مناقشة عدم مشروعيَّة وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
مناقشة عدم مشروعيَّة وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع .
A-
A=
A+
السائل : بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .

بالنسبة لأحاديث ابن باز في قوله في وضع اليدين على الصدر بعد الركوع ؛ استشهد بأحاديث ما هي صريحة في هذا الوضع ، بالنسبة لحديثكم عن " سمع الله لمن حمده " للمأموم ما استشهدتم ما ذكرتم أحاديث صريحة في هذا الموضوع ؛ فهذه بتلك ، رأيكم في هذا ؟

الشيخ : لا يستويان مثلًا ، نحن نقول : الأصل في كلِّ نصٍّ عام أنه يجب العمل بجميع أجزائه إلا إذا قام الدليل على استثناء جزء من تلك الأجزاء التي تضمَّنتها النصوص العامة ، أظن هذا الكلام مفهوم ؛ لأنُّو هذا الحقيقة كلام له علاقة بعلم الأصول ، أضرب أنا مثلًا الآن على سبيل التوضيح : (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ )) ، الميتة هنا مطلقة كالدَّم ، فيشمل أيَّ ميتة وأيَّ دم ، فمقتضى العمل بهذا النَّصِّ القرآني أنه لا يجوز أن يأكل الإنسان حيوانًا ميتًا ولا أن يأكل منه دمًا ؛ ليه ؟ لعموم النَّصِّ : (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )) كل ميتة ، والدم كل دم ، لكن لما جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صريحًا يقول : ( أُحِلَّت لنا ميتَتَان ودمان ؛ الحوت والجراد ، والكبد والطحال ) قلنا الآية خُصِّصت بهذا الحديث ، فحينئذٍ يجري النَّصُّ الخاص مع النَّصِّ العام مجرى الاستثناء من المُستثنى منه ، ويخرج معنا في طريق الجمع بين النَّصِّ القرآني هنا والحديث النبوي يخرج معنا المعنى الآتي ؛ حُرِّمت عليكم الميتة إلا ميتة الحوت والجراد ، والدم إلا دم الكبد والطحال ؛ لولا هذا النَّصُّ المخصِّص في الآية وجبَ فهم الآية على المعنى العام اللي يشمل هالمستثنيات في هذا الحديث ، لكن لما جاء الحديث استثنى هذه الأمور من عموم النَّصِّ القرآني ، هذا سبيل معروف عند كل العلماء ، وهو استثناء الأقل من الأكثر نص يتضمَّن شيئًا أقل من النَّصِّ الآخر يتضمَّن أشياء كثيرة مع وجود تعارض بين هذه الأشياء الكثيرة التي تضمَّنها النَّصُّ العام وبين هذه الأشياء القليلة التي تضمَّنها النَّصُّ الخاص ، فيُسلَّط النَّصُّ الخاص على النَّصِّ العام ويخصِّصه ، فنخرج بالنتيجة السابقة ؛ حُرِّمت عليكم الميتة إلا ميتة الحوت والجراد ، والدم إلا دم الكبد والطحال ، هذا مثل يعني واضح جدًّا ومعروف .

نأتي الآن إلى مسألة هي أدق الحقيقة من هذا المثال ؛ هل النَّصُّ العام من الضروري أن يُخصَّص بنصٍّ - أيضًا - دائمًا وأبدًا أم في هناك مقيِّدات أخرى أو مخصِّصات أخرى غير النَّصِّ ؟ لا شك أنُّو في هنا أشياء مخصِّصات منها يقولون أحيانًا العقل ضرورة العقل ، مش العقل الفردي ، ضرورة العقل ، مثلًا الآية التي تقول ، شو الآية ؟ (( إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ )) .

سائل آخر : ... وما أتت على شيء .

الشيخ : المهم إلا جعلته الريح هذه العاصف لما ربنا - عز وجل - بيسلطها بيقول فيها : (( إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ )) ، ما مرَّت على شيء ما أتت على شيء (( إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ )) ، هذا نصّ العام ، لكن هذا النَّصُّ العام غير مراد ؛ بدليل أنُّو هالأراضي والجبال اللي كانت والوديان والبحار والأنهار لم تزَلْ كما هي ، لكن دلالة السياق والسباق بتشعر أنُّو مش مقصود هذا المعنى العام الواسع أي شيء ، إنما الأشياء التي ينتفع بها الناس كالزرع - مثلًا - كالدور ونحو ذلك ، لا يهمُّنا هذا الحقيقة ، لكن أردت أن أذكر أنُّو في هناك مخصِّصات أخرى غير النَّصِّ الصريح كالمثال السابق بين الآية وبين الحديث ، هذا الذي يهمُّني الآن التحدُّث عنه ، إذا كان هناك نص عام يتضمَّن جزئيات ، بعض هذه الجزئيات لم يجرِ العمل بها من السلف الصالح مع وضوح هذا العمل فيما لو عُمِلَ به ؛ يعني - مثلًا - الرسول - صلى الله عليه وسلم - اللي عرفنا عنه أنَّه كان إذا صلى انصرف يمينًا أو يسارًا إلى بيته ، ويصلي في البيت السُّنن كما هو معلوم ، ما في عندنا ولا نص أنَّه عمل بمثل قوله هو نفسه : ( مَن سبَّح الله دبر كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين ) إلى آخر الحديث ، نحن نعمل بهذا النَّصِّ إمامًا ومؤتمًّا ومنفردًا ؛ ليه ؟ لأنُّو هذا العموم هو الأصل ، واستثناء فرد من أفراد هذا العموم أو جزء من أجزائه ما قام عندنا دليل لا دليل خاص كحديث : ( أُحِلَّت لنا ميتتان ) ، ولا دليل يُشعرنا به العمل الذي جرى عليه السلف .

أنا أتيت بهذا المثال لأنُّو هذه القضية ليست ظاهرة كموضوع الصلاة - مثلًا - ، فالرسول كان يصلي إمامًا بين الصحابة ، وأحيانًا يرونَه يصلي في الليل ، و و إلى آخره ، فالأفعال التي يفعلها الرسول - عليه السلام - علنًا على رؤوس الأشهاد هذه لا بد أن تُنقل إذا كانت بصورة خاصَّة ؛ لا بد أن تُنقل إذا كانت من السنن التعبُّدية ، وذلك لتوفر دواعي الصحابة في نقل كلِّ ما يتعلق بالرسول - عليه السلام - وليس فقط بالعبادات ، بل وحتى في العاديَّات ، فمعلوم لدينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نُقل عنه في " صحيح البخاري " = -- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أهلًا وسهلًا ، كيف حالك ؟ -- = فبلغ اهتمام الصحابة بالتحدُّث عن الرسول - عليه السلام - والنقل عنه لأمور ليس لها علاقة بالعبادة ؛ كمثل وصف نعله كما جاء في " صحيح البخاري " من حديث أنس بن مالك قال : " كان لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نعلان لهما قِبَالان " ، قِبَالان يعني مثل الشاروخ اليوم ، الإبهام في حجرة ، والبقية في حجرة أخرى ، هذا من حرصهم في النَّقل عما شاهدوه من الرسول - عليه السلام - ، وحينئذٍ الباحث المتعمِّق في دراسة عادة الصحابة واهتمامهم بالنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فقط ما يتعلَّق بالعبادات ؛ بل حتى ما يتعلَّق بالعبادات ؛ لا نستطيع حين ذاك أن نتصوَّر عبادةً كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلنها على الناس .

سائل آخر : السلام عليكم .

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

فإذا تصوَّرنا ما سبق بيانه من اهتمام الصحابة بنقل كلِّ شيء يرونَه من أفعاله - عليه السلام - حتى فيما ليس له علاقة بالعبادة فحينئذٍ لا نستطيع أن نتصوَّر أبدًا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فعل شيئًا على مرأى من الناس ومشهد من الصحابة ثم لا ينقله أحد من الصحابة ؛ هذا لا نستطيع أن نتصوَّره أبدًا ؛ لعلمنا بالاستقراء بحرصهم في نقل كلِّ شيء يتعلق بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ وحينئذٍ يتبادى لنا بصورة لا خفاء فيها - إن شاء الله - أن ما جاء من النصوص خاصَّة ليس من كلام الرسول وإنما هو من كلام صحابي ، وأقول هذا لأنه لا يخفى عليكم جميعًا أن الصحابي مهما كان فصيحًا وبليغًا فلا يُقرن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، فقد يتكلَّم بعبارة عامَّة أو مطلقة تُوهم ما لا يقصد وما لا يريد ، بينما هذا يستحيل أن يصدر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فههنا في المسألة التي تتعلق بالسؤال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هل وضع يديه في القيام الثاني بعد الركوع أم لا ؟

لم نجد في كلِّ السنن والأحاديث التي وقفنا عليها نصًّا صريحًا في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع اليمنى على اليسرى بعد الركوع ، والذين يذهبون إلى هذا الوضع يعترفون بهذه الحقيقة ، لكن يقولون النَّصُّ عام ، ما هو النَّصُّ العام ؟ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة وضع اليمنى على اليسرى ، إذا قام ؛ هذا يعطي ذاك العموم الذي قلنا عليه آنفًا ، لكن هذا العموم لم يجرِ العمل به كأيِّ مسألة أخرى يعمل بها عادةً الذين يستحسنون الابتداع في الدين ، وهؤلاء المستحسنون الابتداع في الدين لا يعدمون أبدًا أن يجدوا نصًّا عامًّا يُدخلوا فيه بدعتهم ، وحينئذٍ ما هو جوابنا نحن أهل السنة وأهل الحديث والسلفيين عن هذه الأدلة التي يستدل بها المبتدعة على بدعهم التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى ؟

الجواب واضح ؛ أن هذا النَّصَّ العام الذي يستدل به المبتدعة نقول نحن : لو كانت الجزئية التي يستدلون لها في ذاك النَّصِّ العام يدخل عند مَن أُنزِلَ عليه النَّصُّ العام أوَّلًا ، يدخل فيه عند من أُنزِلَ عليه النص العام أوَّلًا ، ثم بالتالي يفهمه الذين نقلوا هذا النَّصَّ العام مباشرةً من الرسول - عليه الصلاة والسلام - لَعَمِلوا به ؛ ولذلك نحن نقول للمبتدعة : هذه البدعة ، وأنتو تصوروا أي بدعة شئتم ، وأنا ضمين أن آتيكم بأدلة بالنِّيابة عنهم ، لكن هي من هذا القبيل أدلة عامة ، ما هو جوابنا عليها ؟ يعني أبسط شيء لما نحن نقول : يا جماعة ، الأذان ينتهي بلا إله إلا الله ، يبادرونا بقوله - تعالى - : (( صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) ، هذا نصٌّ عامٌّ ، يبادرونا بقوله - عليه السلام - : ( مَن صلَّى عليَّ مرَّة واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرة ) إلى آخره ، فليه تمنعونا من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ ما عندنا جواب كما يتصوَّر بعض الناس أن الرسول نهى عن هذا ؛ حتى نقول : هذا النهي بيخصِّص العمومات هَيْ ، لَكان ما الذي خصَّص هذه العمومات ؟ هو عدم جريان عمل السلف بهذا الجزء من هذه النصوص العامة ؛ واضح هذا يمكن .

كويس ؛ وهكذا نحن نقول في كلِّ نصٍّ يُوهم العموم لجزء من أجزائه التي لم يجرِ عليها عمل السلف ، وأقول : يُوهم ؛ لأني أنا فرَّقت وأنت يعني لست هنا بين نصٍّ عام صدرَ من الرسول - عليه السلام - الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، وبين نص تعبير من الصحابي نفسه ، فقد يكون هذا النَّصُّ فيه تسامح في التعبير يعني ، أراد أمرًا خاصًّا فجاءت عبارته عامَّة ، فالآن هنا نحن عندنا قول وائل بن حجر : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام في الصلاة وضع اليمنى على اليسرى " ؛ فعلًا هذا النَّصُّ يوهم العموم ، هذا قيام ، لكن ما كانت حجَّتنا في دفع استدلالات المبتدعة على بدعهم التي أدخلوها تحت النصوص العامة فهي حجَّتنا بعينها في هذه القضية الخاصة ؛ مع أنُّو في شيء آخر هنا نحن لا بد من أن نذكره ؛ هذا الحديث حديث وائل في اعتقادي مختصر من حديث له أكمل منه ، وهذا الحديث الأكمل هو في " صحيح مسلم " وفي " مسند الإمام أحمد " أنَّه وَصَفَ صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما كبَّر وأخذ شماله بيمينه ، ثم ركع ، ثم رفع رأسه من الركوع ، فقال : سمع الله لِمَن حمده ، ثم سجد ، ما ذكر القيام الثاني ؛ الوضع الثاني في القيام الثاني ، وهكذا تابع وصف السجود بين الركعتين وهكذا ، ولذلك أنا لا أستبعد أبدًا أن بعض الرواة جاءت مناسبة الاستدلال للوضع المعهود وهو في القيام الأول فاقتطع من الحديث القطعة المتعلِّقة بهذا الوضع ، لكن لما فصلَه عمَّا قبله وعمَّا بعده أعطى معنًى عامًّا .

مواضيع متعلقة