نرجو بيان مسألة إنظار المعسر ومطل الغني وشرح الآية الدالة على ذلك .؟ مع بيان الشيخ المَواطن التي تجوز فيها الغيبة .
A-
A=
A+
أبو ليلى : شيخنا الفاضل نرجوا تفسيرا موسعا لقوله تعالى : (( فنظرة إلى ميسرة )) وجزاك الله خير .
الشيخ : (( فنظرة إلى ميسرة )) إذا كان لإنسان حق ودين على آخر وحل وقت الوفاء ، ولما طالبه بهذا الحق اعتذر بأنه معسور غير ميسور ؛ فإذا كان صادقا في هذا الاعتذار فعلى صاحب الحق أن يقبل عذره وأن ينتظره إلى ميسرة ، لا شك أن هذا الحكم هو من كان حقيقة في عسر ؛ أما من كان يقدم مصلحة نفسه وقضاء مصالحه الثانوية غير الجوهرية على الوفاء للدين فهذا يكون مماطلا ، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( مطل الغني ظلم ) مطل الغني ظلم وفي حديث آخر أشد رهبة من الحديث الأول ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ) ... الحديث الأول ( مطل الغني ظلم ) الحديث الثاني ( لي الواجد ) أي مماطلة الواجد في الوفاء ( يحل عرضه وعقوبته ) والمقصود من قوله يحل عرضه أي النيل منه والطعن فيه والتشهير به وهو أن يقال فلان ظلمني ، فلان يماطلني وهو ليس عاجزا عن الوفاء بل هو قادر عليه ؛ فيجوز للمظلوم المماطل أن ينال من عرض المماطل الواجد أي أن يشهر به و ليس هذا من الغيبة المحرمة في شيء وإنما قلت ليس هذا من الغيبة المحرمة لأن هناك غيبة جائزة لكن مع ذلك فهي حساسة دقيقة وليس كل إنسان يستطيع أن يفرق بين هذه الغيبة الجائزة وبين الغيبة المحرمة التي التحريم هو الأصل فيها كما هو معلوم في الحديث الصحيح ، ألا وهو قوله عليه السلام : ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قال يا رسول الله: أرأيت إن كان فيه ما قلت ؟ قال: إن كان فيه ما قلت فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته ) فهذا هو الأصل في الغيبة وهي ذكرك أخاك بما يكره ، إنها حرام كما هو صريح الحديث والآية المعروفة (( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه )) ولكن كما يقول الفقهاء في كثير من المسائل " ما من عام إلا وقد خص " فالأصل والعموم في الغيبة هو التحريم لكن لها مستثنيات من هذه المستثنيات ما ذكرناه آنفا بالنسبة للدائن الذي يماطله المدين بعد حلول الأجل مع وجود الوفاء لديه ولكنه يصرف ماله ، لا نقول فيما لا يجوز ولكن على الأقل فيما لا يحب ، بينما هذا واجب عليه أن يؤديه فلا يقوم بهذا الواجب بينما يقوم بالأمور المستحبة إن كانت مستحبة وأحسن أحوالها أن تكون جائزة ومباحة ، والدليل الذي حمل العلماء على أن يخصصوا الغيبة المحرمة بأمور أخرى تجيز الاستغابة مع أنها مكروهة عند المستغاب نصوص كثيرة من الكتاب والسنة ؛ فالآية الكريمة تقول : (( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم )) إلا من ظلم ؛ فإذن هذا المظلوم يجوز له أن يجهر بالقول السيء بالنسبة للظالم ، وهناك أحاديث كثيرة جدا استنبط منها الفقهاء ستة أجناس من الغيبة التي يصدق فيها أن المستغاب يكرهها ولكن لا يصدق فيها أنها غيبة محرمة ، فقال أحد الفقهاء الشعراء
" القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ومجاهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر "
هذه ستة أشياء القدح ، الطعن ليس بغيبة في ستة متظلم أتيناكم بالآية والحديث ( لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ) ، وقبل أن نستطرد كثيرا عن هذا الحديث الذي كنا فيه فقد يتساءل بعض الحاضرين قد فهمنا مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من قوله عرضه ، يحل عرضه ؛ فماذا يعني وعقوبته من قوله ( وعقوبته ) ؟ الجواب أن العقوبة هنا تعود إلى الحاكم إلى القاضي الشرعي ، إذا رفع المظلوم شكواه على ذلك الظالم إلى القاضي فاستدعاه وعرف منه أنه مماطل أي واجد مماطل غير معسور بل هو ميسور فهذا يعاقبه على مماطلته وتقصيره في الوفاء بحق أخيه ؛ فإذن لي الواجد يحل عرضه بالنسبة للدائن وعقوبته بالنسبة للحاكم ؛ نعود إلى الخصال الست التي استثنيت من الغيبة المحرمة ، كان أولها المتظلم وفيها هذا النص القرآني والحديث النبوي ، وهناك حديث آخر وهو من روائع أساليب الرسول عليه السلام في تربية المسلم الذي انحرف عن سواء السبيل ، فقد روى الإمام البخاري في كتابه الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكوا جارا له قائلا يا رسول الله جاري ظلمني ، قال: فاجعل متاعك في الطريق متاع دارك في الطريق ، فأخرج عفش الدار وألقاه في الطريق - ولا شك أن هذا العمل مما يلفت الأنظار - كلما مر شخص أو أشخاص طائفة من الناس ما لك يا فلان ؟جاري ظلمني قاتله الله ، لعنة الله ، كلما مر شخص أو أشخاص طائفة من الناس ما بالك ؟ جارني ظلمني يسبوه قاتله الله لعنه الله والظالم يسمع فما كان منه إلا أن انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقول له يا رسول الله: مر جاري بأن يعيد متاعه إلى داره فقد لعنني الناس ، فقال له عليه الصلاة والسلام : لقد لعنك من السماء قبل أن يلعنك أهل الأرض ) فهذا من الأحاديث التي يستدل بها العلماء على جواز استغابة الظالم ، أولا المظلوم شكاه إلى الرسول وقال جاري ظلمني ، ولا شك أن هذه غيبة بالنسبة للتعريف العام تعتبر غيبة ذكر أخاك بما يكره ؛ فهو يكره أن يقال عنه إنه ظالم لكن النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء بشرع لإصلاح ما فسد من الناس لا يدع القاعدة العامة التي وضعت لإصلاح الناس لتعود مفسدة لإفساد الناس وإنما يضع لها قيودا وحدودا وشروطا ، وهذا الوضع يكون ببيانه عليه السلام بفعله وبقوله فنجد الرسول عليه السلام في هذه الحادثة لم يكن موقفه تجاه الشاكي المظلوم يقول له كما قد يفعل بعض المتنطعين الجاهلين من الناس يقول له اسكت يا أخي هذه غيبة ؛ لأن الرسول قال : ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ) وهذا الورع البارد اليوم متمثل في كثير من المعاملات المتعلقة ببعض الناس في صور شتى مختلفة ، قد يأتي الرجل مثلا إلى شخص صديق لزيد من الناس ، الرجل يريد أن يشارك زيدا المذكور فيأتي إلى صاحبه يسأله أنا يا أخي أريد أن أشارك زيدا هذا فشو تعرف عنه ؟ أنا أريد أن أدخل على بصيرة في هذه المشاركة شو تعرف عنه ؟ هو قد يكون يعرف عنه كل شر لكن يظن مسكين لجهله بشريعة نبيه صلى الله عليه وسلم أنه إذا ذكر ما فيه فقد استغابه انطلاقا منه من الحديث الذي أسمعه في كل مناسبة وهو الحمد لله الحديث صحيح ولكن لا يشرح شرحا صحيحا فيكون الجواب أن يكتم الحقيقة وأن يصارح بخلاف ذلك فيقول يا أخي كل الناس خير وبركة ، كل الناس خير وبركة فما يسع هذا الإنسان المستنصح إلا أن يشاركه وبعد زمن يتبين أن ذلك الذي استنصحه ما نصحه مع العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكد وجوب النصيحة على المسلمين في الحديث المعروف من حديث تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الدين النصيحة الدين النصيحة ، الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) ولأئمة المسلمين وعامتهم ؛ الشاهد هنا والحديث يأخذ شرحا طويلا ، وعامتهم من المسلمين يجب على كل مسلم أن ينصحهم فزيد هذا حينما جاءه المستنصح يسأله أنا أريد أن أشارك فلانا ، فكان عليه أن يبين كل سوء يعرفه منه ليس بقصد التشفي والانتقام منه وإنما بقصد إيه؟ النصيحة والبيان ؛ ولذلك فيجب أن نفهم هذا الموضوع فهما جيدا ومخصصا بهذه الأنواع الستة أولها متظلم ، الثاني ومعرف ، ومعرف له أمثلة من السيرة ومن واقع المسلمين في كل زمان و مكان ، جاء في السنة أن امرأة فاضلة من الصحابيات العالمات اسمها فاطمة بنت أيش ؟ انسيت ، اسمها فاطمة كان زوجها طلقها طلقتين ثم سافر عنها لعمل فأرسل إليها إلى وكيله أرسل إليها بالطلقة الثالثة فجاء الوكيل إليها يخبرها بأن زوجها قد طلقها الطلقة الثالثة فبانت منه بينونة كبرى فعلى ذلك طلب منها أن تخرج من داره ، دار الزوج المطلق فهي طالبت بحق السكن وحق النفقة كما هو قائم اليوم في النظم والقوانين المرعية فقال لها وهو وكيل: " ليس لك سكنى ولا نفقة " ، قالت: " فتجلببت وانطلقت إلى " .. أيوه اسمها فاطمة بنت قيس ؛ لأن المشهور بين الصحابيات فاطمتان وهم كثر لكن المشهور اثنتان احداهما هذه فاطمة بنت قيس وأخرى اسمها فاطمة بنت أبي حبيش ، أنا لما بدأت وأنا أسرد القصة الأولى وقفت وخشيت أن يختلط علي احداهما بالأخرى فاكتفيت بأن أقول فاطمة ثم استرددت حافظتي وذاكرتي فتذكرت إنها فاطمة بنت قيس وفاطمة بنت أبي حبيش لها قصة يحسن أن يعرفها الرجال قبل النساء وإن كانت قصتها تتعلق بالنساء وليس بالرجال ـ يضحك الشيخ رحمه الله ـ
السائل : ... خصة اللي بشتغلوا.. .
الشيخ : آه الشاهد جاءت فاطمة بنت قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ما سمعت من وكيل زوجها أنه لا شيء لها ؛ فقال عليه الصلاة والسلام : ( لا نفقة لك ولا سكنى ) لماذا ؟ لأنها مطلقة الطلقة الثالثة ؛ وعلى ذلك أمرها عليه الصلاة والسلام بأن تخرج من الدار لأنها هي محتلته ؛ أما النفقة فهي ما هي واردة لها فما بيدها شيء ، أما المسكن ففي يدها فأمرها أن تخرج من دار زوجها ليستلم الدار وكيل الزوج وقال لها: ( اذهبي إلى دار أم شريك ) ، أم شريك صحابية ثم قال لها معقبا على قوله إياها ( اذهبي إلى دار أم شريك ) فبادر وقال عليه السلام: ( لا ، لا تذهبي إليها فإنها دار يقصدها المهاجرون من الرجال فأخشى أن يقع منك خمارك فيرون منك ما لا ترضين ، اذهبي إلى دار عمرو بن أم مكتوم فإنه رجل أعمى إذا وقع خمارك عن رأسك لا يراك ) وقال عليه السلام لها: ( فإذا قضيت عدتك فلا تفوتيني بنفسك ) شو معنى الكلام العربي الجميل ؟ حين تنقضي العدة تعالي لعندي ، فذهبت هي عند الضرير عمرو بن أم مكتوم ، هذا هو الصحيح في اسمه ويقال فيه عبد الله ، عبد الله بن أم مكتوم في رواية لكن الصحيح انه عمرو بن أم مكتوم وهو الذي نزل فيه قوله تعالى : (( عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يتذكر فتنفعه الذكرى )) إلى آخر الآيات ؛ انقضت عدتها ثم جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: " يا رسول الله انقضت عدتي وقد خطبني فلان وفلان ، خطبني أبو جهم " بالميم ، وليس أبو جهل ذاك قتيل وخبيث ، " خطبني أبو جهم ومعاوية بن أبي سفيان " ، هي تعرض عليه صلى الله عليه وسلم هذين الخاطبين لترى رأيه فيهما ؛ فماذا كان قوله عليه السلام ؟ لم يكن قوله كقول ذلك الإنسان كل الناس خير وبركة وإنما ذكر عيب كل منهما بالنسبة للواقع وهو السؤال ، قال عليه السلام : ( أما أبو جهم فرجل لا يضع العصا عن عاتقه ) لا يضع العصى عن عاتقه ؛ في تفسير هذه الجملة النبوية قولان أحدهما أنه ضراب للنساء ، والآخر أنه كثير الأسفار ؛ لأن العرب حينما يسافرون ماذا يفعلون ؟ يضعون العصا على العاتق والمزود على الخلف ويتم ماشي ؛ على كل حال هذه العبارة كناية عن أحد المعنيين وكل منهما عيب في الرجل لا ترضاه الزوجة أو المرأة المخطوبة ، هذا وصفه عليه السلام للخاطب الأول وهو أبو جهم ، وصفه بهذا الوصف المنفر للمرأة منه ، ثم قال عليه السلام: ( وأما معاوية فرجل صعلوك ) ، يعني فقير لا جاه له ولا منزلة له ، لا مال له ، إلى آخره ؛ شو كان موقف المرأة تجاه هذا الوصف ؟ ما رغبت لا في هذا ولا في هذا ؛ الجهال اليوم ما يقولون ؟ انقطع من نصيبها ، هذا هو الجهل بعينه لكنها قالت بعد ما رأى منها الأزورار والانحراف عنهما عرض عليها أسامة بن زيد فرضيت به ، قالت " فاغتبطت به " يعني انبسطت معه الشاهد قوله عن أحدهما أنه ضراب للنساء ، هذا غيبة ، وعن الآخر إنه صعلوك فقير لا قيمة له غيبة ؛ لكن هذه الغيبة مغتفرة بل واجبة في سبيل نصح المرأة ؛ ومن هنا يجب أن نفهم خطأ الذين لا ينصحون المستنصحين الذين يكونون مثلا بحاجة إلى خطبة امرأة أو فتاة فيأتي إلى جارها بالجنب يقول له يا أخي أنا بدي أخطب فلانة لي أو لابني أو كذا ، شو رأيك فيها ؟ نفس الجواب التقليدي في بعض البلاد ، كل الناس فيهم خير وبركة ، هو يعرف فيها أنها شاردة البصر وأنها تخرج من الدار وأنها لا تصلح للخاطب المسلم الصالح ، لماذا لا ينصح ؟ غيبة ، نقطع من نصيبها يا أخي ما يجوز ؛ فقال العلماء القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ؛ أتينا بالمثال من الحديث والمثال من الواقع فلانة والله كويسة لكن ما تصلي ، والله تصلي لكن تخرج متبرجة ، والله كذا كل شيء فيها خير بس موظفة ، إلى آخره ، هذا كله يجب أن يشرح للخاطب المستنصح وإلا يكون غشه وما نصحه ، " متظلم ومعرف ومحذر " محذر ، هذه الصورة لها واقعان متباينان أشد التبيان ، من ينبغي التحذير منه لا يحذرون عنه ومن ينبغي أن يصاحب يقولون إياك وإياه والحر تكفيه الإشارة يعني مثلا قد يرى شخصا رجلا يصاحب غلاما صبيح الوجه رشيق القامة ويعرف عن هذا الغلام شيء من التأنث أو من التخنث والذي يصاحبه رجل وليس بالرجل المعروف بحسن السيرة والاستقامة والصلاح والتقوى وهناك في المحلة في الحارة من يعرف حقيقة هذا وهذا الواجب أن ينصح هذا الغلام وأن يقول لا تصاحبن هذا الرجل الذي رأيتك تمشي معه ، هذه صورة ممكن بقى انتم تفصلوا منها صور شتى وكثيرة جدا ؛ أما الصورة المعاكسة حيث لا يجوز التحذير ، فلان يا أخي لا تمش معه ، ماذا يا أخي هذا رجل صالح ومصلي والله هو مثل ما بتقول " بس هذا وهابي " وإياك واحذر منه .
السائل : في ناس في الأوقاف يخافون يمشون مع ناس آخرين خوفهم من أن يحسبوهم من جماعتهم .
الشيخ : احسنين - يضحك الشيخ رحمه الله - هذا الثالث ومحذر ، ومجاهر فسقا ، الرابع ومجاهر فسقا معصية يجهر ، لا يخشى الله ولا يستحي من عباد الله ، هذا ليس له غيبة ؛ ولكني أذكر والذكرى تنفع المؤمنين أن هذا الفاسق حينما يراد استغابته فليس يجوز أن يستغيبه المستغيب تفشيشا وارواء لغليل غيظه وإنما نصيحة للناس وتعريفا للناس به ؛ فهذا الفاسق يجوز استغابته ليس اندفاعا أو انطلاقا من حديث مشهور ضعيف السند لا تقوم به حجة ألا وهو ( ليس لفاسق غيبة ) هذا من الأحاديث التي لا يصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صحيحا ؛ ويشبه هذا الحديث من الناحيتين الضعف في السند والصحة في المعنى حديث آخر موجود في الجامع الصغير ( اترعون عن ذكر الفاجر بما فيه اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس يحذره الناس ) أترعون أي أتتورعون يعني ورعا باردا ، أتتورعون ؛ والأمثلة السابقة كلها ( أترعون عن ذكر الفاجر بما فيه اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس ) أي استغابة الفاسق الفاجر ليس هو تفشيش خلق وإنما لتحذير الناس منه وفقط ؛ فهو داخل أيضا في باب النصيحة ، قد يقال مادام الحديث الأول ضعيف السند والثاني شرحه فإذن ما الحجة الصحيحة في أن غيبة الفاسق جائزة ؟ نقول حديث الإمام البخاري في صحيحه عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : ( استأذن رجل في الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إئذنوا له بئس أخوا العشيرة هو ) هذه غيبة وإلا ليست غيبة ؟ غيبة ؛ لأن ذاك بره والرسول جوه ويذكره بلا شك بما يكره ؛ لكن هذا ليس داخلا في النص العام ( إئذنوا له بئس أخو العيشرة هو ) فلما دخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم هش إليه وبش وجلس ما جلس ثم خرج ؛ من كان يراقب الحال ؟ السيدة عائشة رضي الله عنها ، لما انصرف الرجل قالت: " يا رسول الله لما استأذن قلت: إئذنوا له بئس أخو العشيرة هو ، ولما دخل هششت له وبششت ؟ " قال ( يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من يتقيهم الناس مخافة شرهم ) فهذا هو الفاجر ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم تعريفا للناس به قال: بئس أخو العشيرة هو ؛ لكن هو كان رئيس عشيرة وتحت يده بعض ضعفاء المؤمنين فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أحسن استقباله ومعاملته بل أغلظ عليه القول لانقلب هذا الرئيس الفاجر ضررا على أصحاب الرسول الضعفاء الذين هم من عشيرة الرجل ؛ ولذلك قال عليه السلام وهذا من أسلوبه في الكلام ما قال بئس الرجل هو ، قال: ( بئس أخو العشيرة هو ) ، العشيرة له طائفة من الناس وهو عليهم رأس و تحته طائفة من المسلمين الطيبين فترفق به الرسول عليه السلام حينما استقبله ولكن ما كتم حقيقة أمره أمام السامعين لقوله الأول ( بئس أخو العشيرة هو ) ذلك ليصبح دليلا للعلماء والفقهاء الذين سيقتدون به عليه السلام أنه يجوز استغابة الفاجر بقصد أيش ؟ تحذير الناس ، قال: " ومجاهر فسقا ومستفت " المستفتي ، هذه قضايا تقع كثيرا وكثيرا جدا في كل زمان ومكان مما وقع في عهد الرسول عليه السلام جاءت هند امرأة أبي سفيان فقالت: " يا رسول الله إن زوجي رجل شحيح بخيل " هنا الغيبة ، الرجل غائب والزوجة تستغيبه أي تتكلم بكلام في غيبته يكرهه ، " أفآخذ من ماله ما يكفيني أنا وأولادي ؟ " ما كان موقف الرسول موقف هؤلاء المتورعين ذلك الورع البارد ، اسكتي يا حرمة هذه استغابة لزوجك ما يجوز ، وإنما أصغى إليها وسكت عن قولها وأعطاها جواب سؤالها ، فقال لها: ( خذي من ماله ما يكفيك أنت وولدك بالمعروف ) ؛ إذن سكت الرسول عليه السلام عن هذه الغيبة لأن المستغيبة مستفتية تريد أن تعرف حكم الله بالنسبة للحالة التي هي مع زوجها ؛ فالزوج يبخل عليها ولا يقدم لها ما يجب عليه لها ولأولادها من النفقة فهي تشعر أنها بحاجة أن تأخذ من ماله ولكنها لا تريد أن تقدم على أخذ هذا المال إلا بعد السؤال للرسول عليه السلام ومعرفة الحكم الشرعي في ذلك ؛ وهذا من ورع الصحابيات وخوفهم من الله عز وجل وأنهم لا يقدمون على شيء إلا بعد سؤال أهل العلم ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: ( خذي أنت وولدك من ماله ) بشرط ما يكفيك مش بقى تأخذي على كيفك وتتصرفي كأن المال مالك ، لا ، إنما خذي أنت وولدك ما يكفيك من ماله بالمعروف ؛ فالشاهد هذا الحديث هو من جملة الأدلة على النوع الخامس الذي ذكره الفقيه الشاعر في بيته وهو قوله: " ومستفت " ؛ و السادس والأخير ومن طلب الإعانة في إزالة منكر ، ومن طلب الإعانة في إزالة منكر ، فقواعد الشريعة العامة والتي منها قوله تعالى : (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) ومثل قوله عليه السلام : ( مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم ركبوا سفينة فكانت طائفة في أعلاها وطائفة في أدناها فكانوا هؤلاء الذين هم في أدناها يصعدون إلى أعلاها ليستقوا الماء ) يعني في نوع من المشقة واللكبة فقالوا لو أننا حفرنا في قاع السفينة حفرة واستقينا الماء مباشرة ، فقال عليه السلام ( فإذا أخذوا بأيديهم نجوا وأنجوا ، وإذا لم يفعلوا أو تركوهم وشأنهم أهلكوا وهلكوا ) ( مثل القائم على حدود الله ) يعني الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ( والمدهن فيها كمثل أقوام أو قوم ركبوا في سفينة ) إلى آخره ؛ فإذا كان هناك مثلا محلة نظيفة من أماكن يرتادها الفساق والفجار كالبارات والسينماهات والخمارات ونحو ذلك ثم بلغ أحدهم خبر بأن هناك شخص يريد أن يفتتح محلا يبيع فيه ما لا يجوز شرعا كالخمر مثلا ونحو ذلك أو يريد أن يفتح دار سينما كما يقولون في قرية لا تعرف هذه الملاهي كلها ، وعلى ذلك فقس ؛ لكن هذا الرجل الذي بلغه الخبر لا يستطيع أن يحول وحده بينه وبين ذلك الظالم الذي عزم على أن يفتتح ذلك المكان المحرم ، فيأتي إلى زيد وبكر وعمرو ويحكي أن فلانا يريد أن يفعل كذا وكذا ؛ هذا بلا شك هو النوع الأخير من الغيبة وهو التعاون ومن طلب الإعانة في إزالة منكر ؛ لأنهم إن تركوا هذا الإنسان غرق هو وغرق السكان ؛ ففي هذه الأشياء الستة يجوز للمسلم أن يستغيب أحيانا ، إذا كان أولا ليس قصده الطعن في الرجل وإنما قصده النصح للمسلم أو للمسلمين ، فهذه قاعدة يجب أن نعرفها جيدا .
الشيخ : (( فنظرة إلى ميسرة )) إذا كان لإنسان حق ودين على آخر وحل وقت الوفاء ، ولما طالبه بهذا الحق اعتذر بأنه معسور غير ميسور ؛ فإذا كان صادقا في هذا الاعتذار فعلى صاحب الحق أن يقبل عذره وأن ينتظره إلى ميسرة ، لا شك أن هذا الحكم هو من كان حقيقة في عسر ؛ أما من كان يقدم مصلحة نفسه وقضاء مصالحه الثانوية غير الجوهرية على الوفاء للدين فهذا يكون مماطلا ، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( مطل الغني ظلم ) مطل الغني ظلم وفي حديث آخر أشد رهبة من الحديث الأول ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ) ... الحديث الأول ( مطل الغني ظلم ) الحديث الثاني ( لي الواجد ) أي مماطلة الواجد في الوفاء ( يحل عرضه وعقوبته ) والمقصود من قوله يحل عرضه أي النيل منه والطعن فيه والتشهير به وهو أن يقال فلان ظلمني ، فلان يماطلني وهو ليس عاجزا عن الوفاء بل هو قادر عليه ؛ فيجوز للمظلوم المماطل أن ينال من عرض المماطل الواجد أي أن يشهر به و ليس هذا من الغيبة المحرمة في شيء وإنما قلت ليس هذا من الغيبة المحرمة لأن هناك غيبة جائزة لكن مع ذلك فهي حساسة دقيقة وليس كل إنسان يستطيع أن يفرق بين هذه الغيبة الجائزة وبين الغيبة المحرمة التي التحريم هو الأصل فيها كما هو معلوم في الحديث الصحيح ، ألا وهو قوله عليه السلام : ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قال يا رسول الله: أرأيت إن كان فيه ما قلت ؟ قال: إن كان فيه ما قلت فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته ) فهذا هو الأصل في الغيبة وهي ذكرك أخاك بما يكره ، إنها حرام كما هو صريح الحديث والآية المعروفة (( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه )) ولكن كما يقول الفقهاء في كثير من المسائل " ما من عام إلا وقد خص " فالأصل والعموم في الغيبة هو التحريم لكن لها مستثنيات من هذه المستثنيات ما ذكرناه آنفا بالنسبة للدائن الذي يماطله المدين بعد حلول الأجل مع وجود الوفاء لديه ولكنه يصرف ماله ، لا نقول فيما لا يجوز ولكن على الأقل فيما لا يحب ، بينما هذا واجب عليه أن يؤديه فلا يقوم بهذا الواجب بينما يقوم بالأمور المستحبة إن كانت مستحبة وأحسن أحوالها أن تكون جائزة ومباحة ، والدليل الذي حمل العلماء على أن يخصصوا الغيبة المحرمة بأمور أخرى تجيز الاستغابة مع أنها مكروهة عند المستغاب نصوص كثيرة من الكتاب والسنة ؛ فالآية الكريمة تقول : (( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم )) إلا من ظلم ؛ فإذن هذا المظلوم يجوز له أن يجهر بالقول السيء بالنسبة للظالم ، وهناك أحاديث كثيرة جدا استنبط منها الفقهاء ستة أجناس من الغيبة التي يصدق فيها أن المستغاب يكرهها ولكن لا يصدق فيها أنها غيبة محرمة ، فقال أحد الفقهاء الشعراء
" القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ومجاهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر "
هذه ستة أشياء القدح ، الطعن ليس بغيبة في ستة متظلم أتيناكم بالآية والحديث ( لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ) ، وقبل أن نستطرد كثيرا عن هذا الحديث الذي كنا فيه فقد يتساءل بعض الحاضرين قد فهمنا مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من قوله عرضه ، يحل عرضه ؛ فماذا يعني وعقوبته من قوله ( وعقوبته ) ؟ الجواب أن العقوبة هنا تعود إلى الحاكم إلى القاضي الشرعي ، إذا رفع المظلوم شكواه على ذلك الظالم إلى القاضي فاستدعاه وعرف منه أنه مماطل أي واجد مماطل غير معسور بل هو ميسور فهذا يعاقبه على مماطلته وتقصيره في الوفاء بحق أخيه ؛ فإذن لي الواجد يحل عرضه بالنسبة للدائن وعقوبته بالنسبة للحاكم ؛ نعود إلى الخصال الست التي استثنيت من الغيبة المحرمة ، كان أولها المتظلم وفيها هذا النص القرآني والحديث النبوي ، وهناك حديث آخر وهو من روائع أساليب الرسول عليه السلام في تربية المسلم الذي انحرف عن سواء السبيل ، فقد روى الإمام البخاري في كتابه الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكوا جارا له قائلا يا رسول الله جاري ظلمني ، قال: فاجعل متاعك في الطريق متاع دارك في الطريق ، فأخرج عفش الدار وألقاه في الطريق - ولا شك أن هذا العمل مما يلفت الأنظار - كلما مر شخص أو أشخاص طائفة من الناس ما لك يا فلان ؟جاري ظلمني قاتله الله ، لعنة الله ، كلما مر شخص أو أشخاص طائفة من الناس ما بالك ؟ جارني ظلمني يسبوه قاتله الله لعنه الله والظالم يسمع فما كان منه إلا أن انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقول له يا رسول الله: مر جاري بأن يعيد متاعه إلى داره فقد لعنني الناس ، فقال له عليه الصلاة والسلام : لقد لعنك من السماء قبل أن يلعنك أهل الأرض ) فهذا من الأحاديث التي يستدل بها العلماء على جواز استغابة الظالم ، أولا المظلوم شكاه إلى الرسول وقال جاري ظلمني ، ولا شك أن هذه غيبة بالنسبة للتعريف العام تعتبر غيبة ذكر أخاك بما يكره ؛ فهو يكره أن يقال عنه إنه ظالم لكن النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء بشرع لإصلاح ما فسد من الناس لا يدع القاعدة العامة التي وضعت لإصلاح الناس لتعود مفسدة لإفساد الناس وإنما يضع لها قيودا وحدودا وشروطا ، وهذا الوضع يكون ببيانه عليه السلام بفعله وبقوله فنجد الرسول عليه السلام في هذه الحادثة لم يكن موقفه تجاه الشاكي المظلوم يقول له كما قد يفعل بعض المتنطعين الجاهلين من الناس يقول له اسكت يا أخي هذه غيبة ؛ لأن الرسول قال : ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ) وهذا الورع البارد اليوم متمثل في كثير من المعاملات المتعلقة ببعض الناس في صور شتى مختلفة ، قد يأتي الرجل مثلا إلى شخص صديق لزيد من الناس ، الرجل يريد أن يشارك زيدا المذكور فيأتي إلى صاحبه يسأله أنا يا أخي أريد أن أشارك زيدا هذا فشو تعرف عنه ؟ أنا أريد أن أدخل على بصيرة في هذه المشاركة شو تعرف عنه ؟ هو قد يكون يعرف عنه كل شر لكن يظن مسكين لجهله بشريعة نبيه صلى الله عليه وسلم أنه إذا ذكر ما فيه فقد استغابه انطلاقا منه من الحديث الذي أسمعه في كل مناسبة وهو الحمد لله الحديث صحيح ولكن لا يشرح شرحا صحيحا فيكون الجواب أن يكتم الحقيقة وأن يصارح بخلاف ذلك فيقول يا أخي كل الناس خير وبركة ، كل الناس خير وبركة فما يسع هذا الإنسان المستنصح إلا أن يشاركه وبعد زمن يتبين أن ذلك الذي استنصحه ما نصحه مع العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكد وجوب النصيحة على المسلمين في الحديث المعروف من حديث تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الدين النصيحة الدين النصيحة ، الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) ولأئمة المسلمين وعامتهم ؛ الشاهد هنا والحديث يأخذ شرحا طويلا ، وعامتهم من المسلمين يجب على كل مسلم أن ينصحهم فزيد هذا حينما جاءه المستنصح يسأله أنا أريد أن أشارك فلانا ، فكان عليه أن يبين كل سوء يعرفه منه ليس بقصد التشفي والانتقام منه وإنما بقصد إيه؟ النصيحة والبيان ؛ ولذلك فيجب أن نفهم هذا الموضوع فهما جيدا ومخصصا بهذه الأنواع الستة أولها متظلم ، الثاني ومعرف ، ومعرف له أمثلة من السيرة ومن واقع المسلمين في كل زمان و مكان ، جاء في السنة أن امرأة فاضلة من الصحابيات العالمات اسمها فاطمة بنت أيش ؟ انسيت ، اسمها فاطمة كان زوجها طلقها طلقتين ثم سافر عنها لعمل فأرسل إليها إلى وكيله أرسل إليها بالطلقة الثالثة فجاء الوكيل إليها يخبرها بأن زوجها قد طلقها الطلقة الثالثة فبانت منه بينونة كبرى فعلى ذلك طلب منها أن تخرج من داره ، دار الزوج المطلق فهي طالبت بحق السكن وحق النفقة كما هو قائم اليوم في النظم والقوانين المرعية فقال لها وهو وكيل: " ليس لك سكنى ولا نفقة " ، قالت: " فتجلببت وانطلقت إلى " .. أيوه اسمها فاطمة بنت قيس ؛ لأن المشهور بين الصحابيات فاطمتان وهم كثر لكن المشهور اثنتان احداهما هذه فاطمة بنت قيس وأخرى اسمها فاطمة بنت أبي حبيش ، أنا لما بدأت وأنا أسرد القصة الأولى وقفت وخشيت أن يختلط علي احداهما بالأخرى فاكتفيت بأن أقول فاطمة ثم استرددت حافظتي وذاكرتي فتذكرت إنها فاطمة بنت قيس وفاطمة بنت أبي حبيش لها قصة يحسن أن يعرفها الرجال قبل النساء وإن كانت قصتها تتعلق بالنساء وليس بالرجال ـ يضحك الشيخ رحمه الله ـ
السائل : ... خصة اللي بشتغلوا.. .
الشيخ : آه الشاهد جاءت فاطمة بنت قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ما سمعت من وكيل زوجها أنه لا شيء لها ؛ فقال عليه الصلاة والسلام : ( لا نفقة لك ولا سكنى ) لماذا ؟ لأنها مطلقة الطلقة الثالثة ؛ وعلى ذلك أمرها عليه الصلاة والسلام بأن تخرج من الدار لأنها هي محتلته ؛ أما النفقة فهي ما هي واردة لها فما بيدها شيء ، أما المسكن ففي يدها فأمرها أن تخرج من دار زوجها ليستلم الدار وكيل الزوج وقال لها: ( اذهبي إلى دار أم شريك ) ، أم شريك صحابية ثم قال لها معقبا على قوله إياها ( اذهبي إلى دار أم شريك ) فبادر وقال عليه السلام: ( لا ، لا تذهبي إليها فإنها دار يقصدها المهاجرون من الرجال فأخشى أن يقع منك خمارك فيرون منك ما لا ترضين ، اذهبي إلى دار عمرو بن أم مكتوم فإنه رجل أعمى إذا وقع خمارك عن رأسك لا يراك ) وقال عليه السلام لها: ( فإذا قضيت عدتك فلا تفوتيني بنفسك ) شو معنى الكلام العربي الجميل ؟ حين تنقضي العدة تعالي لعندي ، فذهبت هي عند الضرير عمرو بن أم مكتوم ، هذا هو الصحيح في اسمه ويقال فيه عبد الله ، عبد الله بن أم مكتوم في رواية لكن الصحيح انه عمرو بن أم مكتوم وهو الذي نزل فيه قوله تعالى : (( عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يتذكر فتنفعه الذكرى )) إلى آخر الآيات ؛ انقضت عدتها ثم جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: " يا رسول الله انقضت عدتي وقد خطبني فلان وفلان ، خطبني أبو جهم " بالميم ، وليس أبو جهل ذاك قتيل وخبيث ، " خطبني أبو جهم ومعاوية بن أبي سفيان " ، هي تعرض عليه صلى الله عليه وسلم هذين الخاطبين لترى رأيه فيهما ؛ فماذا كان قوله عليه السلام ؟ لم يكن قوله كقول ذلك الإنسان كل الناس خير وبركة وإنما ذكر عيب كل منهما بالنسبة للواقع وهو السؤال ، قال عليه السلام : ( أما أبو جهم فرجل لا يضع العصا عن عاتقه ) لا يضع العصى عن عاتقه ؛ في تفسير هذه الجملة النبوية قولان أحدهما أنه ضراب للنساء ، والآخر أنه كثير الأسفار ؛ لأن العرب حينما يسافرون ماذا يفعلون ؟ يضعون العصا على العاتق والمزود على الخلف ويتم ماشي ؛ على كل حال هذه العبارة كناية عن أحد المعنيين وكل منهما عيب في الرجل لا ترضاه الزوجة أو المرأة المخطوبة ، هذا وصفه عليه السلام للخاطب الأول وهو أبو جهم ، وصفه بهذا الوصف المنفر للمرأة منه ، ثم قال عليه السلام: ( وأما معاوية فرجل صعلوك ) ، يعني فقير لا جاه له ولا منزلة له ، لا مال له ، إلى آخره ؛ شو كان موقف المرأة تجاه هذا الوصف ؟ ما رغبت لا في هذا ولا في هذا ؛ الجهال اليوم ما يقولون ؟ انقطع من نصيبها ، هذا هو الجهل بعينه لكنها قالت بعد ما رأى منها الأزورار والانحراف عنهما عرض عليها أسامة بن زيد فرضيت به ، قالت " فاغتبطت به " يعني انبسطت معه الشاهد قوله عن أحدهما أنه ضراب للنساء ، هذا غيبة ، وعن الآخر إنه صعلوك فقير لا قيمة له غيبة ؛ لكن هذه الغيبة مغتفرة بل واجبة في سبيل نصح المرأة ؛ ومن هنا يجب أن نفهم خطأ الذين لا ينصحون المستنصحين الذين يكونون مثلا بحاجة إلى خطبة امرأة أو فتاة فيأتي إلى جارها بالجنب يقول له يا أخي أنا بدي أخطب فلانة لي أو لابني أو كذا ، شو رأيك فيها ؟ نفس الجواب التقليدي في بعض البلاد ، كل الناس فيهم خير وبركة ، هو يعرف فيها أنها شاردة البصر وأنها تخرج من الدار وأنها لا تصلح للخاطب المسلم الصالح ، لماذا لا ينصح ؟ غيبة ، نقطع من نصيبها يا أخي ما يجوز ؛ فقال العلماء القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ؛ أتينا بالمثال من الحديث والمثال من الواقع فلانة والله كويسة لكن ما تصلي ، والله تصلي لكن تخرج متبرجة ، والله كذا كل شيء فيها خير بس موظفة ، إلى آخره ، هذا كله يجب أن يشرح للخاطب المستنصح وإلا يكون غشه وما نصحه ، " متظلم ومعرف ومحذر " محذر ، هذه الصورة لها واقعان متباينان أشد التبيان ، من ينبغي التحذير منه لا يحذرون عنه ومن ينبغي أن يصاحب يقولون إياك وإياه والحر تكفيه الإشارة يعني مثلا قد يرى شخصا رجلا يصاحب غلاما صبيح الوجه رشيق القامة ويعرف عن هذا الغلام شيء من التأنث أو من التخنث والذي يصاحبه رجل وليس بالرجل المعروف بحسن السيرة والاستقامة والصلاح والتقوى وهناك في المحلة في الحارة من يعرف حقيقة هذا وهذا الواجب أن ينصح هذا الغلام وأن يقول لا تصاحبن هذا الرجل الذي رأيتك تمشي معه ، هذه صورة ممكن بقى انتم تفصلوا منها صور شتى وكثيرة جدا ؛ أما الصورة المعاكسة حيث لا يجوز التحذير ، فلان يا أخي لا تمش معه ، ماذا يا أخي هذا رجل صالح ومصلي والله هو مثل ما بتقول " بس هذا وهابي " وإياك واحذر منه .
السائل : في ناس في الأوقاف يخافون يمشون مع ناس آخرين خوفهم من أن يحسبوهم من جماعتهم .
الشيخ : احسنين - يضحك الشيخ رحمه الله - هذا الثالث ومحذر ، ومجاهر فسقا ، الرابع ومجاهر فسقا معصية يجهر ، لا يخشى الله ولا يستحي من عباد الله ، هذا ليس له غيبة ؛ ولكني أذكر والذكرى تنفع المؤمنين أن هذا الفاسق حينما يراد استغابته فليس يجوز أن يستغيبه المستغيب تفشيشا وارواء لغليل غيظه وإنما نصيحة للناس وتعريفا للناس به ؛ فهذا الفاسق يجوز استغابته ليس اندفاعا أو انطلاقا من حديث مشهور ضعيف السند لا تقوم به حجة ألا وهو ( ليس لفاسق غيبة ) هذا من الأحاديث التي لا يصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صحيحا ؛ ويشبه هذا الحديث من الناحيتين الضعف في السند والصحة في المعنى حديث آخر موجود في الجامع الصغير ( اترعون عن ذكر الفاجر بما فيه اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس يحذره الناس ) أترعون أي أتتورعون يعني ورعا باردا ، أتتورعون ؛ والأمثلة السابقة كلها ( أترعون عن ذكر الفاجر بما فيه اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس ) أي استغابة الفاسق الفاجر ليس هو تفشيش خلق وإنما لتحذير الناس منه وفقط ؛ فهو داخل أيضا في باب النصيحة ، قد يقال مادام الحديث الأول ضعيف السند والثاني شرحه فإذن ما الحجة الصحيحة في أن غيبة الفاسق جائزة ؟ نقول حديث الإمام البخاري في صحيحه عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : ( استأذن رجل في الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إئذنوا له بئس أخوا العشيرة هو ) هذه غيبة وإلا ليست غيبة ؟ غيبة ؛ لأن ذاك بره والرسول جوه ويذكره بلا شك بما يكره ؛ لكن هذا ليس داخلا في النص العام ( إئذنوا له بئس أخو العيشرة هو ) فلما دخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم هش إليه وبش وجلس ما جلس ثم خرج ؛ من كان يراقب الحال ؟ السيدة عائشة رضي الله عنها ، لما انصرف الرجل قالت: " يا رسول الله لما استأذن قلت: إئذنوا له بئس أخو العشيرة هو ، ولما دخل هششت له وبششت ؟ " قال ( يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من يتقيهم الناس مخافة شرهم ) فهذا هو الفاجر ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم تعريفا للناس به قال: بئس أخو العشيرة هو ؛ لكن هو كان رئيس عشيرة وتحت يده بعض ضعفاء المؤمنين فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أحسن استقباله ومعاملته بل أغلظ عليه القول لانقلب هذا الرئيس الفاجر ضررا على أصحاب الرسول الضعفاء الذين هم من عشيرة الرجل ؛ ولذلك قال عليه السلام وهذا من أسلوبه في الكلام ما قال بئس الرجل هو ، قال: ( بئس أخو العشيرة هو ) ، العشيرة له طائفة من الناس وهو عليهم رأس و تحته طائفة من المسلمين الطيبين فترفق به الرسول عليه السلام حينما استقبله ولكن ما كتم حقيقة أمره أمام السامعين لقوله الأول ( بئس أخو العشيرة هو ) ذلك ليصبح دليلا للعلماء والفقهاء الذين سيقتدون به عليه السلام أنه يجوز استغابة الفاجر بقصد أيش ؟ تحذير الناس ، قال: " ومجاهر فسقا ومستفت " المستفتي ، هذه قضايا تقع كثيرا وكثيرا جدا في كل زمان ومكان مما وقع في عهد الرسول عليه السلام جاءت هند امرأة أبي سفيان فقالت: " يا رسول الله إن زوجي رجل شحيح بخيل " هنا الغيبة ، الرجل غائب والزوجة تستغيبه أي تتكلم بكلام في غيبته يكرهه ، " أفآخذ من ماله ما يكفيني أنا وأولادي ؟ " ما كان موقف الرسول موقف هؤلاء المتورعين ذلك الورع البارد ، اسكتي يا حرمة هذه استغابة لزوجك ما يجوز ، وإنما أصغى إليها وسكت عن قولها وأعطاها جواب سؤالها ، فقال لها: ( خذي من ماله ما يكفيك أنت وولدك بالمعروف ) ؛ إذن سكت الرسول عليه السلام عن هذه الغيبة لأن المستغيبة مستفتية تريد أن تعرف حكم الله بالنسبة للحالة التي هي مع زوجها ؛ فالزوج يبخل عليها ولا يقدم لها ما يجب عليه لها ولأولادها من النفقة فهي تشعر أنها بحاجة أن تأخذ من ماله ولكنها لا تريد أن تقدم على أخذ هذا المال إلا بعد السؤال للرسول عليه السلام ومعرفة الحكم الشرعي في ذلك ؛ وهذا من ورع الصحابيات وخوفهم من الله عز وجل وأنهم لا يقدمون على شيء إلا بعد سؤال أهل العلم ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: ( خذي أنت وولدك من ماله ) بشرط ما يكفيك مش بقى تأخذي على كيفك وتتصرفي كأن المال مالك ، لا ، إنما خذي أنت وولدك ما يكفيك من ماله بالمعروف ؛ فالشاهد هذا الحديث هو من جملة الأدلة على النوع الخامس الذي ذكره الفقيه الشاعر في بيته وهو قوله: " ومستفت " ؛ و السادس والأخير ومن طلب الإعانة في إزالة منكر ، ومن طلب الإعانة في إزالة منكر ، فقواعد الشريعة العامة والتي منها قوله تعالى : (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) ومثل قوله عليه السلام : ( مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم ركبوا سفينة فكانت طائفة في أعلاها وطائفة في أدناها فكانوا هؤلاء الذين هم في أدناها يصعدون إلى أعلاها ليستقوا الماء ) يعني في نوع من المشقة واللكبة فقالوا لو أننا حفرنا في قاع السفينة حفرة واستقينا الماء مباشرة ، فقال عليه السلام ( فإذا أخذوا بأيديهم نجوا وأنجوا ، وإذا لم يفعلوا أو تركوهم وشأنهم أهلكوا وهلكوا ) ( مثل القائم على حدود الله ) يعني الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ( والمدهن فيها كمثل أقوام أو قوم ركبوا في سفينة ) إلى آخره ؛ فإذا كان هناك مثلا محلة نظيفة من أماكن يرتادها الفساق والفجار كالبارات والسينماهات والخمارات ونحو ذلك ثم بلغ أحدهم خبر بأن هناك شخص يريد أن يفتتح محلا يبيع فيه ما لا يجوز شرعا كالخمر مثلا ونحو ذلك أو يريد أن يفتح دار سينما كما يقولون في قرية لا تعرف هذه الملاهي كلها ، وعلى ذلك فقس ؛ لكن هذا الرجل الذي بلغه الخبر لا يستطيع أن يحول وحده بينه وبين ذلك الظالم الذي عزم على أن يفتتح ذلك المكان المحرم ، فيأتي إلى زيد وبكر وعمرو ويحكي أن فلانا يريد أن يفعل كذا وكذا ؛ هذا بلا شك هو النوع الأخير من الغيبة وهو التعاون ومن طلب الإعانة في إزالة منكر ؛ لأنهم إن تركوا هذا الإنسان غرق هو وغرق السكان ؛ ففي هذه الأشياء الستة يجوز للمسلم أن يستغيب أحيانا ، إذا كان أولا ليس قصده الطعن في الرجل وإنما قصده النصح للمسلم أو للمسلمين ، فهذه قاعدة يجب أن نعرفها جيدا .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 278
- توقيت الفهرسة : 00:00:38
- نسخة مدققة إملائيًّا