تكلم عن آية : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ومن هم المعنيون بهذه الآية .؟
A-
A=
A+
الشيخ : قال تعالى: (( فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون )) أهل الذّكر هم أهل القرآن كما جاء في قوله تعالى في القرآن: (( إنّا نحن نزّلنا الذّكر و إنّا له لحافظون )) و كما قال عليه الصّلاة و السّلام: ( إنّ أهل القرآن أهل الله وخاصّته ) فإذن حينما قال: (( فاسألوا أهل الذّكر )) أي اسألوا أهل العلم بالذّكر الّذي هو القرآن و إذا انتهينا إلى هذه النّقطة الثّانية , النّقطة الأولى أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم هو منبع العلم , النّقطة الثّانية أنّ الّذين خلفوه عليه السّلام من بعده في العلم فمنهم يستقى العلم , وهؤلاء هم أهل القرآن أهل الله و خاصّته . و أهل القرآن لا يمكن أن يكونوا هم الّذين فقط عنوا بحفظ القرآن و دراسته دون أن يستعينوا على ذلك بسنّة النّبيّ صلّى الله و آله وسلّم و بيانه ذلك لأنّ الله عزّ و جلّ قال في كتابه: (( و أنزلنا إليك الذّكر لتبيّن للنّاس ما نزّل إليهم )) فهذه الآية تدلّنا على أنّ هناك في الشّرع أو في الإسلام شيئين اثنين , الشّيء الأوّل هو القرآن و اسمه بنصّ الآية السّابقة مبيّن (( و أنزلنا إليك الذّكر لتبيّن للنّاس ما نزّل إليهم )) فهذا القرآن المنزّل مبيّن و ما هو المبيّن هو الرّسول صلّى الله عليه وسلّم , إذن إذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد رفعه الله إلى الرّفيق الأعلى فبقيت سنّته و هي الّتي بها عليه الصّلاة و السّلام بيّن كتاب ربّه . فإذن من كان عالما بالكتاب و بالبيان الّذي هو السّنة فهو العالم و هو المقصود بالآية السّابقة (( فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون )) إذن لا يمكن أن يكون هناك نزاع بين عالمين اثنين أنّ الإسلام بعد وفاته عليه السّلام بقي حيّا كم كان و بقي في مصدريه الكتاب و السّنّة فمن كان عالما بهما فهو الّذي يسأل و هكذا جرى العمل من المسلمين فقد كان أصحابه عليه السّلام يسألون النّاس إذا كانوا بعيدين عن منبع العلم ألا و هو الرّسول صلّى الله عليه و آله و سلّم كما جاء في سنن أبي داود و غيره من كتب السّنّة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم كان أرسل سريّة للجهاد في سبيل الله فقاتلوا المشركين ثمّ لمّا أمسى المساء و أرخى اللّيل سدوله على النّاس و ناموا أصبح أحدهم محتلما و كان جريحا فسأل من حوله: " هل تجدون لي رخصة في أن لا أغتسل؟ " لما به من الجراحات قالوا: لا ، لابدّ لك من الاغتسال. فاغتسل فكان حتفه في هذا الغسل . فلمّا وصل خبره إلى النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم غضب غضبا شديدا و دعا على الّذين أفتوه بهذه الفتوى الجائرة و كانوا سبب هلاكه دعا عليهم قائلا: ( قتلوه قاتلهم الله ألا سألوا حين جهلوا فإنّما شفاء العيّ السّؤال ) إذن هذا الحديث كتفصيل أو كمثال للآية السّابقة (( فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون )) اسألوا العالمين بالكتاب و السّنّة هذه نقطة. الآن ننتقل إلى صلب السّؤال فكيف يتلقّى العلم بعد وفاة الرّسول صلّى الله عليه و سلّم أليس بطريق هؤلاء العلماء و لنسمّ هؤلاء العلماء روّاة فما معنى قول القائل الّذي نقلت عنه آنفا نأخذ العلم عن من قلت ؟
السائل : عن أفواه الرّجال .
الشيخ : عن أفواه الرّجال , إذن نأخذه من ماذا ؟ لا وحي بعد رسول الله صلّى الله عليه و سلّم , فحينئذ لا بدّ من أن نأخذ ممّن أخذ من المعين الأوّل هم أصحاب الرّسول صلّى الله عليه و سلّم أخذوا عنه مباشرة , ثمّ جاء دور التّابعين , بل قبل أن أقول دور التّابعين نفس أصحاب الرّسول صلّى الله عليه و سلّم وهذه نقطة لعلّ من الضّروريّ أن أتوسّع فيها قليلا لأنّها في الحقيقة من العلم الّذي لا يسطّر عادة و إنّما يستقرّ في صدور أهل العلم . هل كان أصحاب الرّسول عليه السّلام الّذين يعدّون الألوف المؤلّفة هل كانوا كلّهم علماء ؟ أي كلّ واحد كان ما يحتاج إلى أن يسأل غيره من الصّحابة فهو يفتي نفسه بنفسه أم الأمر كما يذكر العلماء و في مقدّمتهم ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله في كتابه العظيم " إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين " كان في الصّحابة الّذين يعدّون الألوف المؤلّفة كما ذكرنا نحو مائتين من أصحاب الرّسول هم أهل الفتوى , إذن قبل مجيء الجيل الثّاني الّذين ما التقوا مع الرّسول صلّى الله عليه و آله و سلّم و لا أخذوا العلم منه مباشرة الجيل الأوّل نفسه ما كان كلّهم يتلقّى العلم من النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم مباشرة و إنّما كان يأخذ عن من أخذ عن النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم مباشرة لعلّه يحسن هنا أن نذكر مثلين اثنين يذكران عادة في غير هذه المناسبة الّتي أنا في صدد التّحدّث عنها , المثل الأوّل حينما يترجمون أبا هريرة رضي الله عنه و المثل الثّاني ابن عبّاس حينما يترجمون لهما يقولون ابن عبّاس عندما مات رسول الله صلّى الله عليه و سلّم مات و بن عبّاس صغير كاد أن يبلغ سنّ التّكليف و أبو هريرة مات رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و لم يصحبه إلاّ نحو سنتين و نصف فلماذا كان أبو هريرة أكثر أصحاب النّبيّ حديثا كما تشهد كتب الحديث الآن و لماذا كان عبد الله بن عبّاس كثير الحديث مع أنّه كان صبيّا حينما مات النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم السّبب و هنا الشّاهد أنّ الصّحابة كان يأخذ بعضهم من بعض فأبو هريرة هذه الأحاديث الّتي نقرؤها عنه الآن في كتب الحديث لم يسمعها كلّها من فم النبي صلى الله عليه وسلم بأذنه و إنّما بعضها من هذا النّوع و البعض الآخر ممّا تلقّاه من بعض الصّحابة الّذين سمعوا تلك الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كذلك ابن عبّاس كان حريصا على أن يتّصل بكبار الصّحابة ليأخذ منهم ما سمعوه من النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و لذلك كان كثير الحديث . من أجل هذا و هذا نلاحظ و لاحظوا معي حينما تقرأون في كتب السّنّة في الصّحيحين فضلا عن غيرهما نادرا ما تجدون أو تقرؤون بالسّند الصّحيح إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله نادر , و إنّما تجدونه يقول: قال رسول الله . سعيد بن المسيّب مثلا قال سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم. نادر جدّا بالنّسبة للمجموعة الطّيّبة من الألوف المؤلّفة الّتي تروى عنه و بالأسانيد الصّحيحة نادرا جدّا أن تجدوه يقول سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أو حضرت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أو ما يؤدّي هذا المعنى , هذا النّوع موجود في أحاديثه لكنّها قلّة بالنّسبة للكثرة من الأحاديث الّتي يرويها عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و هذا الواقع أي كون أبي هريرة لم يسمع كلّ أحاديثه عن الرّسول عليه السّلام مباشرة يكون سببا لجدل فقهي بين بعض العلماء في عهد الصّحابة أو من بعدهم , مثلا لقد بلغ أحد الصّحابة أنّ أبا هريرة يفتي بأنّه من أصبح صائما جنبا فلا صوم له . أدركه الفجر و هو صائم و لكنّه مازال جنبا فلا صيام له لمّا جوبه و عورض بأنّ الرّسول عليه السّلام كان يصبح من جماع و هو صائم فيغتسل و يصلّي بالنّاس إماما قال: أنا سمعت هذا الحديث من الفضل بن عبّاس هو ما سمعه من الرّسول عليه السّلام , هذا وقع . وقع فيما بعد في كتب الأحناف خلاف فقهي في مسألة الكلام في الصّلاة ساهيا اتّفق علماء الفقه كلّهم على أنّ من تعمّد الكلام في الصّلاة فصلاته باطلة و اختلفوا في من تكلّم ساهيا أو ناسيا هل تبطل صلاته أم لا ؟ الأحناف يقولون ببطلانها و الحالة هذه الشّافعيّة و جماهير علماء الحديث يقولون لا , يحتجّ هؤلاء بحديث أبي هريرة المرويّ في الصّحيحين و هو الحديث المعروف بحديث ذي اليدين و خلاصته أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم صلّى بالنّاس يوما صلاة العصر ركعتين و سلّم ثمّ انتحى ناحية من المسجد و استلقى ووضع إحدى رجليه على الأخرى ليستريح. في النّاس رجل يعرف بذي اليدين قال: " يا رسول الله " من بين النّاس كلّهم وهذه تحتاج كما تسمعون معي إلى جرأة دبيّة أبو بكر موجود , عمر موجود , كبار الصّحابة تتمّة العشرة المبشّرين بالجنّة موجودين ما أحد يتكلّم .ذو اليدين يقول: " يا رسول الله أقصرت الصّلاة أم نسيت ؟" قال: ( كلّ ذلك لم يكن ) تمام الجرأة " بلى قد كان ذلك يا رسول الله " فنظر إلى من حوله: ( أ صدق ذو اليدين ؟ ) قالوا: " نعم " فانتقل إلى مكان الصّلاة و أنا أتعمّد أن أقول إلى مقامه و ليس إلى محرابه لأنّه لم يكن ثمّة محراب في زمان الرّسول عليه السّلام , والمحاريب في المساجد من البدع الّتي تسرّبت إلى المساجد من الكنائس مع الأسف الشّديد , فالرّسول عليه السّلام عاد إلى مصلاّه إلى مكانه فصلّى ركعتين ثمّ سجد أي أن ّالرّسول أتمّ الصّلاة بالرّغم من كلّ هذا الكلام و كلام أخذ و عطاء , سين جيم , فالأحناف يقولون لا هذا يعني لا يحتجّ بهذا الحديث . لماذا ؟ يقولون لأنّ ذا اليدين هذا مات في بدر فإذن هذه حادثة قديمة و قوله تعالى: (( و قوموا لله قانتين )) أي صامتين نزل بعد ذلك . ردّ الشّافعيّة فقالوا: ذو اليدين ما يدريكم أنّه مات في زمن بدر وقعة بدر؟ قالوا: قال الزّهريّ بأنّ ذا اليدين مات في وقعة بدر , مناقشات كثيرة تجري هنا و لسنا في صددها و من ذلك أن يقال الزّهريّ تابعيّ صغير لم يدرك واقعة بدر فأين الواسطة بينه و بين هذه الواقعة الّتي شهدها و شهد وفاة ذي اليدين حتّى نبطل بمثل هذه الرّواية المعضلة دلالة حديث متّفق على صحّته بين الشّيخين , و أتمّوا حجّتهم في زعمهم بعد تلك الحجّة الداحضة أي المدحوضة بأنّ أبا هريرة و هنا الشّاهد حديث عهد بالإسلام فهو مات في غزوة حنين يمكن يعني قبل وفاة الرّسول بسنتين و نصف فإذن هو متأخّر و حادثة ذي اليدين متقدّمة كثيرا , فكان الرّد و هنا الشّاهد , لا . أبو هريرة كان شاهدا لهذه القصّة لأنّه فيه رواية في صحيح مسلم بالسّند الصّحيح طبعا " بينما نحن نصلّي وراء النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم إذ سلم على رأس ركعتين" و ذكر القصّة إذن هذه القصّة ليست كأكثر أحاديث الرّسول الّتي سمعها بالواسطة , لا . هذه شهدها , الشّاهد أن الصّحابة إذا كان يأخذ بعضهم من بعض فالّذين جاءوا من بعدهم و اتّبعوهم بإحسان من أين يأخذون العلم ؟ إذا كان أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم الّذين لم يتح لهم أن يتلقّوا كلّ ما علمه الآخرون من النّبيّ مباشرة و إنّما أخذوه ممّن ؟ أخذوه من الرّسول عليه السّلام . التّابعون لا سبيل لهم لأخذ العلم إلاّ من هؤلاء الصّحابة و هكذا دواليك التّابعون يجب أن نتصوّر هذه الحقيقة و هي أيضا مهمّة جدّا , العلم الّذي جاء به الرّسول عليه السّلام عن الله محصورا في كتاب الله و في سنّة رسول الله صلّى الله عليه و سلّم هذا العلم كلّه انتقل إلى القرن الأوّل و هم صحابة الرّسول عليه السّلام , ما ضاع منه شيئا إطلاقا لكن ضاع شيء منه بالنّسبة لبعضهم أمّا بالنّسبة لمجموعتهم يستحيل أن يضيع شيء من هذا العلم و هذا من معاني قوله تعالى: (( إنّا نحن نزّلنا الذّكر و إنّا له لحافظون )) و إذا حفظتم هذا الكلام و ما سيأتي فسوف تتمكّنون من ردّ شبهات كثيرة جدّا فيما يتعلّق بالسّنّة و إنّه فيها أحاديث صحيحة و فيها أحاديث ضعيفة و يستحيل على أيّ مسلم أن يعتقد خلاف هذا الّذي أنا أقوله مهما كانت المذاهب مختلفة لسنا الآن في التّفاصيل , لكن هذا الإجمال بمعنى أنّ العلم الّذي جاء به رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كتابا و بيانا للكتاب هذا يستحيل أن يضيع منه شيء عن الأمّة كلّها و إنّما قد يضيع شيء من هذا العلم عن بعضها و ليس عن مجموعها . هذه الطّبقة الأولى الّتي تلقّت العلم كاملا من فم رسول الله صلّى الله عليه و سلّم نقلوه بدورهم إلى القرن الثّاني و هم التّابعون , نقلوه بحذافيره لم يضيّعوا منه شيئا إطلاقا لا كتابا و لا سنّة و لكن قد يذهب بعض هذا على بعض التّابعين و ليس على كلّ التّابعين و هكذا حتّى يصل العلم إلى زمننا هذا فقد يذهب عليّ شيء بل أشياء كثيرة و يذهب على هذا و على هذا لكن لا يمكن أن يضيع شيء عن مجموعة الأمّة لأنّ الله عزّ و جلّ تعهّد بالحفظ فقال: (( إنّا نحن نزّلنا الذّكر و إنّا له لحافظون )) إذا كان هذا هو العلم فحينئذ كيف يقال كيف يسوغ لمسلم أو يتصوّر أن نسمع أنّ مسلما مؤمنا بالله و رسوله حقّا أنّه كيف تأخذون العلم من أفواه الرّجال ؟ إذن ما هو السّبيل هكذا تلقّى العلم الصّحابة بعضهم عن بعض , التّابعون عن الصّحابة , أتباع التّابعين عن التّابعين و هكذا . فإذا كان ذلك معيبا عند ذلك البعض فيا ترى ما هو سبيل تلقّي العلم عندهم ؟ نحن نريد أن نسمع البديل حتّى نردّ أو نتمّم الرّدّ عليهم . فماذا يقولون ؟
السائل : عن أفواه الرّجال .
الشيخ : عن أفواه الرّجال , إذن نأخذه من ماذا ؟ لا وحي بعد رسول الله صلّى الله عليه و سلّم , فحينئذ لا بدّ من أن نأخذ ممّن أخذ من المعين الأوّل هم أصحاب الرّسول صلّى الله عليه و سلّم أخذوا عنه مباشرة , ثمّ جاء دور التّابعين , بل قبل أن أقول دور التّابعين نفس أصحاب الرّسول صلّى الله عليه و سلّم وهذه نقطة لعلّ من الضّروريّ أن أتوسّع فيها قليلا لأنّها في الحقيقة من العلم الّذي لا يسطّر عادة و إنّما يستقرّ في صدور أهل العلم . هل كان أصحاب الرّسول عليه السّلام الّذين يعدّون الألوف المؤلّفة هل كانوا كلّهم علماء ؟ أي كلّ واحد كان ما يحتاج إلى أن يسأل غيره من الصّحابة فهو يفتي نفسه بنفسه أم الأمر كما يذكر العلماء و في مقدّمتهم ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله في كتابه العظيم " إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين " كان في الصّحابة الّذين يعدّون الألوف المؤلّفة كما ذكرنا نحو مائتين من أصحاب الرّسول هم أهل الفتوى , إذن قبل مجيء الجيل الثّاني الّذين ما التقوا مع الرّسول صلّى الله عليه و آله و سلّم و لا أخذوا العلم منه مباشرة الجيل الأوّل نفسه ما كان كلّهم يتلقّى العلم من النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم مباشرة و إنّما كان يأخذ عن من أخذ عن النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم مباشرة لعلّه يحسن هنا أن نذكر مثلين اثنين يذكران عادة في غير هذه المناسبة الّتي أنا في صدد التّحدّث عنها , المثل الأوّل حينما يترجمون أبا هريرة رضي الله عنه و المثل الثّاني ابن عبّاس حينما يترجمون لهما يقولون ابن عبّاس عندما مات رسول الله صلّى الله عليه و سلّم مات و بن عبّاس صغير كاد أن يبلغ سنّ التّكليف و أبو هريرة مات رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و لم يصحبه إلاّ نحو سنتين و نصف فلماذا كان أبو هريرة أكثر أصحاب النّبيّ حديثا كما تشهد كتب الحديث الآن و لماذا كان عبد الله بن عبّاس كثير الحديث مع أنّه كان صبيّا حينما مات النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم السّبب و هنا الشّاهد أنّ الصّحابة كان يأخذ بعضهم من بعض فأبو هريرة هذه الأحاديث الّتي نقرؤها عنه الآن في كتب الحديث لم يسمعها كلّها من فم النبي صلى الله عليه وسلم بأذنه و إنّما بعضها من هذا النّوع و البعض الآخر ممّا تلقّاه من بعض الصّحابة الّذين سمعوا تلك الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كذلك ابن عبّاس كان حريصا على أن يتّصل بكبار الصّحابة ليأخذ منهم ما سمعوه من النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و لذلك كان كثير الحديث . من أجل هذا و هذا نلاحظ و لاحظوا معي حينما تقرأون في كتب السّنّة في الصّحيحين فضلا عن غيرهما نادرا ما تجدون أو تقرؤون بالسّند الصّحيح إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله نادر , و إنّما تجدونه يقول: قال رسول الله . سعيد بن المسيّب مثلا قال سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم. نادر جدّا بالنّسبة للمجموعة الطّيّبة من الألوف المؤلّفة الّتي تروى عنه و بالأسانيد الصّحيحة نادرا جدّا أن تجدوه يقول سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أو حضرت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أو ما يؤدّي هذا المعنى , هذا النّوع موجود في أحاديثه لكنّها قلّة بالنّسبة للكثرة من الأحاديث الّتي يرويها عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و هذا الواقع أي كون أبي هريرة لم يسمع كلّ أحاديثه عن الرّسول عليه السّلام مباشرة يكون سببا لجدل فقهي بين بعض العلماء في عهد الصّحابة أو من بعدهم , مثلا لقد بلغ أحد الصّحابة أنّ أبا هريرة يفتي بأنّه من أصبح صائما جنبا فلا صوم له . أدركه الفجر و هو صائم و لكنّه مازال جنبا فلا صيام له لمّا جوبه و عورض بأنّ الرّسول عليه السّلام كان يصبح من جماع و هو صائم فيغتسل و يصلّي بالنّاس إماما قال: أنا سمعت هذا الحديث من الفضل بن عبّاس هو ما سمعه من الرّسول عليه السّلام , هذا وقع . وقع فيما بعد في كتب الأحناف خلاف فقهي في مسألة الكلام في الصّلاة ساهيا اتّفق علماء الفقه كلّهم على أنّ من تعمّد الكلام في الصّلاة فصلاته باطلة و اختلفوا في من تكلّم ساهيا أو ناسيا هل تبطل صلاته أم لا ؟ الأحناف يقولون ببطلانها و الحالة هذه الشّافعيّة و جماهير علماء الحديث يقولون لا , يحتجّ هؤلاء بحديث أبي هريرة المرويّ في الصّحيحين و هو الحديث المعروف بحديث ذي اليدين و خلاصته أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم صلّى بالنّاس يوما صلاة العصر ركعتين و سلّم ثمّ انتحى ناحية من المسجد و استلقى ووضع إحدى رجليه على الأخرى ليستريح. في النّاس رجل يعرف بذي اليدين قال: " يا رسول الله " من بين النّاس كلّهم وهذه تحتاج كما تسمعون معي إلى جرأة دبيّة أبو بكر موجود , عمر موجود , كبار الصّحابة تتمّة العشرة المبشّرين بالجنّة موجودين ما أحد يتكلّم .ذو اليدين يقول: " يا رسول الله أقصرت الصّلاة أم نسيت ؟" قال: ( كلّ ذلك لم يكن ) تمام الجرأة " بلى قد كان ذلك يا رسول الله " فنظر إلى من حوله: ( أ صدق ذو اليدين ؟ ) قالوا: " نعم " فانتقل إلى مكان الصّلاة و أنا أتعمّد أن أقول إلى مقامه و ليس إلى محرابه لأنّه لم يكن ثمّة محراب في زمان الرّسول عليه السّلام , والمحاريب في المساجد من البدع الّتي تسرّبت إلى المساجد من الكنائس مع الأسف الشّديد , فالرّسول عليه السّلام عاد إلى مصلاّه إلى مكانه فصلّى ركعتين ثمّ سجد أي أن ّالرّسول أتمّ الصّلاة بالرّغم من كلّ هذا الكلام و كلام أخذ و عطاء , سين جيم , فالأحناف يقولون لا هذا يعني لا يحتجّ بهذا الحديث . لماذا ؟ يقولون لأنّ ذا اليدين هذا مات في بدر فإذن هذه حادثة قديمة و قوله تعالى: (( و قوموا لله قانتين )) أي صامتين نزل بعد ذلك . ردّ الشّافعيّة فقالوا: ذو اليدين ما يدريكم أنّه مات في زمن بدر وقعة بدر؟ قالوا: قال الزّهريّ بأنّ ذا اليدين مات في وقعة بدر , مناقشات كثيرة تجري هنا و لسنا في صددها و من ذلك أن يقال الزّهريّ تابعيّ صغير لم يدرك واقعة بدر فأين الواسطة بينه و بين هذه الواقعة الّتي شهدها و شهد وفاة ذي اليدين حتّى نبطل بمثل هذه الرّواية المعضلة دلالة حديث متّفق على صحّته بين الشّيخين , و أتمّوا حجّتهم في زعمهم بعد تلك الحجّة الداحضة أي المدحوضة بأنّ أبا هريرة و هنا الشّاهد حديث عهد بالإسلام فهو مات في غزوة حنين يمكن يعني قبل وفاة الرّسول بسنتين و نصف فإذن هو متأخّر و حادثة ذي اليدين متقدّمة كثيرا , فكان الرّد و هنا الشّاهد , لا . أبو هريرة كان شاهدا لهذه القصّة لأنّه فيه رواية في صحيح مسلم بالسّند الصّحيح طبعا " بينما نحن نصلّي وراء النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم إذ سلم على رأس ركعتين" و ذكر القصّة إذن هذه القصّة ليست كأكثر أحاديث الرّسول الّتي سمعها بالواسطة , لا . هذه شهدها , الشّاهد أن الصّحابة إذا كان يأخذ بعضهم من بعض فالّذين جاءوا من بعدهم و اتّبعوهم بإحسان من أين يأخذون العلم ؟ إذا كان أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم الّذين لم يتح لهم أن يتلقّوا كلّ ما علمه الآخرون من النّبيّ مباشرة و إنّما أخذوه ممّن ؟ أخذوه من الرّسول عليه السّلام . التّابعون لا سبيل لهم لأخذ العلم إلاّ من هؤلاء الصّحابة و هكذا دواليك التّابعون يجب أن نتصوّر هذه الحقيقة و هي أيضا مهمّة جدّا , العلم الّذي جاء به الرّسول عليه السّلام عن الله محصورا في كتاب الله و في سنّة رسول الله صلّى الله عليه و سلّم هذا العلم كلّه انتقل إلى القرن الأوّل و هم صحابة الرّسول عليه السّلام , ما ضاع منه شيئا إطلاقا لكن ضاع شيء منه بالنّسبة لبعضهم أمّا بالنّسبة لمجموعتهم يستحيل أن يضيع شيء من هذا العلم و هذا من معاني قوله تعالى: (( إنّا نحن نزّلنا الذّكر و إنّا له لحافظون )) و إذا حفظتم هذا الكلام و ما سيأتي فسوف تتمكّنون من ردّ شبهات كثيرة جدّا فيما يتعلّق بالسّنّة و إنّه فيها أحاديث صحيحة و فيها أحاديث ضعيفة و يستحيل على أيّ مسلم أن يعتقد خلاف هذا الّذي أنا أقوله مهما كانت المذاهب مختلفة لسنا الآن في التّفاصيل , لكن هذا الإجمال بمعنى أنّ العلم الّذي جاء به رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كتابا و بيانا للكتاب هذا يستحيل أن يضيع منه شيء عن الأمّة كلّها و إنّما قد يضيع شيء من هذا العلم عن بعضها و ليس عن مجموعها . هذه الطّبقة الأولى الّتي تلقّت العلم كاملا من فم رسول الله صلّى الله عليه و سلّم نقلوه بدورهم إلى القرن الثّاني و هم التّابعون , نقلوه بحذافيره لم يضيّعوا منه شيئا إطلاقا لا كتابا و لا سنّة و لكن قد يذهب بعض هذا على بعض التّابعين و ليس على كلّ التّابعين و هكذا حتّى يصل العلم إلى زمننا هذا فقد يذهب عليّ شيء بل أشياء كثيرة و يذهب على هذا و على هذا لكن لا يمكن أن يضيع شيء عن مجموعة الأمّة لأنّ الله عزّ و جلّ تعهّد بالحفظ فقال: (( إنّا نحن نزّلنا الذّكر و إنّا له لحافظون )) إذا كان هذا هو العلم فحينئذ كيف يقال كيف يسوغ لمسلم أو يتصوّر أن نسمع أنّ مسلما مؤمنا بالله و رسوله حقّا أنّه كيف تأخذون العلم من أفواه الرّجال ؟ إذن ما هو السّبيل هكذا تلقّى العلم الصّحابة بعضهم عن بعض , التّابعون عن الصّحابة , أتباع التّابعين عن التّابعين و هكذا . فإذا كان ذلك معيبا عند ذلك البعض فيا ترى ما هو سبيل تلقّي العلم عندهم ؟ نحن نريد أن نسمع البديل حتّى نردّ أو نتمّم الرّدّ عليهم . فماذا يقولون ؟
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 430
- توقيت الفهرسة : 00:23:29
- نسخة مدققة إملائيًّا