من دروس " الترغيب والترهيب " للمنذري ، " باب : الترغيب في الإسراع بالجنازة وتعجيل الدفن " ، حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أسرعوا بالجنازة ؛ فإن تَكُ صالحةً فخيرٌ تقدِّمونه إليها ، وإن تَكُ سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) .
A-
A=
A+
الشيخ : (( ... أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد :
فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
درسنا الليلة من كتاب " الترغيب والترهيب " للحافظ المنذري في " باب : الترغيب في الإسراع بالجنازة وتعجيل الدفن " ، الحديث الأول وهو صحيح كما يدلُّكم على ذلك تخريج المؤلف إياه ، قال - رحمه الله - :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( أسرعوا بالجنازة ؛ فإن تَكُ صالحةً فخيرٌ تقدِّمونه إليها ، وإن تَكُ سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) ، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
في هذا الحديث الصحيح بيان أدب بل واجب من واجبات تشييع جنازة المسلم ؛ ألا وهو وجوب الإسراع بتجهيزها وإيصالها إلى قبرها ، ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث يبيِّن العلة الشرعية التي تُوجب هذا الحكم الشرعي ؛ ألا وهو الإسراع بتجهيز الميت ودفنه ، فهو يقول : إن الميت إما أن يكون صالحًا فالتعجيل به وبدفنه في قبره هو خيرٌ تعجِّلون به إليه ، والعكس بالعكس ؛ الإبطاء بدفنه فإنما هو تأخير لهذاك الخير عنه ، ما هو الخير الذي يُشير الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث بالنسبة للرجل الصالح الذي يُفترض أن تكون الجنازة من نوعه ، ما هو هذا الخير الذي نقدِّمه ونعجِّل به إليه ؟
هو مما جاء في بعض الأحاديث التي لم يصحَّ إسنادها ولكن صحَّ مضمونها ؛ مثل : ( القبر روضةٌ من رياض الجنة ، أو حفرةٌ من حفر النار ) ، هذا المعنى وَرَدَ في عديد من الأحاديث الصحيحة كما كنتُ جمعتُ شيئًا منها في كتابي المطبوع والمعروف " أحكام الجنائز وبدعها " ، فهناك أحاديث تدل على أن الميت إذا وُضع في قبره فإذا كان مؤمنًا ، وسُئل من قبل الملكَين الكريمَين منكر ونكير السؤال المعروف : " مَن ربُّك ؟ مَن نبيُّك ؟ ما دينك ؟ " ؛ فإذا كان رجلًا مؤمنا صالحًا أجاب الجواب الذي كان قد انطبع في قلبه يوم كان متمتِّعًا بعقله الذي هو مناط تكليف الشارع له ، فاستجاب لدعوة الله والرسول وآمَنَ بكل ما جاء به الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ؛ فهو سيكون جوابه كما يُقال اليوم " أتوماتيكيًّا " طبيعيًّا ؛ لأنه متشبِّع بهذه العقيدة إلى آخر رمق من حياته ، فسيكون جوابه عن السؤال الأول : " ربي الله " ، وعن الثاني : " محمد رسول الله " ، وعن الثالث : " ديني الإسلام " ؛ فحينئذٍ يُقال له : " نَمْ نومة العروس " ، فيُفتح له من قبره طاقة يرى منها ويُطِلُّ منها على منزله ومكانه في الجنة ، فيأتيه من رَوْحها وريحها ؛ فلا يزال ينعَمُ بذلك إلى أن تقوم الساعة . وإن كان الرجل منافقًا أو كافرًا ؛ فهو لا يستطيع أن يُجيب ؛ ذلك لأن فاقد الشيء كما يُقال لا يعطيه ، فهو كان في الدنيا حينما كُلِّف بأن يؤمن بالله ورسوله كان كافرًا ، أو كان منافقًا يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر ، فحينما يُسأل : مَن ربُّك ؟ مَن نبيُّك ؟ ما دينك ؟ لا يدري ، فيُقال له حينما يجيب بجواب : " لا أدري " : " لا دريت ولا تليت " ، ويُضرب بتلك المطرقة فتتداخل أضلاع بدنه بعضها في بعض من شدَّتها وثقلها ، وهكذا يُفتَح له نافذة يُطلُّ منها إلى مكانه في النار ، فيأتيه من دُخانها ولهيبها فلا يزال يُعذَّب بذلك إلى أن تقوم الساعة .
فإذًا إن كانت صالحة فخيرٌ تعجِّلونه إليها ، هو هذا الخير ، يعني هذا النعيم الذي هو خيرٌ من نعيم الدنيا مهما كان هذا النعيم في الدنيا ، ولكنه دون نعيم الآخرة ، هو نموذج ومثال مصغَّر لهذا النعيم الذي يلقاه المسلم في قبره إلى أن تقوم الساعة ؛ فإذًا الجنازة إذا كانت صالحة فيجب علينا أن نعجِّل بها وأن نُودِعَها في قبرها لكي تتمتَّع بهذا النعيم إلى أن تقوم الساعة .
والعكس بالعكس ؛ إذا كانت الجنازة هذه غير صالحة ؛ فهو كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) ؛ يعني نتخلَّص منه ونكتفي شرَّه . هذه المعاني وهذه التفاصيل بين أن تكون الجنازة صالحة ، وبين أن تكون طالحة ، وما يترتَّب من الحكم أو من العاقبة بسبب اختلاف الصلاح والطلاح في الجنائز ؛ هذا أمر لا يدريه أحدٌ في هذه الدنيا إلا المسلم المؤمن بالله ورسوله ؛ ذلك لأنَّ هذا من أمور الغيب التي لا مجال للعقل ولا للعلم التجرُبي أن يطولَها وأن يتعرَّف على حقائقها ، وإنما هو من علم الإيمان بالغيب ، وذلك هو شأن المسلم ؛ لذلك فالمسلم ينبعث في حياته وفي كلِّ تصرُّفاته على أساس العقيدة التي يؤمن بها ، والعكس بالعكس تمامًا ؛ المسلم حينما يتذكَّر هذه الحقيقة العلمية الشرعية ؛ وهي أن الجنازة إما صالحة ، فيجب على حامليها أن يعجِّلوا بدفنها لكي يُحسنوا إليها ، فإذا تباطؤوا بتجهيزها ودفنها فقد أساؤوا إليها ، فالشرع الحكيم يؤدِّب المسلم على الإحسان إلى أخيه المسلم حيًّا وميِّتًا ، هذه المعاني لا يعرفها الآخرون الذين حُرِمُوا بركة الإيمان بالإسلام .
فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
درسنا الليلة من كتاب " الترغيب والترهيب " للحافظ المنذري في " باب : الترغيب في الإسراع بالجنازة وتعجيل الدفن " ، الحديث الأول وهو صحيح كما يدلُّكم على ذلك تخريج المؤلف إياه ، قال - رحمه الله - :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( أسرعوا بالجنازة ؛ فإن تَكُ صالحةً فخيرٌ تقدِّمونه إليها ، وإن تَكُ سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) ، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
في هذا الحديث الصحيح بيان أدب بل واجب من واجبات تشييع جنازة المسلم ؛ ألا وهو وجوب الإسراع بتجهيزها وإيصالها إلى قبرها ، ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث يبيِّن العلة الشرعية التي تُوجب هذا الحكم الشرعي ؛ ألا وهو الإسراع بتجهيز الميت ودفنه ، فهو يقول : إن الميت إما أن يكون صالحًا فالتعجيل به وبدفنه في قبره هو خيرٌ تعجِّلون به إليه ، والعكس بالعكس ؛ الإبطاء بدفنه فإنما هو تأخير لهذاك الخير عنه ، ما هو الخير الذي يُشير الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث بالنسبة للرجل الصالح الذي يُفترض أن تكون الجنازة من نوعه ، ما هو هذا الخير الذي نقدِّمه ونعجِّل به إليه ؟
هو مما جاء في بعض الأحاديث التي لم يصحَّ إسنادها ولكن صحَّ مضمونها ؛ مثل : ( القبر روضةٌ من رياض الجنة ، أو حفرةٌ من حفر النار ) ، هذا المعنى وَرَدَ في عديد من الأحاديث الصحيحة كما كنتُ جمعتُ شيئًا منها في كتابي المطبوع والمعروف " أحكام الجنائز وبدعها " ، فهناك أحاديث تدل على أن الميت إذا وُضع في قبره فإذا كان مؤمنًا ، وسُئل من قبل الملكَين الكريمَين منكر ونكير السؤال المعروف : " مَن ربُّك ؟ مَن نبيُّك ؟ ما دينك ؟ " ؛ فإذا كان رجلًا مؤمنا صالحًا أجاب الجواب الذي كان قد انطبع في قلبه يوم كان متمتِّعًا بعقله الذي هو مناط تكليف الشارع له ، فاستجاب لدعوة الله والرسول وآمَنَ بكل ما جاء به الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ؛ فهو سيكون جوابه كما يُقال اليوم " أتوماتيكيًّا " طبيعيًّا ؛ لأنه متشبِّع بهذه العقيدة إلى آخر رمق من حياته ، فسيكون جوابه عن السؤال الأول : " ربي الله " ، وعن الثاني : " محمد رسول الله " ، وعن الثالث : " ديني الإسلام " ؛ فحينئذٍ يُقال له : " نَمْ نومة العروس " ، فيُفتح له من قبره طاقة يرى منها ويُطِلُّ منها على منزله ومكانه في الجنة ، فيأتيه من رَوْحها وريحها ؛ فلا يزال ينعَمُ بذلك إلى أن تقوم الساعة . وإن كان الرجل منافقًا أو كافرًا ؛ فهو لا يستطيع أن يُجيب ؛ ذلك لأن فاقد الشيء كما يُقال لا يعطيه ، فهو كان في الدنيا حينما كُلِّف بأن يؤمن بالله ورسوله كان كافرًا ، أو كان منافقًا يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر ، فحينما يُسأل : مَن ربُّك ؟ مَن نبيُّك ؟ ما دينك ؟ لا يدري ، فيُقال له حينما يجيب بجواب : " لا أدري " : " لا دريت ولا تليت " ، ويُضرب بتلك المطرقة فتتداخل أضلاع بدنه بعضها في بعض من شدَّتها وثقلها ، وهكذا يُفتَح له نافذة يُطلُّ منها إلى مكانه في النار ، فيأتيه من دُخانها ولهيبها فلا يزال يُعذَّب بذلك إلى أن تقوم الساعة .
فإذًا إن كانت صالحة فخيرٌ تعجِّلونه إليها ، هو هذا الخير ، يعني هذا النعيم الذي هو خيرٌ من نعيم الدنيا مهما كان هذا النعيم في الدنيا ، ولكنه دون نعيم الآخرة ، هو نموذج ومثال مصغَّر لهذا النعيم الذي يلقاه المسلم في قبره إلى أن تقوم الساعة ؛ فإذًا الجنازة إذا كانت صالحة فيجب علينا أن نعجِّل بها وأن نُودِعَها في قبرها لكي تتمتَّع بهذا النعيم إلى أن تقوم الساعة .
والعكس بالعكس ؛ إذا كانت الجنازة هذه غير صالحة ؛ فهو كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) ؛ يعني نتخلَّص منه ونكتفي شرَّه . هذه المعاني وهذه التفاصيل بين أن تكون الجنازة صالحة ، وبين أن تكون طالحة ، وما يترتَّب من الحكم أو من العاقبة بسبب اختلاف الصلاح والطلاح في الجنائز ؛ هذا أمر لا يدريه أحدٌ في هذه الدنيا إلا المسلم المؤمن بالله ورسوله ؛ ذلك لأنَّ هذا من أمور الغيب التي لا مجال للعقل ولا للعلم التجرُبي أن يطولَها وأن يتعرَّف على حقائقها ، وإنما هو من علم الإيمان بالغيب ، وذلك هو شأن المسلم ؛ لذلك فالمسلم ينبعث في حياته وفي كلِّ تصرُّفاته على أساس العقيدة التي يؤمن بها ، والعكس بالعكس تمامًا ؛ المسلم حينما يتذكَّر هذه الحقيقة العلمية الشرعية ؛ وهي أن الجنازة إما صالحة ، فيجب على حامليها أن يعجِّلوا بدفنها لكي يُحسنوا إليها ، فإذا تباطؤوا بتجهيزها ودفنها فقد أساؤوا إليها ، فالشرع الحكيم يؤدِّب المسلم على الإحسان إلى أخيه المسلم حيًّا وميِّتًا ، هذه المعاني لا يعرفها الآخرون الذين حُرِمُوا بركة الإيمان بالإسلام .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 257
- توقيت الفهرسة : 00:15:56
- نسخة مدققة إملائيًّا