بيان حرص الصحابة على تبليغ العلم حتى وهم على فراش العلم . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان حرص الصحابة على تبليغ العلم حتى وهم على فراش العلم .
A-
A=
A+
الشيخ : ... نصُّه بعد قوله : " فإنكم النَّفر الذين قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيكم ما قال ، أبشروا سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( ما من امرَأَين مسلمين هَلَكَ بينهما ولدان أو ثلاثة فاحتَسَبَا وصَبَرَا فيريان النار أبدًا ) .

هذا في الواقع يُفيدنا أن الصحابة كانوا حريصين على تبليغ العلم حتى في آخر رمق من حياتهم ، وإلا ما في مناسبة ليتحدَّث أبو ذر بمثل هذا الحديث . ثم هنا نكتة أخرى ؛ وهي أننا نعرف عن الصحابة أنهم مع حرصهم في تبلغيهم للعلم إلى الناس كانوا يظنُّون ويحرصون على عدم إشاعة الأحاديث المتعلِّقة بالترغيب ، فكان أحدهم لا يحدِّث بمثل هذه الأحاديث إلا تبرئةً لذمَّته ؛ وذلك في آخر رمق من حياته ، وهذا يأتي المثال على ذلك ؛ فهناك في " صحيح مسلم " أن معاذ لما بشَّرَه الرسول - عليه السلام - في القصة المعروفة بأن : ( مَن قال : لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه حرَّمَ الله بدنه على النار ) . يقول : ما حدَّث بها معاذ إلا في آخر حياته تأثُّمًا ؛ يعني خشية أن يقع في إثم كتمان العلم ، كذلك غيره مثل عبادة بن الصامت فيما أذكر في " صحيح مسلم " - أيضًا - أبو هريرة ؛ - أيضًا - قال : لولا آية في كتاب الله ما حدَّثتكم بهذا الحديث ، وذكر الآية : (( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ )) إلى آخرها ، وذكر حديث : ( أن مَن مات على لا إله إلا الله دخل الجنة ) . فيمكن أن يكون تحديث أبي ذر لهذا الحديث من هذا الباب ؛ لأن فيه بشارة : ( ما من امرَأَين مسلمين - زوجين - يموت لهما ولدان أو ثلاثة فيحتسبان - هذا الولد عند الله - ويصبران على ذلك إلا لم يدخلا النار أبدًا ) ، هذه بشارة عظيمة جدًّا ، والتحديث بها بدون توضيح وتعليق ؛ كأن يُقال - مثلًا - : هذا ليس معناه أنه دخل الجنة ولم يدخل النار مطلقًا لو كان عامل التسعة وتسعين لا يُعاقب على ذلك ولا يُحاسب ؛ وإنما المسألة فيها تفصيل حسب الإنسان حسب كثرة ذنوبه ، لكن مثل هذه البشائر يقينًا أنَّ مَن كان من أهلها دخل الجنة ولا بد ، لكن منهم مَن يدخلها بعد أن يصبح في النار حُممةً سوداء ، ومنهم مَن يدخل النار تمسُّه بشيء من العذاب القليل ثم يخرج منها ، ومنهم ومنهم مَن لا يحسُّ بها إطلاقًا ، نسأل الله أن يجعلنا من هؤلاء الآخرين .

الحاضرون : آمين .

الشيخ : الشاهد : ففي هذا الحديث البشارة العظيمة جدًّا فكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحدِّثون بمثله إلا في آخر رمق من حياته .

حينما حدَّثهم بهذا الحديث أتبع ذلك بقوله - رضي الله عنه - : " ثم قد أصبحت اليومَ حيث ترون - يعني وحيدًا في هذه الفلاة - ولو أن لي ثوبًا من ثيابي يسع كفني لن أُكفَّن إلا فيه ، فأنشدكم بالله لا يكفِّنِّي رجل منكم كان عريفًا أو أميرًا أو بريدًا " .

لماذا يشترط أبو ذرٍّ أن لا يُكفِّن أبا ذر أحد من هؤلاء العصابة إذا كان قد تولَّى ولاية من هذه الولايات ؛ إما أن يكون أميرًا على بلدة أو أن يكون عريفًا على جماعة أو أن يكون صاحب بريد ؟

فالظاهر أنه يُشير إلى ما سبقت الإشارة إليه في حديث خباب بن الأرت ؛ لأنهم يكونون قد أكلوا من أجورهم ، فلا يكون عملهم كاملًا مَوفورًا أجرهم عند الله - تبارك وتعالى - ، ويحتمل أن يعني بذلك أن قلَّ مَن يسلم من استثمار هذه المناصب وهذه الولايات استثمارًا غير مشروع ، وخاصة في هذا الزمن ؛ فلا نكاد نجد أميرًا إلا ويشتغل بإمارته وولايته ، ولا عريفًا ولا بريدًا ؛ نحن نجد اليوم بعض الموظفين عندهم سيارات دولة منشان خدمة الدولة ، وإذا به يخدم نفسه ويخدم عياله وأطفاله ويتنزَّه عليها وعلى حساب إيش ؟ الدولة ، هذا استغلال طبعًا لا يجوز في الإسلام . هذا النوع في الوقت الذي لا نستطيع أن ننكر وجوده في بعض الأفراد من السابقين لكننا نقطع أنهم لم يكونوا في التوسُّع في ذلك كمًّا وكيفًا كما هو الشأن اليوم في هؤلاء المتأخرين ، لكن قد يوجد بعض الأفراد ؛ ولذلك تحفَّظ أبو ذر - وهذا من زهده وورعه - فطلب أن لا يتولَّى تكفينَه أحدٌ ممَّن تولى شيئًا من هذه المناصب ؛ فوُجِد هناك فتى من الأنصار قال له : أنا هو صاحبك ، هذا من غزل أمي ، وهذا الثوب من ثيابي الخاصَّة بي ، هذا أكفِّنك فيهما . قال : أنت صاحبي .

فتأمَّلوا وانظروا كيف كان السلف الصالح يعيشون ، وكيف كانوا يتورَّعون عن الشبهات ؛ ثم قيسوا أنفسكم تجدون الفرق شاسعًا ، وبالتالي تجدون الثَّمرات التي نجنيها نحن هي ثمرات غير الثمرات التي جَنَوها أولئك ، فهم قد ورَّثونا تلك الثمرات بجهادهم في سبيل الله - عز وجل - ، أما نحن فقد أضعناها وأضعنا مع ذلك كثيرًا من ديننا ، بل وفينا مَن خسر الدنيا والآخرة ؛ ذلك هو الخسران المبين .

يكفي هذا المقدار في درس " الترغيب والترهيب " ، وأراني مضطرًّا بالرغم من أنني لا أريد أن أتكلَّم كثيرًا ، لكن بالنظر لأن الأسئلة التي أجاب عنها الأستاذ في الدرس الماضي هي قلٌّ من جلٍّ ؛ فلا بد من أن أتولى الإجابة عن سؤال واحد ؛ لأن له علاقة هنا بعلم الحديث ، ولعل إخواننا فيما يأتي من الدروس يستمرُّون في الإجابة عن الأسئلة القديمة ثم الجديدة .

مواضيع متعلقة