هل يجب على طالب العلم الذي بلغ مرتبة الاتباع أن يراجع العلماء في كل مسألة تعرض له الآن من المسائل التي يكون قد بحث فيها أهل العلم الأحياء ؛ مع أنه يمكنه البحث وتحقيق كثير من المسائل بالاستعانة بكتب أهل العلم ؟
A-
A=
A+
السائل : هل يجب على طالب العلم الذي يكون قد بلغ رتبةَ الاتِّباع أن يراجع العلماء في كل مسألة تعرض له من المسائل التي يكون قد بحثَ فيها أهل العلم الأحياء والأموات ؛ مع العلم أنه يمكنه البحث وتحقيق الحقِّ في كثير من المسائل ، وذلك استعانةً بكتب العلماء التي هي تحت يديه ؛ لأن من أعمال المبتدع كما ذكر الشاطبي الترجيح بين أقوال العلماء بوجهٍ من أوجه الترجيح وما أكثرها ، فالرجاء توضيح هذه المسألة ؛ لأن بعض الطلبة عندنا يلزموننا بالرجوع في كل مسألة ترجَّحت لدينا وعلمنا أدلتها إلى عالمٍ حيٍّ تحقيقًا لقوله - تعالى - : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، وبحجة أنك قد تُسيء فهم ذلك العالم ... فأنت بحاجة إلى من يقوِّم لك هذا الفهم ، فنرجو التوضيح والتوسعة في الجواب عن هذا السؤال ؛ لأننا نرى في هذا القول دعوةً صريحةً إلى التقليد الذي ... واستقرَّ من الزمان أطال الله في عمركم إلى مدِّه ... حتى تقوم قائمة لدولة الإسلام ، وأنه كم هو مقرَّر ومحرَّر أن سؤال العلماء يكون عند عدم العلم أو الجهل بحكم المسألة ، وقرَّرَه نبيُّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح الذي رواه جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه - في قصة الرجل الذي أصابه حجر فشجَّ رأسه ، وجزاكم الله خيرًا ؟
الشيخ : ... أن هذه المسألة فيها دقَّة ؛ والجواب النَّظري فيه أمرٌ واضح ، لكن الحكم على الناس أنه وصل إلى هذه المرتبة التي يستغني فيها عن الرجوع إلى أهل العلم أو لم يصِلْ هذا أمر صعب إلا بمعاشرة ومباشرة الكلام والبحث والنقاش مع هؤلاء طلاب العلم .
فلا يخفى على الحاضرين جميعًا - إن شاء الله - أن الذي يريد أن يُرجِّح بين أقوال العلماء المختلفة في المسألة الواحدة أنه بلا شك ينبغي أن يكون متمكِّنًا في علمَين أساسيَّين بعد أن يكون عربيًّا ؛ إما أصيلًا أو أن يكون مُستعربًا يعرف اللغة العربية كما يعرفها أهلها . بعد هذا العلم باللغة العربية على أحد الوجهَين المُشار إليهما لا بد أن يكون عالمًا بطُرُق تصحيح الأحاديث وتضعيفها ، ثم أن يكون عالمًا بأصول فقه الحديث الذي منه أو به يتمكَّن من التوفيق بين النصوص المختلفة والتي ظاهرها التعارض ؛ فمثلًا : قد يعرض لطالب العلم هذا بحث في مسألة لكلٍّ من المختلفين فيها حديث ، وظاهر هذه الأحاديث التعارض ، فهنا قبل كلِّ شيء يجب أن يدرسَ هذه الأدلة من حيث صحَّتها ؛ هل هي ثابتة أم غير ثابتة ؟ فإذا أجرى هذا البحث وتبيَّن له أن بعضها صحيح وبعضها غير صحيح أجرى عملية التصفية ، بإجراء هذه العملية قد لا يحتاج إلى إجراء عملية أخرى ، وهي التي لا يتمكَّن من إجرائها إلا إذا كان هو نفسه متمكِّنًا في العلم الآخر ؛ ألا وهو علم أصول الحديث .
بهذه المناسبة يحسن أن أذكر ؛ لأن المناسبات قد تفوتنا ؛ هذا الذي تعرفونه " حسن السقاف " اتصل بي أكثر من مرة ، آخر مرة سألني أنُّو ماذا تقولون في اختلاف الأئمة ؟ هل يعني هذا الاختلاف تقرُّونه أو تنكرونه ؟ فذكرت له أن الاختلاف على نوعين ؛ اختلاف تنوع ، واختلاف تضاد ؛ فإذا كان من النوع الأول فنحن نقرُّه . قال : مثاله ؟ قلنا : هذا مثاله أدعية الاستفتاح وأنواع التشهد والصلاة الإبراهيمية . وإذا كانا من الاختلاف اختلاف التضادِّ فنحن نعتقد أن الحقَّ واحد ، وأن ما يخالفه هو خطأ واضح ؛ وذكرت له الآية قال - تعالى - : (( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ )) . أخذ يحاول أن يجدَ ثغرة ليصل إلى هدف له لا يخفى هنا ؛ فعرفت مقصده ، قلت له : أنت إيش رأيك ؟ ما رأيك أنت ؟ قال : إذا كان الخلاف مع كلٍّ من المختلفِين أو المختلِفَين على حسب الواقع حديث فنحن نقرُّ هذا الخلاف . فعرفت يعني أنه يريد أن لا يفرِّق بين اختلاف التَّنوع واختلاف التَّضاد .
السائل : ... المصيبة .
الشيخ : أيوا . قلت : فماذا تقول في حديث - وهنا الشاهد كمثال لما نحن في صدده - ما تقول في ... ؟ ... قلت له : طيب ؛ هل تعمل به ؟ قال : نعم . قلت له : ماذا تقول في حديث : ( هل هو إلا بضعةٌ منك ) ؟ هل هو صحيح ؟ بدأت الحَيدة ؛ قال بعضهم يصحِّحه وبعضهم يضعِّفه ، قلت : لماذا الحيدة ؟ قال : ما حدْتُ . قلت : بلى ، لما سألتك عن الحديث الأول قلت : صحيح . ولما سألتك عن الآخر بدأت تشكِّك بعضهم صححه . أنا أسألك عنك أنت ما تقول في هذا الحديث ؟ أنا أعرف الخلاف ، لكن أنت ما رأيك صحيح ولَّا ضعيف ؟ ما وسعه إلا أن يعترف بصحته ، وهنا وقع ، قلت : هل تقول به ؟ قال : لا . قلت : هلق أنت تُخطِّئ الإمام أبي حنيفة الذي يقول بأنُّو يجوز ، الوضوء صحيح ولا شيء في ذلك ، ولا يأخذ بالحديث الأول : ( من مسَّ ذكر فليتوضَّأ ) .
السائل : ... .
الشيخ : إي نعم .
وبعدين استمررت معه في شيء من النصيحة لكن من العيار الثقيل ، قلت : لذلك أنا لا أرغب أن ألتقي معك ؛ لأنه لا يظهر لي أنك تريد الحقَّ في الواقع ، ولذلك أقول : السلام عليك إن شاء الله . قلت : إن شاء الله . بعد قليل عاد الرجل وقال : لقد كشفْتَ شبهةً كانت لديَّ ، فأنا أريد أن أسألك سؤالًا آخر . قلت : لا استعداد عندي ؛ لأن الشُّبَهة التي كشفتُها لا تزال عندك قائمة كما هي !
الشاهد : إذا ما جاءه مثل هذا المثال ؛ لا شك أنه سيجد بعض المحدِّثين يضعِّفون الحديث ، فهو سيحار ؛ كيف يستطيع أن يأخذ بحديث يقول : ليتوضَّأ وبحديث : لا يتوضأ ؟ إما أن يجري = -- يرحمك الله -- = إما أن يجري عملية تصفية ويستريح من أحد الحديثين إذا كان هناك مجال من الناحية الحديثية ، وإلا لا بد أن ينتقل من المجال الحديثي إلى المجال الفقهي فيوفِّق بين الحديثين ؛ وهذا يحتاج بلا شك إلى معرفة القواعد العلمية والأصولية .
فإذا كان طالب العلم بهذه المثابة الجواب : أنه لا يجب عليه أن يسأل أهل الذكر ؛ لأننا نحن نقول في كثير من أجوبتنا ومحاضراتنا أنَّ ربَّنا - عز وجل - في مثل قوله - تعالى - : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) قد جعل المجتمع الإسلامي قسمين : قسم يجب عليه السؤال ، وقسم يجب عليه الجواب . وليس هناك حلٌّ وسط ، مرتبة وسطى ، إما أهل علم فعليهم أن يُجيبوا ، وإما غير أهل علم فعليهم أن يسألوا أولئك ، هكذا . فطلَّاب العلم إذا وصلوا إلى المرتبة أنهم علماء فهؤلاء صاروا علماء وليسوا بحاجة إلى أن يسألوا أهل العلم ، وإلا فهم داخلون في عداد الجمهور الذين عليهم أن يسألوا أهل العلم ، فمَن وجد في نفسه هذه القدرة العلمية لنقل الآن : معرفتهم باللغة العربية ، معرفته بعلم أصول الحديث والجرح والتعديل ، معرفته بأصول الفقه ، وقضى على ذلك شطرًا من الزمان يختبر نفسه في استنباط الأحكام يعرضها على ما درس من أقوال العلماء الذين اختلفوا في كثير من المسائل ؛ فهذا ليس يجب عليه أن يسأل أهل العلم ، أما إذا كان ليس كذلك ؛ فنحن نعتقد قول الذين قالوا بأنه لا بد من الرجوع إلى أهل العلم . لكن هذا لا يحطُّ شيئًا من قيمة الاتباع ؛ فيجب أن نعرف أنَّ هناك ثلاثة مراتب فيما يتعلق بهذا المجتمع الذي جَعَلَه ربُّنا - عز وجل - من حيث المعرفة بالعلم والجهل به قسمين كما ذكرنا آنفًا ، وهناك مرتبة وسطى .
فأكثر الناس هم مقلِّدون ، حرام حرام ، حلال حلال ؛ هذا هو التقليد ، وهذا الذي نحن نحذِّر منه المجتمع الإسلامي أن يقع في مثله ؛ لأنه يجب عليه أن ينطلق في عبادته لربِّه ليكون على بصيرة من دينه كما قال - تعالى - : (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) . فالمقلِّدون ليسوا على بصيرة حتمًا ، لكن المتَّبعون الذين من ديدنهم أن يعرفوا أنُّو قول هذا العالم أو ذاك هو نابعٌ من دليل من كتاب الله أو حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز لأحدٍ أن يُخالفه أو هو الرأي والاجتهاد ، والرأي والاجتهاد معرَّض للخطأ وللصواب . هذا إنما يفعله قِلَّة من جمهور المسلمين الأكبر وهم الذين نسمِّيهم بالمتَّبعين ، فليس من الضروري أن يصبح هؤلاء علماء ، لكن - أيضًا - لا أقول : ليس من الضروري ، بل ليس من الجائز أن يظلُّوا في مصافِّ المقلدين ، فهناك مرتبة وسطى لا هم علماء ولا هم مقلِّدون ، وإنما هم متبصِّرون متَّبعون للعلماء على بصيرةٍ من دينهم .
هذا هو الرأي ، وحسبنا الآن هذه الجلسة ، وعسى أن نراكم مرَّةً أخرى في عودتكم من العمرة ، وعمرة متقبَّلة إن شاء الله .
الشيخ : ... أن هذه المسألة فيها دقَّة ؛ والجواب النَّظري فيه أمرٌ واضح ، لكن الحكم على الناس أنه وصل إلى هذه المرتبة التي يستغني فيها عن الرجوع إلى أهل العلم أو لم يصِلْ هذا أمر صعب إلا بمعاشرة ومباشرة الكلام والبحث والنقاش مع هؤلاء طلاب العلم .
فلا يخفى على الحاضرين جميعًا - إن شاء الله - أن الذي يريد أن يُرجِّح بين أقوال العلماء المختلفة في المسألة الواحدة أنه بلا شك ينبغي أن يكون متمكِّنًا في علمَين أساسيَّين بعد أن يكون عربيًّا ؛ إما أصيلًا أو أن يكون مُستعربًا يعرف اللغة العربية كما يعرفها أهلها . بعد هذا العلم باللغة العربية على أحد الوجهَين المُشار إليهما لا بد أن يكون عالمًا بطُرُق تصحيح الأحاديث وتضعيفها ، ثم أن يكون عالمًا بأصول فقه الحديث الذي منه أو به يتمكَّن من التوفيق بين النصوص المختلفة والتي ظاهرها التعارض ؛ فمثلًا : قد يعرض لطالب العلم هذا بحث في مسألة لكلٍّ من المختلفين فيها حديث ، وظاهر هذه الأحاديث التعارض ، فهنا قبل كلِّ شيء يجب أن يدرسَ هذه الأدلة من حيث صحَّتها ؛ هل هي ثابتة أم غير ثابتة ؟ فإذا أجرى هذا البحث وتبيَّن له أن بعضها صحيح وبعضها غير صحيح أجرى عملية التصفية ، بإجراء هذه العملية قد لا يحتاج إلى إجراء عملية أخرى ، وهي التي لا يتمكَّن من إجرائها إلا إذا كان هو نفسه متمكِّنًا في العلم الآخر ؛ ألا وهو علم أصول الحديث .
بهذه المناسبة يحسن أن أذكر ؛ لأن المناسبات قد تفوتنا ؛ هذا الذي تعرفونه " حسن السقاف " اتصل بي أكثر من مرة ، آخر مرة سألني أنُّو ماذا تقولون في اختلاف الأئمة ؟ هل يعني هذا الاختلاف تقرُّونه أو تنكرونه ؟ فذكرت له أن الاختلاف على نوعين ؛ اختلاف تنوع ، واختلاف تضاد ؛ فإذا كان من النوع الأول فنحن نقرُّه . قال : مثاله ؟ قلنا : هذا مثاله أدعية الاستفتاح وأنواع التشهد والصلاة الإبراهيمية . وإذا كانا من الاختلاف اختلاف التضادِّ فنحن نعتقد أن الحقَّ واحد ، وأن ما يخالفه هو خطأ واضح ؛ وذكرت له الآية قال - تعالى - : (( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ )) . أخذ يحاول أن يجدَ ثغرة ليصل إلى هدف له لا يخفى هنا ؛ فعرفت مقصده ، قلت له : أنت إيش رأيك ؟ ما رأيك أنت ؟ قال : إذا كان الخلاف مع كلٍّ من المختلفِين أو المختلِفَين على حسب الواقع حديث فنحن نقرُّ هذا الخلاف . فعرفت يعني أنه يريد أن لا يفرِّق بين اختلاف التَّنوع واختلاف التَّضاد .
السائل : ... المصيبة .
الشيخ : أيوا . قلت : فماذا تقول في حديث - وهنا الشاهد كمثال لما نحن في صدده - ما تقول في ... ؟ ... قلت له : طيب ؛ هل تعمل به ؟ قال : نعم . قلت له : ماذا تقول في حديث : ( هل هو إلا بضعةٌ منك ) ؟ هل هو صحيح ؟ بدأت الحَيدة ؛ قال بعضهم يصحِّحه وبعضهم يضعِّفه ، قلت : لماذا الحيدة ؟ قال : ما حدْتُ . قلت : بلى ، لما سألتك عن الحديث الأول قلت : صحيح . ولما سألتك عن الآخر بدأت تشكِّك بعضهم صححه . أنا أسألك عنك أنت ما تقول في هذا الحديث ؟ أنا أعرف الخلاف ، لكن أنت ما رأيك صحيح ولَّا ضعيف ؟ ما وسعه إلا أن يعترف بصحته ، وهنا وقع ، قلت : هل تقول به ؟ قال : لا . قلت : هلق أنت تُخطِّئ الإمام أبي حنيفة الذي يقول بأنُّو يجوز ، الوضوء صحيح ولا شيء في ذلك ، ولا يأخذ بالحديث الأول : ( من مسَّ ذكر فليتوضَّأ ) .
السائل : ... .
الشيخ : إي نعم .
وبعدين استمررت معه في شيء من النصيحة لكن من العيار الثقيل ، قلت : لذلك أنا لا أرغب أن ألتقي معك ؛ لأنه لا يظهر لي أنك تريد الحقَّ في الواقع ، ولذلك أقول : السلام عليك إن شاء الله . قلت : إن شاء الله . بعد قليل عاد الرجل وقال : لقد كشفْتَ شبهةً كانت لديَّ ، فأنا أريد أن أسألك سؤالًا آخر . قلت : لا استعداد عندي ؛ لأن الشُّبَهة التي كشفتُها لا تزال عندك قائمة كما هي !
الشاهد : إذا ما جاءه مثل هذا المثال ؛ لا شك أنه سيجد بعض المحدِّثين يضعِّفون الحديث ، فهو سيحار ؛ كيف يستطيع أن يأخذ بحديث يقول : ليتوضَّأ وبحديث : لا يتوضأ ؟ إما أن يجري = -- يرحمك الله -- = إما أن يجري عملية تصفية ويستريح من أحد الحديثين إذا كان هناك مجال من الناحية الحديثية ، وإلا لا بد أن ينتقل من المجال الحديثي إلى المجال الفقهي فيوفِّق بين الحديثين ؛ وهذا يحتاج بلا شك إلى معرفة القواعد العلمية والأصولية .
فإذا كان طالب العلم بهذه المثابة الجواب : أنه لا يجب عليه أن يسأل أهل الذكر ؛ لأننا نحن نقول في كثير من أجوبتنا ومحاضراتنا أنَّ ربَّنا - عز وجل - في مثل قوله - تعالى - : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) قد جعل المجتمع الإسلامي قسمين : قسم يجب عليه السؤال ، وقسم يجب عليه الجواب . وليس هناك حلٌّ وسط ، مرتبة وسطى ، إما أهل علم فعليهم أن يُجيبوا ، وإما غير أهل علم فعليهم أن يسألوا أولئك ، هكذا . فطلَّاب العلم إذا وصلوا إلى المرتبة أنهم علماء فهؤلاء صاروا علماء وليسوا بحاجة إلى أن يسألوا أهل العلم ، وإلا فهم داخلون في عداد الجمهور الذين عليهم أن يسألوا أهل العلم ، فمَن وجد في نفسه هذه القدرة العلمية لنقل الآن : معرفتهم باللغة العربية ، معرفته بعلم أصول الحديث والجرح والتعديل ، معرفته بأصول الفقه ، وقضى على ذلك شطرًا من الزمان يختبر نفسه في استنباط الأحكام يعرضها على ما درس من أقوال العلماء الذين اختلفوا في كثير من المسائل ؛ فهذا ليس يجب عليه أن يسأل أهل العلم ، أما إذا كان ليس كذلك ؛ فنحن نعتقد قول الذين قالوا بأنه لا بد من الرجوع إلى أهل العلم . لكن هذا لا يحطُّ شيئًا من قيمة الاتباع ؛ فيجب أن نعرف أنَّ هناك ثلاثة مراتب فيما يتعلق بهذا المجتمع الذي جَعَلَه ربُّنا - عز وجل - من حيث المعرفة بالعلم والجهل به قسمين كما ذكرنا آنفًا ، وهناك مرتبة وسطى .
فأكثر الناس هم مقلِّدون ، حرام حرام ، حلال حلال ؛ هذا هو التقليد ، وهذا الذي نحن نحذِّر منه المجتمع الإسلامي أن يقع في مثله ؛ لأنه يجب عليه أن ينطلق في عبادته لربِّه ليكون على بصيرة من دينه كما قال - تعالى - : (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) . فالمقلِّدون ليسوا على بصيرة حتمًا ، لكن المتَّبعون الذين من ديدنهم أن يعرفوا أنُّو قول هذا العالم أو ذاك هو نابعٌ من دليل من كتاب الله أو حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز لأحدٍ أن يُخالفه أو هو الرأي والاجتهاد ، والرأي والاجتهاد معرَّض للخطأ وللصواب . هذا إنما يفعله قِلَّة من جمهور المسلمين الأكبر وهم الذين نسمِّيهم بالمتَّبعين ، فليس من الضروري أن يصبح هؤلاء علماء ، لكن - أيضًا - لا أقول : ليس من الضروري ، بل ليس من الجائز أن يظلُّوا في مصافِّ المقلدين ، فهناك مرتبة وسطى لا هم علماء ولا هم مقلِّدون ، وإنما هم متبصِّرون متَّبعون للعلماء على بصيرةٍ من دينهم .
هذا هو الرأي ، وحسبنا الآن هذه الجلسة ، وعسى أن نراكم مرَّةً أخرى في عودتكم من العمرة ، وعمرة متقبَّلة إن شاء الله .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 73
- توقيت الفهرسة : 00:24:47
- نسخة مدققة إملائيًّا