شرح أثر خالد بن عُمير العدوي قال : خَطَبَنا عتبة بنُ غَزوانَ - رضي الله عنه - وكانَ أميرًا بالبَصرَةِ ، فحَمِدَ الله وأثنَى عليه ، ثمَّ قال : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ الدنيا قد آذَنَتْ بصُرْم ، وولَّت حَذَّاءَ . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح أثر خالد بن عُمير العدوي قال : خَطَبَنا عتبة بنُ غَزوانَ - رضي الله عنه - وكانَ أميرًا بالبَصرَةِ ، فحَمِدَ الله وأثنَى عليه ، ثمَّ قال : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ الدنيا قد آذَنَتْ بصُرْم ، وولَّت حَذَّاءَ .
A-
A=
A+
الشيخ : الحديث الثاني وهو - أيضًا - صحيح ، قال : وعن خالد بن عميرٍ العَدَوي قال : خطَبنا عتبةُ بنُ غَزوانَ - رضي الله عنه - وكانَ أميرًا بالبَصرَةِ ، فحَمِدَ اللهَ وأثنَى عليه ، ثمَّ قال : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ الدنيا قد آذَنَتْ بصُرْم .

اسمعوا بقى هذا خطبة رجل من أصحاب الرسول - عليه السلام - ، وبطبيعة الحال يتكلَّم بلغة عربية ، لكن - مع الأسف - لا نكاد نفهم منها إلا شيئًا قليلًا ، يعظ الناس - وهو أمير كما سمعتم في البصرة - فيقول :

أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ الدنيا قد آذَنَتْ بصُرْم ، وولَّتْ حَذَّاءَ ، ولم يَبقَ منها إلا صُبابَةٌ كصُبابَةِ الإناءِ يتَصابُّها صاحبُها ، وإنَّكُم مُنتَقِلونَ منها إلى دارٍ لا زَوالَ لها ، فانتَقِلوا بخيرِ ما بِحضرَتِكم ؛ فإنَّه قد ذُكِرَ لنا أنَّ الحَجر يُلقَى مِن شَفيرِ جَهَنَّم فيَهوِي فيها سَبعينَ عامًا لا يُدرِكُ لها قَرَارًا ، والله لتُملأَنَّ ؛ أفعجِبْتُم ؟ ولقد ذُكرَ لنا أنَّ ما بينَ مِصراعَينِ مِن مصاريعِ الجنَّةِ مَسِيرةُ أربَعين عامًا ، وليَأتِيَنَّ عليه يومُ وهو كَظيظٌ مِنَ الزِّحامِ .

ولقد رأَيتُني - هنا الشاهد - ولقد رأَيتُني سابعَ سبعَةٍ معَ رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مَا لنا طعامٌ إلا ورَقُ الشَّجرِ ، حتى قَرِحَتْ أَشداقُنا ، فالتَقطْتُ بُرْدَةً فشقَقْتُها بَينِي وبينَ سعدِ بنِ مالكٍ ، فاتَّزَرْتُ بِنِصفِها ، واتَّزَر سَعْدٌ بِنصفِها ، فما أصبَح اليومَ منَّا أحدٌ إلا أصبَح أميرًا على مصرٍ منَ الأمصارِ ، وإنِّي أعوذُ بالله أن أكونَ في نفسي عَظيمًا وعند الله صَغيرًا . يقول : رواه مسلم .

يفسِّر غريب الحديث أو بعض غريب الحديث بالأحرى يقول : آذَنَتْ بمدِّ الألف ؛ أي : أعلمت . بصُرْم : هو بضم الصاد وإسكان الراء بانقطاع وفناء . حذَّاء : هو بحاء مهملة مفتوحة ثم ذال معجمة مشدَّدة ممدودًا ؛ يعني سريعةً . والصُّبابة : بضم الصاد هي البقيَّة اليسيرة من الشيء . يتصابُّها : بتشديد الموحدة قبل الهاء ؛ أي : يجمعها . والكظيظ : بفتح الكاف وظاءين معجمتين هو الكثير الممتلئ .

نعود إلى خطبة هذا الصحابي الجليل وهو عتبة بن غزوان - رضي الله عنه - حَمِدَ الله وأثنى عليه ثم قال : " فإنَّ الدنيا قد آذَنَتْ بصُرْمٍ " ، عرفنا أن الصِّرم هو الانقطاع ، والمقصود هنا واضح ؛ وهي أنها مائلة إلى الانقطاع وإلى الفناء ، قد آذَنَت بصُرمٍ وولَّت حذَّاء ؛ أي : سريعة إلى الفناء . إذ الأمر كذلك يعظ أصحابه فيقول ، فقبل ذلك يتابع فيقول : ولم يبقَ منها إلا صُبابة كصبابة الإناء يتصابُّها صاحبُها ؛ لم يبقَ من الدنيا إلا الشيء القليل ، والرسول - صلوات الله وسلامه عليه - يُشير في بعض الأحاديث الصحيحة أنه : ( لم يبقَ من دنياكم هذه بالنسبة لِمَا مضى إلا مثل ما بين صلاة العصر والمغرب ) ، هذه البقية الباقية من الدنيا ، وهذا ما يُشير إليه هذا الخطيب المصقَع عتبة بن غزوان فيقول : ولم يبقَ منها إلا صُبابة كصبابة الإناء يتصابُّها صاحبها ، وإنكم منتقلون منها إلى دارٍ لا زوال لها ، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ؛ يعني اجعلوا الدنيا مزرعة الآخرة ، وخذوا منها زادًا تتزوَّدون به إلى تلك الدار دار الآخرة التي لا زوال لها كما هو طبيعة هذه الدنيا حيث إنَّها زائلة .

مواضيع متعلقة