إذا تابَ الإنسان من غفلته ؛ حيث إنه كان يترك صيام رمضان وإقامة الصلاة ؛ فكيف يقضي تلك العبادات ؟
A-
A=
A+
الشيخ : طيب ، هنا سائل يقول : إذا تابَ الإنسان ، وكان قبل ذلك مؤمنًا بالله دون العمل بمقتضى إيمانه ... والسلام .
الجواب : أن = -- ... -- = السؤال يتضمَّن قسمين من المحرَّمات ، القسم الأول يتعلَّق بمخالفته ومعصيته لربِّه في حقوقه على عباده كالصلاة ، والقسم الآخر من المحرَّمات التي يُشير إليها السَّائل أن هذا الذي تابَ كان مُوَاقعًا لها ، فمن هذه المحرَّمات ما لها علاقة بحقوق العباد ، فهذا المسلم . =
السائل : السلام عليكم .
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
= فهذا المسلم الذي تاب إلى الله - عز وجل - وأناب ، ففي ما يتعلَّق بالعبادات والطاعات التي فَرَضَها الله عليه ، ثم لم يقُمْ بها فبالنظر في هذه العبادات ؛ إما أن تكون مؤقَّتة الأول والآخر كالصلوات الخمس ، وإما أن تكون مؤقَّتة ببدء الوجوب وليس لها وقت إلا بالوفاة ، كمثل الحجِّ والزكاة ؛ فما كان من النوع الأول كالصلاة التي لها وقت معيَّن محدود الأول والآخر ، والصيام الذي له شهر معدود ، ثم تعمَّدَ هذا الإنسان العاصي ترك الصلاة وترك الصيام ؛ فهذا توبته أن يندمَ على ما وقع منه من تضييع الصلوات والصيام في شهر رمضان ، وأن يعزم على أن لا يعود إلى مثل هذه المعصية ، وأن يُتبِعَ ذلك بالأعمال الصالحة بصورة عامَّة وبالإكثار من التطوُّع من الصلوات والصيام بصورة خاصَّة ليعوِّضَ بذلك أو بهذا التطوُّع ما كان فاتَه من الثواب بسبب إضاعته لِمَا فَرَضَ الله عليه ؛ منها الصلاة والصيام .
أما قضاء الصلاة التي أخرَجَها عن وقتها وكذلك الصيام ؛ فهذا لا سبيل له إليه مطلقًا إلا إن تصوَّرنا أمرًا مستحيلًا ؛ إذا تمكَّنَ هذا التائب أن يُعيد اليوم الذي أضاعَ فيه الصلاة أو الصلوات ؛ فَلْيُعِدْه وليصلِّ فيه ... أو له مخرج وكفارة في تدارك ما فاته من الصلاة ؛ بشرط أن يصلوها في الوقت الذي حدَّده الشارع الحكيم لهم ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( مَن نَسِيَ صلاة أو نام عنها فليصلِّها حين يذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك ) . وقرأ - عليه الصلاة والسلام - في بعض روايات الحديث وهو في " الصحيحين " : (( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي )) ، فقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( مَن نَسِيَ صلاةً أو نام عنها فليصلِّها حين يذكرها ) ، حين يذكرها أي : وقت يذكرها ، فوقت التذكُّر هو وقت هذه الصلاة المنسية ، أو التي نامَ عنها صاحبها ، ومعنى ذلك أنَّ - مثلًا - مَن استيقظ بعد طلوع الشمس بساعة مثلًا ، فلا يقل : هَيْ هي الصلاة خرج وقتها ، فأنا سأصليها بعدما أروح على الوظيفة وأرجع لبيتي بعد الساعة الثانية ، ليس له سبيل إلى هذا إطلاقًا ؛ لأن الرسول - عليه السلام - يقول : ( فَلْيُصلِّها حين يذكرها ) .
فأنت استيقظتَ بعد طلوع الشمس بساعة ، فهذا هو وقت هذه الصلاة التي نسيتَها ، أو تذكَّرت الصلاة التي نسيتها ، مثلًا صلاة الظهر تذكَّرتها بعد صلاة العصر ، بل أقول : عند غروب الشمس ، فتقول : هَيْ هي الصلاة فاتت عن وقتها أصليها بغير الوقت ؛ لا سيما الآن وقت كراهة ، فالحديث يقول لك : ( لا كفَّارة لها إلا ذلك ) ؛ إلا أن تصلِّيَها في وقت التذكُّر ، فالناسي للصلاة والنائم عنها مع أنه معذور قد حدَّد له الشارع الحكيم وقتًا للإتيان بهذه الصلاة محدَّدًا وضيِّقًا جدًّا هو وقت التذكُّر ، بينما نحن نعرف جميعًا أن الأوقات الخمسة المعروفة فيها وقت فيها فسحة ، فصلاة العصر - مثلًا - ما عاد فيها ساعتين ، فأنت تتذكَّر هذه الصلاة في هاتين الساعتين ، ثم لا تجد في نفسك إيمانًا يدفعك إلى أن تُبادر إلى الإتيان بهذه الصلاة في وقت التذكُّر ، فلا تصلي إلى أن تغرب الشمس ، ثم لا تصلي - أيضًا - وتقول : سأصلي سأصلي ... بكِّير علينا و " حوينتنا " ولساعتنا شباب وما شابه ذلك من وساوس الشيطان ، فإذا كان المعذور الذي فاتت الصلاة عليه بعذر النسيان والنوم قال له : ( فَلْيصلِّها حين يذكرها ) ، فالذي يتذكَّر صلاة الظهر بعد العصر يتذكَّرها في وقتها ، ثم لا يصلِّيها في الوقت الطويل ويريد أن يمشِّيها في وقت غيرها ؛ فهذا من باب أولى لا كفَّارة لها ؛ لأنه ما صلَّاها في وقت التذكُّر .
وخلاصة القول : أن العبادات التي شَرَعَها ربُّنا - عز وجل - في أوقات محدودة الطرف الأول والآخر ؛ فالقول والأمر بقضائها في غير وقتها تشريع من جهة شرعًا ما أنزَلَ الله به من سلطان ، ومن جهة أخرى هو إلغاء للتوقيت الذي شَرَعَه الله - عز وجل - في هذه الصلاة ؛ يعني الذي لا يخرج الزكاة في سنة الوجوب ؛ يخرجها بعد سنتين أو ثلاثة ؛ يختلف تمامًا عن الذي لا يصلي الصلاة في وقتها ؛ لأن الله - عز وجل - ما حدَّدَ لإخراج الزكاة وقتًا معيَّنًا ، وإنما أوجب عليك الزكاة بوجوب النصاب وحولان الحول ونحو ذلك ممَّا هو معروف ، بخلاف الصلاة ؛ فقد قال : (( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا )) ؛ فلا يجوز التَّسوية بين ما قيَّد الشارع وما أطلق ، فنحن ضربنا مثلًا آنفًا الزكاة السنوية يجب أن يخرجها ويُبادر إلى إخراجها ، فإن لم يفعل فكلُّ وقت فيما بعد هو مجال ووقت لإخراجها ؛ لأن الشارع الحكيم ما قال ما ينتهي وقتها بانتهاء السنة مثلًا ، بخلاف - وهذا المثال يوضِّح لكم الأمر - بخلاف صدقة الفطر ؛ فقد جاء في " سنن أبي داود " بإسناد صحيح عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال : " فَرَضَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صدقة الفطر طهرةً للصائم وطعمةً للمساكين ، فمَن أدَّاها قبل صلاة العيد فهي صدقة مقبولة ، ومَن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " . فهذا يوضِّح لكم أوضح بيان أنَّ العبادة التي وقَّتَ لها الشارع وقتًا محدودًا آخره فإذا لم يؤدِّ هذه العبادة في نفس الوقت خرجَتْ عن كونها هي تلك العبادة ، ففَرَضَ الرسول - عليه السلام - صدقة الفطر أن يخرجها المخرِج لها قبل الصلاة ، فإذا فعل فهي صدقة مقبولة ؛ يعني فريضة كما شَرَعَها الله ، وإن لم يفعل فهي صدقة من الصدقات .
كذلك الذي لا يصلي الصلاة في وقتها فلم يصلِّها إذا صلَّاها بعد وقتها ؛ لأنها مشروطٌ لها بشرط الوقت ، ألا ترون أن رجلًا لو بادر إلى الإتيان بالصلاة المفروضة قبل وقتها أنها لا تُقبل منه مع أن هناك فرقًا كبيرًا بينه وبين الذي يتعمَّد إخراج الصلاة عن وقتها ؟ فهذا يبادر إلى الإتيان بالصلاة قبل وقتها خشيةَ أن يُشغل عنها ، خشية أن يموت عنها إلى آخره ، يعني نيَّته طيبة ، ومع ذلك فلا أحد يقول بصحة هذا العمل ، وليس هناك جواب إلا أنه أدَّى العبادة في غير وقتها ، ولا فرق في أداء العبادة في وقتها إن كان هذا الوقت قبل الوقت ، أو كان بعد الوقت ؛ ولذلك فنحن لا نقول لِمَن ابتُلي بترك الصلاة يومًا ما اقضِ ما عليك من الصلوات ؛ لأنه لا مجال إطلاقًا شرعًا لقضاء هذه الصلاة ؛ لأنها كانت موقوتة ، وقد أضاعَها في وقتها ، وإنما نقول له : قد فاتك ما فاتك من الخير الكثير بسبب إخراجك لهذه الصلوات عن أوقاتها ، فأكثِرْ من النوافل ، وقد جاء في ذلك حديث صحيح ؛ حيث قال - عليه الصلاة والسلام - : ( أول ما يُحاسب العبد يوم القيامة الصلاة ، فإذا تمَّت فقد أفلح وأنجح ، وإذا نقصت فقد خاب وخسر ) ، وفي الحديث الآخر : ( وإن نقصت قال الله - تعالى - : انظروا يا ملائكتي ، انظروا ، هل لعبدي من تطوَّع فتتمُّوا له به فريضته ؟! ) . فهذا التطوُّع هو الذي ينبغي أن يُشغِلَ مَن كان تاركًا مضيِّعًا للصلاة برهةً من حياته ،فيُشغل نفسه بعد توبته بالإكثار من النوافل حتى يسدِّدَ بها ما فاتَه من الخير بسبب إضاعته للصلوات المفروضة .
كذلك يُقال تمامًا بالنسبة للصيام صيام رمضان ، فمن فاته شهر رمضان بدون عذر شرعي وليس هو إلا المرض والسفر ؛ فهذا لا مجال لقضاء هذا الصيام ، فعليه التوبة النصوح كما ذكرنا والإكثار من الطاعات بصورة عامَّة ، ومن صيام التطوُّع بصورة خاصَّة حتى يعوِّضَ ما فاته من الخير ، ولو كان لنا ، لو كان يجوز لنا أن نحتجَّ بما لم يصح إسناده من الحديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لَقلنا لكم كما تسمعون في المساجد وفي المنابر أن الرسول - عليه السلام - قال : ( مَن أفطر يومًا من رمضان بغير عذرٍ لم يقضِه صوم الدهر وإن صامه ) ، لكن هذا حديث ضعيف ، وإن كان المعنى واضح من كلامنا السابق ؛ لأن صيام رمضان هو الذي فَرَضَه الله - تبارك وتعالى - على عباده المؤمنين ، فإذا صام رمضان في شوال فهو لم يصُمْ شهر رمضان ، وإنما صام شوَّال ، تمامًا كالذي يحجُّ ، وعلى التعبير الشامي : " والناس راجعة ! " ، الناس بفطرهم يعرفون أن مَن يحج والناس راجعة لا حج له ، والسبب لأن الله - عز وجل - جعل للحجِّ مواقيت : (( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ )) ، فإذا فرض الحج في غير أشهر الحج لم يكن حاجًّا ، وهكذا تمامًا في الصلاة والصيام لولا غلبة بعض الأفكار ونَتَجَ منها عادات أنُّو اللي يترك الصلاة بيقضي ، أما اللي يفوته الحج في عرفات - مثلًا - ما يجي يوقِّف ثاني يوم أو ثالث يوم يقول : أنا وقفت في عرفات ؛ لأنُّو يعرف أنُّو الوقوف بعرفات له وقت ، وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة ، وهكذا سائر المناسك .
فخلاصة القول : إذا كانت العبادات التي ضيَّعَها فخالف ربَّه - عز وجل - فيها من نوع حقِّ الله - عز وجل - فالله - عز وجل - غفور رحيم يتوب على مَن تاب من عباده المؤمنين ، ويغفر ذنبه ، ويأمره كما قال : "" إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا ثم اهتدى "" ، أما إن كانت من حقوق العباد فعليه أن يعيدَها إلى أصحابها ما دام متمكِّنًا من ذلك ، فإذا فعل وتاب كانت توبته نصوحًا ، أما أن يتوبَ وقد أكل أموال الناس نهبًا وسرقة ونحو ذلك ، وهو باستطاعته أن يؤدِّيها ثم لم يفعل ؛ فتوبته ليست توبة نصوحًا ، وهي لا تُقبل عند الله - تبارك وتعالى - .
تفضل .
الجواب : أن = -- ... -- = السؤال يتضمَّن قسمين من المحرَّمات ، القسم الأول يتعلَّق بمخالفته ومعصيته لربِّه في حقوقه على عباده كالصلاة ، والقسم الآخر من المحرَّمات التي يُشير إليها السَّائل أن هذا الذي تابَ كان مُوَاقعًا لها ، فمن هذه المحرَّمات ما لها علاقة بحقوق العباد ، فهذا المسلم . =
السائل : السلام عليكم .
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
= فهذا المسلم الذي تاب إلى الله - عز وجل - وأناب ، ففي ما يتعلَّق بالعبادات والطاعات التي فَرَضَها الله عليه ، ثم لم يقُمْ بها فبالنظر في هذه العبادات ؛ إما أن تكون مؤقَّتة الأول والآخر كالصلوات الخمس ، وإما أن تكون مؤقَّتة ببدء الوجوب وليس لها وقت إلا بالوفاة ، كمثل الحجِّ والزكاة ؛ فما كان من النوع الأول كالصلاة التي لها وقت معيَّن محدود الأول والآخر ، والصيام الذي له شهر معدود ، ثم تعمَّدَ هذا الإنسان العاصي ترك الصلاة وترك الصيام ؛ فهذا توبته أن يندمَ على ما وقع منه من تضييع الصلوات والصيام في شهر رمضان ، وأن يعزم على أن لا يعود إلى مثل هذه المعصية ، وأن يُتبِعَ ذلك بالأعمال الصالحة بصورة عامَّة وبالإكثار من التطوُّع من الصلوات والصيام بصورة خاصَّة ليعوِّضَ بذلك أو بهذا التطوُّع ما كان فاتَه من الثواب بسبب إضاعته لِمَا فَرَضَ الله عليه ؛ منها الصلاة والصيام .
أما قضاء الصلاة التي أخرَجَها عن وقتها وكذلك الصيام ؛ فهذا لا سبيل له إليه مطلقًا إلا إن تصوَّرنا أمرًا مستحيلًا ؛ إذا تمكَّنَ هذا التائب أن يُعيد اليوم الذي أضاعَ فيه الصلاة أو الصلوات ؛ فَلْيُعِدْه وليصلِّ فيه ... أو له مخرج وكفارة في تدارك ما فاته من الصلاة ؛ بشرط أن يصلوها في الوقت الذي حدَّده الشارع الحكيم لهم ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( مَن نَسِيَ صلاة أو نام عنها فليصلِّها حين يذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك ) . وقرأ - عليه الصلاة والسلام - في بعض روايات الحديث وهو في " الصحيحين " : (( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي )) ، فقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( مَن نَسِيَ صلاةً أو نام عنها فليصلِّها حين يذكرها ) ، حين يذكرها أي : وقت يذكرها ، فوقت التذكُّر هو وقت هذه الصلاة المنسية ، أو التي نامَ عنها صاحبها ، ومعنى ذلك أنَّ - مثلًا - مَن استيقظ بعد طلوع الشمس بساعة مثلًا ، فلا يقل : هَيْ هي الصلاة خرج وقتها ، فأنا سأصليها بعدما أروح على الوظيفة وأرجع لبيتي بعد الساعة الثانية ، ليس له سبيل إلى هذا إطلاقًا ؛ لأن الرسول - عليه السلام - يقول : ( فَلْيُصلِّها حين يذكرها ) .
فأنت استيقظتَ بعد طلوع الشمس بساعة ، فهذا هو وقت هذه الصلاة التي نسيتَها ، أو تذكَّرت الصلاة التي نسيتها ، مثلًا صلاة الظهر تذكَّرتها بعد صلاة العصر ، بل أقول : عند غروب الشمس ، فتقول : هَيْ هي الصلاة فاتت عن وقتها أصليها بغير الوقت ؛ لا سيما الآن وقت كراهة ، فالحديث يقول لك : ( لا كفَّارة لها إلا ذلك ) ؛ إلا أن تصلِّيَها في وقت التذكُّر ، فالناسي للصلاة والنائم عنها مع أنه معذور قد حدَّد له الشارع الحكيم وقتًا للإتيان بهذه الصلاة محدَّدًا وضيِّقًا جدًّا هو وقت التذكُّر ، بينما نحن نعرف جميعًا أن الأوقات الخمسة المعروفة فيها وقت فيها فسحة ، فصلاة العصر - مثلًا - ما عاد فيها ساعتين ، فأنت تتذكَّر هذه الصلاة في هاتين الساعتين ، ثم لا تجد في نفسك إيمانًا يدفعك إلى أن تُبادر إلى الإتيان بهذه الصلاة في وقت التذكُّر ، فلا تصلي إلى أن تغرب الشمس ، ثم لا تصلي - أيضًا - وتقول : سأصلي سأصلي ... بكِّير علينا و " حوينتنا " ولساعتنا شباب وما شابه ذلك من وساوس الشيطان ، فإذا كان المعذور الذي فاتت الصلاة عليه بعذر النسيان والنوم قال له : ( فَلْيصلِّها حين يذكرها ) ، فالذي يتذكَّر صلاة الظهر بعد العصر يتذكَّرها في وقتها ، ثم لا يصلِّيها في الوقت الطويل ويريد أن يمشِّيها في وقت غيرها ؛ فهذا من باب أولى لا كفَّارة لها ؛ لأنه ما صلَّاها في وقت التذكُّر .
وخلاصة القول : أن العبادات التي شَرَعَها ربُّنا - عز وجل - في أوقات محدودة الطرف الأول والآخر ؛ فالقول والأمر بقضائها في غير وقتها تشريع من جهة شرعًا ما أنزَلَ الله به من سلطان ، ومن جهة أخرى هو إلغاء للتوقيت الذي شَرَعَه الله - عز وجل - في هذه الصلاة ؛ يعني الذي لا يخرج الزكاة في سنة الوجوب ؛ يخرجها بعد سنتين أو ثلاثة ؛ يختلف تمامًا عن الذي لا يصلي الصلاة في وقتها ؛ لأن الله - عز وجل - ما حدَّدَ لإخراج الزكاة وقتًا معيَّنًا ، وإنما أوجب عليك الزكاة بوجوب النصاب وحولان الحول ونحو ذلك ممَّا هو معروف ، بخلاف الصلاة ؛ فقد قال : (( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا )) ؛ فلا يجوز التَّسوية بين ما قيَّد الشارع وما أطلق ، فنحن ضربنا مثلًا آنفًا الزكاة السنوية يجب أن يخرجها ويُبادر إلى إخراجها ، فإن لم يفعل فكلُّ وقت فيما بعد هو مجال ووقت لإخراجها ؛ لأن الشارع الحكيم ما قال ما ينتهي وقتها بانتهاء السنة مثلًا ، بخلاف - وهذا المثال يوضِّح لكم الأمر - بخلاف صدقة الفطر ؛ فقد جاء في " سنن أبي داود " بإسناد صحيح عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال : " فَرَضَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صدقة الفطر طهرةً للصائم وطعمةً للمساكين ، فمَن أدَّاها قبل صلاة العيد فهي صدقة مقبولة ، ومَن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " . فهذا يوضِّح لكم أوضح بيان أنَّ العبادة التي وقَّتَ لها الشارع وقتًا محدودًا آخره فإذا لم يؤدِّ هذه العبادة في نفس الوقت خرجَتْ عن كونها هي تلك العبادة ، ففَرَضَ الرسول - عليه السلام - صدقة الفطر أن يخرجها المخرِج لها قبل الصلاة ، فإذا فعل فهي صدقة مقبولة ؛ يعني فريضة كما شَرَعَها الله ، وإن لم يفعل فهي صدقة من الصدقات .
كذلك الذي لا يصلي الصلاة في وقتها فلم يصلِّها إذا صلَّاها بعد وقتها ؛ لأنها مشروطٌ لها بشرط الوقت ، ألا ترون أن رجلًا لو بادر إلى الإتيان بالصلاة المفروضة قبل وقتها أنها لا تُقبل منه مع أن هناك فرقًا كبيرًا بينه وبين الذي يتعمَّد إخراج الصلاة عن وقتها ؟ فهذا يبادر إلى الإتيان بالصلاة قبل وقتها خشيةَ أن يُشغل عنها ، خشية أن يموت عنها إلى آخره ، يعني نيَّته طيبة ، ومع ذلك فلا أحد يقول بصحة هذا العمل ، وليس هناك جواب إلا أنه أدَّى العبادة في غير وقتها ، ولا فرق في أداء العبادة في وقتها إن كان هذا الوقت قبل الوقت ، أو كان بعد الوقت ؛ ولذلك فنحن لا نقول لِمَن ابتُلي بترك الصلاة يومًا ما اقضِ ما عليك من الصلوات ؛ لأنه لا مجال إطلاقًا شرعًا لقضاء هذه الصلاة ؛ لأنها كانت موقوتة ، وقد أضاعَها في وقتها ، وإنما نقول له : قد فاتك ما فاتك من الخير الكثير بسبب إخراجك لهذه الصلوات عن أوقاتها ، فأكثِرْ من النوافل ، وقد جاء في ذلك حديث صحيح ؛ حيث قال - عليه الصلاة والسلام - : ( أول ما يُحاسب العبد يوم القيامة الصلاة ، فإذا تمَّت فقد أفلح وأنجح ، وإذا نقصت فقد خاب وخسر ) ، وفي الحديث الآخر : ( وإن نقصت قال الله - تعالى - : انظروا يا ملائكتي ، انظروا ، هل لعبدي من تطوَّع فتتمُّوا له به فريضته ؟! ) . فهذا التطوُّع هو الذي ينبغي أن يُشغِلَ مَن كان تاركًا مضيِّعًا للصلاة برهةً من حياته ،فيُشغل نفسه بعد توبته بالإكثار من النوافل حتى يسدِّدَ بها ما فاتَه من الخير بسبب إضاعته للصلوات المفروضة .
كذلك يُقال تمامًا بالنسبة للصيام صيام رمضان ، فمن فاته شهر رمضان بدون عذر شرعي وليس هو إلا المرض والسفر ؛ فهذا لا مجال لقضاء هذا الصيام ، فعليه التوبة النصوح كما ذكرنا والإكثار من الطاعات بصورة عامَّة ، ومن صيام التطوُّع بصورة خاصَّة حتى يعوِّضَ ما فاته من الخير ، ولو كان لنا ، لو كان يجوز لنا أن نحتجَّ بما لم يصح إسناده من الحديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لَقلنا لكم كما تسمعون في المساجد وفي المنابر أن الرسول - عليه السلام - قال : ( مَن أفطر يومًا من رمضان بغير عذرٍ لم يقضِه صوم الدهر وإن صامه ) ، لكن هذا حديث ضعيف ، وإن كان المعنى واضح من كلامنا السابق ؛ لأن صيام رمضان هو الذي فَرَضَه الله - تبارك وتعالى - على عباده المؤمنين ، فإذا صام رمضان في شوال فهو لم يصُمْ شهر رمضان ، وإنما صام شوَّال ، تمامًا كالذي يحجُّ ، وعلى التعبير الشامي : " والناس راجعة ! " ، الناس بفطرهم يعرفون أن مَن يحج والناس راجعة لا حج له ، والسبب لأن الله - عز وجل - جعل للحجِّ مواقيت : (( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ )) ، فإذا فرض الحج في غير أشهر الحج لم يكن حاجًّا ، وهكذا تمامًا في الصلاة والصيام لولا غلبة بعض الأفكار ونَتَجَ منها عادات أنُّو اللي يترك الصلاة بيقضي ، أما اللي يفوته الحج في عرفات - مثلًا - ما يجي يوقِّف ثاني يوم أو ثالث يوم يقول : أنا وقفت في عرفات ؛ لأنُّو يعرف أنُّو الوقوف بعرفات له وقت ، وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة ، وهكذا سائر المناسك .
فخلاصة القول : إذا كانت العبادات التي ضيَّعَها فخالف ربَّه - عز وجل - فيها من نوع حقِّ الله - عز وجل - فالله - عز وجل - غفور رحيم يتوب على مَن تاب من عباده المؤمنين ، ويغفر ذنبه ، ويأمره كما قال : "" إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا ثم اهتدى "" ، أما إن كانت من حقوق العباد فعليه أن يعيدَها إلى أصحابها ما دام متمكِّنًا من ذلك ، فإذا فعل وتاب كانت توبته نصوحًا ، أما أن يتوبَ وقد أكل أموال الناس نهبًا وسرقة ونحو ذلك ، وهو باستطاعته أن يؤدِّيها ثم لم يفعل ؛ فتوبته ليست توبة نصوحًا ، وهي لا تُقبل عند الله - تبارك وتعالى - .
تفضل .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 213
- توقيت الفهرسة : 00:41:55
- نسخة مدققة إملائيًّا