بيان حقيقة قبول العمل الصالح، وذكر الأدلة على حرص رسول الله على صلاح الأقوال . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان حقيقة قبول العمل الصالح، وذكر الأدلة على حرص رسول الله على صلاح الأقوال .
A-
A=
A+
الشيخ : وعلى هذا إذا كان لا بد من أن يكون العمل صالحا مع صلاح القلب وكانت الأقوال هي من الأعمال فلا بد من أن تكون الأقوال صالحة كالأعمال , فوجود النية أو القصد الصالح كما ذكرنا آنفا لا يجعل العمل الفاسد صالحا كذلك وجود النية الصالحة لا يجعل القول الفاسد المخالف للشرع صالحا , وعندنا نصوص وأحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتجلّى فيها اهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بإصلاح الألفاظ كما اهتم بإصلاح الأعمال من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام وهذا مبدأ عام وعظيم جدا: ( إياك وما يعتذر منه إياك ) وما يعتذر منه وأوضح من هذا قوله عليه السلام: ( لا تكلّمنّ بكلام تعتذر به عند الناس ) هذا هو التأويل ويزيد الأمرَ وضوحا ومعالجة فعلية منه عليه الصلاة والسلام لبعض الأقوال التي صدرت من بعض الأصحاب خطأً فما نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما نظر إلى فساد تلك الأقوال التي ستسمعون بعضها ما نظر إلى صلاح قلوب قائليها , وإنما توجه إلى إصلاح تلك الأقوال لأنه مكلف من رب العالمين أن يصلح الأعمال والأقوال مع القلوب من ذلك الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخطب يوما فقام رجل من الصحابة فقال: ما شاء الله وشئت يا رسول الله ما شاء الله وشئت فقال عليه الصلاة والسلام بشيء من الانزعاج والغضب: ( أجعلتني لله ندّا قل ما شاء الله وحده ) وفي الرواية الأخرى ( قل ما شاء الله ثم شئت ) ما أكثر ما نسمع الآن عدم التجاوب من كثير من المسلمين مع هذا التوجيه النبوي الكريم في هذا الحديث ذلك لأن كثيرا من العرب المسلمين عادوا كالعجم المسلمين يعني ما يعرفون لغتهم العربية وما يفرقون بين قول القائل: ما شاء الله ثم شئت وبين قول القائل: ما شاء الله وشئت , ويكاد كثير من الناس حينما يقرؤون هذا الحديث أو يسمعونه لا يفهمون السر في كون الرسول غضب من ذاك الصحابي حينما قال ما شاء الله وشئت وعاد الرسول عليه السلام بالإنكار وأصلح له العبارة وقال: قل ما شاء الله وحده أو ما شاء الله ثم شئت , والفرق أن الواو في اللغة العربية تفيد الجمع إذا قال القائل جاء الملك والوزير معناه جاؤوا معًا أما إذا قال القائل جاء الملك ثم الوزير معناه إن الملك جاء متقدما ثم الوزير جاء متأخرا , لهذا السبب أنكر الرسول عليه السلام قول ذلك القائل: ما شاء الله وشئت لأنه قرن مشيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجمعها مع مشيئة الله والله يقول: (( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) فمشيئة الله هي الغالبة ومشيئة عباده هي من مشيئة الله وبعد مشيئة الله تبارك وتعالى , لو رجعنا إلى ذلك القائل ما شاء الله وشئت ودققنا في قوله عليه السلام: ( أجعلتني لله ندًّا ) أي شريكا وسألناه هل أنت تعني أن النبي صلى الله عليه وسلم ند وشريك مع الله لقال أعوذ بالله أنا ما آمنت به نبيا ورسولا إلا فرارا من الإشراك بالله تبارك وتعالى مع ذلك فقد أنكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه تلك اللفظة , لأنها تُشعِر بخلاف ما يريد المتكلم وهنا بيت القصيد كما يقال من هذه الكلمة العاجلة , بيت القصيد أن المتكلم ذاك لا يريد أن يجعل نبيه شريكا مع الله في الإرادة والمشيئة بمعنى أنه لا يكون شئ في هذا الكون إلا بمشيئة الله ومشيئة رسول الله حاشا هذا الصحابي بل حاشا أي مسلم أن يعني هذا الشرك الصريح لكن اللفظة توهم هذا عربيةً , من هذا القبيل أيضا ما جاء في حديث آخر صحيح وفيه عبرة لمن يعتبر وهو ( أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء صباح يوم إليه فقال يا رسول الله رأيت البارحة في المنام وأنا أمشي في طريق من طرق المدينة لقيت رجلا من اليهود فقلت له في المنام: نعم القوم أنتم معشر يهود لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: عزير ابن الله فعارضه اليهودي في المنام أيضا فقال: ونعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد. ثم مضى فلقي رجلا من النصارى فقال له: نعم القوم أنتم معشر النصارى لولا أنكم تشركون بالله فتقولون عيسى ابن الله فعارضه النصراني بمثل ما عارضه اليهودي فقال: ونعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد فقال عليه السلام لهذا الرجل الرائي تلك الرؤيا في المنام: هل قصصت رؤياك على أحد؟ قال: لا. فوقف عليه السلام خطيبا في أصحابه وقال ما معناه طالما كنت أسمع أحدكم يقول ما شاء الله وشاء محمد فأستحيي منكم يعني يصعب عليه إنه يكشف عن خطأ هالكلمة منهم لعلمه بحسن طواياهم لكن الآن جاء وقت البيان فقال: لا يقولنّ أحدكم ما شاء الله وشاء محمد ولكن ليقل: ما شاء الله وحده ) ، هذا الحديث والذي قبله والذي قبله وقبله كل ذلك لإصلاح الألفاظ ولا يغتر الإنسان بقوله والله أنا نيتي طيبة , يا أخي بارك الله في نيتك الطيبة لكن ألا تريد أن يبارك الله في قولك الطيب أيضا , يجب أن يقترن القول الصالح كما قلنا مع العمل الصالح , لقد وصلت عناية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتوجيه المسلمين إلى إحسان الكلام والتلفظ به إلى أمر عجيب جدا فيغفل عنه جماهير المسلمين , ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن لقست ) شو معنى لقست؟ خبثت , لغةً المعنى واحد (لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست) والمعنى واحد لكن اللفظ الخبيث خبيث في عرف الناس ولذلك فليقل بلفظة تؤدي بنفس المعنى ولكن تكون اللفظة في ذاتها ألطف لفظا وعرفا , مثاله من واقع الناس بدل ما يقول الرجل: زوجتي قالت لي كذا امرأتي قالت لي كذا يقول قالوا لي في البيت , المعنى واحد لكن بدل ما يذكر زوجته أمام رجل غريب ويخلّي الذهن يشتغل بهذه اللفظة يبعد في اللفظ ويقرب في التعبير والمعنى فيقول قالوا في البيت , هذا مثال يقرب كل ما سبق الكلام عليه آنفا , الشاهد من هذا الحديث الأخير المسلم كما جاء في بعض الأحاديث كالسنبلة تأتي الرياح فتميل بها أحيانا يمينا ويسارا وأحيانا تستقيم , هذا الميل هو كناية عن الميل مع الأهواء والشهوات فهنا يشعر الإنسان في هذا الميل بإنه نفسه أصابها شيء من الخباثة فهو يريد أن يعبر عنها فلا يقل ولا يكن التعبير بلفظ خبثت ولكن بلفظ لقست , إذا كان هذا شأن الإسلام في توجيه ألفاظ أتباعه حتى فيما يتعلق بنفوسهم الخبيثة فكيف يجوز للمسلم أن يأتي بلفظة تتعلق بدينه بنبيّه بربه أولى وأولى أن لا يكون هذا جائزا , قلنا آنفا إنه عليه السلام كما جاء لإصلاح القلوب والأعمال فأيضا جاء لإصلاح الأقوال وأن النية الصالحة لا تغني عن هذه الأمور الأخرى وهي الأعمال والأقوال الفاسدة .

مواضيع متعلقة