الكلام على مسألة متابعة المأمومين إمامهم في قول : ( آمين ) في الصلاة .
A-
A=
A+
الشيخ : ... تضمَّن فضيلة بالغة لا يتنبَّه لها جماهير المصلين ؛ لذلك فهم لا نكاد نجد أحدًا منهم يحرص في تطبيق هذا الحديث ؛ سواء كان بالمعنى الأول أي : المقارنة ، أو بالمعنى الثاني وهو الأرجح لدينا لما ذكرنا ، لا يكاد أحدهم بهذا التطبيق لِينالَ جزاء هذا الأمر النَّبوي الكريم ؛ وهو قوله - عليه السلام - : ( فإنه مَن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه ) ، ومعنى هذا أن الله - عز وجل - تفضَّلَ على عباده المصلين فشَرَعَ لهم من الوسائل والأسباب الميسَّرة القريبة التَّناول إذا ما قاموا بها استحقُّوا مغفرة الله - تبارك وتعالى - ، لا يحتاج الأمر للحصول على هذه المغفرة إلا الانتباه لعدم مسابقة الإمام في قوله : ( آمين ) ، فإما المقارنة على القول الأول ، وإما المتابعة على القول الثاني وهو الأرجح لدينا .
لذلك فيجب أن نعلم أن ذكر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للملائكة في هذا الحديث ، وقوله : ( فإنه مَن وافقه تأمينُه تأمينَ الملائكة ) إنما يعني شيئًا واضحًا ؛ ألا وهو أنَّ الملائكة كما قال الله - عز وجل - فيهم : (( لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) ؛ أي : أن الملائكة الذين يحضرون ويشهدون الصلوات مع المصلِّين في المسجد ليسوا كالبشر الذين يعصون الله ، فضلًا عن أنهم يغفلون عن أحكام الله ، فهم لا يُتصوَّر في حقِّهم أن يسابقوا الإمام ، فهم إما أن مقارنين للإمام على رأي الأولين ، وإما متابعين للإمام على الرأي الآخر ، وهو الأرجح كما قلنا ؛ فنحن ننصح إذًا بأحد شيئين لا بد منهما مرجِّحين الشيء الآخر ، الشيء الأول هو ألَّا يسابق المقتدي الإمام بـ ( آمين ) ، وإنما يقارن ، والمقارنة إن تمكَّن منها المتمكِّن فستكون ناقصة ؛ لأنه لا يستطيع أن يقارنه على مدى قوله هو : ( آمين ) في كثير من الأحيان ؛ لأنه غير مستعدٍّ هو أن يقول : ( آمين ) كما لو كان يقرأ هو نفسه القرآن ثم يؤمِّن بعد ذلك على وجه التَّرتيل ؛ فلذلك فنحن ننصح بالشيء الثاني ؛ وهو أن تضبطوا أنفسكم ؛ إذا سمعتم تأمين الإمام فلا تبدؤوا بقولكم : " آ " من ( آمين ) إلا إذا سمعتم النون الساكنة من قول الإمام : ( آمين ) ، وحين ذاك تحصلون على هذه المغفرة بأقلِّ عمل وأقلِّ جهد ، ما هو هذا الجهد ؟ أنُّو ما تكون شارد من وراء الإمام وتستسلم للعادة اللي ماشيين الناس عليها ، أنُّو هو يقول : (( وَلَا الضَّالِّينَ )) يلَّا المسجد كله انطلق ليضجَّ ضجَّته بـ ( آمين ) ، وبعدين يأتي تأمين الإمام .
هذا إن لم تلاحظوا فلاحظوا فيما بعد ، فستجدون القضية انعكست رأسًا على عقب ، المقتدين يقولون : ( آمين ) ، ويأتي تأمين الإمام من بعدهم !! لاحظوا هذا ، فيكون المصلي أوَّلًا خالَفَ أمر الرسول الصريح : ( إذا أمَّنَ فأمِّنوا ) ، وثانيًا وهذا أهم بالنسبة لهذا المسلم العاصي المغمور بالذنوب والمعاصي أن يتطلَّب الأسباب التي يستحقُّ بها مغفرة الله ، فيخسر هذه المغفرة ؛ لأنه خالَفَ أمر النبي - عليه السلام - : ( إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا ) .
= -- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -- =
ولبعض العلماء من شُرَّاح البخاري كلام صريح يقول : لا يُشرع مقارنة الإمام في شيء من الأذكار والأوراد إلا في ( آمين ) ، وهذا تصريح بأن الأصل في الاقتداء بالإمام هو المتابعة وليس المقارنة إلا في ( آمين ) ؛ فما الذي جعل هذا وأمثاله تخصَّصَ حَمَلَهم على أن يخصِّصوا التأمين بالمقارنة مع تأمين الإمام دون الأذكار التكبير والتسميع والتحميد ونحو ذلك .
= -- وعليكم السلام -- =
نظروا إلى حديث - أيضًا - هو في " صحيح البخاري " من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث طويل يقول فيه : ( وإذا قرأ الإمام : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) فقولوا : آمين ) ؛ أي : لم يذكر في هذا الحديث : ( (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) فقولوا : آمين ) ، فنَظَرَ بعض العلماء إلى ظاهر هذا الحديث ، فقالوا : ما دام أن الرسول - عليه السلام - قال : ( وإذا قرأ الإمام : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) فقولوا : آمين ) ؛ معنى ذلك أن ( آمين ) ينبغي أن تقع فور قول الإمام : (( وَلَا الضَّالِّينَ )) .
... بالي شيء في هذا الحديث بعضه يرجع إلى علم الحديث وبعضه يرجع إلى علم أصول الفقه ، أما الذي يرجع إلى علم الحديث فهو هذا الحديث الذي قال : ( وإذا قرأ الإمام : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) فقولوا : آمين ) لم يذكُر قول الإمام : ( آمين ) ، لكن في الحديث السابق ذكر الرسول - عليه السلام - تأمين الإمام صراحةً فقال : ( إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنُوا ) ، فمن القواعد العلمية الحديثية أنه إذا جاء حديثًان صحيحان وفي أحدهما زيادة على الآخر وَجَبَ ضمُّ الزايد على المَزيد عليه ، وأن يُؤخذ مجموعهما ، وهذا ما يعبِّرون عنه بـ " زيادة الثقة مقبولة " ، وحين ذاك نخرج بالنتيجة الآتية في الحديث الثاني : ( وإذا قرأ الإمام (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) - وقال : آمين - فقولوا : آمين ) ، من أين جئنا نحن بقول الإمام : ( آمين ) ؟ في الحديث الأول : ( إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا ) ، فضَمَمْنا هذه الزيادة إلى الحديث الثاني ، والذي يؤكد لكم هذا هو أن الاعتماد على الحديث الثاني أي : على ظاهره بغضِّ النظر عن الزيادة زيادة التأمين المصرَّح في الحديث الأول ، فسيكون الحديث فيه دلالة على أن الإمام لا يقول : ( آمين ) ؛ لماذا ؟ لأنه قال : ( وإذا قرأ : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) فقولوا : آمين ) ؛ ما ذكر تأمين الإمام ، هو الواقع أن الإمام مالك احتجَّ بهذا الحديث بأن الإمام لا يقول : ( آمين ) ؛ لأنُّو لو كان يُشرع له أن يقول : ( آمين ) لَكان قال الرسول - عليه السلام - : ( وإذا قرأ الإمام : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) - وقال : آمين - فقولوا أنتم : آمين ) ، هَيْ حجة مالك في عدم مشروعية تأمين الإمام عنده .
لكن الجمهور على أنَّ من السنة للإمام أن يؤمِّن ، بل ومن السنة في حقِّه أن يؤمِّن جهرًا كما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ لذلك فالحديث الثاني ينبغي أن تُضَمَّ إليه زيادة التأمين المذكورة في الحديث الأول ، فلا يختلف الحديثان ، ويلتقيان ويتَّفقان ، وحين ذلك يصبح حكم التأمين من حيث أنَّ المقتدي يتابع فيه الإمام كحكم كلِّ الأذكار الواردة في الصلاة كما فصَّلنا ذلك ، فالمقتدي فيها يتابع الإمام ولا يُقارنه كالتكبير ونحو ذلك .
ثم نُلاحظ شيئًا آخر لعله يمكن أن يصلح دليلًا رابعًا لترجيح القول الثاني ؛ وهو مراعاة الحكمة بسنِّيَّة رفع الإمام صوته بـ ( آمين ) ، فالحكمة في رفع الإمام صوته بـ ( آمين ) هو ليتمكَّن المقتدي من أن يحقِّق الحديث الأول : ( إذا أمَّنَ فأمِّنوا ) ؛ لأن الإمام لو لم يجهر بـ ( آمين ) لم يتمكَّن المقتدي من تحقيق هذا الأمر الذي ثمرته أن يغفر الله لمن حقَّقَه ، فإذًا نحن يجب أن نصبر لفراغ الإمام من : (( وَلَا الضَّالِّينَ )) بكاملها ، ثم نصبر حتى يترادَّ إليه نَفَسُه ؛ لأنه وإن كان بعض أئمة المساجد مع الأسف الشديد لجهلهم يقولون : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) ( آمين ) ، هذا خطأ ؛ لأن ( آمين ) أوَّلًا ليست من الفاتحة ، وثانيًا لو كانت من الفاتحة فإما أن يقطع وإما أن يصل ، فإذا وصل لم يقُلْ : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) آمين ، وإنما : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) حرَّكها ، ثم أتبَعَها بقوله : ( آمين ) ، لكن هنا آية يجب الوقوف أوَّلًا عندها ، لا سيما وبها تُختم الفاتحة وتتميَّز الفاتحة عن كلمة الدعاء وهي ( آمين ) .
فقصدي أنه إذا كان في بعض أئمة المساجد لِجهلهم أو غفلتهم عن هذه الحقيقة يقول : (( وَلَا الضَّالِّينَ )) ( آمين ) ؛ فنحن يجب أن نقتدِيَ بالأئمة العارفين الصالحين الذين يقرؤون القرآن آية آية ، وبخاصَّة من القرآن سورة الفاتحة ، ونجد كثيرًا من الأئمة هكذا يفعلون (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) ، لا تقول : ( آمين ) أنت ، اصبر عليه ليأخذ نفس ، ليقول هو : ( آمين ) ، فأنت إذًا = -- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -- = أن تترقَّب سماعك لقول الإمام جهرًا : ( آمين ) ؛ حتى توافق بتأمينك تأمين الملائكة ، إما على القول بالمقارنة ، وإما على القول بالمتابعة وهذا هو الأرجح لِمَا ذكرناه من هذه الأسباب .
هذا ما أحبَبْتُ أن أذكِّركم به ، ولعلي فعلت أكثر من مرَّة في هذا المكان ، لكننا نجد في كلِّ مرَّة على قلة ما نأتي إلى هذا المكان نجد في كل مرَّة - والحمد لله - شبابًا يقبلون على سماع العلم ، وعلى تطلُّبه ، ويسمع منهم بعض الأخطاء المخالفة للأحاديث الصحيحة كهذا الخطأ ، فرأينا من الواجب علينا أن ننبِّهَكم جميعًا حتى أوَّلًا لا تخالفوا أمرَ الرسول الصريح في قوله : ( إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا ) على التفصيل السابق ، وثانيًا حتى لا تفوِّتوا على أنفسِكم مغفرة الله - تبارك وتعالى - بهذا السبب المذلَّل الميسَّر .
هذه ذكرى ، والذكرى تنفع المؤمنين .
لذلك فيجب أن نعلم أن ذكر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للملائكة في هذا الحديث ، وقوله : ( فإنه مَن وافقه تأمينُه تأمينَ الملائكة ) إنما يعني شيئًا واضحًا ؛ ألا وهو أنَّ الملائكة كما قال الله - عز وجل - فيهم : (( لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) ؛ أي : أن الملائكة الذين يحضرون ويشهدون الصلوات مع المصلِّين في المسجد ليسوا كالبشر الذين يعصون الله ، فضلًا عن أنهم يغفلون عن أحكام الله ، فهم لا يُتصوَّر في حقِّهم أن يسابقوا الإمام ، فهم إما أن مقارنين للإمام على رأي الأولين ، وإما متابعين للإمام على الرأي الآخر ، وهو الأرجح كما قلنا ؛ فنحن ننصح إذًا بأحد شيئين لا بد منهما مرجِّحين الشيء الآخر ، الشيء الأول هو ألَّا يسابق المقتدي الإمام بـ ( آمين ) ، وإنما يقارن ، والمقارنة إن تمكَّن منها المتمكِّن فستكون ناقصة ؛ لأنه لا يستطيع أن يقارنه على مدى قوله هو : ( آمين ) في كثير من الأحيان ؛ لأنه غير مستعدٍّ هو أن يقول : ( آمين ) كما لو كان يقرأ هو نفسه القرآن ثم يؤمِّن بعد ذلك على وجه التَّرتيل ؛ فلذلك فنحن ننصح بالشيء الثاني ؛ وهو أن تضبطوا أنفسكم ؛ إذا سمعتم تأمين الإمام فلا تبدؤوا بقولكم : " آ " من ( آمين ) إلا إذا سمعتم النون الساكنة من قول الإمام : ( آمين ) ، وحين ذاك تحصلون على هذه المغفرة بأقلِّ عمل وأقلِّ جهد ، ما هو هذا الجهد ؟ أنُّو ما تكون شارد من وراء الإمام وتستسلم للعادة اللي ماشيين الناس عليها ، أنُّو هو يقول : (( وَلَا الضَّالِّينَ )) يلَّا المسجد كله انطلق ليضجَّ ضجَّته بـ ( آمين ) ، وبعدين يأتي تأمين الإمام .
هذا إن لم تلاحظوا فلاحظوا فيما بعد ، فستجدون القضية انعكست رأسًا على عقب ، المقتدين يقولون : ( آمين ) ، ويأتي تأمين الإمام من بعدهم !! لاحظوا هذا ، فيكون المصلي أوَّلًا خالَفَ أمر الرسول الصريح : ( إذا أمَّنَ فأمِّنوا ) ، وثانيًا وهذا أهم بالنسبة لهذا المسلم العاصي المغمور بالذنوب والمعاصي أن يتطلَّب الأسباب التي يستحقُّ بها مغفرة الله ، فيخسر هذه المغفرة ؛ لأنه خالَفَ أمر النبي - عليه السلام - : ( إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا ) .
= -- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -- =
ولبعض العلماء من شُرَّاح البخاري كلام صريح يقول : لا يُشرع مقارنة الإمام في شيء من الأذكار والأوراد إلا في ( آمين ) ، وهذا تصريح بأن الأصل في الاقتداء بالإمام هو المتابعة وليس المقارنة إلا في ( آمين ) ؛ فما الذي جعل هذا وأمثاله تخصَّصَ حَمَلَهم على أن يخصِّصوا التأمين بالمقارنة مع تأمين الإمام دون الأذكار التكبير والتسميع والتحميد ونحو ذلك .
= -- وعليكم السلام -- =
نظروا إلى حديث - أيضًا - هو في " صحيح البخاري " من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث طويل يقول فيه : ( وإذا قرأ الإمام : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) فقولوا : آمين ) ؛ أي : لم يذكر في هذا الحديث : ( (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) فقولوا : آمين ) ، فنَظَرَ بعض العلماء إلى ظاهر هذا الحديث ، فقالوا : ما دام أن الرسول - عليه السلام - قال : ( وإذا قرأ الإمام : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) فقولوا : آمين ) ؛ معنى ذلك أن ( آمين ) ينبغي أن تقع فور قول الإمام : (( وَلَا الضَّالِّينَ )) .
... بالي شيء في هذا الحديث بعضه يرجع إلى علم الحديث وبعضه يرجع إلى علم أصول الفقه ، أما الذي يرجع إلى علم الحديث فهو هذا الحديث الذي قال : ( وإذا قرأ الإمام : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) فقولوا : آمين ) لم يذكُر قول الإمام : ( آمين ) ، لكن في الحديث السابق ذكر الرسول - عليه السلام - تأمين الإمام صراحةً فقال : ( إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنُوا ) ، فمن القواعد العلمية الحديثية أنه إذا جاء حديثًان صحيحان وفي أحدهما زيادة على الآخر وَجَبَ ضمُّ الزايد على المَزيد عليه ، وأن يُؤخذ مجموعهما ، وهذا ما يعبِّرون عنه بـ " زيادة الثقة مقبولة " ، وحين ذاك نخرج بالنتيجة الآتية في الحديث الثاني : ( وإذا قرأ الإمام (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) - وقال : آمين - فقولوا : آمين ) ، من أين جئنا نحن بقول الإمام : ( آمين ) ؟ في الحديث الأول : ( إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا ) ، فضَمَمْنا هذه الزيادة إلى الحديث الثاني ، والذي يؤكد لكم هذا هو أن الاعتماد على الحديث الثاني أي : على ظاهره بغضِّ النظر عن الزيادة زيادة التأمين المصرَّح في الحديث الأول ، فسيكون الحديث فيه دلالة على أن الإمام لا يقول : ( آمين ) ؛ لماذا ؟ لأنه قال : ( وإذا قرأ : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) فقولوا : آمين ) ؛ ما ذكر تأمين الإمام ، هو الواقع أن الإمام مالك احتجَّ بهذا الحديث بأن الإمام لا يقول : ( آمين ) ؛ لأنُّو لو كان يُشرع له أن يقول : ( آمين ) لَكان قال الرسول - عليه السلام - : ( وإذا قرأ الإمام : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) - وقال : آمين - فقولوا أنتم : آمين ) ، هَيْ حجة مالك في عدم مشروعية تأمين الإمام عنده .
لكن الجمهور على أنَّ من السنة للإمام أن يؤمِّن ، بل ومن السنة في حقِّه أن يؤمِّن جهرًا كما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ لذلك فالحديث الثاني ينبغي أن تُضَمَّ إليه زيادة التأمين المذكورة في الحديث الأول ، فلا يختلف الحديثان ، ويلتقيان ويتَّفقان ، وحين ذلك يصبح حكم التأمين من حيث أنَّ المقتدي يتابع فيه الإمام كحكم كلِّ الأذكار الواردة في الصلاة كما فصَّلنا ذلك ، فالمقتدي فيها يتابع الإمام ولا يُقارنه كالتكبير ونحو ذلك .
ثم نُلاحظ شيئًا آخر لعله يمكن أن يصلح دليلًا رابعًا لترجيح القول الثاني ؛ وهو مراعاة الحكمة بسنِّيَّة رفع الإمام صوته بـ ( آمين ) ، فالحكمة في رفع الإمام صوته بـ ( آمين ) هو ليتمكَّن المقتدي من أن يحقِّق الحديث الأول : ( إذا أمَّنَ فأمِّنوا ) ؛ لأن الإمام لو لم يجهر بـ ( آمين ) لم يتمكَّن المقتدي من تحقيق هذا الأمر الذي ثمرته أن يغفر الله لمن حقَّقَه ، فإذًا نحن يجب أن نصبر لفراغ الإمام من : (( وَلَا الضَّالِّينَ )) بكاملها ، ثم نصبر حتى يترادَّ إليه نَفَسُه ؛ لأنه وإن كان بعض أئمة المساجد مع الأسف الشديد لجهلهم يقولون : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) ( آمين ) ، هذا خطأ ؛ لأن ( آمين ) أوَّلًا ليست من الفاتحة ، وثانيًا لو كانت من الفاتحة فإما أن يقطع وإما أن يصل ، فإذا وصل لم يقُلْ : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) آمين ، وإنما : (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) حرَّكها ، ثم أتبَعَها بقوله : ( آمين ) ، لكن هنا آية يجب الوقوف أوَّلًا عندها ، لا سيما وبها تُختم الفاتحة وتتميَّز الفاتحة عن كلمة الدعاء وهي ( آمين ) .
فقصدي أنه إذا كان في بعض أئمة المساجد لِجهلهم أو غفلتهم عن هذه الحقيقة يقول : (( وَلَا الضَّالِّينَ )) ( آمين ) ؛ فنحن يجب أن نقتدِيَ بالأئمة العارفين الصالحين الذين يقرؤون القرآن آية آية ، وبخاصَّة من القرآن سورة الفاتحة ، ونجد كثيرًا من الأئمة هكذا يفعلون (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )) ، لا تقول : ( آمين ) أنت ، اصبر عليه ليأخذ نفس ، ليقول هو : ( آمين ) ، فأنت إذًا = -- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -- = أن تترقَّب سماعك لقول الإمام جهرًا : ( آمين ) ؛ حتى توافق بتأمينك تأمين الملائكة ، إما على القول بالمقارنة ، وإما على القول بالمتابعة وهذا هو الأرجح لِمَا ذكرناه من هذه الأسباب .
هذا ما أحبَبْتُ أن أذكِّركم به ، ولعلي فعلت أكثر من مرَّة في هذا المكان ، لكننا نجد في كلِّ مرَّة على قلة ما نأتي إلى هذا المكان نجد في كل مرَّة - والحمد لله - شبابًا يقبلون على سماع العلم ، وعلى تطلُّبه ، ويسمع منهم بعض الأخطاء المخالفة للأحاديث الصحيحة كهذا الخطأ ، فرأينا من الواجب علينا أن ننبِّهَكم جميعًا حتى أوَّلًا لا تخالفوا أمرَ الرسول الصريح في قوله : ( إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا ) على التفصيل السابق ، وثانيًا حتى لا تفوِّتوا على أنفسِكم مغفرة الله - تبارك وتعالى - بهذا السبب المذلَّل الميسَّر .
هذه ذكرى ، والذكرى تنفع المؤمنين .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 213
- توقيت الفهرسة : 00:00:00
- نسخة مدققة إملائيًّا