شرح حديث : ( إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد في سبيل الله ؛ سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزِعُه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، وبيان فوائده ، وبيان أن بيع العينة تحايل لأكل الربا .
A-
A=
A+
الشيخ : ... كما شرح الرسول - عليه السلام - ذلك في الحديث المعروف في " سنن أبي داود " و " مسند الإمام أحمد " وغيرهما قال بإسناده عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد في سبيل الله ؛ سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزِعُه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، فإلقاء التهلكة بأيدينا هو هذا الانكباب على الدنيا ، وترك الجهاد في سبيل الله - عز وجل - ، وارتكاب ما حرَّمَ الله - عز وجل - بأدنى الحيل ؛ إذا المسلمون فعلوا ذلك ( سلَّط الله عليهم ذلًّا ) ، وها هو الذُّلُّ بجانبكم ، ( لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) .
ففي هذا الحديث إشارة إلى أمرين هامين جدًّا في فهم ، الأمر الأول : أنَّ من أسباب انحراف المسلمين هو ، من أسباب ضعف المسلمين وذلِّهم هو انحرافهم في فهمهم لبعض أحكام شريعتهم كالعينة مثلًا ، العينة بيع من البيوع المحرَّمة ، وهي صورتها أن يذهب ذاهبٌ إلى تاجر سيارات - مثلًا - ، يشتري من التاجر سيارة بألف دينار نسيئةً إلى سنة مثلًا ، وهو في الحقيقة لا يريد الشراء ، وليس له حاجة في السيارة ، وإنما حاجته في الدنانير ، فبعدَ أن يُجرِيَ هذه المعاملة الصورية ويشتري منه السيارة بمئة دينار إلى سنة يعود هذا الشاري إلى البائع ، فيبيعه السيارة بأقل من السعر السابق نقدًا ، فيبيعها إياه - مثلًا - بثمان مئة نقدًا ، فيستلم الثمان مئة دينار والسيارة لا تتحرَّك من أرضها إطلاقًا ، فيُسَجَّل عليه ألف دينار ؛ على أن يُسلِّمها بعد سنة ، هكذا كان الاتفاق بالنسبة للسيارة ، فلما عاد فباع السيارة بالنقد واستلم الثمن كما فيها ؛ معنى ذلك صورة في سبيل استحلال ما حرَّم الله من الربا ؛ فبدل ما يقول له : أعطني ألف دينار ، أعطني ثمان مئة دينار حتى أوفيك إياه ألف دينار بعد سنة ، لا ، هَيْ معاملة ربوية مكشوفة ، والجماعة هدول متديِّنين ومسلمين ما بيرتكبوا هذا الحرام المكشوف ، لكن الشيطان زيَّنَ لهم هذا الحرام بواسطة ؛ كما يقول البعض : حيلة شرعية ، فبيدخِّل السيارة وسيط لاستحلال ما حرَّم الله - عز وجل - من الربا ، هذا صورة بيع العينة ، والعينة مشتقٌّ من العَين ؛ يعني عين الشيء يُباع ويُشرى بمكان واحد بثمنَين مختلفَين ، ثمن النقد أقل من ثمن النَّسيئة .
يقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إذا تبايَعْتُم بالعينة ) ؛ أي : استحلَلْتُم هذا البيع وهو محرَّم ؛ لأن فيه استحلال ما حرَّم الله بأدنى الحيل ، وقد جاء في بعض الأحاديث التي يُجوِّد إسنادها الحافظ ابن كثير : ( لا ترتكبوا المحرَّمات بأدنى الحيل كاليهود ) ، فهذا من حيل اليهود الذين ذَكَرَ الله - عز وجل - لنا قصَّتهم في السبت وما هي بخافية على أحد ، ومن ذلك ما قد لا يعلمه الكثير وهو قول الرسول - عليه الصلاة والسلام - : ( لَعَنَ الله اليهود حُرِّمت عليهم الشحوم فجَمَلُوها ، ثم باعوها ، وأكلوا أثمانها ، وإن الله إذا حرَّمَ أكل شيء حرَّم ثمنَه ) .
معنى الحديث أن الله - عز وجل - يُخبر الرسول - عليه السلام - أو يدعو عليهم : ( لَعَنَ الله اليهود ) ؛ لماذا ؟ ( حُرِّمت عليهم الشحوم ) ؛ شحوم الذبائح التي يذبحونها ، وهي لهم حلال ، ولكن الأمر كما قال ربُّنا - تبارك وتعالى - في حقِّهم : (( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ )) ، من هذه الطَّيِّبات التي كانت حلالًا ثم حُرِّمت عليهم شحوم الدابة يذبحونها ، فهي لهم حلال ، إلا ما فيها من شحم ، بظلمهم حُرِّم هذا عليهم ، فلم يصبر اليهود على هذا التحريم ، فاحتالوا عليه ، ففعلوا ماذا ؟ أخذوا هذه الشحوم ، ووضعوها في القدور ، وأوقدوا النار من تحتها ، فسالت وذابت ، وأخذت شكلًا آخر ... مستوي بعد ذوبان ، فبظنِّهم وزعمهم أن هذه الصورة غيَّرت من حكم الشرع في هذا الدُّهن في هذا الشحم ، فكان حرامًا من قبلُ فصار بزعمهم حلالًا من بعدُ ، فلُعِنوا بسبب هذا واحتيالهم في السبت ، وغير ذلك من الصور التي كانوا يرتكبونها لاستحلال ما حرَّم الله عليهم .
وقد أخبر الرسول - عليه الصلاة والسلام - بأن هذه الأمة ستحذو حذوَ اليهود والنصارى حذوَ القذَّة بالقذَّة كما قال : ( لتتبعنَّ سننَ مَن قبلكم شبرًا بشبر ، وذراعًا بذراع ؛ حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لَدخلتُمُوه ) ، وفي حديث آخر في " سنن الترمذي " وغيره : ( حتى لو كان فيهم مَن يأتي أمَّه على قارعة الطريق لَكان فيكم مَن يفعل ذلك ) ، ( حتى لو كان فيهم مَن يأتي أمَّه ) ؛ يُجامع أمه ( على قارعة الطريق لَكان فيكم مَن يفعل ذلك ) ، ولقد صدق رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فهؤلاء المسلمون هم يرتكبون الحِيل كما فعل اليهود تمامًا ، يستحلُّون الربا بأسماء يسمُّونها ما أنزل الله بها من سلطان ؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام - في مسألة أخرى : ( سيكون في أمَّتي أقوام يشربون الخمر يسمُّونها بغير اسمها ) .
فأولئك غيَّروا شكل الشحم فاستحلُّوه ، وهؤلاء - أيضًا - يغيِّرون صورة المعاملة الربوية إلى معاملة ظاهرة بيع وشراء ، يريدون من وراء ذلك استحلال ما حرَّم الله ، من ذلك بيع العينة ، فيقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إذا تبايَعْتُم بالعينة ) ؛ أي : إذا انحَرَفْتُم في فهمكم لبعض الأحكام الشرعية بارتكابكم الحيل التي ارتكبَتْها اليهود ، فاستحلَلْتُم ما حرَّم الله بأدنى الحيل كاستحلال العينة ، ( وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ) ؛ أي : تكالبتم على الدنيا وانشغلتم بها عن القيام بما تعلمونه واجبًا ؛ ألا وهو الجهاد في سبيل الله ، فإنما جزاؤكم حين ذاك أن يُسلِّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم .
وكلُّ المسلمين اليوم يَشْكُونَ ولا شك هذا الذُّلَّ والهوان الذي أصابَهم في عقر دارهم باحتلاله من أذلِّ الناس سابقًا ، كل المسلمين يَشْكُونَ هذا ، ولكن هؤلاء المسلمون - مع الأسف الشديد - لا يزالون يختلفون ويضطربون أشدَّ الاضطراب في الطريق الذي يجب عليهم أن يسلكوه ليرفعوا هذا الذُّلَّ الذي نزل في عقر دارهم : (( وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ )) .
فرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث كما أعتقد يضع لنا الخطَّة لمعالجة هذا الأمر النازل بنا من الذُّلِّ ، فهو يقول لنا : ( لا يرفَعُه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، وإذا عرفنا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ضرب في الطرف الأول من الحديث مثلًا لبعض الأنواع من المعاملات .
... كلٌّ منهما سبب في أن يُذَلَّ المسلمون ، ثم كلٌّ من المثالين ليس قد ذُكِر في الحديث على سبيل التحديد ، وإنما ذكر الرسول - عليه السلام - كلًّا منهما على سبيل التمثيل ، فبَيع العينة ضرب به مثلًا لأنواع من الحيل التي يرتكبها المسلمون ، وينطبق عليهم مثل قوله - تبارك وتعالى - : (( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )) ، فهذا الذي يستحلُّ بيع العينة يتعامل بالربا وهو يظنُّ أن لا شيء عليه ، يقبض ثمان مئة ويدفع ألف ، وهذا حلال بطريق السيارة ، وسيط السيارة !
هذا ذكَرَه الرسول - عليه السلام - على سبيل التمثيل لأنواع الحيل لا على سبيل التحديد ، كذلك ذكر الأخذ بأذناب البقر ، والضَّرب في الأرض ، والالتهاء بذلك عن الجهاد في سبيل الله لأمثلة أخرى من الأحكام التي لا يزال المسلمون - الحمد لله - على علمٍ بها ، ولم ينحرفوا في فهمها كما وقعوا في بيع العينة ونحو ذلك ، ولكن هذا الذي لم ينحرفوا فيه فهمًا كما هو شأنهم في بيع العينة انحرفوا فيه عملًا ، فهم يعلمون أن الجهاد الواجب ، ويعلمون أن الانكباب على الدنيا بحيث أنه يضيِّع الواجبات الأخرى التي فَرَضَها الله على الأمة ؛ يعلمون أنه هذا لا يجوز ، ومع ذلك فهم يُعرضون عمَّا يعلمون ، فالرسول - عليه السلام - ذكر بيع العينة مثالًا لأمثلة عديدة من الانحراف عن فهم الشريعة بطريق الحيلة ، وذكر الانشغال بالزرع والضَّرع كمثال للأمثلة الأخرى التي يعرِفُها المسلمون ثم يخالفونها .
ففي هذا الحديث إشارة إلى أمرين هامين جدًّا في فهم ، الأمر الأول : أنَّ من أسباب انحراف المسلمين هو ، من أسباب ضعف المسلمين وذلِّهم هو انحرافهم في فهمهم لبعض أحكام شريعتهم كالعينة مثلًا ، العينة بيع من البيوع المحرَّمة ، وهي صورتها أن يذهب ذاهبٌ إلى تاجر سيارات - مثلًا - ، يشتري من التاجر سيارة بألف دينار نسيئةً إلى سنة مثلًا ، وهو في الحقيقة لا يريد الشراء ، وليس له حاجة في السيارة ، وإنما حاجته في الدنانير ، فبعدَ أن يُجرِيَ هذه المعاملة الصورية ويشتري منه السيارة بمئة دينار إلى سنة يعود هذا الشاري إلى البائع ، فيبيعه السيارة بأقل من السعر السابق نقدًا ، فيبيعها إياه - مثلًا - بثمان مئة نقدًا ، فيستلم الثمان مئة دينار والسيارة لا تتحرَّك من أرضها إطلاقًا ، فيُسَجَّل عليه ألف دينار ؛ على أن يُسلِّمها بعد سنة ، هكذا كان الاتفاق بالنسبة للسيارة ، فلما عاد فباع السيارة بالنقد واستلم الثمن كما فيها ؛ معنى ذلك صورة في سبيل استحلال ما حرَّم الله من الربا ؛ فبدل ما يقول له : أعطني ألف دينار ، أعطني ثمان مئة دينار حتى أوفيك إياه ألف دينار بعد سنة ، لا ، هَيْ معاملة ربوية مكشوفة ، والجماعة هدول متديِّنين ومسلمين ما بيرتكبوا هذا الحرام المكشوف ، لكن الشيطان زيَّنَ لهم هذا الحرام بواسطة ؛ كما يقول البعض : حيلة شرعية ، فبيدخِّل السيارة وسيط لاستحلال ما حرَّم الله - عز وجل - من الربا ، هذا صورة بيع العينة ، والعينة مشتقٌّ من العَين ؛ يعني عين الشيء يُباع ويُشرى بمكان واحد بثمنَين مختلفَين ، ثمن النقد أقل من ثمن النَّسيئة .
يقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إذا تبايَعْتُم بالعينة ) ؛ أي : استحلَلْتُم هذا البيع وهو محرَّم ؛ لأن فيه استحلال ما حرَّم الله بأدنى الحيل ، وقد جاء في بعض الأحاديث التي يُجوِّد إسنادها الحافظ ابن كثير : ( لا ترتكبوا المحرَّمات بأدنى الحيل كاليهود ) ، فهذا من حيل اليهود الذين ذَكَرَ الله - عز وجل - لنا قصَّتهم في السبت وما هي بخافية على أحد ، ومن ذلك ما قد لا يعلمه الكثير وهو قول الرسول - عليه الصلاة والسلام - : ( لَعَنَ الله اليهود حُرِّمت عليهم الشحوم فجَمَلُوها ، ثم باعوها ، وأكلوا أثمانها ، وإن الله إذا حرَّمَ أكل شيء حرَّم ثمنَه ) .
معنى الحديث أن الله - عز وجل - يُخبر الرسول - عليه السلام - أو يدعو عليهم : ( لَعَنَ الله اليهود ) ؛ لماذا ؟ ( حُرِّمت عليهم الشحوم ) ؛ شحوم الذبائح التي يذبحونها ، وهي لهم حلال ، ولكن الأمر كما قال ربُّنا - تبارك وتعالى - في حقِّهم : (( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ )) ، من هذه الطَّيِّبات التي كانت حلالًا ثم حُرِّمت عليهم شحوم الدابة يذبحونها ، فهي لهم حلال ، إلا ما فيها من شحم ، بظلمهم حُرِّم هذا عليهم ، فلم يصبر اليهود على هذا التحريم ، فاحتالوا عليه ، ففعلوا ماذا ؟ أخذوا هذه الشحوم ، ووضعوها في القدور ، وأوقدوا النار من تحتها ، فسالت وذابت ، وأخذت شكلًا آخر ... مستوي بعد ذوبان ، فبظنِّهم وزعمهم أن هذه الصورة غيَّرت من حكم الشرع في هذا الدُّهن في هذا الشحم ، فكان حرامًا من قبلُ فصار بزعمهم حلالًا من بعدُ ، فلُعِنوا بسبب هذا واحتيالهم في السبت ، وغير ذلك من الصور التي كانوا يرتكبونها لاستحلال ما حرَّم الله عليهم .
وقد أخبر الرسول - عليه الصلاة والسلام - بأن هذه الأمة ستحذو حذوَ اليهود والنصارى حذوَ القذَّة بالقذَّة كما قال : ( لتتبعنَّ سننَ مَن قبلكم شبرًا بشبر ، وذراعًا بذراع ؛ حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لَدخلتُمُوه ) ، وفي حديث آخر في " سنن الترمذي " وغيره : ( حتى لو كان فيهم مَن يأتي أمَّه على قارعة الطريق لَكان فيكم مَن يفعل ذلك ) ، ( حتى لو كان فيهم مَن يأتي أمَّه ) ؛ يُجامع أمه ( على قارعة الطريق لَكان فيكم مَن يفعل ذلك ) ، ولقد صدق رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فهؤلاء المسلمون هم يرتكبون الحِيل كما فعل اليهود تمامًا ، يستحلُّون الربا بأسماء يسمُّونها ما أنزل الله بها من سلطان ؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام - في مسألة أخرى : ( سيكون في أمَّتي أقوام يشربون الخمر يسمُّونها بغير اسمها ) .
فأولئك غيَّروا شكل الشحم فاستحلُّوه ، وهؤلاء - أيضًا - يغيِّرون صورة المعاملة الربوية إلى معاملة ظاهرة بيع وشراء ، يريدون من وراء ذلك استحلال ما حرَّم الله ، من ذلك بيع العينة ، فيقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إذا تبايَعْتُم بالعينة ) ؛ أي : إذا انحَرَفْتُم في فهمكم لبعض الأحكام الشرعية بارتكابكم الحيل التي ارتكبَتْها اليهود ، فاستحلَلْتُم ما حرَّم الله بأدنى الحيل كاستحلال العينة ، ( وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ) ؛ أي : تكالبتم على الدنيا وانشغلتم بها عن القيام بما تعلمونه واجبًا ؛ ألا وهو الجهاد في سبيل الله ، فإنما جزاؤكم حين ذاك أن يُسلِّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم .
وكلُّ المسلمين اليوم يَشْكُونَ ولا شك هذا الذُّلَّ والهوان الذي أصابَهم في عقر دارهم باحتلاله من أذلِّ الناس سابقًا ، كل المسلمين يَشْكُونَ هذا ، ولكن هؤلاء المسلمون - مع الأسف الشديد - لا يزالون يختلفون ويضطربون أشدَّ الاضطراب في الطريق الذي يجب عليهم أن يسلكوه ليرفعوا هذا الذُّلَّ الذي نزل في عقر دارهم : (( وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ )) .
فرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث كما أعتقد يضع لنا الخطَّة لمعالجة هذا الأمر النازل بنا من الذُّلِّ ، فهو يقول لنا : ( لا يرفَعُه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، وإذا عرفنا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ضرب في الطرف الأول من الحديث مثلًا لبعض الأنواع من المعاملات .
... كلٌّ منهما سبب في أن يُذَلَّ المسلمون ، ثم كلٌّ من المثالين ليس قد ذُكِر في الحديث على سبيل التحديد ، وإنما ذكر الرسول - عليه السلام - كلًّا منهما على سبيل التمثيل ، فبَيع العينة ضرب به مثلًا لأنواع من الحيل التي يرتكبها المسلمون ، وينطبق عليهم مثل قوله - تبارك وتعالى - : (( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )) ، فهذا الذي يستحلُّ بيع العينة يتعامل بالربا وهو يظنُّ أن لا شيء عليه ، يقبض ثمان مئة ويدفع ألف ، وهذا حلال بطريق السيارة ، وسيط السيارة !
هذا ذكَرَه الرسول - عليه السلام - على سبيل التمثيل لأنواع الحيل لا على سبيل التحديد ، كذلك ذكر الأخذ بأذناب البقر ، والضَّرب في الأرض ، والالتهاء بذلك عن الجهاد في سبيل الله لأمثلة أخرى من الأحكام التي لا يزال المسلمون - الحمد لله - على علمٍ بها ، ولم ينحرفوا في فهمها كما وقعوا في بيع العينة ونحو ذلك ، ولكن هذا الذي لم ينحرفوا فيه فهمًا كما هو شأنهم في بيع العينة انحرفوا فيه عملًا ، فهم يعلمون أن الجهاد الواجب ، ويعلمون أن الانكباب على الدنيا بحيث أنه يضيِّع الواجبات الأخرى التي فَرَضَها الله على الأمة ؛ يعلمون أنه هذا لا يجوز ، ومع ذلك فهم يُعرضون عمَّا يعلمون ، فالرسول - عليه السلام - ذكر بيع العينة مثالًا لأمثلة عديدة من الانحراف عن فهم الشريعة بطريق الحيلة ، وذكر الانشغال بالزرع والضَّرع كمثال للأمثلة الأخرى التي يعرِفُها المسلمون ثم يخالفونها .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 247
- توقيت الفهرسة : 00:33:56
- نسخة مدققة إملائيًّا