بيان الشيخ لآداب السقي وبمن يبدأ الساقي .
A-
A=
A+
الشيخ : ... نقول بيانا للأمر الذي مرت الإشارة إليه، وهو أن الساقي يبدأ بمن عن يمينه أن يبدأ بكير القوم، ثم بمن عن يمينه، بعد أن تفتح هذه الجلسة وهذه الكلمة، بخطبة الحاجة التي كان رسول صلى الله عليه وسلم، يفتتح بها خطبه ودروسه عليه عليه الصلاة والسلام، نقول : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد : فمعلوم لدى إخواننا الحاضرين جميعا، إن شاء الله أن خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه و آله سلم و هذه الجملة الجملة من كلمة الرسول عليه السلام في تلك الخطبة التي أشرنا إليها، لكني أردت اختصارها لنبدأ فيما نحن بصدده من الكلام عن سنة ضيعها كثير من الخاصة من أهل العلم فضلا عن غيرهم، هذه السنة أن الساقي إذا بدأ بإسقاء الجالسين فإنما عليه أن يبدأ بمن عن يمينه وهكذا على التسلسل، أما ما يقوله بعض الناس قديما وحديثا من أن السنة أن يبدأ الساقي بكبير القوم ثم بمن عن يمينه، فهذا منهم وهم، منشؤه أنهم لم يتتبعوا الحديث الصحيح الذي بنوا عليه رأيهم من جميع طرقه وألفاظه، بيان هذا أن الحديث جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قوما فأتي بلبن قد شيب بماء في قعب والقعب هو كأس كبير، فشرب منه صلى الله عليه وسلم وبقي فيه سؤر قبضة، وكان عن يمينه أعرابي ، وفي رواية عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وعن يساره أبو بكر الصديق رضي الله عنه وفي رواية مشايخ وكبار قريش فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرب من ذاك الحليب الذي قد خلط بماء، التفت إلى من كان عن يمينه فقال له مستأذنا ( أأسقي أبا بكر ) قال والله يل رسول الله لا أؤثر أحدا على فضلة شرابك، وفي بعض الروايات، عمر جالس وهو يراقب الموضوع والوضع فأعطاه لمن كان عن يمينه وتطمينا لقلب الحاضرين وبخاصة منهم عمر بن الخطاب، قال عليه الصلاة والسلام ( الأيمن فالأيمن ) وفي رواية ( الأيمنون فالأيمنون فالأيمنون ) ، هذه الرواية كما ذكرنا آنفا هي في الصحيحين ، وقف عندها من ذهب إلى أن السنة أن يبدأ الساقي بكبير القوم ، لأن هذه الحادثة صريحة بأن الساقي بدأ بالرسول صلى الله عليه وسلم ثم بدأ بالرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بمن عن يمينه لكن فاتهم شيء يتعلق بالرواية ، وآخر يتعلق بالدراية أي الفهم والفقه ، أما ما يتعلق بالرواية فهو أن في رواية في صحيح البخاري في كل من الحديثين ذكرت آنفا أن الحديث من حديث أنس بن مالك ، وقد جاء أيضا من حديث سهل بن سعد الساعدي في كل من الحديثين زيادة مهمة جدا ، توضح وتأكد خطأ الاستدلال بالرواية الأولى ، على السنة أن يبدأ الساقي بكبير القوم ، تلك الزيادة تقول: ( استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بلبن قد شيب بماء في قعب ) ، إذا هذه الزيادة ، تعطينا جواب السؤال ، لماذا بدأ الساقي برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الجواب عند الذين يقولون بأن السنة يبدأ بكبير القوم لأن الرسول سيدهم هذا هو جوابهم، لكن الزيادة هذه ترد عليهم، وتجعلنا نضطر إلى أن نغير الجواب وتقول إنما بدأ الساقي بالرسول عليه السلام لأنه كان استسقى ، أي طلب السقيا ، هذه هي الزيادة وهي صحيحة وهي في صحيح البخاري، تجعلنا نفهم من الحادثة أن الساقي الذي بدأ بالرسول عليه السلام إنما بدأ به لأنه كان قد طلب السقيا ، فهي العمدة من حيث الرواية على أن السنة لا تعني البدء بكبير القوم، وإنما تعني البدء بمن قال عليه السلام ، وطبق قبل ذلك القول بالفعل وبيان ذلك سمعتم أن الرسول عليه السلام، بعد أن شرب حاجته وبقي في القعب قبضة، استأذن من كان عن يمينه، فلم يأذن، وقال لا أؤثر أحدا على فضلة شرابك ، فأعطاه وقال ( الأيمن فالأيمن ) ، إذا السنة أن يبدأ الساقي بالأيمن فالأيمن هنا أريد أن ألفت النظر، إلى شيء يغفل عنه كثير من الناس ألا وهو، حينما شرب من كان عن يمينه عليه السلام، من كان الساقي ؟ أهو الذي سقى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هو الرسول نفسه ؟ الرسول عليه السلام نفسه إذا لو كان القول بأن الساقي يبدأ، بكبير القوم والآن أصبح الرسول ساقيا، ما كان له ليستأذن من كان عن يمينه، وهو إما بصغير القوم وهو ابن عباس أو من الأعراب ، وإنما كان يبدأ بكبير القوم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلما لم يبدأ به وبدأ بالأعرابي أو بابن عباس الذي عن يمينه، دعم ذلك بقوله :( الأيمن فالأيمن ) أو الرواية الثانية ( الأيمنون فالأيمنون فالأيمنون )) ، قلت آنفا أن هناك شيئين أحدهما رواية والآخر دراية، الدراية التي عنيتها هو هذا الاستنباط والنظر فيما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام بعد أن أصبح القعب في يده، وصار هو الساقي فبدأ بمن عن يمينه وهو الأعرابي أو ابن عباس فمعنى ذلك أن الفهم الذي يتكل عليه بعض الناس أنه يبدأ بكبير القوم ثم بمن عن يمينه ، هذا رأي لا دليل عليه ، بل الدليل يعارضه كما سمعتم بوضوح تام، يضاف إلى ذلك أن ننظر إلى بعض القواعد الإسلامية ، التي منها قوله عليه الصلاة والسلام: ( أنا وأمتي براْء من التكلف ) وقوله: ( يسروا ولا تعسروا ) و القرآن سابق لقوله عليه السلام: ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) في كثير من الأحيان لا يمكن أن يتميز كبير القوم على الأذكياء من الناس، خاصة إذا كانوا متقاربين إما في السن أو في الجاه والعلم والمنزلة بين الناس والساقي عادة في الأزمنة القديمة، يكون من عامة الناس ممن لا ثقافة عندهم ، ولا وعي في تمييز مقامات الناس ومعرفة درجاتهم ومنازلهم فإذا قيل للساقي ابدأ بكبير القوم يعني قيل له توجيها وثقافة ، فدخل المجلس ، فقد يكون هذا الرجل الذي هو عن يميني مثلا، هو سيد القوم وهو عالمهم، لكن هذا الساقي يضطر ويغتر بكبير السن ، وباللحية، ترى هل هذا هو المقصود بالنسبة لأولئك الذين يقولون أن السنة أن يبدأ بكبير القوم سنا، أم كبير القوم علما وصلاحا ومنزلة، فهنا يظهر لكم أن تمييز كبير القوم أحدهم على الآخر أو الآخرين أمر صعب لأنه يتطلب أن يكون على معرفة تامة بتراجم هؤلاء الضيوف، وفي كل يوم يكون فيه ضيوف ولذلك أنا أقول الأمر يتطلب بالنسبة لساقي القوم أن يكون مثل ابن خلدون زمانه، يكون عارفا بتراجم الرجال ومنزلتهم وهذا تكليف بما لا يطاق، فإذا كان من القواعد ( أنا وأمتي براء من التكلف )، إذا يقال لهذا الساقي المسكين، الذي وظيفته أن يسقي الجماعة وجزاه الله خيرا ابدأ يا أخي من عن يمينك ولا نتصور الساقي مهما كان غير مثقف وغير واعي، إلا ويميز يمينه عن شماله أما والله ابدأ بكبير القوم ، من هذا كبير القوم ؟ لعله هناك لعله يلي في الزاوية ، وفي الزاوية خبايا كما يقال الخ . هذا تكليف ما لا يطاق، ويضاف أخيرا شيء أن من المبادئ والقواعد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب التيامن في كل شيء ، قاعدة عامة تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ( كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يحب التيامن في كل شيء،في ترجله، وفي تطهره، وفي تنعله، وفي شأنه كله ) ، هذا كما يقول علماء اللغة تعميم بعد تخصيص، خصص تسريح الشعر والتطهر والتنعل ثم عمم الراوي أو عممت السيدة عائشة فقالت: وفي شأنه كله فمن شؤون الناس إسقاء الضيوف، فمن يتولى الإسقاء؟ هو كما قلنا رجل من عامة الناس إذا ليتخذ المبدأ الإسلامي، أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب التيمن في كل شيء فيبدأ بيمينه. شيء آخر كنت أذكره بهذه المناسبة، لم يكن معتادا في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما سقي من القعب ، لم يكن من العادة عندهم، أن يسقوا الضيوف جميعا من الحليب، لأنه جماعة فقراء ومساكين ، ولم يكن عندهم من السقيا كالشاي ونحو ذلك، وإنما كانوا يسقون الشخص الذي هو بحاجة إلى السقيا إذا لا يصح إن نقيس تلك الحادثة ولو رفعنا عنها جدلا، تلك القيود التي ذكرناها ، ما يجوز لنا أن نقيس عليها ما نحن الآن معتادينه، من أن ربّ البيت يسقي الناس الشاي أو البارد أو نحو ذلك. كل فرد بدون إستثاء، لأن هذه عادة لم تكن من قبل، ولا شك أن هذه العادة لا تدخل في محدثات الأمور، بل تدخل في قوله عليه السلام: ( من كان يؤمن باله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه )، فهذا من إكرام الضيف، فهذا التوسع في الإسقاء هو من إكرام الضيف، الذي تيسر للمسلمين فيما بعد الفتوحات الإسلامية، فإذا نتمسك بالمبدأ العام كان يحب التيمن في كل شيء، وبخاصة أن المبدأ الخاص في هذه الحادثة، تلاقى واندعم بمبدأ العام، وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 191
- توقيت الفهرسة : 00:00:38
- نسخة مدققة إملائيًّا