ما حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية ؟
A-
A=
A+
أبو مالك : أقول بأنَّ كثير من الناس يرون قراءة الفاتحة خلف الإمام سواء كانت الصلاة سرِّيَّة أم كانت جهرية ؛ لأنها واجبة على المأموم .

الشيخ : أيوا .

السائل : ويستدلُّون بذلك أو على ذلك بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( لا صلاة لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ، ( ومن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج خداج ) إلى آخره .

الشيخ : نعم .

السائل : ونحن نعرف ولعل في تذكيرك لنا بحديث ما أفادنا فائدةً كان بعض إخواننا ربما يجهلونها ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإذا قرأ الإمام فأنصِتُوا ) ، لكن حجة هؤلاء قولهم بأن على الإمام أن ينصت حتى يتمكَّن المأموم من قراءة الفاتحة وراء الإمام بعد أن ينصت الإنصات الذي يمكِّن المأموم من قراءة الفاتحة ، فنريد توضيحًا لهذه المسألة بالذات ؛ لأن الإخوان هنا وفي غير هذا المكان من الإخوان الحاضرين ربما يُعتَرَض على أحدهم أو يُحتَجُّ على أحدهم بمثل هذه الأحاديث وهي صحيحة ولا شك ، ولكن ربما يكون تأويلها أو تفسيرها ليس على الصواب ، فنريد - بارك الله فيكم - توضيحًا لهذه المسألة الفقهية وهي من المسائل الدَّقيقة التي قلَّ مَن يعرفها على وجهها الصحيح ، بارك الله فيكم ؟

الشيخ : أحسنت ، جزاك الله خير .

في الحقيقة أنَّ هذه المسألة من المسائل الدقيقة التي ظهر الخلاف فيها منذ القديم ، هناك من المذاهب والأئمَّة مَن يقول بوجوب القراءة للفاتحة وراء الإمام في كلِّ صلاة ؛ سواء كانت سرِّيَّة أو جهرية ، ويُقابل هذا المذهب وهذا القول قول آخر على عكسه تمامًا يقول بوجوب السكوت وراء الإمام في كلِّ صلاة ؛ سواء كانت هذه الصلاة سرِّيَّة أو جهرية ، وبين هذين القولين قول ثالث ، وهو - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - أعدَلُها وأصوَبُها ؛ وهو أن يقرأ المقتدي وراء الإمام في السرِّيَّة ، وأن ينصت في الجهرية ، ولا يقرأ شيئًا مطلقًا .

ولا شك أن ذكر أدلة الأقوال الثلاثة هذه أن المسألة تأخذ وقتًا طويلًا ، وربما يكون فيه شيء من الدِّقَّة ، ويحتاج أن يكون هناك مَن درس شيئًا من علم أصول الفقه ، ولذلك نرى أن نأتي المسألة من أقرب طريق ، فنقول :

إنما كان القول الثالث أعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب ، وهو أن يقرأ في السرِّيَّة ويسكت في الجهرية ؛ لأن في ذلك تجتمع الأدلة التي تنازَعَها العلماء المختلفين في هذه المسألة . أوَّل ذلك نجد أمامنا قول ربِّنا - تبارك وتعالى - : "" فإذا "" (( قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )) نعم ؟

سائل آخر : وإذا .

الشيخ : وإذا ؟ (( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )) ، فهذه الآية نصٌّ صريح من حيث دلالة عمومها أنَّ على كل مَن يسمع القرآن يُتلى أن عليه الاستماع والإنصات ، (( فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا )) ، استمعوا له لا يغني عن الإنصات ؛ لأننا نجد مِن جهل بعض الناس اليوم يوم الجمعة لما بيخطب الخطيب بتلاقي بعض المتدروشين ماسك السُّبحة يعبث بها بزعمه يسبِّح وهو عم يسمع ، فهو مستمع لكنه غير منصت ، ولذلك جاءت الآية بالأمرَين حتى يتفرَّغ المستمع لِمَا يسمع من التلاوة بكلِّيَّته ، فلا يُشغل نفسه بالذِّكر الخاصِّ به ، ومن ناحية أخرى بيقول : أنا عم أسمع ؛ لأن هذا السمع لا يفيده لقوله - تعالى - : (( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ )) ، فقال - تعالى - : "" فاستمعوا واسكتوا "" (( لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )) بسبب فهمكم وتدبُّركم للقرآن الكريم .

فهذه الآية إذًا توجب على مَن كان وراء الإمام إذا كان يسمع قراءته أن يُنصت لها ؛ سواء كانت هذه القراءة بالفاتحة أو بغيرها ، أما الاحتجاج بالحديث السابق : ( لا صلاة لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) فهو احتجاج بالعموم ، وهنا الدِّقَّة في المسألة ، ولا بد من التعرُّض لها الحقيقة ، الآية بعمومها تشمل الصلاة وتشمل الفاتحة لأنها قرآن التي هي أمُّ القرآن ، الحديث بعمومه يشمل كلَّ صلاة ، ( لا صلاة لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ، فأيُّ العمومين يُسلَّط على الآخر ويخصِّصه ؟ هنا يقول بعض العلماء : العام الذي بَقِيَ على عمومه وشموله ولم يدخله تخصيص ما أقوى في عمومه وشموله من العامِّ الذي دخله تخصيص ، وحين ذاك يُسلَّط العام الأعم على العام المُخصَّص . وقد ذكرنا في حديثنا السابق بأن حديث : ( لا صلاة لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) قد خُصِّص واستُثني منه بعض الفروع ، ذكرنا من ذلك المسبوق الذي أدرك الإمام راكعًا ، فقلنا أنه يُعتبر قد أدرك الركعة مع أنه ما قرأ الفاتحة ، فماذا فعل العلماء بحديث : ( لا صلاة ) ؟ قالوا : لا صلاة لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا مَن أدرك الإمام راكعًا ، فتكون قراءة الإمام قراءة له ؛ إذًا حديث : ( لا صلاة ) هنا عامٌّ مخصوص ؛ أي : ضَعُفَ عمومه . كذلك - مثلًا - حديث الذي أسلم حديثًا لا يحسن قراءة الفاتحة ، لكن يسبِّح كما ذكرنا - أيضًا - هذا بشيء من التفصيل ، فتكون صلاته صحيحة - أيضًا - على الرغم من أنه لم يقرأ فاتحة الكتاب ؛ فماذا يُقال ؟ لا صلاة لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا الأعجمي الذي لا يُحسن قراءة الفاتحة .

أما الآية فلم يدخلها أيُّ تخصيص إطلاقًا ؛ حينئذٍ يُستثنى من الحديث من كان يسمع التلاوة إعمالًا للآية وتخصيصًا للحديث ، ومن العجيب أنَّ هذا المذهب قد وضح للفريق الأول الذي قال بوجوب القراءة حتى في الجهرية ، فتبيَّن له أنه ليس من المقبول أن يقرأ المقتدي وهو يسمع قراءة الإمام ؛ ولذلك وجدوا لأنفسهم أو أوجدوا لأنفسهم متنفَّسًّا ومخرجًا ، فقالوا : يسكت الإمام ليتفرَّغ لقراءة المقتدي . فهذا في الحقيقة كما يُقال : كان تحت المطر صار تحت المزراب ؛ ليه ؟ هو استعمل عقله وحكمته وجد غير مهضوم أن يقرأ المقتدي وهو يسمع قراءة الإمام ، فماذا فعلوا ؟ قالوا للإمام انقلِبْ مقتديًا وقلِّد أنت المقتدي ، انصت ليقرأ المقتدي ، هذا قلب لوظيفة الإمام ! ثم هذه السكتة هي من عجائب ما يصدر من بعض الأئمة ؛ هم يسكتون ولا سكوت في الشرع في الصلاة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما جاء في " صحيح البخاري ومسلم " كان لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سكتَتَان يسكتهما ، سكتة عند الاستفتاح في الصلاة ، وسكتة عند الفراغ من قراءة القرآن ، ولم يكن هناك سكتة طويلة من السَّكتَتَين إلا السكتة الأولى ؛ ولذلك جاء في " صحيح البخاري ومسلم " من حديث أبي هريرة قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبَّر للصلاة سكت هنيَّةً ، فقلنا : يا رسول الله ، أرأيتَ سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول ؟ قال : ( أقول : اللهمَّ باعِدْ بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ) إلى آخر الدعاء .

لو كان هناك سكتة أخرى طويلة تتَّسع لقراءة الفاتحة لَسألوا الرسول - عليه السلام - كما سألوه في السكتة الأولى ، قالوا له : نراك تسكت بين تكبيرة الإحرام وبين القراءة ؛ ماذا تقول ؟ أجابهم . فلو كان يسكت الرسول سكتة أخرى طويلة بمقدار تلك ، وأيضًا تسكت بعد الفاتحة ، فلماذا ؟ فيقول - مثلًا - : ليقرأ المقتدي . لم يكن شيء من هذا إطلاقًا . فهم كما قلنا آنفًا أوجَدُوا لهم مخرجًا من هذا النِّقاش القلبي الداخلي ، مش معقول مش مهضوم أنُّو الله شرع للإمام أن يقرأ في بعض الصلوات جهرًا ؛ لماذا ؟ ليسمع المقتدي ، فما معنى أن يقال للمقتدي : انصرف عن الاستماع إلى أن تقرأ لنفسك ؟ مش مقبول هذا ، إذًا ماذا نفعل ؟ نوجد سكتة طويلة ، مع ذلك هذه السكتة الطويلة ما التزموها ، كثير من هؤلاء الذين يسكتون بيسكتوا نص سكتة ، لا يكاد الواحد يقرأ نصف الفاتحة وإذا به بدأ بالقراءة . يا اسكت بالمرَّة حتى يقرأ الفاتحة بكاملها ، يا لا تسكت وامش في القراءة ، وهذا طبيعة الإحداث في الدين ، ما تكمل مع الإنسان .

فهذا الإحداث يكفي لإقناع جماهير الناس أن المذهب الصواب هو مذهب الإمام مالك والإمام أحمد الذين قالوا : انصُتْ في الجهرية واقرأ في السرِّيَّة . هذا هو الصواب الذي تجتمع به الأدلة تمامًا ، ليس عندهم حجَّة إلا حديث : ( لا صلاة ) ، وقد عرفنا أنه دخله تخصيص من عدَّة نواحي ، وهنا - أيضًا - يقال : لا صلاة لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إذا كان لا يسمع قراءة الإمام ، أما إذا سمع قراءة الإمام فقراءة الإمام له قراءة ، وهذا - أيضًا - مقبول بالنظر السليم ؛ لأن الإنسان لما بيسمع من غيره كأنه قرأ بنفسه . بل قد ثبت في " الصحيح " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأحد أصحابه مرَّة لابن مسعود وأخرى لأبيٍّ قال : ( اقرأ عليَّ القرآن ) . قال : " أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل ؟! " . قال : ( اقرأ ؛ فإني أحبُّ أن أسمعَه من غيري ) ، فإذًا هذا المقتدي الذي يسمع القراءة من الإمام هذا قد يكون أنفع له من أنُّو ينشغل هو بقراءة القرآن بنفسه وذاك الذي يرفع صوته لِيُسمع غيره .

هذا هو الصواب - إن شاء الله - ؛ أن المقتدي إذا كان يسمع قراءة الإمام فلا يقرأ شيئًا من القرآن ولا الفاتحة ، أما إذا كانت الصلاة سرِّيَّة أو كان بعيد - مثلًا - عن الإمام لا تبلغه قراءة الإمام ففي هذه الحالة لا بدَّ من أن يقرأ ، ونسأل الله - عز وجل - أن يهدينا جميعًا لما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنه - سبحانه وتعالى - .

السائل : ... شيخنا .

الشيخ : كيف ؟

السائل : في أسئلة هون من الداخل .

الشيخ : آ .

السائل : ... .

الشيخ : تفضل .

مواضيع متعلقة