مذهب المعتزلة في استواء الله - تبارك وتعالى - .
A-
A=
A+
الشيخ : المعتزلة حينما أنكروا أن يكون الله استوى على العرش هذا مثال آخر ، وله علاقة بحياتنا الفكرية والعقائدية القائمة اليوم ؛ حينما أنكروا أن الله على العرش كما قال - تعالى - صراحةً : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ؛ لماذا أنكروا ؟ قالوا : لأنُّو إذا قلنا : استوى بمعنى استعلى معناه حطيناه في مكان ! والله منزَّه عن المكان . هذا - أيضًا - جاء من ضيق عقلهم وتفكيرهم ، والحقيقة كما يقول - أيضًا - ابن القيم تبعًا لابن تيمية : إن المعتزلة وأمثالهم حينما يتأوَّلون النصوص يتقدَّم تأويلهم أنهم فهموا من النصوص التشبيه ، فهموا (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) مثل ما يستوي الشَّيخ على كرسيِّه ، أو السلطان على عرشه ، والله - عز وجل - لا ينبغي أن يكون كذلك ؛ إذًا استوى ليس معناه استعلى .
معنى التأويل أنه سبق إلى ذهنهم التشبيه ، وإلا لو لم يفهموا التشبيه ما كان بهم من حاجة إلى تأويل ، وأنا أفصِّل لكم هذا لضرورة المسألة . هم فهموا أن الخالق كالمخلوق من جهة أن المخلوق لو أُزِيلَ عنه الكرسي لَوَقَعَ على أمِّ رأسه ، الله - عز وجل - قال : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ؛ فإذًا الله حينما استوى - أي : استعلى على العرش - ليس كالإنسان ؛ ولذلك جاء في كلام بعض العلماء في هذه النقطة بالذات شعر فقهاء فيه علم ، قال :
" وربُّ العرشِ فوقَ العرشِ لكِنْ *** بلا وصفِ التمكُّنِ واتِّصالِ "
يعني قال - تعالى - : (( إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) ، فهو غنيٌّ عن العرش أن يجلس عليه ، وإنما له - تبارك وتعالى - صفة العلوِّ ، وكما قلت مرارًا وتكرارًا من آخرها في موسم مضى في الحج التقينا أو جاءنا رجلٌ من علماء الأزهر ، فجرى حديث طويل بيني وبينه في هذه القضية ، من جملتها قلنا له : أليس الله كان ولا شيء معه ؟ قال : نعم . قلنا : هذه نقطة تلاق لا خلاف بيننا والحمد لله ، قلنا له : إذ كان الله ولا شيء معه هل كان في مكان ؟ قال : لا . قلت : وهذا هو اعتقادنا ، فالله - عز وجل - لما خلق الخلق بعد أن كان عدمًا هل دخل فيه وامتزج فيه امتزاج الماء في الثلج أو السَّمن والزبدة في الحليب أم بَقِيَ مستغنيًا عن خلقه ؟ قال : بَقِيَ مستغنيًا عن خلقه . قلنا له : إذ بقي مستغنيًا عن خلقه ؛ هل هو لا يزال ليس في مكان كما اتَّفقنا آنفًا ؟ قال : نعم ، ليس في مكان . إذًا الله ليس في مكان قبل الخلق وبعد الخلق ، قلت له : المكان شيء وجودي أم عدمي يعني يتخيله في الذهن أم هو له وجود حقيقي ؟ قال : له وجود حقيقي يجلس فيه الإنسان يتمتَّع به إلى آخره . هذه كانت الخطوة الأولى في التلاقي معه . وسلسَلْنا الأسئلة واتفقنا ؛ قلنا : فلما خلق الله الخلق هل ظلَّ كما كان مستغنيًا عن الخلق وليس في مكان ؟ قال : نعم . قلنا : لما الله خلق الخلق العقل الآن يحكم بشيء من شيئَين ، والشرع طبعًا هو المرجِّح ، العقل يقول : إما أن يكون الله - عز وجل - حينما خلق الخلق هو فوق خلقه ، وإما أن يكون خلق خلقَه فوقه ذاته ؛ هل يمكن هذا ؟ لم يبْقَ إلا الأمر الأول ؛ وهو أن يكون الله - عز وجل - فوق المخلوقات .
هذه الفوقية التي يحكم بها العقل ضرورةً هي التي أخبَرَ الله في كتابه وفي حديث نبيِّه ، أما الكتاب فخذوا آيات ما شئتم ، أشهر هذه الآيات آية العرش : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ؛ أي : استعلى ، ومنها آية نقرؤها ونمرُّ عليها مرَّ الكرام ، ولا نتنبَّه إلى أن الله - عز وجل - يصف فيها شيئين ؛ الشيء الأول : ذاته - تبارك وتعالى - نصفه بصفة الفوقية ، الشيء الثاني : يصف المؤمنين بأنهم يؤمنون بهذه الصفة ، فيقول - تبارك وتعالى - : (( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ )) ؛ يعني المؤمن حينما يخشى الله إما دائمًا وأبدًا هذا من صفة الأنبياء والرسل ، وإما أحيانًا ؛ فهو يلاحظ حينَ يخشاه ويخافه أنه يخاف ربًّا على العرش استوى ؛ فإذًا هذه الآية من جملة الآيات التي تثبت فوقية الله على عرشه وعلى خلقه جميعًا .
قلت للشَّيخ : ما رأيك ؛ هل أنت تؤمن معي في هذا الكلام ؟ قال : نعم . قلت : فأين المكان الذي تتَّهمونا به ؟! المكان هو طبيعة المخلوق ، فالله - عز وجل - فوق المخلوقات ؛ أي : حيث لا مكان ولا زمان ؛ لأن الله الآن من هذه الحيثية كما كان ، وسلسَلْنا الموضوع معه ، كان الله ولا شيء معه ؛ هل كان في مكان ؟ قال : لا . فلما تسلسلنا معه في البحث وصلنا إلى نقاط تلاقينا فيها ، لكن لا هو شعر أنُّو أثبتنا لله مكانًا ، ولا أنا - أيضًا - شاعر بأني أثبت لله مكانًا ، قلت له : إذًا لماذا تتهمون السلفيين الذين يثبتون ما وصف الله به نفسه ، منها صفة الفوقية وصفة العلو ؛ أنُّو معناه حصروه في مكان ؟ لكن الحقيقة اعكِسْ تُصِبْ ؛ الذين أنكروا صفة الله هذه ، وأنه فوق مخلوقاته كلها هم الذين حصروه في مكان ، والدليل على هذا الذي أقول ألسنة الناس اليوم ما بين عالم وجاهل لا فرق في ذلك بينهم هم الذين يقولون : " الله موجود في كل مكان " . مرماها إنكار ما جاء في كتاب الله وفي حديث رسول الله ، مرماها أنَّ الله ليس فوق المخلوقات ؛ لأنُّو فوق المخلوقات مكان ما في كما شرحنا لكم ؛ لأنُّو عدم كان الله ولا شيء معه إطلاقًا ، فلما خلق المخلوقات بخلق المخلوقات وُجِدَ الزمان ووُجِدَ المكان ؛ فهو ما حلَّ في هذا المكان ولا حلَّ في هذا الزمان ؛ فإذًا الله مستغني عن مخلوقات بما فيه الزمان وبما فيه المكان ، فالله ليس في مكان هَيْ عقيدة أهل السنة أو السلفية بالعبارة الصريحة .
أما جماهير الناس اليوم فهم يقولون عبارتَين كلتاهما تؤدِّيان إلى ضلال واحد ؛ يقولون : " الله موجود في كل مكان " ، أو : " الله موجود في كل الوجود " ، الله موجود في كل مكان هذا مكان ، ولا مؤاخذة المطبخ مكان ، وغير المطبخ - أيضًا - مكان ، فالله في كلِّ هذه الأمكنة ؟ هذا معنى كلام الناس ، الله موجود في كل مكان ؛ في المواقف ، في المراقص ، في السينمايات ، إلى آخره ؛ المكان اسم جنس يشمل مكان طاهر ومكان قذر ، فلما يقول القائل : الله موجود في كل مكان ؛ يعني هو في كل الأمكنة هذه ؛ الأماكن الطاهرة والقذرة ؛ مع أنه لا يجوز للمسلم أن يقول : إن الله موجود في الأمكنة الطاهرة ، ما يجوز أن يقول هذا ؛ لأننا إذا قلنا : الله موجود في الأمكنة الطاهرة فقد حصَرْناه ، وهو مستغنٍ عن خلقه جميعًا ، وهو فوق السموات كلها .
معنى التأويل أنه سبق إلى ذهنهم التشبيه ، وإلا لو لم يفهموا التشبيه ما كان بهم من حاجة إلى تأويل ، وأنا أفصِّل لكم هذا لضرورة المسألة . هم فهموا أن الخالق كالمخلوق من جهة أن المخلوق لو أُزِيلَ عنه الكرسي لَوَقَعَ على أمِّ رأسه ، الله - عز وجل - قال : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ؛ فإذًا الله حينما استوى - أي : استعلى على العرش - ليس كالإنسان ؛ ولذلك جاء في كلام بعض العلماء في هذه النقطة بالذات شعر فقهاء فيه علم ، قال :
" وربُّ العرشِ فوقَ العرشِ لكِنْ *** بلا وصفِ التمكُّنِ واتِّصالِ "
يعني قال - تعالى - : (( إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) ، فهو غنيٌّ عن العرش أن يجلس عليه ، وإنما له - تبارك وتعالى - صفة العلوِّ ، وكما قلت مرارًا وتكرارًا من آخرها في موسم مضى في الحج التقينا أو جاءنا رجلٌ من علماء الأزهر ، فجرى حديث طويل بيني وبينه في هذه القضية ، من جملتها قلنا له : أليس الله كان ولا شيء معه ؟ قال : نعم . قلنا : هذه نقطة تلاق لا خلاف بيننا والحمد لله ، قلنا له : إذ كان الله ولا شيء معه هل كان في مكان ؟ قال : لا . قلت : وهذا هو اعتقادنا ، فالله - عز وجل - لما خلق الخلق بعد أن كان عدمًا هل دخل فيه وامتزج فيه امتزاج الماء في الثلج أو السَّمن والزبدة في الحليب أم بَقِيَ مستغنيًا عن خلقه ؟ قال : بَقِيَ مستغنيًا عن خلقه . قلنا له : إذ بقي مستغنيًا عن خلقه ؛ هل هو لا يزال ليس في مكان كما اتَّفقنا آنفًا ؟ قال : نعم ، ليس في مكان . إذًا الله ليس في مكان قبل الخلق وبعد الخلق ، قلت له : المكان شيء وجودي أم عدمي يعني يتخيله في الذهن أم هو له وجود حقيقي ؟ قال : له وجود حقيقي يجلس فيه الإنسان يتمتَّع به إلى آخره . هذه كانت الخطوة الأولى في التلاقي معه . وسلسَلْنا الأسئلة واتفقنا ؛ قلنا : فلما خلق الله الخلق هل ظلَّ كما كان مستغنيًا عن الخلق وليس في مكان ؟ قال : نعم . قلنا : لما الله خلق الخلق العقل الآن يحكم بشيء من شيئَين ، والشرع طبعًا هو المرجِّح ، العقل يقول : إما أن يكون الله - عز وجل - حينما خلق الخلق هو فوق خلقه ، وإما أن يكون خلق خلقَه فوقه ذاته ؛ هل يمكن هذا ؟ لم يبْقَ إلا الأمر الأول ؛ وهو أن يكون الله - عز وجل - فوق المخلوقات .
هذه الفوقية التي يحكم بها العقل ضرورةً هي التي أخبَرَ الله في كتابه وفي حديث نبيِّه ، أما الكتاب فخذوا آيات ما شئتم ، أشهر هذه الآيات آية العرش : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ؛ أي : استعلى ، ومنها آية نقرؤها ونمرُّ عليها مرَّ الكرام ، ولا نتنبَّه إلى أن الله - عز وجل - يصف فيها شيئين ؛ الشيء الأول : ذاته - تبارك وتعالى - نصفه بصفة الفوقية ، الشيء الثاني : يصف المؤمنين بأنهم يؤمنون بهذه الصفة ، فيقول - تبارك وتعالى - : (( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ )) ؛ يعني المؤمن حينما يخشى الله إما دائمًا وأبدًا هذا من صفة الأنبياء والرسل ، وإما أحيانًا ؛ فهو يلاحظ حينَ يخشاه ويخافه أنه يخاف ربًّا على العرش استوى ؛ فإذًا هذه الآية من جملة الآيات التي تثبت فوقية الله على عرشه وعلى خلقه جميعًا .
قلت للشَّيخ : ما رأيك ؛ هل أنت تؤمن معي في هذا الكلام ؟ قال : نعم . قلت : فأين المكان الذي تتَّهمونا به ؟! المكان هو طبيعة المخلوق ، فالله - عز وجل - فوق المخلوقات ؛ أي : حيث لا مكان ولا زمان ؛ لأن الله الآن من هذه الحيثية كما كان ، وسلسَلْنا الموضوع معه ، كان الله ولا شيء معه ؛ هل كان في مكان ؟ قال : لا . فلما تسلسلنا معه في البحث وصلنا إلى نقاط تلاقينا فيها ، لكن لا هو شعر أنُّو أثبتنا لله مكانًا ، ولا أنا - أيضًا - شاعر بأني أثبت لله مكانًا ، قلت له : إذًا لماذا تتهمون السلفيين الذين يثبتون ما وصف الله به نفسه ، منها صفة الفوقية وصفة العلو ؛ أنُّو معناه حصروه في مكان ؟ لكن الحقيقة اعكِسْ تُصِبْ ؛ الذين أنكروا صفة الله هذه ، وأنه فوق مخلوقاته كلها هم الذين حصروه في مكان ، والدليل على هذا الذي أقول ألسنة الناس اليوم ما بين عالم وجاهل لا فرق في ذلك بينهم هم الذين يقولون : " الله موجود في كل مكان " . مرماها إنكار ما جاء في كتاب الله وفي حديث رسول الله ، مرماها أنَّ الله ليس فوق المخلوقات ؛ لأنُّو فوق المخلوقات مكان ما في كما شرحنا لكم ؛ لأنُّو عدم كان الله ولا شيء معه إطلاقًا ، فلما خلق المخلوقات بخلق المخلوقات وُجِدَ الزمان ووُجِدَ المكان ؛ فهو ما حلَّ في هذا المكان ولا حلَّ في هذا الزمان ؛ فإذًا الله مستغني عن مخلوقات بما فيه الزمان وبما فيه المكان ، فالله ليس في مكان هَيْ عقيدة أهل السنة أو السلفية بالعبارة الصريحة .
أما جماهير الناس اليوم فهم يقولون عبارتَين كلتاهما تؤدِّيان إلى ضلال واحد ؛ يقولون : " الله موجود في كل مكان " ، أو : " الله موجود في كل الوجود " ، الله موجود في كل مكان هذا مكان ، ولا مؤاخذة المطبخ مكان ، وغير المطبخ - أيضًا - مكان ، فالله في كلِّ هذه الأمكنة ؟ هذا معنى كلام الناس ، الله موجود في كل مكان ؛ في المواقف ، في المراقص ، في السينمايات ، إلى آخره ؛ المكان اسم جنس يشمل مكان طاهر ومكان قذر ، فلما يقول القائل : الله موجود في كل مكان ؛ يعني هو في كل الأمكنة هذه ؛ الأماكن الطاهرة والقذرة ؛ مع أنه لا يجوز للمسلم أن يقول : إن الله موجود في الأمكنة الطاهرة ، ما يجوز أن يقول هذا ؛ لأننا إذا قلنا : الله موجود في الأمكنة الطاهرة فقد حصَرْناه ، وهو مستغنٍ عن خلقه جميعًا ، وهو فوق السموات كلها .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 139
- توقيت الفهرسة : 00:33:42
- نسخة مدققة إملائيًّا