مدى تأثير الظاهر على الباطن .
A-
A=
A+
والشيخ : كثيرا من الناس لا ينتبه ، وقد لا يعلم مطلقا تأثير الظاهر على الباطن ، قد لا يعلم أن الأمور الظاهرة لها أكبر تأثير في القلوب الباطنة المكنونة في الصدور ، سواء كانت هذه الأمور الظاهرة ، حسنة خيرة ، أو كانت باطلة سيئة فكل من النوعين ، يؤثر في القلب إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وهذه حقيقة شرعية قبل أن تصبح حقيقة علمية نفسية ، ذلك لأن الإسلام سبق كل العلوم التي قد تصل مع الزمن القصير أو المديد ، إلى حقائق كان الناس عنها غافلين فسبقهم الإسلام إلى هذه الحقائق قبلهم بسنين وبكثير من الأيام ، قلت إن تأثير الظاهر على الباطن هذه حقيقة علمية شرعية ، قبل أن تصبح حقيقة علمية تجربية ، فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم أشد الحرص على غرس ، هذه الحقيقة في قلوب اتباعه ، بمناسبات شتى ، فقد كان عليه السلام يقول ، كما قد تسمعون أحيانا قليلة هذا التوجيه النبوي الكريم من بعض أئمة المساجد المهتمين باتباع سنة يد المرسلين تسمعون من هذا البعض حينما يقومون إلى الصلاة لا يباشر الصلاة فور انتهاء المقيم من الإقامة فيقول الله أكبر ، كما يفعل الجهلة ، وكما يفعل أولئك الأئمة ، الذي لا يهتمون بإحياء السنة ، ونشرها بين الأمة ، إنما يفعل هذا الذي ألمحنا إليه آنفا بعض الحريصين على اتباع السنة ، حيث حينما يقف في المقام الذي يصلي فيه ، ولا أقول في المحراب لأنني لو قلت إذا قام في المحراب أقررت المحراب وهو بدعة في المساجد ، لم تكن في مسجد الرسول عليه السلام ، ولا في المساجد التي كانت في زمنه عليه الصلاة والسلام ، فإذا قام الإمام في مقام الإمام ، لا يباشر الصلاة وتكبيرة الإحرام وإنما يلتفت يمنة ويسرة ويأمرهم بتسوية الصفوف ، ويقول لهم ما كان الرسول عليه السلام يقول لأصحابه: ( سووا صفوفكم ) ، أو وهنا الشاهد ( ليخالفن الله بين وجوهكم ) ، و في رواية ( بين قلوبكم ) ، الشاهد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قد ربط تسوية الصف وهي التسوية عمل ظاهري بدني لكنه قد رتب على ذلك إما اتفاق القلوب ، إذا ما تحققت التسوية أو اختلاف القلوب إذا ما اختلفت الصفوف ولم تحقق التسوية فقال عليه السلام: ( لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) ، فهنا إذن ربط بين الظاهر ، والباطن الذي هو القلوب ، وكان الربط في الحالتين حالة تسوية الصفوف أو الإخلال بهذه التسوية ، فهدد عليه الصلاة والسلام ، الذين لا يسوون الصفوف ، ويجعلونها مضطربة متقدمة أومتأخرة، بأن ذلك وسيلة شرعية للاضطراب في القلوب والاختلاف فيها ، وقد أشار إلى هذه الحقيقة بجملة نبوية هامة حين قال في الحديث المشهور وهو في الصحيحين في البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما الابن والأب صحابيان ، النعمان صحابي وأبوه بشير صحابي ، قال النعمان بن بشير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ألا وإن لكل ملك حمى ، إلا وإن حمى الله محارمه ألا ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) ، قال عليه السلام في تمام هذا الحديث وهو الشاهد: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) ، أنتم ترون معي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ربط صلاح القلب بصلاح البدن ، ويجب أن نعلم أن هذا الصلاح المذكور في الحديث هنا ، ليس صلاحا ماديا طبيا ، وإن كان الأمر كذلك طبيا ، لكنه عليه السلام هنا أراد الصلاح إذا صح تعبيرنا بالصلاح الروحي المعنوي الإيماني ( ألا وإن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ) ، أي صلحت أعمال الجسد الصادرة منه كلها ، وإذا فسدت هذه المضغة ، فسدت أعمال الجسد كله ، ما هي ؟ قال عليه السلام: ( ألا وهي القلب ) إذن هذا يؤكد بأن الظواهر مرتبطة بالبواطن فمهما كان القلب صالحا ، كان ما يخرج من جسد هذا القلب الصالح ، صالحا والعكس بالعكس تماما ( ألا وإن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) ، لذلك والبحث في هذا طويل وطويل جدا ، على المسلمين أن لا يغتروا بقول بعض القائلين أنه العبرة بما في القلب ، تمويها على الناس نحن نقول معهم العبرة بما في القلب ، ولكننا نزيد عليهم فنقول لا يمكن أن يكون ما في القلب صلاح ، ثم يظهر من الجسد طلاح ، والعكس بالعكس ، لا يمكن أن يكون ما في القلب صلاح ، طلاح ، ويظهر من الجسد صلاح هذا أمر غير سليم وغير صحيح إطلاقا شأن ذلك ، شأن القلب مع الجسد من الناحية الطبية إذا كان القلب سليما ، لا يمكن أن يكون الجسد مريضا والعكس أيضا بالعكس إذا كان القلب مريضا من الناحية الطبية فلا يمكن أن يكون الجسد سليما أمر مضطرد سلبا وإيجابا ، طبا بدنيا وطبا نبويا فالذين يقولون حينما يؤمرون مثلا بأداء الصلوات أو بالمحافظة عليها ، يقول لك يا أخي الأمر مو بالصلاة الأمر بما في القلب ، نقول صدقت الأمر بما في القلب ، لكن لو كان ما في القلب إيمان صحيح وسليم لنضح هذا القلب بالصلاح والطاعة والعبادة ، وإلا فالأمر على العكس تماما ، والأمر كما قيل:
" فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بما فيه ينضح "
فإذا كان هذا الوعاء الذي وضعه الله عز وجل في الصدر بعناية وحكمة بالغة ، إذا كان صحيحا وسليما لا شك أنه سينضح ، صحيحا وسليما والعكس بالعكس ، قلت إن هذا البحث طويل الذيل ، فأكتفي بهذا القدر لتوجيه النظر إلى أن التضام في حلقات الذكر والعلم هو أمر مرغوب مشروع والابتعاد فيه بعض الجالسين عن بعض إنما هو كما سمعتم من عمل الشيطان ، اقتربوا ما استطعتم .
" فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بما فيه ينضح "
فإذا كان هذا الوعاء الذي وضعه الله عز وجل في الصدر بعناية وحكمة بالغة ، إذا كان صحيحا وسليما لا شك أنه سينضح ، صحيحا وسليما والعكس بالعكس ، قلت إن هذا البحث طويل الذيل ، فأكتفي بهذا القدر لتوجيه النظر إلى أن التضام في حلقات الذكر والعلم هو أمر مرغوب مشروع والابتعاد فيه بعض الجالسين عن بعض إنما هو كما سمعتم من عمل الشيطان ، اقتربوا ما استطعتم .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 213
- توقيت الفهرسة : 00:11:26
- نسخة مدققة إملائيًّا