الكلام عن نِعَم الله الكثيرة ، وسوق حديث : ( يصبح على كلِّ سُلامى من أحدكم في كلِّ يوم صدقة ) في ذلك ، وبيان أن هذه النِّعم قد تُستعمل في الخير وفي الشَّرِّ . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الكلام عن نِعَم الله الكثيرة ، وسوق حديث : ( يصبح على كلِّ سُلامى من أحدكم في كلِّ يوم صدقة ) في ذلك ، وبيان أن هذه النِّعم قد تُستعمل في الخير وفي الشَّرِّ .
A-
A=
A+
الشيخ : نحن نعلم - مثلًا - أن الله - عز وجل - أنعَمَ على الإنسان بنِعَم كإنسان في ذاته فضلًا عمَّا متَّعَه من نعيم الدنيا ؛ كإنسان أنعَمَ الله عليه بنعم كثيرة وكثيرة جدًّا ؛ حتى قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : ( في الإنسان ثلاث مئة وستون سُلامى ) ؛ سُلامى المفصل ، ( في الإنسان ثلاث مئة وستون سُلامى ، وعلى كل سُلامى في كل يوم صدقة ) ، أي : على كلِّ إنسان في كلِّ يوم ثلاث مئة وستين صدقة ؛ لماذا ؟ شكرًا لله - عز وجل - على أنه لم يخلُقْه خشبة ، لو كان كذلك لما استطاع أن يأكل ولا يشرب ولا يمشي ولا أي شيء ، لو يبست يد الإنسان أو أصابها فالج فيضطرُّ إلى أن يطعِمَه ولد صغير ، فربنا - عز وجل - حينما خَلَقَ هذا الإنسان وأحاطَه بهذه النِّعَم في شخصه يقول الرسول - عليه السلام - فشكرًا لله على كل إنسان في كل يوم ثلاث مئة وستين صدقة . قالوا : يا رسول الله ، ومن منَّا يستطيع أن يتصدَّق في كل يوم بثلاث مئة وستين صدقة ، فهوَّنَ عليهم الأمر - عليه الصلاة والسلام - ، وبيَّنَ لهم أن الصدقات الشرعية ليست محصورة في الدراهم المعدنية ، وإنما كما قال - عليه السلام - في تمام الحديث : ( أمرُك بالمعروف صدقة ، ونهيُك عن المنكر صدقة ، وإصلاحُك بين اثنين صدقة ، وحَملُك المتاع على ظهر دابَّة أخيك صدقة ، وفي كلِّ تسبيحة صدقة ، وفي كلِّ تحميدة صدقة ، وفي كلِّ تكبيرة صدقة ) . قال في الأخير وعدَّدَ كثيرًا من خصال الخير ، ثم قال - عليه الصلاة والسلام - ( ويجمع لك ذلك كلَّه ركعتا الضحى ) ، يجمع الصدقات كلها هاللي تساوي ثلاث مئة وستين صدقة أن يصلي المسلم لله - عز وجل - في ضحوة النهار ركعتين هما صلاة الضحى على أقل الركعات .

أريد أن أقول : إن الرسول - عليه السلام - حدَّثَنا هنا بشيء لا يعرفه الإنسان عادةً ، بل هذا الطب الذي بلغ منزلة من العلم إلى اليوم لا يعلم هذه الحقيقة التي حدَّثنا بها الرسول - عليه السلام - ؛ وهي أنُّو كل إنسان فيه ثلاث مئة وستين مفصل ، الطب إلى اليوم يجهل هذه الحقيقة ، فتحدَّثَ الرسول - عليه السلام - عن بعض النِّعَم التي أودَعَها الله في بدن الإنسان ، أما النِّعَم الظاهرة البصر والسمع ونحو ذلك من النِّعَم ؛ فهذه لا يتحدَّث بها الرسول - عليه السلام - لأنها ظاهرة ، لكن نحن نعلم أن هذه النِّعَم يمكن استعمالها في الخير ويمكن استعمالها في الشَّرِّ ، فأنت تنظر وتتبسَّم في وجه أخيك فيُكتب لك صدقة ، لكن تنظر إلى المرأة المحرَّمة وتتبسَّم في وجهها فيُكتب عليك إثم ، وكما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : ( كُتِبَ على بن آدم حظُّه من الزنا ؛ فهو مدركه لا محالة ، فالعين تزني وزناها النظر ، والأذن تزني وزناها السَّمع ، واليد تزني وزناها البطش ) ، وفي رواية فيها ضعف سندًا : ( اللَّمس ) أي : المصافحة ، البطش هنا المقصود به المصافحة التي ابتُلِيَ به الكثير من الشباب اليوم ، ( واليد تزني وزناها البطش ، والرجل تزني وزناها المشي ، والفم يزني وزناه القُبَل ) جمع قُبلة ، قال - عليه السلام - في ختام الحديث : ( والفرج يصدِّق ذلك كله أو يكذِّبه ) .

إذًا هذه نِعَمٌ خلقَها الله في الإنسان ممكن أن يستعملها في طاعة الله ، وممكن أن يستعملها في معصية الله ، هل نقول : ما دام بعض الناس يستعملون هذه النِّعَم في معصية الله نحرِمُهم منها ؟ نقضي عليها فيهم لأنهم يستعملونها في طاعة الله ؟ ليت الأمر وقف عند هذا الأمر وهو منكر ! لكن نقول : على كلِّ الناس نضع حواجز أمام عيونهم حتى ما إيش ؟ يستعملوها في معصية الله . طيب ، ربنا متَّعنا بذلك ، ووعظنا وذكَّرنا أن هذه النِّعم لا تستعملوها في معصية الله - عز وجل - ، كذلك ذَكَرَ في القرآن الكريم : (( وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ )) ؛ خلقَ لنا وسائل ما عرَفَها آباؤنا وأجدادنا من قبل ، ولا شك أن الله - عز وجل - يمتَنُّ علينا بمثل هذا الوعد الكريم : (( وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ )) ؛ فإذا كان بعض الناس أساؤوا استعمال هذا الذي خلقَه الله - عز وجل - مِن بعد أن لم يكن معروفًا سابقًا ، فأساء بعض الناس استعماله ، أنا أقول : هذا حرام لا يجوز استعماله لعامة النساء ؛ لأنُّو بعض النساء يُسِئْنَ استعماله ؛ لا فرق في هذا حينئذٍ بين مَن يقول : لا يجوز استعمال السيارة أو ركوب السيارة من النساء لأنهنَّ يستعمِلْنَها أو بعضهنَّ يستعمِلْنَها في معصية الله ، وبين أن يُقال : لا يجوز ركوب أي دابة كانت معروفة سابقًا ؛ لأنُّو بعض النساء يستعمِلْنَ ذلك في معصية الله .

لا أظن أن هذا يكون له يعني وجاهة من الرأي ، والصواب أن يُقال : إذا ركبت المرأة المحتجبة الحجاب الشرعي ؛ فهي والرجل في ركوب السيارة سواء ؛ لا سيَّما وقد قال - عليه الصلاة والسلام - : ( إنما النساء شقائق الرجال ) .

نعم .

مواضيع متعلقة