هل القصر في السفر عزيمة أم رخصة ؟
A-
A=
A+
الشيخ : بقي عليَّ أن أجيب عن الشطر الثاني من السؤال ؛ وهو هل القصر في السفر عزيمة أم رخصة ؟
لا شك أن هذه المسألة من المسائل الكثيرة التي اختلف فيها العلماء - أيضًا - ؛ فمن قائل بأنه عزيمة ، ومن قائل بأنه رخصة ، ولا شك أن جميع الحاضرين - إن شاء الله - يفرِّقون أو يعرفون ما هو الفرق بين العزيمة وبين الرخصة ؟ العزيمة هي التي لا بد للمسلم من أن يأتي بها كما شُرعت ، والرخصة هي التي يُخيَّر المسلم في إتيانه بها ؛ فإن جاء بها جاز ، وإن لم يأت بها جاز ، فهو مخيَّر بين هذا وهذا ، مع ترجيح الإتيان بالرخصة ، لكن ليس على سبيل الوجوب ، وإنما على سبيل الاستحباب ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الله يحبُّ أن تُؤتى رخصه كما يحبُّ أن تُؤتى عزائمه ) ، وفي حديث آخر : ( كما يكره أن تُؤتى معصيته ) ، هذا هو حكم الرخصة .
أما العزيمة ؛ فهي تساوي لفظة الفريضة ، عزيمة فريضة وزنًا ومعنًى ، القصر في السفر في أرجح قَولي العلماء هو عزيمة وليس برخصة ؛ أي : يجب عليه أن يقصر فلا يجوز له الإتمام ، وذلك لأحاديث كثيرة جاءت في هذا الصَّدد ، من أهمها قول السيدة عائشة - رضي الله تعالى عنها - : " فُرضت الصلاة ركعتين ركعتين ؛ فأُقرَّت في السفر وزِيدت في الحضر " ، فإذًا الأصل المفروض من الصلوات هو ركعتان ركعتان ، إلا صلاة المغرب كما في رواية في " مسند الإمام أحمد " - رحمه الله - ، فقولها : " فُرضت الصلاة ركعتين ركعتين " تنبيهٌ قويٌّ جدًّا إلى أن الأصل في الصلاة أنها ثنائية ، فإذا قالت فيما بعد : " فأُقرَّت في السفر " أي : هذه الفريضة أُقرَّت في السفر وزيدت في الحضر ، كذلك يدل على تأكيد فرضيَّة أو عزيمة القصر في السفر ما رواه الإمام مسلم في " صحيحه " أن رجلًا قال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " لو أنني أدركت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لَسألته . قال له : ما كنت تسأله ؟ قال : عن قوله - تعالى - - الآية السابقة - : (( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتكم أن يفتنكم الذين كفروا )) . فقلت : ما بالنا نقصر وقد أمنَّا ؟ قال : قد سألته - عليه الصلاة والسلام - هذا السؤال فأجاب بقوله : ( صدقة تصدَّق الله بها عليكم ؛ فاقبلوا صدقته ) " ؛ ربنا الكريم تصدَّق علينا فخفَّف عنَّا صلاتنا المعتادة في حالة الإقامة الرباعية فجعلها ركعتين ركعتين ؛ فهل يجوز للعبد ألَّا يقبل صدقة سيِّده ؟ هذا لو كان بين البشر بعضهم مع بعض لم يكن مقبولًا ؛ فكيف يقبل أن يستنكفَ العبد المخلوق عن قبول صدقة الخالق - سبحانه وتعالى - ؟ هذا استنباط معنوي .
لكن قوله - عليه السلام - : ( فاقبلوا صدقته ) يؤكِّد هذا المعنى ، ويوجب علينا أن نقصر في الصلاة وألَّا نتم ، هذا استدلال بالأمر الذي يقتضي الوجوب ، ثم النظر يؤكد ذلك - أيضًا - فيما إذا نظرنا إلى بعض المبادئ العامة التي منها ما كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يركِّز معنى ما سيأتي في أذهان أصحابه حينما يخطب على الناس فيقول : ( وخير الهدى هدى محمَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - ) ، وهذه حقيقة لا خلافَ بين المسلمين فيها - والحمد لله - ، وإذا علمنا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما سافر سفرًا إلا وقصر ولم يتمَّ ، وما رواه الدارقطني وغيره عن عائشة - رضي الله عنها - : " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في السفر كان يتمُّ ويقصر ، ويصوم ويفطر " ، فهذا الحديث بهذا اللفظ لا يصحُّ ، وبخاصَّة أنه خالف هديه المطَّرد ؛ كان إذا سافر يقصر كما في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما خرج من المدينة إلى حجَّة الوداع قال : " لم يزل يقصر حتى رجع إلى المدينة " ، هكذا كان هديه - عليه الصلاة والسلام - ، فلو قيل بجواز التَّربيع وجواز القصر ؛ أيُّهما يكون أفضل ؛ إذا قلنا بجواز الأمرين آلَّذي يقتصر على نصف العبادة أم الذي يأتي بتمامها ؟
لا شك ولا ريب أنه على هذه الفرضية أن الصلاة الرباعية تكون أفضل من الصلاة الثنائية بحكم اشتراكهما أوَّلًا في الجواز ، ثم بحكم زيادة ركعتين على الركعتين ، وفيها قراءة وقيام وركوع وسجود وذكر لله ربِّ العالمين ، تُرى هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - زاهدًا في العبادة لا يُكثر منها كما هو شأننا نحن أم كان يقوم الليل حتى تفطَّرت قدماه ؟ وقيل له - عليه السلام - : " قد غفر الله لك ماتقدَّم من ذنبك وما تأخَّر " ؛ كأنهم يقولون : ارفق بنفسك يا رسول الله ، وأشفق عليها ؛ فقد حصَّلت مرادك من ربِّك ، وهي (( إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر )) ، فماذا كان يكون جوابه - عليه الصلاة والسلام - ؟ ( أفلا أكون عبدًا شكورًا ؟! ) .
إذا كان هذا فعله - عليه السلام - فيما لم يفرضه عليه ، فإذا كان المفروض عليه خمس صلوات في كلِّ يوم وليلة ، وكان الأفضل إتمام دون القصر ؛ فكيف يحافظ الرسول - عليه السلام - الذي هو سيِّد المجتهدين في العبادة على ركعتين ركعتين ولا يزيد عليهما ؟ هذا يؤكِّد أن الواجب هما الركعتان ؛ لأنه لو كان يجوز الزيادة لَكانت الزيادة حينذاك ليس فقط جائزة ، بل هي - أيضًا - مستحبة ، فإعراض الرسول - عليه السلام - عن هذه الزيادة طيلة حياته في أسفاره وحدَه دليلٌ كافٍ لنقول بأن الزيادة في الصلاة في السفر على الركعتين هي زيادة غير مقبولة ، من أجل ذلك روى الإمام النسائي في " سننه " عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا وموقوفًا : " أن من أتمَّ في السفر صلاته كالذي يقصر في الحضر " ، لكن قد ترجَّح عند علماء الحديث أن هذا الحديث موقوف على عبد الرحمن بن عوف ، ولا يصح رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ولكن ألا يكفينا هذا استشهادًا أن أحد العشرة المبشرين بالجنة يقول بأن الذي يُتمُّ في السفر شأنه من حيث المعصية كالذي يقصر في الحضر ؟ كلاهما لا يجوز ، ولذلك فنحن نقطع بأن القصر في السفر عزيمة لا يجوز للمسلم أن يتمَّ ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر بالقصر ونفَّذ القصر ، ولم يتم مطلقًا في أيِّ سفرٍ سافره .
غيره ؟
لا شك أن هذه المسألة من المسائل الكثيرة التي اختلف فيها العلماء - أيضًا - ؛ فمن قائل بأنه عزيمة ، ومن قائل بأنه رخصة ، ولا شك أن جميع الحاضرين - إن شاء الله - يفرِّقون أو يعرفون ما هو الفرق بين العزيمة وبين الرخصة ؟ العزيمة هي التي لا بد للمسلم من أن يأتي بها كما شُرعت ، والرخصة هي التي يُخيَّر المسلم في إتيانه بها ؛ فإن جاء بها جاز ، وإن لم يأت بها جاز ، فهو مخيَّر بين هذا وهذا ، مع ترجيح الإتيان بالرخصة ، لكن ليس على سبيل الوجوب ، وإنما على سبيل الاستحباب ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الله يحبُّ أن تُؤتى رخصه كما يحبُّ أن تُؤتى عزائمه ) ، وفي حديث آخر : ( كما يكره أن تُؤتى معصيته ) ، هذا هو حكم الرخصة .
أما العزيمة ؛ فهي تساوي لفظة الفريضة ، عزيمة فريضة وزنًا ومعنًى ، القصر في السفر في أرجح قَولي العلماء هو عزيمة وليس برخصة ؛ أي : يجب عليه أن يقصر فلا يجوز له الإتمام ، وذلك لأحاديث كثيرة جاءت في هذا الصَّدد ، من أهمها قول السيدة عائشة - رضي الله تعالى عنها - : " فُرضت الصلاة ركعتين ركعتين ؛ فأُقرَّت في السفر وزِيدت في الحضر " ، فإذًا الأصل المفروض من الصلوات هو ركعتان ركعتان ، إلا صلاة المغرب كما في رواية في " مسند الإمام أحمد " - رحمه الله - ، فقولها : " فُرضت الصلاة ركعتين ركعتين " تنبيهٌ قويٌّ جدًّا إلى أن الأصل في الصلاة أنها ثنائية ، فإذا قالت فيما بعد : " فأُقرَّت في السفر " أي : هذه الفريضة أُقرَّت في السفر وزيدت في الحضر ، كذلك يدل على تأكيد فرضيَّة أو عزيمة القصر في السفر ما رواه الإمام مسلم في " صحيحه " أن رجلًا قال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " لو أنني أدركت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لَسألته . قال له : ما كنت تسأله ؟ قال : عن قوله - تعالى - - الآية السابقة - : (( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتكم أن يفتنكم الذين كفروا )) . فقلت : ما بالنا نقصر وقد أمنَّا ؟ قال : قد سألته - عليه الصلاة والسلام - هذا السؤال فأجاب بقوله : ( صدقة تصدَّق الله بها عليكم ؛ فاقبلوا صدقته ) " ؛ ربنا الكريم تصدَّق علينا فخفَّف عنَّا صلاتنا المعتادة في حالة الإقامة الرباعية فجعلها ركعتين ركعتين ؛ فهل يجوز للعبد ألَّا يقبل صدقة سيِّده ؟ هذا لو كان بين البشر بعضهم مع بعض لم يكن مقبولًا ؛ فكيف يقبل أن يستنكفَ العبد المخلوق عن قبول صدقة الخالق - سبحانه وتعالى - ؟ هذا استنباط معنوي .
لكن قوله - عليه السلام - : ( فاقبلوا صدقته ) يؤكِّد هذا المعنى ، ويوجب علينا أن نقصر في الصلاة وألَّا نتم ، هذا استدلال بالأمر الذي يقتضي الوجوب ، ثم النظر يؤكد ذلك - أيضًا - فيما إذا نظرنا إلى بعض المبادئ العامة التي منها ما كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يركِّز معنى ما سيأتي في أذهان أصحابه حينما يخطب على الناس فيقول : ( وخير الهدى هدى محمَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - ) ، وهذه حقيقة لا خلافَ بين المسلمين فيها - والحمد لله - ، وإذا علمنا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما سافر سفرًا إلا وقصر ولم يتمَّ ، وما رواه الدارقطني وغيره عن عائشة - رضي الله عنها - : " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في السفر كان يتمُّ ويقصر ، ويصوم ويفطر " ، فهذا الحديث بهذا اللفظ لا يصحُّ ، وبخاصَّة أنه خالف هديه المطَّرد ؛ كان إذا سافر يقصر كما في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما خرج من المدينة إلى حجَّة الوداع قال : " لم يزل يقصر حتى رجع إلى المدينة " ، هكذا كان هديه - عليه الصلاة والسلام - ، فلو قيل بجواز التَّربيع وجواز القصر ؛ أيُّهما يكون أفضل ؛ إذا قلنا بجواز الأمرين آلَّذي يقتصر على نصف العبادة أم الذي يأتي بتمامها ؟
لا شك ولا ريب أنه على هذه الفرضية أن الصلاة الرباعية تكون أفضل من الصلاة الثنائية بحكم اشتراكهما أوَّلًا في الجواز ، ثم بحكم زيادة ركعتين على الركعتين ، وفيها قراءة وقيام وركوع وسجود وذكر لله ربِّ العالمين ، تُرى هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - زاهدًا في العبادة لا يُكثر منها كما هو شأننا نحن أم كان يقوم الليل حتى تفطَّرت قدماه ؟ وقيل له - عليه السلام - : " قد غفر الله لك ماتقدَّم من ذنبك وما تأخَّر " ؛ كأنهم يقولون : ارفق بنفسك يا رسول الله ، وأشفق عليها ؛ فقد حصَّلت مرادك من ربِّك ، وهي (( إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر )) ، فماذا كان يكون جوابه - عليه الصلاة والسلام - ؟ ( أفلا أكون عبدًا شكورًا ؟! ) .
إذا كان هذا فعله - عليه السلام - فيما لم يفرضه عليه ، فإذا كان المفروض عليه خمس صلوات في كلِّ يوم وليلة ، وكان الأفضل إتمام دون القصر ؛ فكيف يحافظ الرسول - عليه السلام - الذي هو سيِّد المجتهدين في العبادة على ركعتين ركعتين ولا يزيد عليهما ؟ هذا يؤكِّد أن الواجب هما الركعتان ؛ لأنه لو كان يجوز الزيادة لَكانت الزيادة حينذاك ليس فقط جائزة ، بل هي - أيضًا - مستحبة ، فإعراض الرسول - عليه السلام - عن هذه الزيادة طيلة حياته في أسفاره وحدَه دليلٌ كافٍ لنقول بأن الزيادة في الصلاة في السفر على الركعتين هي زيادة غير مقبولة ، من أجل ذلك روى الإمام النسائي في " سننه " عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا وموقوفًا : " أن من أتمَّ في السفر صلاته كالذي يقصر في الحضر " ، لكن قد ترجَّح عند علماء الحديث أن هذا الحديث موقوف على عبد الرحمن بن عوف ، ولا يصح رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ولكن ألا يكفينا هذا استشهادًا أن أحد العشرة المبشرين بالجنة يقول بأن الذي يُتمُّ في السفر شأنه من حيث المعصية كالذي يقصر في الحضر ؟ كلاهما لا يجوز ، ولذلك فنحن نقطع بأن القصر في السفر عزيمة لا يجوز للمسلم أن يتمَّ ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر بالقصر ونفَّذ القصر ، ولم يتم مطلقًا في أيِّ سفرٍ سافره .
غيره ؟