ذكر حديث الأعمى ودلالته ومعناه الصحيح ، وبيان الاختلاف الواقع فيه من حيث التوجيه والفهم . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ذكر حديث الأعمى ودلالته ومعناه الصحيح ، وبيان الاختلاف الواقع فيه من حيث التوجيه والفهم .
A-
A=
A+
الشيخ : لعل بعضكم يتساءل عن شيئين اثنين يتعلَّقان بقولي : " حديث الأعمى " ، الأول : ما هو حديث الأعمى ؟ والآخر : ما دلالته ؟

حديث الأعمى كما جاء في " سنن الترمذي " و " مسند الإمام أحمد " و " مستدرك الحاكم " بالسند الصحيح أن رجلًا أعمى جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال له : يا رسول الله ؟ ادعُ الله أن يعافيني . فقال له - عليه الصلاة والسلام - : ( إن شئتَ دعوتُ ، وإن شئتَ صبرتَ ؛ وهو خير لك ) . قال : فادعُ يا رسول الله . ما عنده صبر ، فاختار ما خيَّرَه الرسول - عليه السلام - بين اثنين اختار أحدهما ، قال : فادع ، ولا شك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خيَّرَه بين أحد شيئين أنه سيَفِي بما وعده ، ولكنه أراد أن يُشغِلَه بالتوسل المشروع إلى الله بالطاعة والعبادة ؛ ولذلك قال له : إيتِ بالميضأة وتوضَّأ ، وصلِّ لله ركعتين ، ثم قُلْ - هنا الشاهد - : ( ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيِّك محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، يا محمد إني توجَّهتُ بك إلى ربي لِيُعافِيَني ، اللهم فشفِّعْه فيَّ وشفِّعْني فيه ) ، فتوضَّأ الرجل وصلى ركعتين كما أمَرَه الرسول - عليه السلام - ، ودعا بهذا الدعاء الذي علَّمَه الرسول - عليه السلام - إياه ، فرجع بصيرًا كأن لم يكن به ... .

هذا هو نصُّ الحديث تمسَّك الشوكاني وجماهير المتأخرين الذين يذهبون إلى جواز التوسل بقول الرسول للأعمى أن يقول : ( اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيِّك ) ، أخَذَ هذا التوسل بظاهره ( بنبيِّك ) ؛ علمًا أن هذه الجملة من حيث الأسلوب العربي فيها - كما يقول النحويون - مضاف محذوف ؛ كمثل قوله - تعالى - : (( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا )) . القرية ؟ لا ، أهل القرية ، العير ؟ لا ، أهل العير ، كذلك هنا ( بنبيِّك ) لا بد من تقدير مضاف محذوف وهنا الخلاف ؛ فما هو هذا المضاف المحذوف ؟ في مفهوم الشوكاني وأمثاله ( بنبيِّك ) يعني بذات نبيِّك ، بحرمة نبيِّك ، بمفهوم الآخرين من أتباع السلف الصالح ( بنبيِّك ) أي : بدعاء نبيِّك ، لا بد هنا من تقدير مضاف محذوف ، فإما هو الدعاء ، وإما هو شخص الرسول - عليه السلام - وذاته ؛ فما هو الصواب ؟

لو أننا تأمَّلنا في سباق القصة وسياقها لَوجدنا الفكر ينسجم مع التأويل الثاني أو بالمعنى الصحيح التقدير الثاني وهو بدعاء نبيِّك ، لِمَ ؟ لأننا نتساءل لماذا جاء الأعمى إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟ جاء صراحةً ليطلبَ منه الدعاء ، أن يدعوَ الله له أن يعود بصيرًا ، ثم لما سأَلَه وعَدَه الرسول - عليه السلام - مخيِّرًا بين اثنين منها الدعاء له ، فاختار الرجل أن يدعوَ له الرسول - عليه السلام - .

إذًا نحن من أول القصة إلى آخر لحظة لا نزال عند الدعاء ؛ ليس هناك ذكر لغير الدعاء كشخص الرسول - عليه السلام - أو ذاته المباركة ؛ هذا لم يأتِ بعد له ذكر إطلاقًا ، نمشي نجد في الدعاء الذي علَّمَه الرسول - عليه السلام - إياه أنه قال : ( اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيِّك محمد - صلى الله عليه وسلم - ، يا محمد ، إني أتوجَّه بك ) ، أيضًا هنا يعود نفس التقدير السابق ، ( بك ) ؛ إما بشخصك وإما بدعائك ، فما الذي دل حتى الآن ؟ هل هناك للشخص ذكر ؟ الجواب : لا ، وإنما الدعاء . ويتأكد هذا بتمام الدعاء : ( إني أتوجَّه إليك بنبيِّك محمد - صلى الله عليه وسلم - ، يا محمد ، إني توجَّهت بك إلى ربي لِيُعافِيَني ؛ اللهم فشفِّعه فيَّ ) . ما معنى ( فشفِّعه فيَّ ) ؟ اقبَلْ شفاعته فيَّ ، ما هي شفاعته - عليه السلام - ؟ هو دعاؤه ، إذًا هذا دليل ثالث أن القصة كلها تدور حول التوسل بدعاء الرسول - عليه السلام - وليس بشخصه ، ( يا محمد ، إني توجَّهتُ بك إلى ربي لِيُعافيني ؛ اللهم فشفِّعه فيَّ ) ؛ أي : اقبَلْ دعاءه فيَّ .

والأعجب من هذا كله تمام الحديث : ( وشفِّعني فيه ) ، كلٌّ منَّا يفقه ويفهم أن يشفع الرسول لهذا الضرير ؛ لأننا نحن كلنا بحاجة إلى شفاعة الرسول - عليه السلام - يوم المحشر ، وليس هو بحاجة إلى أن يشفع له أحد ، فكيف يقول الأعمى بتعليم من الرسول وليس بعبارة من عنده : ( وشفِّعني فيه ) ؟ ذلك لأن الشفاعة إذا عرفنا مما سبق أن المقصود بها الدعاء فواضح جدًّا من قوله : ( وشفِّعني فيه ) ؛ أي : اقبل دعائي بأن تقبل دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيَّ .

انتهت القصة ، وكما ترون كلها تدندن من أولها إلى آخرها أن الرجل إنما توسَّلَ بتعليم من النبي - صلى الله عليه وسلم - له بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - .

مواضيع متعلقة