولا شرعا بأنه سوار من ذهب ، وهكذا قِسْ في كلِّ الأنواع التي حرَّمها الرسول - عليه الصلاة والسلام - .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 10
- توقيت الفهرسة : 00:09:52
- نسخة مدققة إملائيًّا