هل الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن يجلس جلسة الاستراحة ؟
A-
A=
A+
السائل : ... .
الشيخ : نعم ، لم يأتِ في حديث ما أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان لا يجلس جلسة الاستراحة ، بل وعلى العكس من ذلك ؛ فقد جاء حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس جلسة الاستراحة في حديث مالك بن الحويرث في " صحيح البخاري " ، وبحديث أبي حُمَيد الساعدي في أبي داود ، هو أصله في البخاري أيضًا ، وحديث أبي دواد هو من رواية أبي حُمَيد في محضر عشرة من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وفيه أنَّ أبا حميد الساعدي - وهو منهم - قال لِمَن حوله من هؤلاء الصحابة : أَلَا أصلي لكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالوا له : ولِمَ ؟ ولسْتَ بأعلمنا بصلاته . فقال لهم : نعم ، أنا أعلم . فقالوا له : إذًا فاعرِضْ . فبدأ يصلي من أول الصلاة إلى آخرها ، فلما جاء للنهوض من السجدة الثانية إلى الركعة الثانية جلس ثم نهض ، فهذا الجلوس جاء في حديث أبي حُمَيد الذي عرضَ صفة الصلاة على الصحابة لِيدُلَّهم كيف كان الرسول - عليه السلام - يصلي مع أنهم أصحاب مثله شاهدوا الرسول - عليه السلام - كما شاهَدَهم ، ولكنهم فيما يظهر كان له عناية خاصَّة بمراقبة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ ولذلك قال لهم : ألا أصلي لكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟! وكأنهم يعني أنِفُوا من أن يعرِضَ عليهم رجلٌ مثلهم لا يمتاز عليهم بقِدَمِ صحبة ؛ ولذلك قالوا له : لسْتَ بأعلمنا بصلاته . فقال لهم : ليس كما تقولون ، بل أنا أعلَمُكم بصلاته . فلما رأوه مصرّ على ذلك قالوا له : فاعرِضْ . فلما انتهى من عرضه لصلاة النبي وفيها جلسة الاستراحة قالوا له : صدقْتَ ، هكذا كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .
فيثبت بهذا النَّصِّ ومن النَّصِّ الذي قبله - وهو حديث مالك بن الحويرث - أن الصحابة كان لا خلاف بينهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا صلى صلاةً جلس جلسة الاستراحة ، ومن هنا نقول : إن الصواب ما قاله الإمام النووي - رحمه الله - في كتابه " المجموع شرح المهذَّب " ؛ حيث نبَّهَ القرَّاء بضرورة المحافظة على جلسة الاستراحة ؛ لأنها ثبتَتْ في راوية هؤلاء الجمع من الصحابة دون أيِّ مخالف لهم من الصحابة الآخرين .
وبهذه المناسبة فلا بد من التنبيه أنه لا ينبغي الاغترار بما جاء في كتاب " زاد المعاد " في بحثه لهذه السنة ؛ ألا وهي جلسة الاستراحة ؛ حيث ذكر هناك ما يستفيد منه القارئ أن ابن القيم يذهب تبعًا لبعض الأئمة إلى أن جلسة الاستراحة هذه ليست سنة تعبُّديَّة ، وإنما هي كان من فعله - عليه السلام - لحاجته لسنِّه ؛ أي : لما بدَّنَ وأسَنَّ فهو كان يجلس جلسة استراحة لا جلسة عبادة ، هكذا يذكر ابن القيم - رحمه الله - اعتمادًا على بعض الأقوال عن بعض الأئمة بدون أيِّ حجة تضطرُّ الواقف على كلامه أن يعتزَّ به ، ونحن نقول : إن تأويل هذه الجلسة بأن الرسول - عليه السلام - إنما فَعَلَها للحاجة ولم يفعلها في عبادة فيه انحراف كبير عن ملاحظة ما ذكرنا من اجتماع الصحابة على ذكر هذه الجلسة في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .
ومن البعيد جدًّا أن يرى الغائب ما لا يرى الشاهد ؛ لأنه عكس الخبر النبوي أوَّلًا ، وعكس ما يَشعر به كلُّ ذي لبٍّ ثانيًا ، الحديث النبوي يقول : ( الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ) ، وهذا هو الذي يقتضيه العقل السليم ، فالقول بأن جلسة الاستراحة إنما فَعَلَها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للحاجة هو عكسٌ للحديث السابق : ( الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ) ، كيف هذا ؟ إن ابن القيم هو الغائب ، ومَن كان سبقه من القائل بمثل قوله ألا وهو أنَّ جلسة الاستراحة فَعَلَها الرسول لحاجة في بدنه من سنٍّ أو من ضعف ؛ هذا قول صدرَ من الغائب عن مشاهدة فعل الرسول - عليه السلام - وصلاته ، بينما أبو حُمَيد الساعدي ومعه عشرة من الصحابة ، وقد يكون منهم مالك بن الحويرث الذي روى الحديث حديث الجلسة مستقلًّا عن الجماعة ، هؤلاء كلهم يتَّفقون على شيئين اثنين :
أوَّلًا : أن الرسول - عليه السلام - جلسَ جلسة الاستراحة في صلاته . وثانيًا : على أنها من تمام صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فلو كان حقًّا ما ذهب إليه ابن القيم - رحمه الله - أن هذه الجلسة فَعَلَها الرسول للحاجة لَمَا خَفِيَ ذلك على أولئك الصحابة ، وإذ الأمر كذلك - أي : لو كان هؤلاء الصحابة يرون أن جلسة النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه إنما فَعَلَها للحاجة - لَمَا جاز لهم أن يحشروها في سلسلة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لِمَا فيه من إدخال ما ليس من العبادة في العبادة ، ما ليس من الصلاة في الصلاة ، وما كان لنا أن نتصوَّر أن مثل هذا الإدخال يمكن أن يقع من فرد واحد من الصحابة فضلًا عن أن يقع من جماعة ؛ لا سيَّما إذا كان هؤلاء الجماعة قد تحدَّاهم أحدهم بأنه يعرف صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن منهم ؛ لذلك هو عرض عليهم أن يصلِّي لهم صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا له : اعرِضْ ، فلما عرض ما عنده ، وجاء في هذا العرض أن الرسول - عليه السلام - جلس جلسة التحيَّة صدَّقوه ، وقالوا له صراحةً : هكذا كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .
إذًا لا يجوز نسبة الوَهْم على هؤلاء الصحابة ؛ بمعنى أنهم أدخلوا في الصلاة ما ليس منها ، فهذا أبعد ما يكون عن الصواب ، وبذلك يثبت أن جلسة الاستراحة سنة مؤكَّدة فَعَلَها الرسول - عليه السلام - دون أن يأتي خبر آخر يُبيِّن أنه ترَكَها ولو أحيانًا ؛ ولذلك فنحن مع الشافعية ، وبصورة خاصَّة مع الإمام النووي الذي ألحَّ على المصلِّي أن يُحافظ على هذه السنة في الوقت الذي ضَيَّعها جماهير الشافعية الذين يجدون هذه السنة في كتبهم ، ثم هم لا يفعلونها فضلًا عن غيرهم من الحنفية والمالكية الذين يجدون التنصيص على كراهة هذه الجلسة ، وهذا خلاف السنة الصحيحة .
وهذا ما لدينا حول هذه المسألة .
الشيخ : نعم ، لم يأتِ في حديث ما أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان لا يجلس جلسة الاستراحة ، بل وعلى العكس من ذلك ؛ فقد جاء حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس جلسة الاستراحة في حديث مالك بن الحويرث في " صحيح البخاري " ، وبحديث أبي حُمَيد الساعدي في أبي داود ، هو أصله في البخاري أيضًا ، وحديث أبي دواد هو من رواية أبي حُمَيد في محضر عشرة من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وفيه أنَّ أبا حميد الساعدي - وهو منهم - قال لِمَن حوله من هؤلاء الصحابة : أَلَا أصلي لكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالوا له : ولِمَ ؟ ولسْتَ بأعلمنا بصلاته . فقال لهم : نعم ، أنا أعلم . فقالوا له : إذًا فاعرِضْ . فبدأ يصلي من أول الصلاة إلى آخرها ، فلما جاء للنهوض من السجدة الثانية إلى الركعة الثانية جلس ثم نهض ، فهذا الجلوس جاء في حديث أبي حُمَيد الذي عرضَ صفة الصلاة على الصحابة لِيدُلَّهم كيف كان الرسول - عليه السلام - يصلي مع أنهم أصحاب مثله شاهدوا الرسول - عليه السلام - كما شاهَدَهم ، ولكنهم فيما يظهر كان له عناية خاصَّة بمراقبة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ ولذلك قال لهم : ألا أصلي لكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟! وكأنهم يعني أنِفُوا من أن يعرِضَ عليهم رجلٌ مثلهم لا يمتاز عليهم بقِدَمِ صحبة ؛ ولذلك قالوا له : لسْتَ بأعلمنا بصلاته . فقال لهم : ليس كما تقولون ، بل أنا أعلَمُكم بصلاته . فلما رأوه مصرّ على ذلك قالوا له : فاعرِضْ . فلما انتهى من عرضه لصلاة النبي وفيها جلسة الاستراحة قالوا له : صدقْتَ ، هكذا كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .
فيثبت بهذا النَّصِّ ومن النَّصِّ الذي قبله - وهو حديث مالك بن الحويرث - أن الصحابة كان لا خلاف بينهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا صلى صلاةً جلس جلسة الاستراحة ، ومن هنا نقول : إن الصواب ما قاله الإمام النووي - رحمه الله - في كتابه " المجموع شرح المهذَّب " ؛ حيث نبَّهَ القرَّاء بضرورة المحافظة على جلسة الاستراحة ؛ لأنها ثبتَتْ في راوية هؤلاء الجمع من الصحابة دون أيِّ مخالف لهم من الصحابة الآخرين .
وبهذه المناسبة فلا بد من التنبيه أنه لا ينبغي الاغترار بما جاء في كتاب " زاد المعاد " في بحثه لهذه السنة ؛ ألا وهي جلسة الاستراحة ؛ حيث ذكر هناك ما يستفيد منه القارئ أن ابن القيم يذهب تبعًا لبعض الأئمة إلى أن جلسة الاستراحة هذه ليست سنة تعبُّديَّة ، وإنما هي كان من فعله - عليه السلام - لحاجته لسنِّه ؛ أي : لما بدَّنَ وأسَنَّ فهو كان يجلس جلسة استراحة لا جلسة عبادة ، هكذا يذكر ابن القيم - رحمه الله - اعتمادًا على بعض الأقوال عن بعض الأئمة بدون أيِّ حجة تضطرُّ الواقف على كلامه أن يعتزَّ به ، ونحن نقول : إن تأويل هذه الجلسة بأن الرسول - عليه السلام - إنما فَعَلَها للحاجة ولم يفعلها في عبادة فيه انحراف كبير عن ملاحظة ما ذكرنا من اجتماع الصحابة على ذكر هذه الجلسة في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .
ومن البعيد جدًّا أن يرى الغائب ما لا يرى الشاهد ؛ لأنه عكس الخبر النبوي أوَّلًا ، وعكس ما يَشعر به كلُّ ذي لبٍّ ثانيًا ، الحديث النبوي يقول : ( الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ) ، وهذا هو الذي يقتضيه العقل السليم ، فالقول بأن جلسة الاستراحة إنما فَعَلَها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للحاجة هو عكسٌ للحديث السابق : ( الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ) ، كيف هذا ؟ إن ابن القيم هو الغائب ، ومَن كان سبقه من القائل بمثل قوله ألا وهو أنَّ جلسة الاستراحة فَعَلَها الرسول لحاجة في بدنه من سنٍّ أو من ضعف ؛ هذا قول صدرَ من الغائب عن مشاهدة فعل الرسول - عليه السلام - وصلاته ، بينما أبو حُمَيد الساعدي ومعه عشرة من الصحابة ، وقد يكون منهم مالك بن الحويرث الذي روى الحديث حديث الجلسة مستقلًّا عن الجماعة ، هؤلاء كلهم يتَّفقون على شيئين اثنين :
أوَّلًا : أن الرسول - عليه السلام - جلسَ جلسة الاستراحة في صلاته . وثانيًا : على أنها من تمام صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فلو كان حقًّا ما ذهب إليه ابن القيم - رحمه الله - أن هذه الجلسة فَعَلَها الرسول للحاجة لَمَا خَفِيَ ذلك على أولئك الصحابة ، وإذ الأمر كذلك - أي : لو كان هؤلاء الصحابة يرون أن جلسة النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه إنما فَعَلَها للحاجة - لَمَا جاز لهم أن يحشروها في سلسلة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لِمَا فيه من إدخال ما ليس من العبادة في العبادة ، ما ليس من الصلاة في الصلاة ، وما كان لنا أن نتصوَّر أن مثل هذا الإدخال يمكن أن يقع من فرد واحد من الصحابة فضلًا عن أن يقع من جماعة ؛ لا سيَّما إذا كان هؤلاء الجماعة قد تحدَّاهم أحدهم بأنه يعرف صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن منهم ؛ لذلك هو عرض عليهم أن يصلِّي لهم صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا له : اعرِضْ ، فلما عرض ما عنده ، وجاء في هذا العرض أن الرسول - عليه السلام - جلس جلسة التحيَّة صدَّقوه ، وقالوا له صراحةً : هكذا كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .
إذًا لا يجوز نسبة الوَهْم على هؤلاء الصحابة ؛ بمعنى أنهم أدخلوا في الصلاة ما ليس منها ، فهذا أبعد ما يكون عن الصواب ، وبذلك يثبت أن جلسة الاستراحة سنة مؤكَّدة فَعَلَها الرسول - عليه السلام - دون أن يأتي خبر آخر يُبيِّن أنه ترَكَها ولو أحيانًا ؛ ولذلك فنحن مع الشافعية ، وبصورة خاصَّة مع الإمام النووي الذي ألحَّ على المصلِّي أن يُحافظ على هذه السنة في الوقت الذي ضَيَّعها جماهير الشافعية الذين يجدون هذه السنة في كتبهم ، ثم هم لا يفعلونها فضلًا عن غيرهم من الحنفية والمالكية الذين يجدون التنصيص على كراهة هذه الجلسة ، وهذا خلاف السنة الصحيحة .
وهذا ما لدينا حول هذه المسألة .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 273
- توقيت الفهرسة : 00:05:25
- نسخة مدققة إملائيًّا