ما حكم مَن يرى جواز القنوت في الفجر ويستدل على ذلك بحديث أنس : " ما زال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقنُتُ في الفجرِ حتى فارَق الدُّنيا " ؟
A-
A=
A+
السائل : شيخ ، تعليق على ، كنَّا هنا في المسجد اعتاد الإخوة المصلين يقنتوا الأئمة فيهم ، فنحن لا نقنت في صلاة الفجر ، فأحد الإخوة وهو موجود بيننا الأخ " مصطفى " ذكر هذه الأحاديث عن أنس : " لا زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا " . رواه أحمد والبزاز ورجاله موثوقون .
الشيخ : البزار .
السائل : البزار . وعن أنس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت حتى مات ، وأبو بكر حتى مات ، وعمر حتى مات " . رواه البزار ورجاله موثوقون . وعن أبي هريرة : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبِّر ويرفع رأسه : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، يقول وهو قائم : اللهم نجِّ الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعباس بن أبي ربيعة " . هذا حديث رواه مسلم . وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت بعد ركعة في صلاة شهرًا ، إذ قال : سمع الله لِمَن حمده يقول في ... " .
الشيخ : على كلِّ حال - أخي - المسألة واضحة ومعروفة عند العلماء ، والأحاديث هذه قسمان من حيث ثبوتها ، فالحديث الأول والثاني لا يصحَّان ، ومَن كان عنده معرفة بمصطلح علم الحديث يشعر شعورًا بأنَّ فيهما شيء من الضعف هذا فيما لو كان لا يعلم الضعف وعلته ، فقول العلماء : " ورجاله موثَّقون " غير قولهم : " رجاله ثقات " ، ثم هذه الغيرية - إذا صحَّ التعبير - لو كانت متساوية المقام والمعنى - أي : لو كان قولهم : " رجاله موثَّقون " كقولهم : " رجاله ثقات " ؛ فهو لا يعني أن الإسناد صحيح ، ولنبيِّن هذا والذي قبله . رجاله موثَّقون يقال عادة فيما إذا كان فيهم مَن وُثِّق توثيقًا ضعيفًا لا يُعتَدُّ به عند العلماء ، بخلاف ما إذا قيل : " رجاله ثقات " ؛ فهذا التوثيق ثقة يُعتمد ، وهذا - أيضًا - يفهمه مَن كان عنده علم باللغة العربية وآدابها ، فكلمة موثوق مبني للمجهول كقولهم : وُثِّقَ ، فمن قال في راوٍ : وُثِّق هو غير قولهم : " هو ثقة " ، فثقة فيها معنى الجزم ، أما موثوق ووُثِّق ففيه معنى الإشعار بضعف التوثيق ؛ ولذلك نجد الحافظ الهيثمي بصورة خاصَّة في كتابه " مجمع الزوائد " يستعمل التعبيرَين ، فهو في أغلب الأحاديث يقول : " رجاله ثقات " ، أحيانًا يقول : " رجاله موثَّقون " .
يجب على طالب العلم أن يتنبَّه لهذه الفوارق ، ثم الذي يتابع ويبحث ويحقِّق يتبيَّن له هذه الحقيقة كالشمس في رابعة النهار ؛ حين يقول رجاله ثقات يجدهم فعلًا قد وثَّقه فلان وفلان كل واحد من الرواة ، أما حينما يقول في الحديث : " رجاله موثَّقون " فهو لا بد سيجد في هؤلاء الرواة راويًا وثَّقه مثل ابن حبان المعروف بتساهله في التوثيق ، فهو يشير بكلمة وُثِّق أو موثَّقون يوم أحد الرواة وُثِّق ممن لا يُعتَدُّ بتوثيقه بسبب تساهله في التوثيق كابن حبان وهذا معروف عند العلماء المشتغلين بعلم الحديث ، والحافظ ابن حجر العسقلاني من هؤلاء الأئمة الذين بيَّنوا طريقة توثيق ابن حبان للرواة وأن هذا التوثيق منه مرجوح لمخالفته لطريقة العلماء في التوثيق ، فهو يوثِّق مَن هو مجهول عند الآخرين ، بل تارةً يوثِّق مَن هو مجهول عند نفسه ؛ حيث يقول : فلان بن فلان . قبل أن أقول هذا التعبير أريد أذكِّر أنُّو هو كتابه " الثقات " يورد الثقات في هذا الكتاب ؛ لا يقول : فلان ثقة ، فلان لا بأس به ، فلان ثقة ثقة ، فلان لا يُسأل عن مثله ؛ هذه تعابير معروفة عند العلماء اللي يصرِّحوا بالتوثيق ، أما ابن حبان ليس هذا من أسلوبه أبدًا ، هو يقنع بأن يذكر اسم الراوي وكنيته وبلده إذا كان معروفًا ، وسنة ولادته ووفاته إذا كان ذلك - أيضًا - معلومًا ، ويذكر شيخ أو شيخين له وراويًا واحدًا أو راويين له ، فكلُّ مَن أورَدَه في كتابه على هذه الطريقة هو عنده ثقة ؛ لأنه ذكره في كتاب " الثقات " ، فأحيانًا ماذا يقول ؟ فلان بن فلان روى عن فلان وعن فلان ، لا أعرفه ولا أعرف أباه ، هو يقول هكذا ، مع ذلك فهو عنده ثقة ؛ لم ؟ هو بلا شك رجل عالم فاضل ، لكن " اتقوا زلة العالِم فإنها زلة العالَم " ، ابن حبان هذا - رحمه الله - عامَلَ رواةَ الحديث معاملة العلماء جميعًا للشهود ، فالأصل في المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويحافظ على الصلاة على الستر ، والأصل العدالة إلا إذا انكشف منه شيء ؛ فحينئذٍ يُحكم بما يلزمه .
فهو - أيضًا - ابن حزم جرى مع رواة الحديث هذا المجرى ؛ وهو إحسان الظَّنِّ بالمسلمين ، بينما هنا بالنسبة لعلم الحديث يُشترط عند الحفَّاظ شرط آخر ؛ وهو أن يكون حافظًا ضابطًا ؛ لأن هذا منصوص على شرطيَّته في تعريفهم للحديث الصحيح ، وذلك من قولهم : ما رواه ؛ شو الحديث الصحيح ؟ " " ما رواه عدلٌ ضابط " ، ما قالوا : ما رواه عدل عن مثله عن مثله إلى منتهاه ، وإنما قالوا : " ما رواه عدل ضابط عن مثله " ، فحينما يكون الراوي غير معروف عند المحدِّث كابن حبان فحينئذٍ لا يصح أن يُحتجَّ بحديثه ؛ لأنه لو فرضناه عدلًا بالنسبة للشهادة فلا يصح أن يكون عدلًا بالنسبة للحديث ؛ لأن الحديث يُشترط في هذا العدل أن يكون ضابطًا حافظًا ، وهذا لا يتبيَّن إلا إذا كان كثير الحديث ومدروس الحديث ، فمن كان لا يُروى عنه إلا شخص فكيف يسمَّى بأنه عدل ؟ ثم كيف يُقال ضابط ؟ هذا مستحيل أن يقال به ، وبخاصَّة في الراوي الذي روى عنه واحد وشهد ابن حبان نفسه بأنه لا يعرفه ولا يعرف أصله كمان هو وأبوه ، فهذا مما أُخِذَ على ابن حبان ونُسِبَ إلى التساهل في توثيق الرواة ، وبناءً على ذلك علماء الحديث لا يثقون بتوثيق ابن حبان إلا إذا اقترنَ معه موثِّق آخر كالإمام أحمد ويحيى بن معين وابن المبارك ونحو ذلك من أئمة الحديث . فلعلم بعض الفحول من المحدثين المتأخرين كالهيثمي والشَّيخ الحافظ بن حجر وابن حجر نفسه والزيلعي وغيرهم ، منشان حتى يكونوا دقيقين في التعبير بيفرقوا بين قولهم : " رواه أحمد ورجاله ثقات " ، وقولهم : " رواه أحمد ورجاله موثَّقون " ، أيضًا بيقولوا : " رجاله ثقات وفيه فلان ، وفيه ضعف وقد وُثِّق " ، لا يزالون يعتدُّون بهذا التعبير ، يضعونه في موضعه .
فابن حبان - الشاهد - هو من المتساهلين في توثيق الرواة ، يترتَّب عليه تساهله في إيراده لأحاديث أمثال هؤلاء الرواة في كتابه الذي سمَّاه بـ " التقاسيم والأنواء " ، والمعروف عند المتأخرين بـ " صحيح بن حبان " ؛ لأنُّو من وثقهم في كتابه " الثقات " يخرِّج له في كتابه " التقاسيم والأنواء " الذي هو " صحيح ابن حبان " . فبنرجع نقول : " رواته موثَّقون " ، الذي بيعرف هذا العلم بس يقول : " رواته موثَّقون " يعرف أن فيه ضعف في أحد الرواة ، وإن كان وثقه ابن حبان لأن ابن حبان يوثق المجهولين ، بل كما قلنا آنفًا إذا قال : " رواته ثقات " يفهم اللي متخصِّص في هذا العلم أن الإسناد ينبغي أن يُنظر فيه ؛ لأن قول المحدِّث الحافظ كالهيثمي - مثلًا - ورجال إسناده ثقات ليس كما لو قال : " وإسناده صحيح " أبدًا ، وذلك لأنُّو كون رجال السند ثقات هو شرط من شروط الصحة كما ذكرنا آنفًا ؛ " ما رواه عدل ضابط " ؛ فهو لما بيقول لك رجاله ثقات أنبأك عن علم بأنُّو فعلًا رجاله ثقات ، لكن وين الشروط الأخرى التي تُستفاد من التعريف المتَّفق عليه عند أئمة الحديث ؟ " ما رواه عدل ضابط عن مثله عن مثله إلى منتهاه ، ولم يُشذَّ ولم يُعلَّ " ؛ هذه لا تعطي الشروط بكلمة إيش ؟ " رجاله ثقات " ، فهنا في الحديثَين الأولين في إشعار كما قلنا أنُّو الحديث فيه شيء ؛ لأنُّو ما بيقول أوَّلًا : " رجاله ثقات " ، يقول : " رجاله موثَّقون " حتى ولو قال : " رجاله ثقات " فلا يعني أنه صحيح .
أخيرًا : الحديث الأول اللي هو قول أنس : " ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الفجر حتَّى فارق الدنيا " هذا معلوم علَّته عند علماء الحديث ، وهو أنه من رواية أبي جعفر الرازي الذي اشتهر بكنيته أكثر من اسمه ، اسمه " عيسى بن ماهان " ، ويُعرف بـ " أبيو جعفر الرازي " ، وهو سيِّئ الحفظ لا يُحتجُّ بحديثه إذا تفرَّد ، ومعنى إذا تفرَّد غير إذا خالف ؛ لأن الراوي الثقة إذا تفرَّد بحديث ولم يخالف فيه غيره حديثه صحيح ، أما إذا خالف غيره نُظِرَ ؛ فإن كان الذي خالفه أوثق منه ، أحفظ منه ، أو أكثر عددًا منه كان حديثه شاذًّا ، وإن كان مساويًا له كان حديثه محفوظًا وصحيحًا . فأبو جعفر الرازي لا يُحتج بحديثه إذا تفرَّد ؛ أي : إذا روى ما لم يروه الثقة ؛ فهو غير حجة لسوء حفظه ، أما إذا خالف فيكون حديثه منكرًا ، وهذا من تفاصيلهم الدقيقة ، الثقة إذا خالف مَن هو أوثق منه كان حديثه شاذًّا ، والضعيف إذا خالف الثقة كان حديثه منكرًا ، وكلٌّ من الشاذ والمنكر من قسم الحديث الضعيف .
حديث أنس هذا الذي رواه أبو جعفر الرازي هو منكر ، وليس فقط ضعيفًا لأن الراوي ضعيف ؛ لأنه خالف مَن هو أوثق منه ، قد روى هذا الحديث عن أنس بطريق صحيح غير طريق أبي جعفر الرازي طبعًا ابن حبان - أيضًا - وابن خزيمة في " صحيحَيهما " بإسناد صحيح عن أنس ؛ قال : " ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت إلا إذا دعا لقومٍ أو على قومٍ " . هذا يخالف عموم الحديث الأول : " ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الفجر حتى فارق الدنيا " ، أنس ثبت عنه : " ما كان يقنت إلا إذا دعا لقومٍ أو على قومٍ " كما في الحديثين الأخيرين اللي قرأهم أبو صلاح آنفًا ، فهما حديثان صحيحان ؛ لما دعا على كفار قريش ، وهذان الحديثان كحديث أنس الصحيح اللي رواه ... .
الشيخ : البزار .
السائل : البزار . وعن أنس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت حتى مات ، وأبو بكر حتى مات ، وعمر حتى مات " . رواه البزار ورجاله موثوقون . وعن أبي هريرة : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبِّر ويرفع رأسه : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، يقول وهو قائم : اللهم نجِّ الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعباس بن أبي ربيعة " . هذا حديث رواه مسلم . وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت بعد ركعة في صلاة شهرًا ، إذ قال : سمع الله لِمَن حمده يقول في ... " .
الشيخ : على كلِّ حال - أخي - المسألة واضحة ومعروفة عند العلماء ، والأحاديث هذه قسمان من حيث ثبوتها ، فالحديث الأول والثاني لا يصحَّان ، ومَن كان عنده معرفة بمصطلح علم الحديث يشعر شعورًا بأنَّ فيهما شيء من الضعف هذا فيما لو كان لا يعلم الضعف وعلته ، فقول العلماء : " ورجاله موثَّقون " غير قولهم : " رجاله ثقات " ، ثم هذه الغيرية - إذا صحَّ التعبير - لو كانت متساوية المقام والمعنى - أي : لو كان قولهم : " رجاله موثَّقون " كقولهم : " رجاله ثقات " ؛ فهو لا يعني أن الإسناد صحيح ، ولنبيِّن هذا والذي قبله . رجاله موثَّقون يقال عادة فيما إذا كان فيهم مَن وُثِّق توثيقًا ضعيفًا لا يُعتَدُّ به عند العلماء ، بخلاف ما إذا قيل : " رجاله ثقات " ؛ فهذا التوثيق ثقة يُعتمد ، وهذا - أيضًا - يفهمه مَن كان عنده علم باللغة العربية وآدابها ، فكلمة موثوق مبني للمجهول كقولهم : وُثِّقَ ، فمن قال في راوٍ : وُثِّق هو غير قولهم : " هو ثقة " ، فثقة فيها معنى الجزم ، أما موثوق ووُثِّق ففيه معنى الإشعار بضعف التوثيق ؛ ولذلك نجد الحافظ الهيثمي بصورة خاصَّة في كتابه " مجمع الزوائد " يستعمل التعبيرَين ، فهو في أغلب الأحاديث يقول : " رجاله ثقات " ، أحيانًا يقول : " رجاله موثَّقون " .
يجب على طالب العلم أن يتنبَّه لهذه الفوارق ، ثم الذي يتابع ويبحث ويحقِّق يتبيَّن له هذه الحقيقة كالشمس في رابعة النهار ؛ حين يقول رجاله ثقات يجدهم فعلًا قد وثَّقه فلان وفلان كل واحد من الرواة ، أما حينما يقول في الحديث : " رجاله موثَّقون " فهو لا بد سيجد في هؤلاء الرواة راويًا وثَّقه مثل ابن حبان المعروف بتساهله في التوثيق ، فهو يشير بكلمة وُثِّق أو موثَّقون يوم أحد الرواة وُثِّق ممن لا يُعتَدُّ بتوثيقه بسبب تساهله في التوثيق كابن حبان وهذا معروف عند العلماء المشتغلين بعلم الحديث ، والحافظ ابن حجر العسقلاني من هؤلاء الأئمة الذين بيَّنوا طريقة توثيق ابن حبان للرواة وأن هذا التوثيق منه مرجوح لمخالفته لطريقة العلماء في التوثيق ، فهو يوثِّق مَن هو مجهول عند الآخرين ، بل تارةً يوثِّق مَن هو مجهول عند نفسه ؛ حيث يقول : فلان بن فلان . قبل أن أقول هذا التعبير أريد أذكِّر أنُّو هو كتابه " الثقات " يورد الثقات في هذا الكتاب ؛ لا يقول : فلان ثقة ، فلان لا بأس به ، فلان ثقة ثقة ، فلان لا يُسأل عن مثله ؛ هذه تعابير معروفة عند العلماء اللي يصرِّحوا بالتوثيق ، أما ابن حبان ليس هذا من أسلوبه أبدًا ، هو يقنع بأن يذكر اسم الراوي وكنيته وبلده إذا كان معروفًا ، وسنة ولادته ووفاته إذا كان ذلك - أيضًا - معلومًا ، ويذكر شيخ أو شيخين له وراويًا واحدًا أو راويين له ، فكلُّ مَن أورَدَه في كتابه على هذه الطريقة هو عنده ثقة ؛ لأنه ذكره في كتاب " الثقات " ، فأحيانًا ماذا يقول ؟ فلان بن فلان روى عن فلان وعن فلان ، لا أعرفه ولا أعرف أباه ، هو يقول هكذا ، مع ذلك فهو عنده ثقة ؛ لم ؟ هو بلا شك رجل عالم فاضل ، لكن " اتقوا زلة العالِم فإنها زلة العالَم " ، ابن حبان هذا - رحمه الله - عامَلَ رواةَ الحديث معاملة العلماء جميعًا للشهود ، فالأصل في المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويحافظ على الصلاة على الستر ، والأصل العدالة إلا إذا انكشف منه شيء ؛ فحينئذٍ يُحكم بما يلزمه .
فهو - أيضًا - ابن حزم جرى مع رواة الحديث هذا المجرى ؛ وهو إحسان الظَّنِّ بالمسلمين ، بينما هنا بالنسبة لعلم الحديث يُشترط عند الحفَّاظ شرط آخر ؛ وهو أن يكون حافظًا ضابطًا ؛ لأن هذا منصوص على شرطيَّته في تعريفهم للحديث الصحيح ، وذلك من قولهم : ما رواه ؛ شو الحديث الصحيح ؟ " " ما رواه عدلٌ ضابط " ، ما قالوا : ما رواه عدل عن مثله عن مثله إلى منتهاه ، وإنما قالوا : " ما رواه عدل ضابط عن مثله " ، فحينما يكون الراوي غير معروف عند المحدِّث كابن حبان فحينئذٍ لا يصح أن يُحتجَّ بحديثه ؛ لأنه لو فرضناه عدلًا بالنسبة للشهادة فلا يصح أن يكون عدلًا بالنسبة للحديث ؛ لأن الحديث يُشترط في هذا العدل أن يكون ضابطًا حافظًا ، وهذا لا يتبيَّن إلا إذا كان كثير الحديث ومدروس الحديث ، فمن كان لا يُروى عنه إلا شخص فكيف يسمَّى بأنه عدل ؟ ثم كيف يُقال ضابط ؟ هذا مستحيل أن يقال به ، وبخاصَّة في الراوي الذي روى عنه واحد وشهد ابن حبان نفسه بأنه لا يعرفه ولا يعرف أصله كمان هو وأبوه ، فهذا مما أُخِذَ على ابن حبان ونُسِبَ إلى التساهل في توثيق الرواة ، وبناءً على ذلك علماء الحديث لا يثقون بتوثيق ابن حبان إلا إذا اقترنَ معه موثِّق آخر كالإمام أحمد ويحيى بن معين وابن المبارك ونحو ذلك من أئمة الحديث . فلعلم بعض الفحول من المحدثين المتأخرين كالهيثمي والشَّيخ الحافظ بن حجر وابن حجر نفسه والزيلعي وغيرهم ، منشان حتى يكونوا دقيقين في التعبير بيفرقوا بين قولهم : " رواه أحمد ورجاله ثقات " ، وقولهم : " رواه أحمد ورجاله موثَّقون " ، أيضًا بيقولوا : " رجاله ثقات وفيه فلان ، وفيه ضعف وقد وُثِّق " ، لا يزالون يعتدُّون بهذا التعبير ، يضعونه في موضعه .
فابن حبان - الشاهد - هو من المتساهلين في توثيق الرواة ، يترتَّب عليه تساهله في إيراده لأحاديث أمثال هؤلاء الرواة في كتابه الذي سمَّاه بـ " التقاسيم والأنواء " ، والمعروف عند المتأخرين بـ " صحيح بن حبان " ؛ لأنُّو من وثقهم في كتابه " الثقات " يخرِّج له في كتابه " التقاسيم والأنواء " الذي هو " صحيح ابن حبان " . فبنرجع نقول : " رواته موثَّقون " ، الذي بيعرف هذا العلم بس يقول : " رواته موثَّقون " يعرف أن فيه ضعف في أحد الرواة ، وإن كان وثقه ابن حبان لأن ابن حبان يوثق المجهولين ، بل كما قلنا آنفًا إذا قال : " رواته ثقات " يفهم اللي متخصِّص في هذا العلم أن الإسناد ينبغي أن يُنظر فيه ؛ لأن قول المحدِّث الحافظ كالهيثمي - مثلًا - ورجال إسناده ثقات ليس كما لو قال : " وإسناده صحيح " أبدًا ، وذلك لأنُّو كون رجال السند ثقات هو شرط من شروط الصحة كما ذكرنا آنفًا ؛ " ما رواه عدل ضابط " ؛ فهو لما بيقول لك رجاله ثقات أنبأك عن علم بأنُّو فعلًا رجاله ثقات ، لكن وين الشروط الأخرى التي تُستفاد من التعريف المتَّفق عليه عند أئمة الحديث ؟ " ما رواه عدل ضابط عن مثله عن مثله إلى منتهاه ، ولم يُشذَّ ولم يُعلَّ " ؛ هذه لا تعطي الشروط بكلمة إيش ؟ " رجاله ثقات " ، فهنا في الحديثَين الأولين في إشعار كما قلنا أنُّو الحديث فيه شيء ؛ لأنُّو ما بيقول أوَّلًا : " رجاله ثقات " ، يقول : " رجاله موثَّقون " حتى ولو قال : " رجاله ثقات " فلا يعني أنه صحيح .
أخيرًا : الحديث الأول اللي هو قول أنس : " ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الفجر حتَّى فارق الدنيا " هذا معلوم علَّته عند علماء الحديث ، وهو أنه من رواية أبي جعفر الرازي الذي اشتهر بكنيته أكثر من اسمه ، اسمه " عيسى بن ماهان " ، ويُعرف بـ " أبيو جعفر الرازي " ، وهو سيِّئ الحفظ لا يُحتجُّ بحديثه إذا تفرَّد ، ومعنى إذا تفرَّد غير إذا خالف ؛ لأن الراوي الثقة إذا تفرَّد بحديث ولم يخالف فيه غيره حديثه صحيح ، أما إذا خالف غيره نُظِرَ ؛ فإن كان الذي خالفه أوثق منه ، أحفظ منه ، أو أكثر عددًا منه كان حديثه شاذًّا ، وإن كان مساويًا له كان حديثه محفوظًا وصحيحًا . فأبو جعفر الرازي لا يُحتج بحديثه إذا تفرَّد ؛ أي : إذا روى ما لم يروه الثقة ؛ فهو غير حجة لسوء حفظه ، أما إذا خالف فيكون حديثه منكرًا ، وهذا من تفاصيلهم الدقيقة ، الثقة إذا خالف مَن هو أوثق منه كان حديثه شاذًّا ، والضعيف إذا خالف الثقة كان حديثه منكرًا ، وكلٌّ من الشاذ والمنكر من قسم الحديث الضعيف .
حديث أنس هذا الذي رواه أبو جعفر الرازي هو منكر ، وليس فقط ضعيفًا لأن الراوي ضعيف ؛ لأنه خالف مَن هو أوثق منه ، قد روى هذا الحديث عن أنس بطريق صحيح غير طريق أبي جعفر الرازي طبعًا ابن حبان - أيضًا - وابن خزيمة في " صحيحَيهما " بإسناد صحيح عن أنس ؛ قال : " ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت إلا إذا دعا لقومٍ أو على قومٍ " . هذا يخالف عموم الحديث الأول : " ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الفجر حتى فارق الدنيا " ، أنس ثبت عنه : " ما كان يقنت إلا إذا دعا لقومٍ أو على قومٍ " كما في الحديثين الأخيرين اللي قرأهم أبو صلاح آنفًا ، فهما حديثان صحيحان ؛ لما دعا على كفار قريش ، وهذان الحديثان كحديث أنس الصحيح اللي رواه ... .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 111
- توقيت الفهرسة : 00:47:25
- نسخة مدققة إملائيًّا