ما قولكم في مسألة دوران الأرض ؟
A-
A=
A+
السائل : سائل يقول : ما قولكم في مسألة دوران الأرض ؟
الشيخ : نحن الحقيقة لا نشكُّ في أن قضية دوران الأرض حقيقة علمية لا تقبل جدلًا ، في الوقت الذي نعتقد أن ليس من وظيفة الشرع عمومًا والقرآن خصوصًا أن يتحدَّث عن علم الفلك ودقائق علم الفلك ، وإنما هذه تدخل في عموم قوله - عليه الصلاة والسلام - الذي أخرجه مسلم في " صحيحه " من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - في قصة تأبير النخل حينما قال لهم : ( إنما هو ظنٌّ ظنَنْتُه ، فإذا أمرتكم بشيء من أمر دينكم فأتوا منه ما استطعتم ، وما أمرتكم من شيء من أمور دنياكم فأنتم أعلم بأمور دنياكم ) ، فهذه القضايا ليس من المفروض أن يتحدَّث عنها الرسول - عليه السلام - ، وإن تحدَّث هو في حديثه أو ربنا - عز وجل - في كتابه ؛ فإنما لبالغة أو لآية أو معجزة أو نحو ذلك ؛ ولذلك فنستطيع أن نقول أنه لا يوجد في الكتاب ولا في السنة ما يُنافي هذه الحقيقة العلمية المعروفة اليوم ، والتي تقول بأن الأرض كروية ، وأنها تدور بقدرة الله - عز وجل - في هذا الفضاء الواسع ، بل يمكن للمسلم أن يجد ما يُشعر إن لم نقل ما ينصُّ على أن الأرض كالشمس وكالقمر من حيث أنهما أنها كلها في هذا الفراغ كما قال - عز وجل - : (( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) ؛ لا سيما إذا استحضَرْنا أنَّ قبل هذا التعميم الإلهي بلفظة (( وَكُلٌّ )) هي تعني الكواكب الثلاثة ؛ حيث ابتدأ بالأرض فقال : (( وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ )) ، ثم قال : (( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ )) ، (( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )) ، آ ، (( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) ، لفظة (( كُلٌّ )) تشمل الآية الأولى الأرض ثم الشمس ثم القمر ، ثم قال - تعالى - : (( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) .
هذا ظاهر من سياق الآيات هذه ، وهي بلا شك آيات في ملك الله - عز وجل - باهرة ، أقول هذا مع العلم بأن العلماء في التفسير أعادوا اسم (( كُلٌّ )) إلى أقرب مذكور وهو الشمس والقمر ، لكن ليس هناك ما يمنع أبدًا من أن نوسِّع معنى الكلِّ فيشمل الأرض التي ذُكِرت قبل الشمس وقبل القمر ، هذا أقوله ، فإن صحَّ فَبِهَا ونعمت ، وإن لم يصح فأقل ما يُقال أنه لا يوجد في القرآن - كما قلت آنفًا - ولا في السنة ما ينفي هذه الحقيقة العلمية . أما ما يُقال أو ما يستدل به من الآيات كجعل الأرض - عز وجل - الجبال رواسي أن تميد بهم ، وكـ (( الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا )) ، ونحو ذلك من الآيات ؛ فهي في الحقيقة لا تنهض لإبطال هذه الحقيقة العلمية الكونية من جهة ، بل لعل بعضها تكون حجة على المستدلين بها ، فجَعْلُ الله - عز وجل - للجبال أوتادًا كذلك ، كالأوتاد تشبيهًا بالأوتاد ؛ فهذا نصٌّ صريح بأن ذلك لا يمنع تحرُّكها مطلقًا ، وإنما يمنع تحرُّك الأرض تحرُّكًا اضطرابيًّا بحيث لا يتمكَّن الساكنون عليها من التمتُّع بما فيها بل من الحياة عليها ؛ ذلك لأننا نعلم أن الرواسي بالنسبة للسفن لا تمنع حركتها مطلقًا ، لكنها تمنع أن تفلت هكذا في خضمِّ البحر ، فتضربها الأمواج يمينًا ويسارًا ، ثم يكون مصيرها الغرق ؛ كذلك الأوتاد التي تُضرب عادةً للخيل - مثلًا - ونحو ذلك من الدواب ؛ فهي لا تمنع أبدًا أن تتحرَّك تحرُّكًا في مدى محدود أراد أراد ذلك ، ذاك الحيوان الواتِد إن صح التعبير وهو الذي ضرب الوتد للحيوان .
ونحن نرى في سوريا في بعض البساتين ؛ البساتين التي تُزرع فيها بعض الحشائش التي هي طعام للخيل وللبقر ونحو ذلك من الحيوانات يسمَّى عندنا في بلاد الشام بـ " الفصَّة " ، وربما يسمَّى عندكم بـ " البرسيم " .
السائل : نعم .
الشيخ : هذا الذي يباع في المدينة ، حشيش أخضر .
السائل : نعم .
الشيخ : أليس هو البرسيم ؟
السائل : بلى .
الشيخ : آ ، هذا يُزرع ، فيأتي الفلاح حينما ينبت فيضرب وتدًا لفرسه أو لبقرته ، فتجد هذه البقرة تأكل من هذا البرسيم المقدار الذي يريده صاحبُها ، فهي تتحرَّك لكن ما تتحرَّك كما تشاء هي ، تتحرَّك فوضى كما لو أُطلِقَ لها الزمام ، وإنما تتحرَّك حركة نظامية ؛ ولذلك تجد قد شكَّلت دائرة .
السائل : نعم .
الشيخ : الفصَّة أو البرسيم الذي أكلته أصبحت الأرض إيش ؟ جرداء تقريبًا من الخَضَار ، وما حولها لا يزال الخَضَار فيه قائمًا ، فتشبيه ربِّ العالمين - تبارك وتعالى - للجبال بالنسبة للأرض كالمراسي للسفينة ، والأوتاد بالنسبة للحيوانات ، هذه - أيضًا - بالنسبة للأرض ، كلُّ ذلك لا ينفي عن الأرض حركة منظَّمة بقدرة الله - تبارك وتعالى - ؛ لذلك قلت أن هذه الآيات أو بعضها على الأقل هي أقرب إلى الدلالة على أن الأرض تتحرَّك أقل ما يُقال ، وأنها ليست ثابتة جامدة كما يتوهَّم كثير من الناس .
فخلاصة القول : لا يوجد في الشرع أبدًا ما ينفي كروية الأرض ، ثم كروية الأرض أصبحت اليوم يعني حقيقة علمية ملموسة لمس اليد ؛ يعني يُتَّهم الإنسان في عقله أو على الأقل في علمه فيما إذا جحد هذه الحقيقة ؛ لأنك اليوم تستطيع أن ترفع السماعة وتتَّصل مع صديق لك صادق تقول له الآن : إيش عندكم نهار ولَّا ليل ؟ يقول لك : عندنا ليل ، في الوقت الذي يُؤذَّن عندنا - مثلًا - لأذان المغرب يُؤذَّن عندهم لصلاة الفجر أو يكون قد طلعت الشمس ، وهذا لا يمكن تصوُّره أبدًا إلا كما يقول العلم هذا التجربة أن هذا ينتج بسبب أن الأرض تدور حول الشمس دائرة كاملة ؛ ينتج مِن ورائها الليل والنهار ، ثم أدق من ذلك حصول الفصول الأربعة بسبب ابتعاد الأرض عن الشمس واقترابها ، وهذا له تفصيله في علم الفلك وفي علم الجغرافيا لسنا في صدده ، لكن الشاهد أنه لا يمكن أن تحصل هذه الأمور الواضحة إلا والأرض أوَّلًا كروية ، وإذا سُلِّم بكرويتها فلا يمكن أن يُقال بأنها ثابتة ؛ لأن البشر يسكنون هذه الأرض في كلِّ جوانبها ؛ كما يُقال اليوم في القطب الشمالي في القطب الجنوبي ، فلو كانت هي كروية وثابتة كيف يثبت مَن كانوا في أسفل القطب الجنوبي مثلًا ؟ بل ومَن كان في طرفيها ؟ لكنها لما كانت تدور بقدرة الله العجيبة الدوران الذي لا يجعل حياة المستوطنين والساكنين عليها مضطربة ؛ فهذا أمر يعني غاية الإعجاز والدالة على عظمة قدرة الله - تبارك وتعالى - .
وأنا أريد أن أذكِّر بشيء يقرِّب هذا الشيء البعيد الذي لا يدخل في أذهان بعض الناس ، وأنا في ألبانيا كنت أجيرًا في دكانة خال لي كان حلَّاقًا ، فكان يأتيه زبون مثلًا ، فيطلب له قهوة فنجان قهوة ، يأتي القهوجي أو أجير القهوجي ، يأتي أجيره القهوة أو القهوجي وفي يده صحن أو صينية ، تقولون : صينية ؟
السائل : نعم .
الشيخ : مثل هذه الصواني أكبر منها قليلًا ، لكن هذه لها حاملة ؛ يعني يمكن أن نصوِّرَها هكذا ؛ هنا يضع إصبعه هنا ، ويمشي أوَّلًا يلهو ويتسلَّى يعمل فيها هكذا ، والفنجان على الصحن الصغير كما هي العادة لا يتحرَّك عن مكانه ، هذا مصغَّر جدًّا جدًّا ليفهم الإنسان كيف تدور الأرض ولا يضطرب البشر عليها ، والبشر بشر كما قال - تعالى - : و (( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )) ، فإذا كان هذا الفنجان وهو موضوع في الصينية ، والذي يحرِّكه هو إنسان ، إنسان جاهل غشيم قدرته ومداركه محدودة ، مع ذلك ربنا - عز وجل - أعطاه شيء من العقل وشيء من القدرة بحيث أنُّو يُدير هذه الصينية وعليها الفنجان وهو فوق الصحن الصغير ؛ فلا يقطر منه قطرة ، هذا كنَّا نراه ونحن صغار ، فالله - عز وجل - ماذا نقول ؟
" وليس يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ *** إذا احتاجَ النهارُ إلى دليلِ "
فإن الله - عز وجل - على كل شيء قدير ؛ إذًا القضية ما تحتاج إلا إلى شيء من العلم والإدراك الصَّحيح ، مع وجود الإيمان الكامل طبعًا بعظمة قدرة الله التي لا يمكن أن يتصوَّرها إنسان . هذا رأيي في هذا السؤال .
السائل : جزاكم الله خيرًا .
الشيخ : وإياكم .
الشيخ : نحن الحقيقة لا نشكُّ في أن قضية دوران الأرض حقيقة علمية لا تقبل جدلًا ، في الوقت الذي نعتقد أن ليس من وظيفة الشرع عمومًا والقرآن خصوصًا أن يتحدَّث عن علم الفلك ودقائق علم الفلك ، وإنما هذه تدخل في عموم قوله - عليه الصلاة والسلام - الذي أخرجه مسلم في " صحيحه " من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - في قصة تأبير النخل حينما قال لهم : ( إنما هو ظنٌّ ظنَنْتُه ، فإذا أمرتكم بشيء من أمر دينكم فأتوا منه ما استطعتم ، وما أمرتكم من شيء من أمور دنياكم فأنتم أعلم بأمور دنياكم ) ، فهذه القضايا ليس من المفروض أن يتحدَّث عنها الرسول - عليه السلام - ، وإن تحدَّث هو في حديثه أو ربنا - عز وجل - في كتابه ؛ فإنما لبالغة أو لآية أو معجزة أو نحو ذلك ؛ ولذلك فنستطيع أن نقول أنه لا يوجد في الكتاب ولا في السنة ما يُنافي هذه الحقيقة العلمية المعروفة اليوم ، والتي تقول بأن الأرض كروية ، وأنها تدور بقدرة الله - عز وجل - في هذا الفضاء الواسع ، بل يمكن للمسلم أن يجد ما يُشعر إن لم نقل ما ينصُّ على أن الأرض كالشمس وكالقمر من حيث أنهما أنها كلها في هذا الفراغ كما قال - عز وجل - : (( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) ؛ لا سيما إذا استحضَرْنا أنَّ قبل هذا التعميم الإلهي بلفظة (( وَكُلٌّ )) هي تعني الكواكب الثلاثة ؛ حيث ابتدأ بالأرض فقال : (( وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ )) ، ثم قال : (( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ )) ، (( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )) ، آ ، (( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) ، لفظة (( كُلٌّ )) تشمل الآية الأولى الأرض ثم الشمس ثم القمر ، ثم قال - تعالى - : (( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) .
هذا ظاهر من سياق الآيات هذه ، وهي بلا شك آيات في ملك الله - عز وجل - باهرة ، أقول هذا مع العلم بأن العلماء في التفسير أعادوا اسم (( كُلٌّ )) إلى أقرب مذكور وهو الشمس والقمر ، لكن ليس هناك ما يمنع أبدًا من أن نوسِّع معنى الكلِّ فيشمل الأرض التي ذُكِرت قبل الشمس وقبل القمر ، هذا أقوله ، فإن صحَّ فَبِهَا ونعمت ، وإن لم يصح فأقل ما يُقال أنه لا يوجد في القرآن - كما قلت آنفًا - ولا في السنة ما ينفي هذه الحقيقة العلمية . أما ما يُقال أو ما يستدل به من الآيات كجعل الأرض - عز وجل - الجبال رواسي أن تميد بهم ، وكـ (( الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا )) ، ونحو ذلك من الآيات ؛ فهي في الحقيقة لا تنهض لإبطال هذه الحقيقة العلمية الكونية من جهة ، بل لعل بعضها تكون حجة على المستدلين بها ، فجَعْلُ الله - عز وجل - للجبال أوتادًا كذلك ، كالأوتاد تشبيهًا بالأوتاد ؛ فهذا نصٌّ صريح بأن ذلك لا يمنع تحرُّكها مطلقًا ، وإنما يمنع تحرُّك الأرض تحرُّكًا اضطرابيًّا بحيث لا يتمكَّن الساكنون عليها من التمتُّع بما فيها بل من الحياة عليها ؛ ذلك لأننا نعلم أن الرواسي بالنسبة للسفن لا تمنع حركتها مطلقًا ، لكنها تمنع أن تفلت هكذا في خضمِّ البحر ، فتضربها الأمواج يمينًا ويسارًا ، ثم يكون مصيرها الغرق ؛ كذلك الأوتاد التي تُضرب عادةً للخيل - مثلًا - ونحو ذلك من الدواب ؛ فهي لا تمنع أبدًا أن تتحرَّك تحرُّكًا في مدى محدود أراد أراد ذلك ، ذاك الحيوان الواتِد إن صح التعبير وهو الذي ضرب الوتد للحيوان .
ونحن نرى في سوريا في بعض البساتين ؛ البساتين التي تُزرع فيها بعض الحشائش التي هي طعام للخيل وللبقر ونحو ذلك من الحيوانات يسمَّى عندنا في بلاد الشام بـ " الفصَّة " ، وربما يسمَّى عندكم بـ " البرسيم " .
السائل : نعم .
الشيخ : هذا الذي يباع في المدينة ، حشيش أخضر .
السائل : نعم .
الشيخ : أليس هو البرسيم ؟
السائل : بلى .
الشيخ : آ ، هذا يُزرع ، فيأتي الفلاح حينما ينبت فيضرب وتدًا لفرسه أو لبقرته ، فتجد هذه البقرة تأكل من هذا البرسيم المقدار الذي يريده صاحبُها ، فهي تتحرَّك لكن ما تتحرَّك كما تشاء هي ، تتحرَّك فوضى كما لو أُطلِقَ لها الزمام ، وإنما تتحرَّك حركة نظامية ؛ ولذلك تجد قد شكَّلت دائرة .
السائل : نعم .
الشيخ : الفصَّة أو البرسيم الذي أكلته أصبحت الأرض إيش ؟ جرداء تقريبًا من الخَضَار ، وما حولها لا يزال الخَضَار فيه قائمًا ، فتشبيه ربِّ العالمين - تبارك وتعالى - للجبال بالنسبة للأرض كالمراسي للسفينة ، والأوتاد بالنسبة للحيوانات ، هذه - أيضًا - بالنسبة للأرض ، كلُّ ذلك لا ينفي عن الأرض حركة منظَّمة بقدرة الله - تبارك وتعالى - ؛ لذلك قلت أن هذه الآيات أو بعضها على الأقل هي أقرب إلى الدلالة على أن الأرض تتحرَّك أقل ما يُقال ، وأنها ليست ثابتة جامدة كما يتوهَّم كثير من الناس .
فخلاصة القول : لا يوجد في الشرع أبدًا ما ينفي كروية الأرض ، ثم كروية الأرض أصبحت اليوم يعني حقيقة علمية ملموسة لمس اليد ؛ يعني يُتَّهم الإنسان في عقله أو على الأقل في علمه فيما إذا جحد هذه الحقيقة ؛ لأنك اليوم تستطيع أن ترفع السماعة وتتَّصل مع صديق لك صادق تقول له الآن : إيش عندكم نهار ولَّا ليل ؟ يقول لك : عندنا ليل ، في الوقت الذي يُؤذَّن عندنا - مثلًا - لأذان المغرب يُؤذَّن عندهم لصلاة الفجر أو يكون قد طلعت الشمس ، وهذا لا يمكن تصوُّره أبدًا إلا كما يقول العلم هذا التجربة أن هذا ينتج بسبب أن الأرض تدور حول الشمس دائرة كاملة ؛ ينتج مِن ورائها الليل والنهار ، ثم أدق من ذلك حصول الفصول الأربعة بسبب ابتعاد الأرض عن الشمس واقترابها ، وهذا له تفصيله في علم الفلك وفي علم الجغرافيا لسنا في صدده ، لكن الشاهد أنه لا يمكن أن تحصل هذه الأمور الواضحة إلا والأرض أوَّلًا كروية ، وإذا سُلِّم بكرويتها فلا يمكن أن يُقال بأنها ثابتة ؛ لأن البشر يسكنون هذه الأرض في كلِّ جوانبها ؛ كما يُقال اليوم في القطب الشمالي في القطب الجنوبي ، فلو كانت هي كروية وثابتة كيف يثبت مَن كانوا في أسفل القطب الجنوبي مثلًا ؟ بل ومَن كان في طرفيها ؟ لكنها لما كانت تدور بقدرة الله العجيبة الدوران الذي لا يجعل حياة المستوطنين والساكنين عليها مضطربة ؛ فهذا أمر يعني غاية الإعجاز والدالة على عظمة قدرة الله - تبارك وتعالى - .
وأنا أريد أن أذكِّر بشيء يقرِّب هذا الشيء البعيد الذي لا يدخل في أذهان بعض الناس ، وأنا في ألبانيا كنت أجيرًا في دكانة خال لي كان حلَّاقًا ، فكان يأتيه زبون مثلًا ، فيطلب له قهوة فنجان قهوة ، يأتي القهوجي أو أجير القهوجي ، يأتي أجيره القهوة أو القهوجي وفي يده صحن أو صينية ، تقولون : صينية ؟
السائل : نعم .
الشيخ : مثل هذه الصواني أكبر منها قليلًا ، لكن هذه لها حاملة ؛ يعني يمكن أن نصوِّرَها هكذا ؛ هنا يضع إصبعه هنا ، ويمشي أوَّلًا يلهو ويتسلَّى يعمل فيها هكذا ، والفنجان على الصحن الصغير كما هي العادة لا يتحرَّك عن مكانه ، هذا مصغَّر جدًّا جدًّا ليفهم الإنسان كيف تدور الأرض ولا يضطرب البشر عليها ، والبشر بشر كما قال - تعالى - : و (( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )) ، فإذا كان هذا الفنجان وهو موضوع في الصينية ، والذي يحرِّكه هو إنسان ، إنسان جاهل غشيم قدرته ومداركه محدودة ، مع ذلك ربنا - عز وجل - أعطاه شيء من العقل وشيء من القدرة بحيث أنُّو يُدير هذه الصينية وعليها الفنجان وهو فوق الصحن الصغير ؛ فلا يقطر منه قطرة ، هذا كنَّا نراه ونحن صغار ، فالله - عز وجل - ماذا نقول ؟
" وليس يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ *** إذا احتاجَ النهارُ إلى دليلِ "
فإن الله - عز وجل - على كل شيء قدير ؛ إذًا القضية ما تحتاج إلا إلى شيء من العلم والإدراك الصَّحيح ، مع وجود الإيمان الكامل طبعًا بعظمة قدرة الله التي لا يمكن أن يتصوَّرها إنسان . هذا رأيي في هذا السؤال .
السائل : جزاكم الله خيرًا .
الشيخ : وإياكم .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 15
- توقيت الفهرسة : 00:07:48
- نسخة مدققة إملائيًّا