كلمة مطولة من الشيخ في بيان شرطي قبول العمل الصالح ( الإخلاص والمتابعة ) .
A-
A=
A+
الشيخ : أريد ان أربط الكلمة التّالية وأرجو أيضا أن تكون موجزة بقصّة ابن مسعود الآنفة الذّكر حيث أنكر ابن مسعود على أصحاب الحلقات تسبيحهم وتحميدهم وتكبيرهم كلّ ذلك لله عزّ وجلّ لماذا؟ لأنّهم أحدثوا شيئا لم يكن عليه العمل في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لكن هل هذه عبادة أم ليست عبادة؟ يمكن الجواب بجوابين متناقضين هذه عبادة لأنّ فيها تسبيح وتحميد وتكبير ولكنّها ليست عبادة لماذا؟ لأنّ العبادة كما عرفتم هي ما كان موافقا لما كان عليه الرّسول عليه السّلام والصّحابة هذا ممّا أشار إليه علماء التّفسير في آية واحدة ألا وهي قوله تبارك وتعالى: (( فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا)) في هذه الآية قالوا: شرطان ليكون العمل صالحا الشّرط الأوّل أن يكون موافقا للسّنّة وهذا الّذي كنّا ندندن حوله آنفا. لماذا أنكر ابن مسعود على أصحاب الحلقات وهم يذكرون الله؟ لأنّهم ذكروا الله على وجه لم يكن ذلك الوجه معهودا ومعروفا في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فإذن هذا ليس عملا صالحا فالعمل الصّالح يشترط فيه أن يكون على السّنّة وهذا له أدلّة كثيرة منها وأقف عنده قوله عليه السّلام: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ ) إذن العبادة ولو كانت عبادة في ظاهرها كما سمعتم تسبيح وتحميد وتكبير لكن إذا لابسها أو أحاط بها شيء حادث لم يكن في عهد الرّسول عليه السّلام خرج هذا العمل عن كونه صالحا وضرب به وجه صاحبه لما سمعتم من الإشارة في الآية على ما قال علماء التّفسير وصريح الحديث ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ ). الشّيء الثّاني الّذي أريد أن ألفت النّظر إليه وهذا قلّ ما نتطرّق إليه لأنّه في الحقيقة أمر لا يخفى على كلّ المسلمين مهما كانت مذاهبهم ومهما كانت طرقهم ولذلك فنحن نادرا ما نذكّر به وعلى العكس من ذلك إنّما ندندن في التّذكير حول أمور النّاس عنها غافلون فلا يحسن مثلا أن نتحدّث عن الزّنا وعن السّرقة وشرب الخمر لأنّها موبقات وذنوب وكبائر لا يوجد في المسلمين من يجهل ذلك لكن على طريق الوعظ والتّذكير لا بأس لكن الّذي يجب التّحديث به والدّندنة حوله دائما وأبدا هو إذا رأينا النّاس قد انقلبت عليهم المفاهيم كما أشار إلى ذلك ربّ العالمين في مثل قوله عزّ وجلّ: (( قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا )) فاليوم المسلمون في غفلة ساهون هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا ولكنّهم في الواقع يسيئون صنعا في كثير من العبادات أكثرها بروزا وأكثرها تكرارا ووجوبا هي الصّلاة ولا تكاد في جماهير المصلّين تجد فيهم من يحقّق أمره عليه السّلام في الحديث الصّحيح في البخاري: ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) ولذلك إن كان يحسن أن نقول: ( من ترك الصّلاة فقد كفر ) تحذيرا من ترك الصّلاة هذا واجب لأنّ كثيرا من النّاس اليوم لا يعبأون بالصّلاة ولا يقيمونها ولكن يجب تنبيه المصلّين أنفسهم لأنّهم يصلّون ولا يصلّون هذه هي المشكلة يصلّون ولا يصلّون كما قال عليه الصّلاة والسّلام لذلك الرّجل الّذي اصطلح العلماء على تسمية حديثه بحديث المسيء صلاته. روى البخاريّ ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يوما في المسجد فدخل رجل وقام يصلّي ولمّا انتهى من الصّلاة جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: " السّلام عليك يا رسول الله " قال: ( وعليك السّلام ارجع فصلّ فإنّك لم تصلّ ) إذن هذا صلّى وما صلّى هذه مشكلة إذا ما قلنا أكثر المصلّين فيقينا مشكلة كثير من المصلّين أنّهم يصلّون ولا يصلّون فرجع الرّجل وصلّى ثمّ عاد قائلا: " السّلام عليك يا رسول الله " قال: ( وعليك السّلام ارجع فصلّ فإنّك لم تصلّ ) وهكذا ثلاث مرّات أخيرا عرف الرّجل أنّه لا يحسن الصّلاة لأنّه صلّى ثلاث مرّات وكلّ مرّة يقول له عليه السّلام ( لم تصلّ ) فقال: يا رسول الله والله لا أحسن غيرها علّمني. فقال له عليه الصّلاة والسّلام: ( إذا قمت إلى الصّلاة فتوضّأ كما أمرك الله ثمّ أذّن ثمّ أقم ) جملة معترضة ثمّ أذّن ثمّ أقم هذه ليست في الصّحيحين وأنا أروي لكم كما صدّرت الرّواية بقولي أخرجها الشّيخان في صحيحيهما في سنن أبي داود وغيره ( ثمّ أذّن وأقم ) أقول هذا للفائدة لأنّ كثيرا من النّاس إذا فاتتهم الصّلاة في المسجد قام رأسا الله أكبر لا أذّن ولا أقام وبخاصّة إذا صلّى في العراء. هذا خطأ يخالف الحديث الصّحيح ( ثمّ أذن ثمّ أقم ) ولا نريد أن نقف هنا ( ثمّ استقبل القبلة ثمّ أذّن ثمّ أقم ثمّ كبّر ثمّ اقرأ ما تيسّر من القرآن ثمّ اركع حتّى تطمئنّ راكعا ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ قائما ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالسا ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا ثمّ افعل ذلك في صلاتك كلّها. فإن أنت فعلت ذلك فقد تمّت صلاتك و إن أنت انقصت منها فقد انقصت من صلاتك ) فالشّاهد أنّ كثيرا من النّاس اليوم عباداتهم لم يتحقّق فيها الشّرط الأوّل للقبول وهي أن توافق السّنّة إنّما أريد كما أشرت أن أتكلّم عن الشّرط الثّاني وهو (( و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا )) الآية تقول: (( فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا )) ما قال فليعمل عملا. وضع شرطين اثنين الشّرط الأوّل عملا صالحا. وقد شرحنا ما هو العمل الصّالح الموافق للسّنّة الشّرط الثّاني والأخير (( ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا )) ما قال: لا يشرك بالله الشّرك بالله شيء والإشراك في عبادة الله شيء آخر ومن هنا أخذ علماء التّفسير هذا الشّرط الثّاني فقالوا لا تقبل صلاة المصلّي وصيامه وحجّه وكلّ الطّاعات والعبادات إلاّ إذا تحقّق الشّرط الثّاني وهو أن يكون مخلصا لله عزّ وجلّ في عبادته أيّ شيء كانت هذه العبادة ولا يمكن إحصاؤها وحصرها فإذا مثلا خطيب يخطب يوم الجمعة أو غير الجمعة أو مدرّس يدرّس في أيّ يوم في أيّ وقت وهو لا يرجو بتلك الخطبة أو بهذا الدّرس وجه الله خالصا له ينعكس خيره إلى شرّ تنعكس عبادته إلى ضلالة ذلك لأنّه أخلّ بالشّرط الثّاني فلو فرضنا خطيبا يخطب على الكتاب والسّنّة وعلى منهج السّلف الصّالح ولكنّه إنّما يريد بذلك أن يظهر أمام النّاس أو يدرّس درسا على الكتاب والسّنّة ومنهج السّلف الصّالح لكن لا يبتغي فيه وجه الله فدرسه هذا يعود عليه أوّلا هباء منثورا وثالثا ينقلب أجره إلى وزر ذلك ما جاءت به أحاديث .ما تعبت يدك؟
السائل: الصلاو في المسجد إن شاء الله
الشيخ: المسجد عندكم قريب, تمام الكلمة الثّانية الّتي كنت بدأت بها عقب الكلمة الأولى الكلمة الأولى كما عرفتم هي لماذا ننتمي إلى السّلف الصّالح؟ لأنّ دعوة الإسلام لا يمكن أن تفهم إلاّ من طريق منهج السّلف الصّالح فالإسلام كتاب وسنّة ومنهج السّلف الصّالح أمّا الكلمة الثّانية فأردت بها أن ألفت نظر الحاضرين وكما قال عليه السّلام: ( و ليبلّغ الشّاهد الغائب ) أنّ أيّ عمل يأتي به المسلم وهو عمل صالح أي على الكتاب والسّنّة فلا يقبل عند الله عزّ وجلّ إلاّ إذا كان خالصا لوجهه تبارك وتعالى أمّا إذا لم يكن كذلك فهو كما سمعتم في نهاية الكلام السّابق ينقلب أجره إلى وزر عليه والأحاديث والآيات الّتي جاءت لتؤكّد هذا المعنى كثيرة وكثيرة جدّا فالله عزّ وجلّ يقول في القرآن الكريم (( و ما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدّين )) فالعبادة يشترط فيها علاوة على الشّرط السّابق وأعود فأقول لا حاجة للتّذكير فقد عرفتم ما هو الشّرط السّابق أن يكون على السّنّة فالشّرط الآخر هو أن يكون ليس لإنسان ما شركة في هذه العبادة الّتي هو يعبد الله بها وإنّما جعلها خالصة لوجهه تبارك وتعالى ذلك هو قوله عزّ وجلّ (( وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدّين )) كذلك قال عليه الصّلاة والسّلام ( بشّر هذه الأمّة بالرّفعة والسّناء والمجد والتّمكين في الأرض ) أي إذا قامت بعبادة الله وحده لا شريك له بدليل تمام الحديث ( و من عمل منهم عملا للدّنيا فليس له في الآخرة من نصيب ) ومن عمل منهم عملا للدّنيا فليس له في الآخرة من نصيب والعبادة تشمل كلّ العبادات لا فرق في ذلك بين صلاة وصيام وجهاد فلعلّكم جميعا طرق سمعكم على الأقلّ يوما ما قوله عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) الآن تعلمون أنّ هناك جهادا لا يزال قائما في أفغانستان فهل هذا الجهاد يؤجر عليه كلّ مجاهد؟ الجواب لا من كان ذهابه إلى أفغانستان للجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ لا ليقال فيه فلان راح جاهد شهر شهرين ثلاثة ورجع ما شاء الله ومتمرّن على القتال واستعمال أنواع الأسلحة إلى آخره لا تقبل له هذه الخصلة من الجهاد إلاّ إذا كان خالصا لوجه الله تبارك وتعالى وعلى ذلك فقيسوا أيّ جهاد تسمعون به ممّا لا يزال مثلا في أرض فلسطين ممّا يسمّى بالانتفاضة وممّا وقع حديثا ممّا يسمّى بحرب الخليج هل هذه كلّها هي عبادة لله عزّ وجلّ؟ الجواب على التّفصيل السّابق ما كان منه موافقا للكتاب والسّنّة ومنهج السّلف الصّالح أوّلا ومن كان في ذلك مخلصا لله تبارك وتعالى ثانيا فهو الّذي تقبل عبادته وترفع إلى الله عزّ و جلّ كما قال: (( إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصّالح يرفعه )) وأشدّ الأحاديث ترهيبا وتحذيرا من أن يتطلّب المسلم بعبادة من العبادات شيئا من حطام الدنيا هو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الّذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ومن هول هذا الحديث حينما يشعر المسلم الممتلئ رهبة وخوفا من الله عزّ وجلّ وخشية أن يكون عمله الصّالح غير مقبول عند الله عزّ وجلّ الّذي يستحضر هذه الخشية حينما يريد أن يسوق هذا الحديث لا يكاد ينطق لسانه به كما وقع لراوي الحديث وهو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه حيث كان في مجلس في حضرة معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه فطلب منه أحد الجالسين أن يروي له حديث الرّسول عليه السّلام في الثّلاثة الّذين تسعر بهم النّار يوم القيامة فتهيّأ أبو هريرة ليتحدّث بهذا الحديث ولكنّه سرعان ما أغمي عليه وغشي عليه لرهبة الحديث ثمّ نضحوا في وجهه الماء حتّى أفاق وهكذا ثلاث مرّات حتّى عادت إليه روحه ونفسه وقدرته وقوّته فابتدأ الحديث يقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( أوّل من تسعر بهم النّار يوم القيامة ثلاثة عالم ومجاهد وغنيّ ) هدول نخبة النّاس الّذين يستطيعون أكثر من غيرهم أن يعمّ النّاس بالفائدة العامّة ثلاثة عالم ومجاهد وغنيّ قال أبو هريرة: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلّم: ( يؤتى بالعالم فيقال له: أي عبدي ماذا عملت بما علمت؟ فيقول: يا ربّي نشرته في سبيلك فيقال له كذبت إنّما فعلت ليقول النّاس فلان عالم وقد قيل. خذوا به إلى النّار ) من هو؟ العالم العالم المفروض أنّه يصدق فيه قوله تبارك وتعالى (( يرفع الله الّذين آمنوا منكم والّذين أوتوا العلم درجات )) هؤلاء المفروض فيهم أن يرفعهم الله درجات عالية في الجنّات و إذا بهم أوّل من تسعر بهم النّار يوم القيامة لماذا؟ لأنّه حينما علّم النّاس ما قصد بذلك وجه الله وإنّما قصد أن يتحدّث النّاس ويحسنون الثّناء عليه وأن يقولوا فيه ما شاء الله فلان رجل عالم هكذا كان قصده و هنا نقطة لا بأس منها القصد في القلب كما سمعتم في الحديث السّابق إنّما الأعمال بالنيّات ولا يطّلع على النيات إلا علاّم الغيوب فمن علم الله منه أنّه يعلم النّاس لوجهه فلا يضره بعد ذلك أأحسن النّاس الثّناء عليه أم أساءوا؟ فالأمر عنده سيّان و على العكس من ذلك إذا لم يقصد بعلمه وجه الله تبارك و تعالى فلا ينفعه ثناء الناس عليه مطلقا لأنّ الله العليم بما في الصّدور قد علم منه أنّه لم يقصد بعلمه وجه الله تبارك وتعالى فمن علّم النّاس ليقول النّاس عنه فلان عالم فهو لم يحقّق الغاية من العبادة الّتي ذكر الله عزّ وجلّ في الآية السّابقة (( وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدّين )) هذا هو العالم يلقى في النّار قبل كثير من النّاس الآخرين لماذا؟ لأنّه لم يكن مخلصا لله في علمه ( ثمّ يؤتى بالمجاهد فيقال له أي عبدي ماذا عملت فيما أعطيتك من قوّة فيقول يا ربّي قاتلت في سبيلك فيقال له كذبت إنّما قاتلت ليقول النّاس فلان بطل فلان شجاع وقد قيل ) هنا يقال وقد قيل خذوا به إلى النّار كما قيل في العالم كذلك يقال للجنس الثّالث وهم الأغنياء ( فيؤتى بالغنيّ فيقال له ماذا فعلت بما أنعمت عليك من مال؟ فيقول يا ربّي أنفقته في سبيلك فيقال له كذبت إنّما فعلت ليقول النّاس كريم وقد قيل خذوا به إلى النّار) قال عليه الصّلاة والسّلام خاتما لهذا الحديث: ( فهؤلاء الثّلاثة أوّل من تسعر بهم النّار يوم القيامة ) ويعني بذلك ثلاثة أجناس العلماء والمجاهدون والأغنياء قصدوا بما أوتوا من نعمة العلم و القوّة و المال قصدوا غير وجه الله تبارك وتعالى قصدوا حسن الثّناء عليهم من النّاس فحصلوا على ما إليه قصدوا ولذلك كأنّ الله عزّ وجلّ يقول لهم قد حصّلتم ما أردتم أنت أيّها العالم أردت أن يقول النّاس فلان عالم قد قالوا فأخذت أجرك وأنت أيّها المجاهد قاتلت شجاعة ليقول النّاس فلان بطل وقد قالوا فقد حصّلت أجرك وأنت أيّها الغنيّ أنفقت وقيل فلان أكرم من حاتم طي مثلا هذا الّذي قصدته بإنفاقك قد حصّلته فأخذت أجرك أمّا اليوم فلكم النّار لماذا؟ لأنّكم أشركتم معي في عبادتي غيري لذلك قال تعالى: (( فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا )) فإذا حصيلة هاتين الكلمتين في هذه اللّيلة أنّه كما يجب على كلّ مسلم أن يكون مخلصا في كلّ عبادة يتعبّد الله بها فيجب عليه أيضا أن يكون في كلّ عبادة يتعبّد الله بها أن تكون عبادته على منهج السّلف الصّالح فإذا اختلّ شرط من هذين الشّرطين فلا تكون العبادة عبادة مقبولة عند الله تبارك وتعالى فنسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا مخلصين في عباداتنا ومتّبعين لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم في كلّ عباداتنا وبهذا القدر كفاية والحمد لله ربّ العالمين
قراءة الشّيخ لسورة الطّارق كاملة .
السائل: الصلاو في المسجد إن شاء الله
الشيخ: المسجد عندكم قريب, تمام الكلمة الثّانية الّتي كنت بدأت بها عقب الكلمة الأولى الكلمة الأولى كما عرفتم هي لماذا ننتمي إلى السّلف الصّالح؟ لأنّ دعوة الإسلام لا يمكن أن تفهم إلاّ من طريق منهج السّلف الصّالح فالإسلام كتاب وسنّة ومنهج السّلف الصّالح أمّا الكلمة الثّانية فأردت بها أن ألفت نظر الحاضرين وكما قال عليه السّلام: ( و ليبلّغ الشّاهد الغائب ) أنّ أيّ عمل يأتي به المسلم وهو عمل صالح أي على الكتاب والسّنّة فلا يقبل عند الله عزّ وجلّ إلاّ إذا كان خالصا لوجهه تبارك وتعالى أمّا إذا لم يكن كذلك فهو كما سمعتم في نهاية الكلام السّابق ينقلب أجره إلى وزر عليه والأحاديث والآيات الّتي جاءت لتؤكّد هذا المعنى كثيرة وكثيرة جدّا فالله عزّ وجلّ يقول في القرآن الكريم (( و ما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدّين )) فالعبادة يشترط فيها علاوة على الشّرط السّابق وأعود فأقول لا حاجة للتّذكير فقد عرفتم ما هو الشّرط السّابق أن يكون على السّنّة فالشّرط الآخر هو أن يكون ليس لإنسان ما شركة في هذه العبادة الّتي هو يعبد الله بها وإنّما جعلها خالصة لوجهه تبارك وتعالى ذلك هو قوله عزّ وجلّ (( وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدّين )) كذلك قال عليه الصّلاة والسّلام ( بشّر هذه الأمّة بالرّفعة والسّناء والمجد والتّمكين في الأرض ) أي إذا قامت بعبادة الله وحده لا شريك له بدليل تمام الحديث ( و من عمل منهم عملا للدّنيا فليس له في الآخرة من نصيب ) ومن عمل منهم عملا للدّنيا فليس له في الآخرة من نصيب والعبادة تشمل كلّ العبادات لا فرق في ذلك بين صلاة وصيام وجهاد فلعلّكم جميعا طرق سمعكم على الأقلّ يوما ما قوله عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) الآن تعلمون أنّ هناك جهادا لا يزال قائما في أفغانستان فهل هذا الجهاد يؤجر عليه كلّ مجاهد؟ الجواب لا من كان ذهابه إلى أفغانستان للجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ لا ليقال فيه فلان راح جاهد شهر شهرين ثلاثة ورجع ما شاء الله ومتمرّن على القتال واستعمال أنواع الأسلحة إلى آخره لا تقبل له هذه الخصلة من الجهاد إلاّ إذا كان خالصا لوجه الله تبارك وتعالى وعلى ذلك فقيسوا أيّ جهاد تسمعون به ممّا لا يزال مثلا في أرض فلسطين ممّا يسمّى بالانتفاضة وممّا وقع حديثا ممّا يسمّى بحرب الخليج هل هذه كلّها هي عبادة لله عزّ وجلّ؟ الجواب على التّفصيل السّابق ما كان منه موافقا للكتاب والسّنّة ومنهج السّلف الصّالح أوّلا ومن كان في ذلك مخلصا لله تبارك وتعالى ثانيا فهو الّذي تقبل عبادته وترفع إلى الله عزّ و جلّ كما قال: (( إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصّالح يرفعه )) وأشدّ الأحاديث ترهيبا وتحذيرا من أن يتطلّب المسلم بعبادة من العبادات شيئا من حطام الدنيا هو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الّذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ومن هول هذا الحديث حينما يشعر المسلم الممتلئ رهبة وخوفا من الله عزّ وجلّ وخشية أن يكون عمله الصّالح غير مقبول عند الله عزّ وجلّ الّذي يستحضر هذه الخشية حينما يريد أن يسوق هذا الحديث لا يكاد ينطق لسانه به كما وقع لراوي الحديث وهو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه حيث كان في مجلس في حضرة معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه فطلب منه أحد الجالسين أن يروي له حديث الرّسول عليه السّلام في الثّلاثة الّذين تسعر بهم النّار يوم القيامة فتهيّأ أبو هريرة ليتحدّث بهذا الحديث ولكنّه سرعان ما أغمي عليه وغشي عليه لرهبة الحديث ثمّ نضحوا في وجهه الماء حتّى أفاق وهكذا ثلاث مرّات حتّى عادت إليه روحه ونفسه وقدرته وقوّته فابتدأ الحديث يقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( أوّل من تسعر بهم النّار يوم القيامة ثلاثة عالم ومجاهد وغنيّ ) هدول نخبة النّاس الّذين يستطيعون أكثر من غيرهم أن يعمّ النّاس بالفائدة العامّة ثلاثة عالم ومجاهد وغنيّ قال أبو هريرة: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلّم: ( يؤتى بالعالم فيقال له: أي عبدي ماذا عملت بما علمت؟ فيقول: يا ربّي نشرته في سبيلك فيقال له كذبت إنّما فعلت ليقول النّاس فلان عالم وقد قيل. خذوا به إلى النّار ) من هو؟ العالم العالم المفروض أنّه يصدق فيه قوله تبارك وتعالى (( يرفع الله الّذين آمنوا منكم والّذين أوتوا العلم درجات )) هؤلاء المفروض فيهم أن يرفعهم الله درجات عالية في الجنّات و إذا بهم أوّل من تسعر بهم النّار يوم القيامة لماذا؟ لأنّه حينما علّم النّاس ما قصد بذلك وجه الله وإنّما قصد أن يتحدّث النّاس ويحسنون الثّناء عليه وأن يقولوا فيه ما شاء الله فلان رجل عالم هكذا كان قصده و هنا نقطة لا بأس منها القصد في القلب كما سمعتم في الحديث السّابق إنّما الأعمال بالنيّات ولا يطّلع على النيات إلا علاّم الغيوب فمن علم الله منه أنّه يعلم النّاس لوجهه فلا يضره بعد ذلك أأحسن النّاس الثّناء عليه أم أساءوا؟ فالأمر عنده سيّان و على العكس من ذلك إذا لم يقصد بعلمه وجه الله تبارك و تعالى فلا ينفعه ثناء الناس عليه مطلقا لأنّ الله العليم بما في الصّدور قد علم منه أنّه لم يقصد بعلمه وجه الله تبارك وتعالى فمن علّم النّاس ليقول النّاس عنه فلان عالم فهو لم يحقّق الغاية من العبادة الّتي ذكر الله عزّ وجلّ في الآية السّابقة (( وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدّين )) هذا هو العالم يلقى في النّار قبل كثير من النّاس الآخرين لماذا؟ لأنّه لم يكن مخلصا لله في علمه ( ثمّ يؤتى بالمجاهد فيقال له أي عبدي ماذا عملت فيما أعطيتك من قوّة فيقول يا ربّي قاتلت في سبيلك فيقال له كذبت إنّما قاتلت ليقول النّاس فلان بطل فلان شجاع وقد قيل ) هنا يقال وقد قيل خذوا به إلى النّار كما قيل في العالم كذلك يقال للجنس الثّالث وهم الأغنياء ( فيؤتى بالغنيّ فيقال له ماذا فعلت بما أنعمت عليك من مال؟ فيقول يا ربّي أنفقته في سبيلك فيقال له كذبت إنّما فعلت ليقول النّاس كريم وقد قيل خذوا به إلى النّار) قال عليه الصّلاة والسّلام خاتما لهذا الحديث: ( فهؤلاء الثّلاثة أوّل من تسعر بهم النّار يوم القيامة ) ويعني بذلك ثلاثة أجناس العلماء والمجاهدون والأغنياء قصدوا بما أوتوا من نعمة العلم و القوّة و المال قصدوا غير وجه الله تبارك وتعالى قصدوا حسن الثّناء عليهم من النّاس فحصلوا على ما إليه قصدوا ولذلك كأنّ الله عزّ وجلّ يقول لهم قد حصّلتم ما أردتم أنت أيّها العالم أردت أن يقول النّاس فلان عالم قد قالوا فأخذت أجرك وأنت أيّها المجاهد قاتلت شجاعة ليقول النّاس فلان بطل وقد قالوا فقد حصّلت أجرك وأنت أيّها الغنيّ أنفقت وقيل فلان أكرم من حاتم طي مثلا هذا الّذي قصدته بإنفاقك قد حصّلته فأخذت أجرك أمّا اليوم فلكم النّار لماذا؟ لأنّكم أشركتم معي في عبادتي غيري لذلك قال تعالى: (( فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا )) فإذا حصيلة هاتين الكلمتين في هذه اللّيلة أنّه كما يجب على كلّ مسلم أن يكون مخلصا في كلّ عبادة يتعبّد الله بها فيجب عليه أيضا أن يكون في كلّ عبادة يتعبّد الله بها أن تكون عبادته على منهج السّلف الصّالح فإذا اختلّ شرط من هذين الشّرطين فلا تكون العبادة عبادة مقبولة عند الله تبارك وتعالى فنسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا مخلصين في عباداتنا ومتّبعين لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم في كلّ عباداتنا وبهذا القدر كفاية والحمد لله ربّ العالمين
قراءة الشّيخ لسورة الطّارق كاملة .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 357
- توقيت الفهرسة : 00:28:54
- نسخة مدققة إملائيًّا