نرجو التفصيل في بيان المشابهة المقصودة من أحاديث النَّهي عن مشابهة الكفار .
A-
A=
A+
عيد عباسي : بسم الله الرحمن الرحيم .
نرجوا التفصيل في بيان المشابهة المقصودة بأحاديث النهي عن مشابهة الكفار ... معرفة هذه المشابهة وجزاكم الله خيرًا ؟
الشيخ : نقول : كلُّ شيء هو من خصائص الكفار ومن عاداتهم التي يتميَّزون بها على غيرهم فالمسلم لا يجوز له أن يتزيَّا بشيء من تلك الأشياء ، ولا شك أن المسألة لا يمكن ضبطها بدقَّة كما يبدو أن السَّائل يريد ذلك ؛ ذلك لأن التشبُّه مراتب ، وأنا أضرب لكم على ذلك بعض الأمثلة للتوضيح ، لا يزال المسلمون اليوم - والحمد لله - في أكثر بلادهم يستهجنون أن يلبس المسلم ويضع على رأسه القبَّعة " البرنيطة " ، فالقبَّعة هذه هو شعار للكفار ، فإذا المسلم وضعَها على رأسه يكون قد تشبَّه في أبرز صفة أو زي خاص بالكفار ، فلا يبقى هنا شكٌّ عند مَن كان على علم بهذا الحديث وأمثاله أن هذا التزيِّي وهذا اللباس لا يجوز ؛ لأن هذا المسلم الذي نفترضه تقبَّعَ إذا صح التعبير بهذه القبعة ، وأخذ يمشي بين المسلمين وهي عليه ، لا شك أنه بذلك ضيَّعَ شخصيَّته المسلمة ، ولازم ذلك أنه فكَّ الرباط الوثيق الذي بينه وبين إخوانه المسلمين .
وذلك يستلزم أن له حقوقًا عليهم كما أن لهم حقوقًا عليه ، فنحن نذكُر جيِّدًا قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( حقُّ المسلم على المسلم خمس ) ، فذكر أول ما ذكر فقال : ( إذا لقيتَه فسلِّم عليه ) ، فهذا حينما تلقاه في الطريق وقد تزيَّا بهذا الزيِّ لا يتبادر ولا يخطر في بالك إطلاقًا أن هذا الذي مرَّ بك ومرَرْتَ به هو رجل مسلم له هذه الحقوق ، وإنما تظنُّه واحد من أولئك الكفار جورج أو ... أو نحو ذلك ، فلا تندفع لإلقاء السلام عليه ، وذلك من واجبه عليك ؛ لأنك مسلم وهو مسلم ، لكن الفرق أنه هو ضيَّعَ شخصيته المسلمة بلباسه هذا لباس الكفار فمنع رحمة الله عنه ، أقول هذا لأنكم تذكُرون أني شرحتُ لكم أن السلام الذي اختَصَّ الله به المسلمين هو اسم من أسماء الله كما جاء في الحديث الصحيح وضعَه في الأرض ؛ ( فأفشُوه بينهم ) ، فحينما يقول المسلم لأخيه المسلم : " السلام عليكم " فهو كأنه يقول بالتعبير الشامي : " اسم الله عليك " ؛ يعني أنت محاط باسم الله السلام ، فهو بسبب إضاعته لشخصيَّته المسلمة فاحترم وافتقد هذه النعمة التي خَصَّ الله بها عباده المسلمين ، وهذا طبعًا يستلزم أمورًا أخرى من التَّباعد والتقاطع والتدابر ؛ لأنَّ هذا اللباس ليس الأمر كما يتوهَّم الكثير من الناس قاصري العلم والنظر أنه لا تأثيرَ له في أخلاق الناس ولا تأثير له في أطباعهم بل وفي قلوبهم ؛ ليس الأمر كذلك .
الظواهر لها تأثير في البواطن ، هذا ثابت في نصوص شرعية كثيرة جدًّا كنت ألمَمْتُ بشيء منها في دروس مضت ، وحسبي أن أذَكِّرَكُم الآن بقول الرسول - عليه السلام - في حديث النعمان الذي يقول في آخره : ( ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ؛ ألا وهي القلب ) ، فلباس الكفار هذا ليس صلاحًا ، إنما هو فساد ، وهذا اللباس يؤثِّر في قلب لابسه ، ويطبَعُه بطابع أولئك الناس الذين لَبِسَ هو لباسهم .
وهنا أريد أن أهتَبِلَها فرصة قبل أن أتوسَّع في الموضوع بأكثر ، أريد أن ألفت النظر الآن كيف أن المسلمين شخصيَّتهم في زوال مستمر ، في اضمحلال وانحلال ؛ لقد ظهرت الآن ظاهرة غريبة جدًّا عمَّتْ كثيرًا من الشباب ؛ وهي أنهم يلبسون أقمشة بيضاء إما أن تكون مطبوعة هنا في الصدر ما يشبه الهلال أو ربع قوس بالأحرف الإفرنجيَّة ، وكثير منها مُصوَّر عليها صور بشر ، وبعض هذه الصور تُمَثِّل بعض الأبطال زعموا من الملاكمين أو المصارعين وما شابه ذلك ، وشاهدت قريبًا في بعض المساجد وأنا قائم أصلي بين يديَّ شاب وأعرفه يصلي يحافظ على الصلاة كلُّ قميصه صور ؛ أمام وخلف والجانبان ، هكذا الثوب طُبِعَ بهذا الطابع ، وما هذه الصور ؟ صور رجل يسبح ، وهذا السابح اليوم صار من طبيعته أن يكون لباسه هو التُّبَّان ، في اللغة العربية هو الشُّورت يعني ، هو الذي لا يستر إلا السوءَتَين ، بل لا يسترهما ؛ لأنه يُجسِّمهما ، فأنا أصلي وبين يدي هذه الصورة ، فهذه غفلة شديدة جدًّا من هؤلاء المسلمين سببه الجهل بإسلامهم .
وهذا معناه أن المسلمين يعني كلما مضى عليهم عهد زمن غير قصير كلما هم يبتعدون عن الإسلام رويدًا رويدًا ؛ فأين الاعتداد بالعزة الإسلامية والشخصية ... والمحافظة على عاداتنا التي وَرِثْنَاها عن آباءنا وأجدادنا ؟ عجب لا ينتهي منه العجب ، إنسان يلبس قميص فيه جندي مصوَّر ، فما حلاوة هذه الصورة ؟ أصبح كل شيء غريب علينا نحن أن نتأسَّى وأن نقتديَ به . هذا معناه أن المسلمين لم يعودوا يعرفون قيمة التشبُّه بالكفار ؛ لذلك كان من رحمة ربنا - عز وجل - بنا أن أرسل إلينا نبيَّنا محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - بشرعٍ وَصَفَه ربُّنا في قوله - عز وجل - : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )) الآية ، وزاد ذلك بيانًا قوله - عليه السلام - : ( ما تركت شيئًا يقرِّبكم إلى الله إلا وأمَرْتُكم به ، وما تركت شيئًا يبعِّدكم عن الله ويقرِّبكم إلى النار إلا ونهيتُكم عنه ) ، مما نهانا عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - محافظةً على ديننا وعلى شخصيَّتنا المسلمة أن لا نتشبَّه بالكفار ، مطلق التشبه ، لكني ضربت لكم مثلًا لا يمكن أن يشكَّ فيه إنسان متجرِّد عن اتباع الهوى أن وضع القبعة هذه على الرأس هو إضاعة لهذا المسلم لشخصيَّته وانخلاع منه من هذا المجتمع الإسلامي إذا كان بَقِيَ لهذا المجتمع ما يستحقُّ أن يُسَمَّى بأنه مجتمع إسلامي .
ولعل من المفيد أن أذكُرَ لكم خلاصة قصة لتعرفوا أثر التشبُّه يعرفه الكفار ، فبالأحرى نحن المسلمين أن نعرف ذلك ، كنت مرَّة في قطار إلى " مضايا " ، فاجتمعت مع قسِّيس ماروني لبناني ، وجرى بيني وبينه نقاش طويل لسنا الآن في صدده ، لكنه الرجل أنكر على المسلمين تشدُّدَهم في مسألة اللباس وتحريم " البرنيطة " ، وكان من تشدُّدهم أن أنكروا على " مصطفى كمال " ذلك الذي لم يرضَ لاسمه لنفسه اسم المصطفى ، فوضع له اسم " أتاتورك " ، هو يُنكر على المسلمين لماذا أنكروا عليه وضع " البرنيطة " ، وضعه " البرنيطة " أو فرضه على الشعب التركي لبس البرنيطة ، هون الآن - مع الأسف - يعيش في كثير من الأشخاص في هذا الزيِّ الكافر ، فناقشْتُه في هذه المسألة ، وكما قلت أريد أن أقدِّم إليكم العبرة من هذه المناقشة ، هو يقول أنُّو هذا اللباس عالمي ؛ فما الذي يضرُّ المسلمين أن يلبسوا هذا اللباس ؟ قلت له : إذًا وهو كما تفهمون من وصفي إياه بأنه قسِّيس ماروني ، الماروني يلبس الـ ، ماذا يسمُّوه هذا الطويل الأسود ؟
عيد عباسي : الطربوش يعني .
الشيخ : طربوش طويل أسود هذا خاص بالمارونيين هؤلاء ، قلت له : إذًا لا بأس عليك من أن تنزعَ هذه القلنسوة السوداء وتضع بدلها العمامة البيضاء على الطربوش الأحمر وهو لابس جبَّة سوداء بطبيعة الحال ... زيهم بصير إيش ؟ شيخ مسلم ، فأول ما قلت له هذا قال : لا ، نفر من هذا - هنا الشاهد - قلت له : لِمَ ؟ قال : نحن ما يجوز ، نحن رجال دين . فأخذته من هذه الكلمة ، قلت : هذا هو الفرق بيننا نحن معشر المسلمين وبينكم معشر النصارى ، أنتم جعلتم أنفسكم طائفتين ؛ رجال دين ورجال لا دين ، فرجال الدين لهم أحكام خاصَّة ؛ منها أن لهم لباسهم الخاص ، فأنت لماذا فرَرْتَ من أن تتشبَّه بالإسلام ؟ لأنك تريد أن تحافظ على شخصيَّتك النصرانية ، نحن كل مسلم عندنا أصغر مسلم عندنا كأكبر مسلم عندنا يجب عليه ما يجب على أكبر شيخ عندنا ، ويجوز له ما يجوز على أكبر شيخ عندنا ، فكما لا يجوز لك أن تتشبَّه بالمسلم كذلك لا يجوز عندنا لأيِّ مسلم مش للشَّيخ المسلم اللي هو رجل دين عنده ، وإنما لأيِّ مسلم لا يجوز أن يتشبَّه بالكافر .
فإذًا موضوع التشبُّه ما هو موضوع تعبُّدي موضوع علمي نفسي دقيق جدًّا ، وعلماء الفلسفة والاجتماع كما يقولون اليوم يقولون : الأمم بقاؤها بمحافظتها على عاداتها ، بمحافظتها على لغتها ، بمحافظتها على تاريخها ، المسلمون - مع الأسف - رويدًا رويدًا يخسرون ويضيِّعون هذه الأسس التي بها تقوم شخصيَّتهم ، فالتشبُّه بالكفار أصبح أمرًا سهلًا جدًّا .
فضربت لكم مثلًا خلاصة بالبرنيطة ، ننزل درجة ؛ وضع العقدة هذه التي يسمُّونها " الكرافيت " ، هذه ما المقصود منها يا ترى ؟ لا شيء أبدًا إلا أنه هذا زيّ كافر نقله الكفار حينما استحلوا بلادنا ، فزيَّن الشيطان لنا ذلك الزيَّ ، فقلدناهم تشبَّهنا به ، وإلا يكفي أن يستحضر العاقل الوقت اللي بيضيعه هذا " المكرفت " إذا صحَّ التعبير ، أن يقف أمام المرأة ويضيِّع كذا دقائق من الساعات حتى يزيِّنها ، ثم هو يتضايق فعلًا كما يتضايق كلُّ واحد منكم مبتلى بلباس هذا البنطلون وأمثاله .
فالخلاصة : فهذا - أيضًا - لا يُراد به إلا التشبُّه فقط ، ولكن لا مجال لإنكار أن هذا الذي يلبس الكرافيت تشبُّهه بالكفار ليس كذاك الذي تشبَّه بوضع البرنيطة ، لأني كما كنا نسمع بعض المشايخ هنا من بني قومي كانوا يقولون أنُّو هذا الذي وضع البرنيطة على رأسه معناه وضع الغطاء انتهى الأمر ؛ يعني أعلن أن الرجل ليس مسلمًا !
ثم ننزل إلى مراتب أخرى ؛ هذا اللباس الذي ابتُلِيَ به جماهير الشباب المسلم اليوم بلبس البنطلون والقميص ؛ لا سيما البنطلون التي نلاحق المبتدعين هؤلاء بالموضات اللي بيسمُّوها ، كل ما جتنا موضة نكون نحن ماشيين وراها ، مما يذكِّرني بنكتة كانت تُقال في النساء ، فأصبحت تُقال في الرجال ، قرأت مرة أن رجلًا رأى صديقه يحمل في ذراعه شيئًا وهو يركض قال : وين يا أخي ؟ ليش مستعجل ؟ قال له : والله هذا فستان آخذه لزوجتي راح أسلمه لها إياه قبل ما تطلع موضة جديدة أضطر أشتري لها غيره ، فأصبحت الموضة وتجدُّدها مو بس خاصة بالنساء مع الأسف حتى في الشباب ، هذا كله يدل ويؤكد لنا أن المسلمين أصبحت عقولهم مع غيرهم ، وليت هؤلاء كانوا مسلمين أمثالهم .
أخيرًا : المراتب لا تنحصر إطلاقًا ، لكن حسب المسلم أن يُحاسِبَ نفسه ليعلم أن التشبُّه هو كل شيء جاءنا من الكفار ولا فائدة فيه مطلقًا سوى التقليد فهو تشبُّه ، على أن هناك مرتبة أخرى إذا ما تذكَّرها المسلم أعتقد حينَ ذاك لم يبقَ هناك ضرورة لمثل ذاك الطلب الذي يطلب تفصيل التشبُّه ومراتب ودرجات ، ذلك هو تقصُّد مخالفة الكافر ، فالتشبُّه أن تفعل فعل الكافر ، وهذا كما رأيتم مراتب ودرجات ، لكن هناك شيء في الشرع يطالبك أن تتعاطى أعمالًا تصدر منك تقصد بها مخالفة الكفار حتى في شيء ليس من منسك ولا من ... ، ذلك ما أفادَنا إياه الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - في حديث البخاري : ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم فخالفوهم ) ، إذا ما شابت شعورهم ، فاقصدوا أنتم مخالفتَهم بصبغكم لشعوركم .
الإنسان يشيب سنة الله في خلقه : (( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا )) لا فرق بين مسلم وكافر ، بين صالح وطالح ، كلهم لا بد من أن يمرَّ في هذا الطريق وهو الشيب ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد شاب كما نعلم ، وله من الشيب لم يعمَّ لحيته - عليه الصلاة والسلام - ، فمع هذا كله يقول الرسول عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إذا شاب أحدكم فليصبِغْ شعره ) ؛ لماذا ؟ لِيُخالفَ اليهود والنصارى الذين لا يصبغون شعورهم .
إذًا نحن لسنا منهيِّين فقط عن التشبُّه بالكفار ، بل نحن مأمورون بأن نقصد مخالفتهم ؛ أي : إذا لبسوا لباسًا فعلينا نستقصد أن نلبس غير لباسهم ، وأن نجعل حياتنا كلَّها جملةً وتفصيلًا غير حياة الكفار ، وهذا كما قلت لكم آنفًا ليس أمرًا عبثًا ، الظواهر تؤثِّر في البواطن ؛ إن كان خيرًا فخير ، وإن كان شرًّا فشرٌّ ، ولعل بهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .
السائل : ... .
الشيخ : ... .
السائل : ... .
الشيخ : طبعًا هذه الصلاة ... ولكنها مشروعة ... ولذلك تجدهم يصنعون شيئًا المتبرنطون يدخلون المساجد فيخلعون ما على رؤوسهم كما يخلعون ما على أرجلهم ، فيه أحد له سؤال حول الموضوع السابق ؟
السائل : ... .
الشيخ : لا .
السائل : ... .
الشيخ : حول الموضوع السابق ؟
تفضل .
السائل : ... .
الشيخ : العمائم هو لباس من لباس العرب ، فمن لبسه كعادة عربيَّة فذلك أمر حسن ، لكن ليست سنة تعبُّديَّة ، ليس كما جاء في بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة " أنه صلاة في العمامة تفضل سبعين صلاة بغير عمامة " ، فهو من أزياء العرب ، ولا يزالون يستعملونها ، ولكن لا يظنَّنَّ ظانٌّ أن هذه العمامة هي هذه التي تُكوَّر على الرأس طبقات ودرجات ، ولكل درجة علو في الجنة درجة ، هذا شيء لا أصل له ، العمامة هو هذه ، هذه الحطَّة اللي نضعها على رؤوسنا ، نصوِّرها أحيانًا من البرد أو من الحرِّ وهكذا ، والسلام عليكم .
الحاضرون : وعليكم السلام ورحمة الله .
نرجوا التفصيل في بيان المشابهة المقصودة بأحاديث النهي عن مشابهة الكفار ... معرفة هذه المشابهة وجزاكم الله خيرًا ؟
الشيخ : نقول : كلُّ شيء هو من خصائص الكفار ومن عاداتهم التي يتميَّزون بها على غيرهم فالمسلم لا يجوز له أن يتزيَّا بشيء من تلك الأشياء ، ولا شك أن المسألة لا يمكن ضبطها بدقَّة كما يبدو أن السَّائل يريد ذلك ؛ ذلك لأن التشبُّه مراتب ، وأنا أضرب لكم على ذلك بعض الأمثلة للتوضيح ، لا يزال المسلمون اليوم - والحمد لله - في أكثر بلادهم يستهجنون أن يلبس المسلم ويضع على رأسه القبَّعة " البرنيطة " ، فالقبَّعة هذه هو شعار للكفار ، فإذا المسلم وضعَها على رأسه يكون قد تشبَّه في أبرز صفة أو زي خاص بالكفار ، فلا يبقى هنا شكٌّ عند مَن كان على علم بهذا الحديث وأمثاله أن هذا التزيِّي وهذا اللباس لا يجوز ؛ لأن هذا المسلم الذي نفترضه تقبَّعَ إذا صح التعبير بهذه القبعة ، وأخذ يمشي بين المسلمين وهي عليه ، لا شك أنه بذلك ضيَّعَ شخصيَّته المسلمة ، ولازم ذلك أنه فكَّ الرباط الوثيق الذي بينه وبين إخوانه المسلمين .
وذلك يستلزم أن له حقوقًا عليهم كما أن لهم حقوقًا عليه ، فنحن نذكُر جيِّدًا قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( حقُّ المسلم على المسلم خمس ) ، فذكر أول ما ذكر فقال : ( إذا لقيتَه فسلِّم عليه ) ، فهذا حينما تلقاه في الطريق وقد تزيَّا بهذا الزيِّ لا يتبادر ولا يخطر في بالك إطلاقًا أن هذا الذي مرَّ بك ومرَرْتَ به هو رجل مسلم له هذه الحقوق ، وإنما تظنُّه واحد من أولئك الكفار جورج أو ... أو نحو ذلك ، فلا تندفع لإلقاء السلام عليه ، وذلك من واجبه عليك ؛ لأنك مسلم وهو مسلم ، لكن الفرق أنه هو ضيَّعَ شخصيته المسلمة بلباسه هذا لباس الكفار فمنع رحمة الله عنه ، أقول هذا لأنكم تذكُرون أني شرحتُ لكم أن السلام الذي اختَصَّ الله به المسلمين هو اسم من أسماء الله كما جاء في الحديث الصحيح وضعَه في الأرض ؛ ( فأفشُوه بينهم ) ، فحينما يقول المسلم لأخيه المسلم : " السلام عليكم " فهو كأنه يقول بالتعبير الشامي : " اسم الله عليك " ؛ يعني أنت محاط باسم الله السلام ، فهو بسبب إضاعته لشخصيَّته المسلمة فاحترم وافتقد هذه النعمة التي خَصَّ الله بها عباده المسلمين ، وهذا طبعًا يستلزم أمورًا أخرى من التَّباعد والتقاطع والتدابر ؛ لأنَّ هذا اللباس ليس الأمر كما يتوهَّم الكثير من الناس قاصري العلم والنظر أنه لا تأثيرَ له في أخلاق الناس ولا تأثير له في أطباعهم بل وفي قلوبهم ؛ ليس الأمر كذلك .
الظواهر لها تأثير في البواطن ، هذا ثابت في نصوص شرعية كثيرة جدًّا كنت ألمَمْتُ بشيء منها في دروس مضت ، وحسبي أن أذَكِّرَكُم الآن بقول الرسول - عليه السلام - في حديث النعمان الذي يقول في آخره : ( ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ؛ ألا وهي القلب ) ، فلباس الكفار هذا ليس صلاحًا ، إنما هو فساد ، وهذا اللباس يؤثِّر في قلب لابسه ، ويطبَعُه بطابع أولئك الناس الذين لَبِسَ هو لباسهم .
وهنا أريد أن أهتَبِلَها فرصة قبل أن أتوسَّع في الموضوع بأكثر ، أريد أن ألفت النظر الآن كيف أن المسلمين شخصيَّتهم في زوال مستمر ، في اضمحلال وانحلال ؛ لقد ظهرت الآن ظاهرة غريبة جدًّا عمَّتْ كثيرًا من الشباب ؛ وهي أنهم يلبسون أقمشة بيضاء إما أن تكون مطبوعة هنا في الصدر ما يشبه الهلال أو ربع قوس بالأحرف الإفرنجيَّة ، وكثير منها مُصوَّر عليها صور بشر ، وبعض هذه الصور تُمَثِّل بعض الأبطال زعموا من الملاكمين أو المصارعين وما شابه ذلك ، وشاهدت قريبًا في بعض المساجد وأنا قائم أصلي بين يديَّ شاب وأعرفه يصلي يحافظ على الصلاة كلُّ قميصه صور ؛ أمام وخلف والجانبان ، هكذا الثوب طُبِعَ بهذا الطابع ، وما هذه الصور ؟ صور رجل يسبح ، وهذا السابح اليوم صار من طبيعته أن يكون لباسه هو التُّبَّان ، في اللغة العربية هو الشُّورت يعني ، هو الذي لا يستر إلا السوءَتَين ، بل لا يسترهما ؛ لأنه يُجسِّمهما ، فأنا أصلي وبين يدي هذه الصورة ، فهذه غفلة شديدة جدًّا من هؤلاء المسلمين سببه الجهل بإسلامهم .
وهذا معناه أن المسلمين يعني كلما مضى عليهم عهد زمن غير قصير كلما هم يبتعدون عن الإسلام رويدًا رويدًا ؛ فأين الاعتداد بالعزة الإسلامية والشخصية ... والمحافظة على عاداتنا التي وَرِثْنَاها عن آباءنا وأجدادنا ؟ عجب لا ينتهي منه العجب ، إنسان يلبس قميص فيه جندي مصوَّر ، فما حلاوة هذه الصورة ؟ أصبح كل شيء غريب علينا نحن أن نتأسَّى وأن نقتديَ به . هذا معناه أن المسلمين لم يعودوا يعرفون قيمة التشبُّه بالكفار ؛ لذلك كان من رحمة ربنا - عز وجل - بنا أن أرسل إلينا نبيَّنا محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - بشرعٍ وَصَفَه ربُّنا في قوله - عز وجل - : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )) الآية ، وزاد ذلك بيانًا قوله - عليه السلام - : ( ما تركت شيئًا يقرِّبكم إلى الله إلا وأمَرْتُكم به ، وما تركت شيئًا يبعِّدكم عن الله ويقرِّبكم إلى النار إلا ونهيتُكم عنه ) ، مما نهانا عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - محافظةً على ديننا وعلى شخصيَّتنا المسلمة أن لا نتشبَّه بالكفار ، مطلق التشبه ، لكني ضربت لكم مثلًا لا يمكن أن يشكَّ فيه إنسان متجرِّد عن اتباع الهوى أن وضع القبعة هذه على الرأس هو إضاعة لهذا المسلم لشخصيَّته وانخلاع منه من هذا المجتمع الإسلامي إذا كان بَقِيَ لهذا المجتمع ما يستحقُّ أن يُسَمَّى بأنه مجتمع إسلامي .
ولعل من المفيد أن أذكُرَ لكم خلاصة قصة لتعرفوا أثر التشبُّه يعرفه الكفار ، فبالأحرى نحن المسلمين أن نعرف ذلك ، كنت مرَّة في قطار إلى " مضايا " ، فاجتمعت مع قسِّيس ماروني لبناني ، وجرى بيني وبينه نقاش طويل لسنا الآن في صدده ، لكنه الرجل أنكر على المسلمين تشدُّدَهم في مسألة اللباس وتحريم " البرنيطة " ، وكان من تشدُّدهم أن أنكروا على " مصطفى كمال " ذلك الذي لم يرضَ لاسمه لنفسه اسم المصطفى ، فوضع له اسم " أتاتورك " ، هو يُنكر على المسلمين لماذا أنكروا عليه وضع " البرنيطة " ، وضعه " البرنيطة " أو فرضه على الشعب التركي لبس البرنيطة ، هون الآن - مع الأسف - يعيش في كثير من الأشخاص في هذا الزيِّ الكافر ، فناقشْتُه في هذه المسألة ، وكما قلت أريد أن أقدِّم إليكم العبرة من هذه المناقشة ، هو يقول أنُّو هذا اللباس عالمي ؛ فما الذي يضرُّ المسلمين أن يلبسوا هذا اللباس ؟ قلت له : إذًا وهو كما تفهمون من وصفي إياه بأنه قسِّيس ماروني ، الماروني يلبس الـ ، ماذا يسمُّوه هذا الطويل الأسود ؟
عيد عباسي : الطربوش يعني .
الشيخ : طربوش طويل أسود هذا خاص بالمارونيين هؤلاء ، قلت له : إذًا لا بأس عليك من أن تنزعَ هذه القلنسوة السوداء وتضع بدلها العمامة البيضاء على الطربوش الأحمر وهو لابس جبَّة سوداء بطبيعة الحال ... زيهم بصير إيش ؟ شيخ مسلم ، فأول ما قلت له هذا قال : لا ، نفر من هذا - هنا الشاهد - قلت له : لِمَ ؟ قال : نحن ما يجوز ، نحن رجال دين . فأخذته من هذه الكلمة ، قلت : هذا هو الفرق بيننا نحن معشر المسلمين وبينكم معشر النصارى ، أنتم جعلتم أنفسكم طائفتين ؛ رجال دين ورجال لا دين ، فرجال الدين لهم أحكام خاصَّة ؛ منها أن لهم لباسهم الخاص ، فأنت لماذا فرَرْتَ من أن تتشبَّه بالإسلام ؟ لأنك تريد أن تحافظ على شخصيَّتك النصرانية ، نحن كل مسلم عندنا أصغر مسلم عندنا كأكبر مسلم عندنا يجب عليه ما يجب على أكبر شيخ عندنا ، ويجوز له ما يجوز على أكبر شيخ عندنا ، فكما لا يجوز لك أن تتشبَّه بالمسلم كذلك لا يجوز عندنا لأيِّ مسلم مش للشَّيخ المسلم اللي هو رجل دين عنده ، وإنما لأيِّ مسلم لا يجوز أن يتشبَّه بالكافر .
فإذًا موضوع التشبُّه ما هو موضوع تعبُّدي موضوع علمي نفسي دقيق جدًّا ، وعلماء الفلسفة والاجتماع كما يقولون اليوم يقولون : الأمم بقاؤها بمحافظتها على عاداتها ، بمحافظتها على لغتها ، بمحافظتها على تاريخها ، المسلمون - مع الأسف - رويدًا رويدًا يخسرون ويضيِّعون هذه الأسس التي بها تقوم شخصيَّتهم ، فالتشبُّه بالكفار أصبح أمرًا سهلًا جدًّا .
فضربت لكم مثلًا خلاصة بالبرنيطة ، ننزل درجة ؛ وضع العقدة هذه التي يسمُّونها " الكرافيت " ، هذه ما المقصود منها يا ترى ؟ لا شيء أبدًا إلا أنه هذا زيّ كافر نقله الكفار حينما استحلوا بلادنا ، فزيَّن الشيطان لنا ذلك الزيَّ ، فقلدناهم تشبَّهنا به ، وإلا يكفي أن يستحضر العاقل الوقت اللي بيضيعه هذا " المكرفت " إذا صحَّ التعبير ، أن يقف أمام المرأة ويضيِّع كذا دقائق من الساعات حتى يزيِّنها ، ثم هو يتضايق فعلًا كما يتضايق كلُّ واحد منكم مبتلى بلباس هذا البنطلون وأمثاله .
فالخلاصة : فهذا - أيضًا - لا يُراد به إلا التشبُّه فقط ، ولكن لا مجال لإنكار أن هذا الذي يلبس الكرافيت تشبُّهه بالكفار ليس كذاك الذي تشبَّه بوضع البرنيطة ، لأني كما كنا نسمع بعض المشايخ هنا من بني قومي كانوا يقولون أنُّو هذا الذي وضع البرنيطة على رأسه معناه وضع الغطاء انتهى الأمر ؛ يعني أعلن أن الرجل ليس مسلمًا !
ثم ننزل إلى مراتب أخرى ؛ هذا اللباس الذي ابتُلِيَ به جماهير الشباب المسلم اليوم بلبس البنطلون والقميص ؛ لا سيما البنطلون التي نلاحق المبتدعين هؤلاء بالموضات اللي بيسمُّوها ، كل ما جتنا موضة نكون نحن ماشيين وراها ، مما يذكِّرني بنكتة كانت تُقال في النساء ، فأصبحت تُقال في الرجال ، قرأت مرة أن رجلًا رأى صديقه يحمل في ذراعه شيئًا وهو يركض قال : وين يا أخي ؟ ليش مستعجل ؟ قال له : والله هذا فستان آخذه لزوجتي راح أسلمه لها إياه قبل ما تطلع موضة جديدة أضطر أشتري لها غيره ، فأصبحت الموضة وتجدُّدها مو بس خاصة بالنساء مع الأسف حتى في الشباب ، هذا كله يدل ويؤكد لنا أن المسلمين أصبحت عقولهم مع غيرهم ، وليت هؤلاء كانوا مسلمين أمثالهم .
أخيرًا : المراتب لا تنحصر إطلاقًا ، لكن حسب المسلم أن يُحاسِبَ نفسه ليعلم أن التشبُّه هو كل شيء جاءنا من الكفار ولا فائدة فيه مطلقًا سوى التقليد فهو تشبُّه ، على أن هناك مرتبة أخرى إذا ما تذكَّرها المسلم أعتقد حينَ ذاك لم يبقَ هناك ضرورة لمثل ذاك الطلب الذي يطلب تفصيل التشبُّه ومراتب ودرجات ، ذلك هو تقصُّد مخالفة الكافر ، فالتشبُّه أن تفعل فعل الكافر ، وهذا كما رأيتم مراتب ودرجات ، لكن هناك شيء في الشرع يطالبك أن تتعاطى أعمالًا تصدر منك تقصد بها مخالفة الكفار حتى في شيء ليس من منسك ولا من ... ، ذلك ما أفادَنا إياه الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - في حديث البخاري : ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم فخالفوهم ) ، إذا ما شابت شعورهم ، فاقصدوا أنتم مخالفتَهم بصبغكم لشعوركم .
الإنسان يشيب سنة الله في خلقه : (( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا )) لا فرق بين مسلم وكافر ، بين صالح وطالح ، كلهم لا بد من أن يمرَّ في هذا الطريق وهو الشيب ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد شاب كما نعلم ، وله من الشيب لم يعمَّ لحيته - عليه الصلاة والسلام - ، فمع هذا كله يقول الرسول عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إذا شاب أحدكم فليصبِغْ شعره ) ؛ لماذا ؟ لِيُخالفَ اليهود والنصارى الذين لا يصبغون شعورهم .
إذًا نحن لسنا منهيِّين فقط عن التشبُّه بالكفار ، بل نحن مأمورون بأن نقصد مخالفتهم ؛ أي : إذا لبسوا لباسًا فعلينا نستقصد أن نلبس غير لباسهم ، وأن نجعل حياتنا كلَّها جملةً وتفصيلًا غير حياة الكفار ، وهذا كما قلت لكم آنفًا ليس أمرًا عبثًا ، الظواهر تؤثِّر في البواطن ؛ إن كان خيرًا فخير ، وإن كان شرًّا فشرٌّ ، ولعل بهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .
السائل : ... .
الشيخ : ... .
السائل : ... .
الشيخ : طبعًا هذه الصلاة ... ولكنها مشروعة ... ولذلك تجدهم يصنعون شيئًا المتبرنطون يدخلون المساجد فيخلعون ما على رؤوسهم كما يخلعون ما على أرجلهم ، فيه أحد له سؤال حول الموضوع السابق ؟
السائل : ... .
الشيخ : لا .
السائل : ... .
الشيخ : حول الموضوع السابق ؟
تفضل .
السائل : ... .
الشيخ : العمائم هو لباس من لباس العرب ، فمن لبسه كعادة عربيَّة فذلك أمر حسن ، لكن ليست سنة تعبُّديَّة ، ليس كما جاء في بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة " أنه صلاة في العمامة تفضل سبعين صلاة بغير عمامة " ، فهو من أزياء العرب ، ولا يزالون يستعملونها ، ولكن لا يظنَّنَّ ظانٌّ أن هذه العمامة هي هذه التي تُكوَّر على الرأس طبقات ودرجات ، ولكل درجة علو في الجنة درجة ، هذا شيء لا أصل له ، العمامة هو هذه ، هذه الحطَّة اللي نضعها على رؤوسنا ، نصوِّرها أحيانًا من البرد أو من الحرِّ وهكذا ، والسلام عليكم .
الحاضرون : وعليكم السلام ورحمة الله .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 198
- توقيت الفهرسة : 00:32:31
- نسخة مدققة إملائيًّا