كيف نردُّ على من يقول : إن الله - تبارك وتعالى - ليس في الأرض ولا في السماء ؟
A-
A=
A+
الشيخ : ... خطر في بالي وأنت تحدِّثنا عن ذاك الدكتور الذي زعم بأنه لا يقول بأن الله - عز وجل - في السماء ، كما أنه لا يقول : إن الله - عز وجل - في الأرض ، قلت عنه : لا يقول بأن الله في الأرض لأنه يستلزم الحلول ، لكن ما فَهِمْنا منك عنه لماذا لا يقول كما قال الله - عز وجل - : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) لنفس العلَّة أم لعلَّة أخرى ؛ إما ما أسمعتنا إيَّاها أو نحن ما سمعناها ؟
السائل : هو يقول : إن الآيات التي ذُكرت في العلوِّ إنما هي آيات في الصفات وليست في الذات ، هذا تفصيل .
الشيخ : لا تَحِدْ ، لا تَحِدْ .
السائل : نعم .
الشيخ : أنا حدَّدت لك الآية ؛ لماذا لا يقول كما قال الله : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) ؟ ما هو المحظور عنده ؟ عرفنا المحظور عنده من كونه لا يقول : الله في الأرض ، لا يقول هذا ، وهذا هو الحق بلا شك نقلًا وعقلًا ، لكن سؤالي : لماذا لا يقول كما قال الله : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) ؟ لماذا لا يقول بما قال الله ؟ يعني شو وجهة نظره ؟ شو تأويله ؟ هل عرفت عنه أم لا ؟ أنا أريد أن أعرف الجواب لإنصاف الرجل ، وإلا أنا الكلمة التي في نفسي لا تتوقَّف على هذه المعرفة ؛ فما هو الجواب ؟
السائل : شيخنا ، هو ذكر في كتابه حتى ما أذكر منذ فترة قرأته ... .
الشيخ : أرجوك ما تحيد !
السائل : جيد ، يتكلم .
الشيخ : عن الآية .
السائل : عن الآية هذه وما شابها التي تتحدَّث في العلوِّ وتتحدَّث عن أنه في السماء .
الشيخ : هذه الآية لا تتحدَّث عن العلوِّ في ظاهرها ، ماذا يكون معناها ؟
السائل : قال بمعنى ، يقول عنها ؟ يعني بالضبط في هذه الآية ما أعرف !
الشيخ : سامحك الله ! ما استفدنا شيء ؛ بالأول قلت لك عن الآية ، وثاني مرَّة قلت لك عن الآية ، وبعدين ؟
السائل : أنا بحثت في الآيات الـ .
الشيخ : يا أخي ، أنت بدأت الحديث عن الآيات ، فرجَّعتك لموضوع السؤال ، عفا الله عمَّا سلف ، شوفوا يا إخواننا ، هذه الآية إما أن تُفسَّر على ظاهرها (( فِي )) ؛ (( فِي )) كما تعلَّمنا من علماء اللغة ظرفية ، فإما أن تبقى على ظرفيَّتها ، وإما أن تُخرَجَ عن هذا المعنى فتُفسَّر بمعنى " على " ، فإذا فُسِّرت بمعنى " على " حينئذٍ لا تكون السماء ظرفية لله كما أن الأرض ليست ظرفية لله ، فإذا كان المُشكل عند ذاك الدكتور هو أنه وقف عند ظاهر الآية ، (( في )) هذه ظرفية في اللغة العربية ؛ فإذًا لا فرق عنده بين من يقول : الله في الأرض أو الله في السماء ؛ لأن الله أكبر من كلِّ ذلك ، وهذه حقيقة ؛ إذًا كيف نفسِّر الآية ؟
الجواب : بناءً على أنها في بابها (( في )) ظرفيَّة ، نقول إذا أبقَينا (( في )) ظرفية نفسِّر السماء بمعنى العلوِّ المطلق وليس بالسماء المخلوقة التي هي سبع سماوات ، عرفت كيف ؟ حينئذٍ يطيح الإشكال من أصله ؛ لأن الإشكال على أساس في السماء ؛ أي : هذه السماء التي هي خلقٌ من خلق الله كالأرض ، فكما أنه ليس في الأرض فهو ليس في السماء ، فمن هنا هم يأتيهم الإشكال فبينفوا ، ويقولون : لا ، الله ليس في السماء ، أوَّلا أدبًا مع الكلام الإلهي ما يجوز أن يُقال هذا الكلام ، لكن الجائز بل الواجب هو فهم الآية القرآنية فهمًا صحيحًا ، فأوَّل تفسير لها على أساس إبقاء (( في )) على بابها في هذه الحالة نفسِّر السماء باللغة العربية - أيضًا - اللي هي معناه العلوُّ المطلق ، إذًا إذا قلنا إن الله - عز وجل - في العلوِّ المطلق معناه ليس في مخلوق ، طاح الإشكال ، ولا يستوي حينئذٍ القول بأن الله في السماء كالقول المنفي بأنَّ الله في الأرض ، أوَّلًا : لأنه في الأرض ليس عندنا في الكتاب ولا في السنة بأن الله في الأرض ، هذا أوَّلًا ؛ لا يستوي أن نقول : الله في السماء بأن نقول : الله في الأرض ؛ لأن هذا ليس منقولًا . ثانيًا : المعنى الذي فسرناه آنفًا لا محظور منه كما يترتَّب المحظور على قولنا : الله في الأرض ، هذا إذا فسَّرنا " في " وجعلناها على بابها ، يكون فسَّرنا السماء بمعنى العلوِّ المطلق ؛ حينئذٍ تلتقي الآيات الأخرى التي تُثبت العلوَّ لله - عز وجل - مع هذه الآية ؛ ماشي ؟
وإمَّا أن نقول هنا : (( في )) بمعنى على ، وكما يقول - أيضًا - كما تعلمنا من أهل العلم أن حروف الجر يقوم بعضُها مقام بعض ؛ خاصَّة في مثل هذا المكان ؛ فيُقال : الله في السماء أي : بمعنى على ، فعلى هنا هي محل في أو العكس ؛ (( فِي )) محل على ، وهذا له شواهد كثيرة في الكتاب والسنة ، فآية : (( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ )) ، (( سِيرُوا فِي الأَرْضِ )) ، ( ارحموا مَن في الأرض يرحَمْكم مَن في السماء ) ؛ ( مَن في الأرض ) لا يعني جوف الأرض ، وإنما على الأرض ، ( يرحمكم مَن في السماء ) لا يعني مَن هو في جوف السَّماء المخلوقة وإنما على السَّماء ؛ ولهذا السبب تجد المعطِّلة في العصر الحاضر وعلى رأسهم هذا السَّخَّاف بحقِّ من سمَّاه سخَّافًا يُنكر صحة هذا الحديث ؛ لأنه بالنسبة إليه قاصمة ظهره ؛ لأن ( ارحموا مَن في الأرض ) ما يقدر يفسرها ( في ) بمعنى الديدان والحشرات اللي في الأرض ، وإنما هذه الأنعام التي ذلَّلها الله لنا وخلقها من أجلنا فارحَمُوا مَن في الأرض يرحَمْكم مَن في السماء ، فكما أن : ( ارحموا مَن في ) هنا تعني على كذلك ( يرحمكم مَن في السماء ) تعني على ؛ لذلك صبَّ جهده لتضعيف هذا الحديث ؛ علمًا بأنه صحَّحه حتَّى الذين هم سبقوه إلى مثل هذا التعطيل ، لأنه حديثيًّا ما وجدوا سبيلًا لتضعيفه ... حتى الغماريين الذي هو ذَنَب لهم هم يصحِّحون هذا الحديث .
السائل : شيخنا ، الكوثري ينكر نسبته لـ " صحيح مسلم " .
الشيخ : يُنكر ماذا ؟
السائل : صحة نسبة هذا الحديث ؛ يعني يقول : النُّسخ الصحيحة لمسلم لا يوجد فيها هذا الحديث .
الشيخ : ذهب وَهَلُكَ إلى غير حديثي ، أنت ذهب وَهَلُكَ إلى حديث الجارية ! أنا ما طرقت حديث الجارية .
السائل : لأ ، هو بداية الحديث من كلام الشيخ .
الشيخ : لا ، بداية الحديث (( في )) ولا تؤاخذني .
السائل : جزاك الله خير ، بارك الله فيك .
الشيخ : ... المهم هذا الحديث صحَّحه جمعٌ ، وهذا أنكر صحَّته ؛ لأنه أقوى في الدلالة من حديث الجارية ، الآن الأستاذ له فضل ذكَّرني بحديث الجارية ، هذا أصرَحُ في الدلالة على المعنى الصحيح للآية ؛ لأن حديث الجارية : ( أين الله ؟ ) قالت : في السماء ، فهي أجابت بالجواب القرآني ، لكن بقى هي عربيَّة ، هي تفهم إيش معنى في ؟ مش معناها الديدان في جحورها و و إلى آخره ، لا ، المهم هذا الحديث : ( ارحموا مَن في الأرض ) ؛ أي : مَن على الأرض ، ( يرحَمْكم مَن في السماء ) أي : على السماء . إلى هنا انتهى ما أردْتُ أن أقوله تعليقًا على ما قد تُسمعنا من تأويل من ذلك الدكتور لهذه الآية .
لكن الذي أُريد الآن أن أقوله أن هذا الدكتور وأمثاله خطؤهم يأتي من التفسير الأول لـ " في " ؛ أي : على بابها ، ثم غفلتهم عن المعنى الأصلي لكلمة السماء وهو العلوُّ ، فلمَّا يقعون في هذه الغفلة ينظرون فيقولون : نحن ما نستطيع أن نقول : إن الله في جوف السماء ؛ أي : السماء المخلوقة تحيط به ، نحن معهم في هذا ، لكن هم يضلُّون عن الحقِّ بفهمهم الباطل وإعراضهم عنه ، ثم لا يجدون لهم مأوًى في معرفة الرَّأي أو الفهم الصحيح ؛ لماذا ؟ لأنهم يفهمون - أيضًا - أننا حينما نفسِّر على السماء المشكلة قائمة بالنسبة إليهم وإلى أذهانهم ؛ المشكلة قائمة لأنهم يتوهَّمون أن فوق السماء ما هو ؟ العرش ، وفوق العرش إذا قلنا : الله على العرش استوى كما قال الله وفسَّرناها بمعنى " على " كما هو التفسير السلفي ؛ إذًا كمان حشرتوه في مكان ، هنا يبدأ ضلالهم ، فالذي أريد التذكير به الآن هو ألَّا نتورَّط بفهم خطأ فنتصوَّر أن آية : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) تعني أنَّ الله بذاته في جوف السماء ، لا ، وإنما الله بذاته فوق العلوِّ المطلق ، والعلوُّ المطلق فوق العرش ، فوق العرش لا مكان ، من هنا هم ضلُّوا ، يتوهَّمون أن فوق العرش مكان ؛ فإذًا جعلناه في مكان ، ولا فرق حين ذاك بين مكان فوق العرش ، بين مكان فوق السموات السبع ، بين مكان فوق السماء الدنيا ، أو في سماء الدنيا ، أو على الأرض ، أو في الأرض ، كلُّه لا يليق بالله - عز وجل - ، نقول : كله لا يليق إلا فوقيَّة العرش ؛ لأن فوق العرش لا مكان ، ونحن نعلم كما هم يعلمون ، ولكنهم يغفلون أو يتغافلون : ( كان الله ولا شيء معه ) ، فحينما كان الله ولا شيء معه نحن وإيَّاهم متَّفقون - أو هم معنا متفقون - أنَّ الله حينما كان ولم يخلُقْ شيئًا لم يكن في مكان ، وإن سمَّى أحدٌ ذلك الجوَّ - ما بدي سمِّيه مكان أنا ؛ لأن رح يكون إعادة ألفاظ - ؛ إذ سمَّى أحدٌ ذلك الجوَّ الذي كان الله فيه مكانًا هذا اصطلاح ؛ لأن المكان مشتقٌّ من الكون ؛ (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) ، فالله كان ولا شيء معه ، ثم خلق الخلق ، بوجود الخلق وبخلق الخلق وُجِدَ المكان ، لكن الله ما وُجِدَ في هذا المكان ؛ لأن الله كان قبل المكان وكان قبل الزمان ؛ فإذًا إذا قلنا : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، وأوردنا كلَّ الآيات والأحاديث التي تُثبت صفة العلوِّ ؛ فذلك لا يعني أننا نجعل لله مكانًا ، ولا يعني أنَّنا جعلناه مظروفًا لشيء مخلوق ؛ بالتالي لا يعني ما ينسبه إلينا هذا السَّخَّاف وأمثاله بأننا جسَّمناه ، سبحان الله ! هل جسَّمناه - أنتم معنا - هل جسَّمتموه لما قُلْتم : كان الله ولا شيء معه ؛ هل كان جسمًا ؟
(( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) فهو من هذه الحيثية الآن كما كان ، من حيث حيثية أنُّو لا جسم ، وأنه (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ، هو الآن - أي : بعد خلق الكون - كما كان قبل خلق الكون ، كلُّ ما في الأمر أنَّنا نحن نختلف عن هؤلاء الضَّالين لأننا نثبت وجود ربِّ العالمين فوق المخلوقات فوق العرش استوى ، أمَّا هم فما يكفاك ما قال ذلك الأمير العاقل حينما سمع المشايخ المُعادين لدعوة الحقِّ دعوة السَّلف دعوة ابن تيمية - رحمه الله - التي أحياها بجهاده ، ابن تيمية هذه خلاصة آراؤه ، أما أولئك قالوا : لا ، الله منزَّه عن المكان ، الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف لا داخل العالم ولا خارجه . قال ذلك الأمير : هؤلاء قوم أضاعوا ربَّهم ! فعلًا أنا أقول : لو قيل لأفصح مَن نطق بالضاد : صِف لنا المعدوم ؟ لا يستطيع أن يصفَه إلا بما يصف هؤلاء المهابيل ربَّهم ... أمام هذه الحقائق ؛ أي : لا يستطيع أن يقول كما تقول المعتزلة وكما تقول الأشاعرة وكما تقول الماتريدية أنَّ الله في كلِّ مكان ، هذا أسخف ما يُمكن أن يُقال بالنسبة لربِّ العالمين المنزَّه .
هذا السَّخَّاف وبعض شيوخه وجدَ أنَّ هذا الكلام مش مقبول ؛ فماذا يقول ؟ يقول : " هو موجود بغير مكان " ، تدليس خبيث !! هو موجود بغير مكان ، لكن سَلْه : أين هو ؟ ما في جواب ، ولذلك يضعِّفون حديث الجارية ؛ لأنُّو فيه سؤال : أين الله ؟ الجواب : في السماء ، فهم يقولون : إن الله - عز وجل - موجود لكن بغير مكان ، حقيقة هذا الجواب هو المصير إلى ما ذكرناه من أقوال أولئك المهابيل ؛ لا فوق لا تحت لا يمين لا يسار إلى آخر الكليشة ، ولذلك هذا السَّخَّاف إذا ابتُليتم به أو ببعض أذنابه فاعرفوا كيف تأكلون الكتف ، لمَّا يقول لكم هو موجود ليس في مكان . طيب ؛ أين هو ؟ يقول لك : هذا السؤال لا يصح ! لماذا لا يصح وقد صح في الحديث الصحيح ؟ هذا حديث ضعيف . مين ضعَّفه ؟ دجَّال آخر الزمان وهو السَّخَّاف ، لكن هو حقيقةً هو مسبوق ، مسبوق كما قال الكوثري ، وأنا ردَدْتُ على الكوثري في " مقدمة شرح الطحاوية " ؛ لأن هذا المعروف بأبي غدَّة والذي ينتسب إلى الكوثري من شدَّة عَمَاه به وتقليده إيَّاه ينتمي إلى مذهبه ، فيقول : الكوثري ، فكان أخذ عليَّ بعض المآخذ الشكلية أنُّو أنا بقول : صحيح أخرجه البخاري ومسلم ، صحيح أخرجه البخاري ؛ هذا معناه أن الحديث ما بصير صحيح حتى يصحِّحه الألباني !! إذًا معنى هذا أن في هناك أحاديث كثيرة يضعِّفها الألباني مما رواه البخاري ومسلم ، فأنا صفَعْته هديك الصفعة ، شوف شيخك الكوثري يصرِّح الحديث الفلاني والحديث الفلاني والحديث الفلاني بالرغم من رواية الشيخين أو أحدهما : هو حديث ضعيف !! ... .
فالشاهد الكوثري يضعِّف هذا الحديث حديث الجارية ، والغماري هذا المسمَّى بعبد الله - أيضًا - يضعِّف هذا الحديث ، ومن أسوأ ما قرأت أخيرًا في " تفسير البحر المحيط " لأبي حيان أنه فسَّر الآية السابقة : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) أأمنتم أيها المشركون مَن في السماء بزعمكم !! يعني الإنسان يحار كيف أنُّو علماء كبار يقعون في مثل هذا التأويل ، بل التعطيل !!
السائل : شيخنا ، أطلْتُم في إشكال (( في )) الظرفية وعيب ما وقع فيه الرازي ، الرازي وضع إشكال عظيم وصفحات طويلة في تفسير الآية وقال : (( في )) ظرفية ، وبدأ ينفي أن يكون هو المراد الله - عز وجل - ، وقال : هو أمر الله أو ملائكة الله أو ... .
الشيخ : نعم .
السائل : هو يقول : إن الآيات التي ذُكرت في العلوِّ إنما هي آيات في الصفات وليست في الذات ، هذا تفصيل .
الشيخ : لا تَحِدْ ، لا تَحِدْ .
السائل : نعم .
الشيخ : أنا حدَّدت لك الآية ؛ لماذا لا يقول كما قال الله : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) ؟ ما هو المحظور عنده ؟ عرفنا المحظور عنده من كونه لا يقول : الله في الأرض ، لا يقول هذا ، وهذا هو الحق بلا شك نقلًا وعقلًا ، لكن سؤالي : لماذا لا يقول كما قال الله : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) ؟ لماذا لا يقول بما قال الله ؟ يعني شو وجهة نظره ؟ شو تأويله ؟ هل عرفت عنه أم لا ؟ أنا أريد أن أعرف الجواب لإنصاف الرجل ، وإلا أنا الكلمة التي في نفسي لا تتوقَّف على هذه المعرفة ؛ فما هو الجواب ؟
السائل : شيخنا ، هو ذكر في كتابه حتى ما أذكر منذ فترة قرأته ... .
الشيخ : أرجوك ما تحيد !
السائل : جيد ، يتكلم .
الشيخ : عن الآية .
السائل : عن الآية هذه وما شابها التي تتحدَّث في العلوِّ وتتحدَّث عن أنه في السماء .
الشيخ : هذه الآية لا تتحدَّث عن العلوِّ في ظاهرها ، ماذا يكون معناها ؟
السائل : قال بمعنى ، يقول عنها ؟ يعني بالضبط في هذه الآية ما أعرف !
الشيخ : سامحك الله ! ما استفدنا شيء ؛ بالأول قلت لك عن الآية ، وثاني مرَّة قلت لك عن الآية ، وبعدين ؟
السائل : أنا بحثت في الآيات الـ .
الشيخ : يا أخي ، أنت بدأت الحديث عن الآيات ، فرجَّعتك لموضوع السؤال ، عفا الله عمَّا سلف ، شوفوا يا إخواننا ، هذه الآية إما أن تُفسَّر على ظاهرها (( فِي )) ؛ (( فِي )) كما تعلَّمنا من علماء اللغة ظرفية ، فإما أن تبقى على ظرفيَّتها ، وإما أن تُخرَجَ عن هذا المعنى فتُفسَّر بمعنى " على " ، فإذا فُسِّرت بمعنى " على " حينئذٍ لا تكون السماء ظرفية لله كما أن الأرض ليست ظرفية لله ، فإذا كان المُشكل عند ذاك الدكتور هو أنه وقف عند ظاهر الآية ، (( في )) هذه ظرفية في اللغة العربية ؛ فإذًا لا فرق عنده بين من يقول : الله في الأرض أو الله في السماء ؛ لأن الله أكبر من كلِّ ذلك ، وهذه حقيقة ؛ إذًا كيف نفسِّر الآية ؟
الجواب : بناءً على أنها في بابها (( في )) ظرفيَّة ، نقول إذا أبقَينا (( في )) ظرفية نفسِّر السماء بمعنى العلوِّ المطلق وليس بالسماء المخلوقة التي هي سبع سماوات ، عرفت كيف ؟ حينئذٍ يطيح الإشكال من أصله ؛ لأن الإشكال على أساس في السماء ؛ أي : هذه السماء التي هي خلقٌ من خلق الله كالأرض ، فكما أنه ليس في الأرض فهو ليس في السماء ، فمن هنا هم يأتيهم الإشكال فبينفوا ، ويقولون : لا ، الله ليس في السماء ، أوَّلا أدبًا مع الكلام الإلهي ما يجوز أن يُقال هذا الكلام ، لكن الجائز بل الواجب هو فهم الآية القرآنية فهمًا صحيحًا ، فأوَّل تفسير لها على أساس إبقاء (( في )) على بابها في هذه الحالة نفسِّر السماء باللغة العربية - أيضًا - اللي هي معناه العلوُّ المطلق ، إذًا إذا قلنا إن الله - عز وجل - في العلوِّ المطلق معناه ليس في مخلوق ، طاح الإشكال ، ولا يستوي حينئذٍ القول بأن الله في السماء كالقول المنفي بأنَّ الله في الأرض ، أوَّلًا : لأنه في الأرض ليس عندنا في الكتاب ولا في السنة بأن الله في الأرض ، هذا أوَّلًا ؛ لا يستوي أن نقول : الله في السماء بأن نقول : الله في الأرض ؛ لأن هذا ليس منقولًا . ثانيًا : المعنى الذي فسرناه آنفًا لا محظور منه كما يترتَّب المحظور على قولنا : الله في الأرض ، هذا إذا فسَّرنا " في " وجعلناها على بابها ، يكون فسَّرنا السماء بمعنى العلوِّ المطلق ؛ حينئذٍ تلتقي الآيات الأخرى التي تُثبت العلوَّ لله - عز وجل - مع هذه الآية ؛ ماشي ؟
وإمَّا أن نقول هنا : (( في )) بمعنى على ، وكما يقول - أيضًا - كما تعلمنا من أهل العلم أن حروف الجر يقوم بعضُها مقام بعض ؛ خاصَّة في مثل هذا المكان ؛ فيُقال : الله في السماء أي : بمعنى على ، فعلى هنا هي محل في أو العكس ؛ (( فِي )) محل على ، وهذا له شواهد كثيرة في الكتاب والسنة ، فآية : (( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ )) ، (( سِيرُوا فِي الأَرْضِ )) ، ( ارحموا مَن في الأرض يرحَمْكم مَن في السماء ) ؛ ( مَن في الأرض ) لا يعني جوف الأرض ، وإنما على الأرض ، ( يرحمكم مَن في السماء ) لا يعني مَن هو في جوف السَّماء المخلوقة وإنما على السَّماء ؛ ولهذا السبب تجد المعطِّلة في العصر الحاضر وعلى رأسهم هذا السَّخَّاف بحقِّ من سمَّاه سخَّافًا يُنكر صحة هذا الحديث ؛ لأنه بالنسبة إليه قاصمة ظهره ؛ لأن ( ارحموا مَن في الأرض ) ما يقدر يفسرها ( في ) بمعنى الديدان والحشرات اللي في الأرض ، وإنما هذه الأنعام التي ذلَّلها الله لنا وخلقها من أجلنا فارحَمُوا مَن في الأرض يرحَمْكم مَن في السماء ، فكما أن : ( ارحموا مَن في ) هنا تعني على كذلك ( يرحمكم مَن في السماء ) تعني على ؛ لذلك صبَّ جهده لتضعيف هذا الحديث ؛ علمًا بأنه صحَّحه حتَّى الذين هم سبقوه إلى مثل هذا التعطيل ، لأنه حديثيًّا ما وجدوا سبيلًا لتضعيفه ... حتى الغماريين الذي هو ذَنَب لهم هم يصحِّحون هذا الحديث .
السائل : شيخنا ، الكوثري ينكر نسبته لـ " صحيح مسلم " .
الشيخ : يُنكر ماذا ؟
السائل : صحة نسبة هذا الحديث ؛ يعني يقول : النُّسخ الصحيحة لمسلم لا يوجد فيها هذا الحديث .
الشيخ : ذهب وَهَلُكَ إلى غير حديثي ، أنت ذهب وَهَلُكَ إلى حديث الجارية ! أنا ما طرقت حديث الجارية .
السائل : لأ ، هو بداية الحديث من كلام الشيخ .
الشيخ : لا ، بداية الحديث (( في )) ولا تؤاخذني .
السائل : جزاك الله خير ، بارك الله فيك .
الشيخ : ... المهم هذا الحديث صحَّحه جمعٌ ، وهذا أنكر صحَّته ؛ لأنه أقوى في الدلالة من حديث الجارية ، الآن الأستاذ له فضل ذكَّرني بحديث الجارية ، هذا أصرَحُ في الدلالة على المعنى الصحيح للآية ؛ لأن حديث الجارية : ( أين الله ؟ ) قالت : في السماء ، فهي أجابت بالجواب القرآني ، لكن بقى هي عربيَّة ، هي تفهم إيش معنى في ؟ مش معناها الديدان في جحورها و و إلى آخره ، لا ، المهم هذا الحديث : ( ارحموا مَن في الأرض ) ؛ أي : مَن على الأرض ، ( يرحَمْكم مَن في السماء ) أي : على السماء . إلى هنا انتهى ما أردْتُ أن أقوله تعليقًا على ما قد تُسمعنا من تأويل من ذلك الدكتور لهذه الآية .
لكن الذي أُريد الآن أن أقوله أن هذا الدكتور وأمثاله خطؤهم يأتي من التفسير الأول لـ " في " ؛ أي : على بابها ، ثم غفلتهم عن المعنى الأصلي لكلمة السماء وهو العلوُّ ، فلمَّا يقعون في هذه الغفلة ينظرون فيقولون : نحن ما نستطيع أن نقول : إن الله في جوف السماء ؛ أي : السماء المخلوقة تحيط به ، نحن معهم في هذا ، لكن هم يضلُّون عن الحقِّ بفهمهم الباطل وإعراضهم عنه ، ثم لا يجدون لهم مأوًى في معرفة الرَّأي أو الفهم الصحيح ؛ لماذا ؟ لأنهم يفهمون - أيضًا - أننا حينما نفسِّر على السماء المشكلة قائمة بالنسبة إليهم وإلى أذهانهم ؛ المشكلة قائمة لأنهم يتوهَّمون أن فوق السماء ما هو ؟ العرش ، وفوق العرش إذا قلنا : الله على العرش استوى كما قال الله وفسَّرناها بمعنى " على " كما هو التفسير السلفي ؛ إذًا كمان حشرتوه في مكان ، هنا يبدأ ضلالهم ، فالذي أريد التذكير به الآن هو ألَّا نتورَّط بفهم خطأ فنتصوَّر أن آية : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) تعني أنَّ الله بذاته في جوف السماء ، لا ، وإنما الله بذاته فوق العلوِّ المطلق ، والعلوُّ المطلق فوق العرش ، فوق العرش لا مكان ، من هنا هم ضلُّوا ، يتوهَّمون أن فوق العرش مكان ؛ فإذًا جعلناه في مكان ، ولا فرق حين ذاك بين مكان فوق العرش ، بين مكان فوق السموات السبع ، بين مكان فوق السماء الدنيا ، أو في سماء الدنيا ، أو على الأرض ، أو في الأرض ، كلُّه لا يليق بالله - عز وجل - ، نقول : كله لا يليق إلا فوقيَّة العرش ؛ لأن فوق العرش لا مكان ، ونحن نعلم كما هم يعلمون ، ولكنهم يغفلون أو يتغافلون : ( كان الله ولا شيء معه ) ، فحينما كان الله ولا شيء معه نحن وإيَّاهم متَّفقون - أو هم معنا متفقون - أنَّ الله حينما كان ولم يخلُقْ شيئًا لم يكن في مكان ، وإن سمَّى أحدٌ ذلك الجوَّ - ما بدي سمِّيه مكان أنا ؛ لأن رح يكون إعادة ألفاظ - ؛ إذ سمَّى أحدٌ ذلك الجوَّ الذي كان الله فيه مكانًا هذا اصطلاح ؛ لأن المكان مشتقٌّ من الكون ؛ (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) ، فالله كان ولا شيء معه ، ثم خلق الخلق ، بوجود الخلق وبخلق الخلق وُجِدَ المكان ، لكن الله ما وُجِدَ في هذا المكان ؛ لأن الله كان قبل المكان وكان قبل الزمان ؛ فإذًا إذا قلنا : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، وأوردنا كلَّ الآيات والأحاديث التي تُثبت صفة العلوِّ ؛ فذلك لا يعني أننا نجعل لله مكانًا ، ولا يعني أنَّنا جعلناه مظروفًا لشيء مخلوق ؛ بالتالي لا يعني ما ينسبه إلينا هذا السَّخَّاف وأمثاله بأننا جسَّمناه ، سبحان الله ! هل جسَّمناه - أنتم معنا - هل جسَّمتموه لما قُلْتم : كان الله ولا شيء معه ؛ هل كان جسمًا ؟
(( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) فهو من هذه الحيثية الآن كما كان ، من حيث حيثية أنُّو لا جسم ، وأنه (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ، هو الآن - أي : بعد خلق الكون - كما كان قبل خلق الكون ، كلُّ ما في الأمر أنَّنا نحن نختلف عن هؤلاء الضَّالين لأننا نثبت وجود ربِّ العالمين فوق المخلوقات فوق العرش استوى ، أمَّا هم فما يكفاك ما قال ذلك الأمير العاقل حينما سمع المشايخ المُعادين لدعوة الحقِّ دعوة السَّلف دعوة ابن تيمية - رحمه الله - التي أحياها بجهاده ، ابن تيمية هذه خلاصة آراؤه ، أما أولئك قالوا : لا ، الله منزَّه عن المكان ، الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف لا داخل العالم ولا خارجه . قال ذلك الأمير : هؤلاء قوم أضاعوا ربَّهم ! فعلًا أنا أقول : لو قيل لأفصح مَن نطق بالضاد : صِف لنا المعدوم ؟ لا يستطيع أن يصفَه إلا بما يصف هؤلاء المهابيل ربَّهم ... أمام هذه الحقائق ؛ أي : لا يستطيع أن يقول كما تقول المعتزلة وكما تقول الأشاعرة وكما تقول الماتريدية أنَّ الله في كلِّ مكان ، هذا أسخف ما يُمكن أن يُقال بالنسبة لربِّ العالمين المنزَّه .
هذا السَّخَّاف وبعض شيوخه وجدَ أنَّ هذا الكلام مش مقبول ؛ فماذا يقول ؟ يقول : " هو موجود بغير مكان " ، تدليس خبيث !! هو موجود بغير مكان ، لكن سَلْه : أين هو ؟ ما في جواب ، ولذلك يضعِّفون حديث الجارية ؛ لأنُّو فيه سؤال : أين الله ؟ الجواب : في السماء ، فهم يقولون : إن الله - عز وجل - موجود لكن بغير مكان ، حقيقة هذا الجواب هو المصير إلى ما ذكرناه من أقوال أولئك المهابيل ؛ لا فوق لا تحت لا يمين لا يسار إلى آخر الكليشة ، ولذلك هذا السَّخَّاف إذا ابتُليتم به أو ببعض أذنابه فاعرفوا كيف تأكلون الكتف ، لمَّا يقول لكم هو موجود ليس في مكان . طيب ؛ أين هو ؟ يقول لك : هذا السؤال لا يصح ! لماذا لا يصح وقد صح في الحديث الصحيح ؟ هذا حديث ضعيف . مين ضعَّفه ؟ دجَّال آخر الزمان وهو السَّخَّاف ، لكن هو حقيقةً هو مسبوق ، مسبوق كما قال الكوثري ، وأنا ردَدْتُ على الكوثري في " مقدمة شرح الطحاوية " ؛ لأن هذا المعروف بأبي غدَّة والذي ينتسب إلى الكوثري من شدَّة عَمَاه به وتقليده إيَّاه ينتمي إلى مذهبه ، فيقول : الكوثري ، فكان أخذ عليَّ بعض المآخذ الشكلية أنُّو أنا بقول : صحيح أخرجه البخاري ومسلم ، صحيح أخرجه البخاري ؛ هذا معناه أن الحديث ما بصير صحيح حتى يصحِّحه الألباني !! إذًا معنى هذا أن في هناك أحاديث كثيرة يضعِّفها الألباني مما رواه البخاري ومسلم ، فأنا صفَعْته هديك الصفعة ، شوف شيخك الكوثري يصرِّح الحديث الفلاني والحديث الفلاني والحديث الفلاني بالرغم من رواية الشيخين أو أحدهما : هو حديث ضعيف !! ... .
فالشاهد الكوثري يضعِّف هذا الحديث حديث الجارية ، والغماري هذا المسمَّى بعبد الله - أيضًا - يضعِّف هذا الحديث ، ومن أسوأ ما قرأت أخيرًا في " تفسير البحر المحيط " لأبي حيان أنه فسَّر الآية السابقة : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) أأمنتم أيها المشركون مَن في السماء بزعمكم !! يعني الإنسان يحار كيف أنُّو علماء كبار يقعون في مثل هذا التأويل ، بل التعطيل !!
السائل : شيخنا ، أطلْتُم في إشكال (( في )) الظرفية وعيب ما وقع فيه الرازي ، الرازي وضع إشكال عظيم وصفحات طويلة في تفسير الآية وقال : (( في )) ظرفية ، وبدأ ينفي أن يكون هو المراد الله - عز وجل - ، وقال : هو أمر الله أو ملائكة الله أو ... .
الشيخ : نعم .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 19
- توقيت الفهرسة : 00:16:17
- نسخة مدققة إملائيًّا