متى يكون مُدرِك الركوع مُدركًا للركعة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
متى يكون مُدرِك الركوع مُدركًا للركعة ؟
A-
A=
A+
السائل : متى يكون المدرك منَّا للركوع مدركًا للركعة ؛ الإمام راكع ، فإن أدركناه في الركوع ؛ هل نكون مدركين للركعة ؟

الشيخ : هذه مسألة خلافية بين جمهور الأئمة وبعض الأئمة ، جمهور الأئمة - وفي مقدَّمتهم الأئمة الأربعة - على أنَّ مدرك الركوع مدركٌ للركعة ، بعض الأئمة كالإمام البخاري من السلف والإمام الشوكاني من الخلف الصالح ؛ يرون - وما بينهما كثير - يرون أن مدرك الركوع لا يعتدُّ بتلك الركعة ؛ لأنه قد فاتَه قراءة الركن ؛ ألا وهو الفاتحة ، وأرى أن المذهب الأول - مذهب الجمهور - هو الصواب في هذه المسألة ، وإن كنت - كما تعلمون إن شاء الله - لست جمهوريًّا ، وإنما أنا أتبع الحق حيثما كان ، مع الكثير أو القليل ، وذلك لأسباب منها - وهو أهمها - أنَّه قد ثبت لديَّ الحديث الذي رواه أبو داود في " سننه " بإسناد غير إسناده أن : ( مَن أتى الإمامَ وهو راكع ؛ فليركع وليعتدَّ بالركعة ، وإذا وجدَ الإمام ساجدًا ؛ فليسجد ولا يعتدَّ بالركعة ) ، فأُخِذَ من هذا أن مُدركَ الركوع مُدركٌ للركعة ، لكن حديث أبي داود بلا شك فيه ضعف ظاهر ، وإن كان هذا الضعف ليس شديدًا ، بل ولو كان شديدًا لَاستغنينا عنه بإسنادَين آخرَين مدارهما على رجل من الأنصار ، وأعني بإسنادين باعتبار من أخرَجَهما ، ولا أعني بإسنادين كلّ من المخرجين رواه بإسناد أولًا ، ثم رواه آخر بإسناد ثانٍ ، لا ، وإنما أعني أن الإمام البيهقي - رحمه الله - روى لهذا الحديث الذي في " سنن أبي داود " ... بإسناد قويٍّ عن رجل من الأنصار ، من طريق عبد العزيز بن رفيع ، عن رجل من الأنصار أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال ، وذكر معنى الحديث الذي ذكرته لكم آنفًا .

علَّة هذا الإسناد في رواية البيهقي أننا لم نعلم أن هذا الرجل الأنصاري أَهُوَ تابعي أم صحابي ؟ وإن كان يتبادر إلى الذِّهن أنه صحابي ؛ لأن الراوي عنه تابعي معروف ، وهو عبد العزيز بن رفيع ، ولكن الإنصاف يقتضينا أن هذا التلازم ليس ضروريًّا في الأسانيد ؛ أي : لا يلزم من رواية تابعي عن رجل من الأنصار أو رجل من المهاجرين أن يكون هذا الرجل أو ذاك صحابيًّا ؛ لاحتمال أن يكون ابن صحابي من جهة ، ولأنه قد وقفنا مرارًا وتكرارًا على بعض الأسانيد يرويه التابعي عن تابعي عن صحابي ، وذكر الحافظ ابن حجر أنه بالاستقراء تبيَّن أن في بعض الأحاديث بين التابعي الأول والصحابي أربعة من التابعين آخرين ؛ أي : خمسة تابعين على التسلسل ، ثم يأتي بعد ذلك الصحابي ؛ تابعي عن تابعي عن تابعي عن تابعي عن تابعي عن الصحابي ، فضلًا عن تابعي عن تابعي عن تابعي عن تابعي عن صحابي ، فضلًا عن تابعي عن تابعي عن تابعي عن صحابي وهكذا ، فحينما نجد مثل هذه الرواية عبد العزيز بن رفيع تابعي ، عن رجل من الأنصار ؛ تُرى هذا صحابي أم تابعي ؟ يحتمل ، ثم وجدنا - والحمد لله - أن هذا الاحتمال طاحَ وراحَ إلى حيث لا رجعة ، فقد جاء في كتاب " المسائل " لإسحاق بن منصور المروزي عن الإمام أحمد وعن إسحاق بن راهويه روى المروزيُّ هذا بإسناده الصحيح عن عبدالعزيز بن رفيع عن رجل من الأنصار من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فهذا غطَّى الموضوع ، وجعل الإسناد موصولًا بعد أن كان يحتمل أن يكون مرسلًا ، وبذلك صحَّ الحديث وقامت الحجة ، يُضاف إلى ذلك آثار عن كبار الصحابة ، على رأسهم أبو بكر الصديق ، وآخرهم سنًّا عبد الله بن عمر الخطاب ؛ كلهم قالوا : " بأن مدرك الركوع مدرك للركعة " ، فاتَّفقت الآثار السلفية الصحيحة مع هذا الحديث الصحيح - والحمد لله - ، وثبت بذلك أرجحيَّة مذهب الجمهور على المخالفين ، وإن كان بعض العاملين بالحديث إلى زمننا هذا لا يزالونَ يُفتون بأن مُدرك الركوع ليس مدركًا للركعة ، وأذكر أن أحد الغماريِّين - وإن كان هو من أهل الأهواء ، ومن الصوفية الذين لهم طرق انحرفوا بها عن السنة - ألَّف رسالة يؤكِّد فيها أن الصواب أنَّ مدرك الركوع ليس مدركًا للركعة ، والواقع أنه هو شأنه في ذلك شأن بعض أهل الحديث في الهند فاتَتْهم هذه الرواية الصحيحة التي لا تزال موجودة في ذاك المخطوط النادر العزيز في المكتبة الظاهرية - مخطوط من النوادر - ؛ لأنه يعود تاريخ كتابته إلى العهد القريب من الإمامين أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، لو أنهم وقفوا على هذه الرواية لَانقلبت وجهة نظرهم من تأييد الرأي المخالف للجمهور إلى تأييد رأي الجمهور في هذه المسألة ، وهم لا يخفى عليهم بعض تلك الآثار على الأقلِّ ، ولكنَّهم يطبِّقون القاعدة التي ينبغي على المسلم أن يلتزمها وهي أن الأثر إذا جاء مخالفا للنَّصِّ - ولو باجتهاد - فلا ينبغي الأخذ بالأثر ؛ أعني بالأثر هنا ما أشرت إليه آنفًا من الأثر عن أبي بكر وعن ابن عمر ، وبينهما جماعة آخرون ؛ كزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود ، فهم أربعة من الصحابة ، وهم - كما ترون - من أكابر الصحابة ، رأوا وصرَّحوا بأن مدرك الركوع مدرك للركعة ، فهم لم يأخذوا بهذه الآثار لتوهُّمهم أنها مخالفة لقوله - عليه السلام - : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ، ونحن نرى أن هذا العموم الشامل لهذا الجزء لا يشمله ؛ لما ذكرناه في غير هذه الجلسة أكثر من مرة ، ولهذا الحديث الصحيح ، وبذلك ينتهي الجواب عن هذا السؤال .

تفضَّل .
  • فتاوى جدة - شريط : 32
  • توقيت الفهرسة : 00:35:58
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة