الإشارة لرسالة شيخ الإسلام ابن تيمية في القصر في الصلاة ، والإشادة بها ، وأنها عظيمة في بابها ، وذكر لشيء مما وَرَدَ فيها وبيان الحق في المسألة والتمثيل لذلك . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الإشارة لرسالة شيخ الإسلام ابن تيمية في القصر في الصلاة ، والإشادة بها ، وأنها عظيمة في بابها ، وذكر لشيء مما وَرَدَ فيها وبيان الحق في المسألة والتمثيل لذلك .
A-
A=
A+
الشيخ : وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قد عالَجَ هذه المسألة معالجةً ما رأيتها لغيره في رسالة خاصَّة في أحكام السفر مطبوعة مع مجموعة الرسائل والمسائل التي كان طبعَها السيد رشيد رضا - رحمه الله - ، ويضرب مثلًا لرجل يقطع مسافة ثلاث مئة كيلومتر أو أكثر من ذلك وهو مع ذلك ليس بمسافر ، وذلك ليؤكِّد للقارئ أنُّو السفر ليس له علاقة بمسافة يقطَعُها طالت أو قصرت ، وإنما السفر يأخذ اسمه وحكمه حسب وضعية الإنسان الذي فارَقَ البنيان ، فيقول - مثلًا - : عندنا في الشام قرية شرقي دمشق تسمَّى بـ " دوما " ، وهي تبعد عن دمشق نحو خمسة عشر كيلو متر ، وعندنا في شمال الشام حلب والتي يسمُّونها عندنا بالعاصمة الثانية ؛ لأنها تَلِي دمشق في سعتها وانطلاق تجارتها ونحو ذلك ، يقول ابن تيمية : إذا خرج رجل من دمشق ليصطادَ في ضواحيها ، وهو لما باشر الصيد لم يجِدْ ما يغنيه ، فجاوز الضواحي إلى قرية قريبة إلى أن وصل إلى " دوما " ، إلى جاوز " دوما " ، وهكذا ما وجد نفسه إلا صار في حلب ، طبعًا هذا أخذ معه في هديك الأيام أخذ معه أيام ، والمسافة بين دمشق وحلب قرابة أربع مئة كيلومتر ، يقول : هذا الرجل ليس بمسافر ، والسبب لأنُّو ما خرج من بلدته مسافرًا ، خرج متسلِّيًا بالصيد ، ثم التهى بهذا الصيد وانطلق وراءه ، وكما جاء في الحديث الصحيح : ( مَن بدا جَفَا ، ومن اتَّبعَ الصيد غَفلَ ، ومَن أتى أبواب السلطان افتُتِنَ ) ، فهذا الإنسان غفل وراء الصيد يلَّا شوية ، بعد شوية ، بعد شوية ، بعد شوية ؛ وإذا به رأى نفسه صار في وسط حلب ؛ قال : هذا ليس بمسافر ؛ لأنه ما خرج ولا تهيَّأ للسفر إطلاقًا ، لكن الصيد حَمَلَه على أن يمشي من هنا إلى هنا حتى وصل إلى حلب . إذًا أول أي شيء يجب أن يلاحظه الخارج من البلدة أو المدينة التي هو فيها هل قصد السفر أم لا ؟ هذه قضية .

قضية أخرى ؛ قد تختلف مقاصد الناس فتختلف أحكامهم ، رجلان يخرجان من بلدة واحدة ، ويقطعان مسافةً واحدة ، وهذه المسافة مع اقتران قصد السفر يعني متوفِّر في كلٍّ من الرجلين ، فنَزَلَا البلدة التي قصدا إليها ، فيُعتبر أحدهما ما أقام كلاهما يومين أو ثلاثة يعتبر نفسه مسافرًا ، وهذا صحيح ، لكن الآخر لا يعتبر نفسه مسافرًا ، بل يعتبر نفسه مقيمًا ؛ لماذا ؟ لأنَّ له دارين ؛ دار في البلدة التي خرج منها ، ودار في البلدة التي قصدَ إليها ، فالرجل الأول ليس له دار هناك ، فما أقام في تلك البلدة فهو مسافر ، الرجل الآخر الذي له دار ما أقام في تلك البلدة فهو مقيم ؛ إذًا هذا المثال القصد منه أنُّو شخصين يقطعان مسافة واحدة ، وينزلان في بلدة واحدة ؛ أحدهما يأخذ حكم الآخر .

كذلك ممكن نعتبر الاثنين خرجوا من بلدة هذا بقصد السفر وذاك بقصد الاصطياد كما ذكرنا آنفًا مثال ابن تيمية - رحمه الله - والمسافة واحدة ، لكن الحكم اختلف . رجل - أيضًا - يخرج مسافرًا لِيُتابع أعماله التجارية الحكومية أو ما شابه ذلك في البلدة الأخرى ، وآخر خرج متنزِّهًا ، ويكون هو في نزهته هذا ما خطر في باله إطلاقًا أنه مسافر أو أن يستعدَّ للسفر أو ما شابه ذلك .

خلاصة القول : لا ينبغي أن ننظر حينما نخرج من بلدنا للمسافة التي نقطَعَُها هل هي طويلة أم قصيرة ، هذا في اعتقادي لنرتاح أوَّلًا من " الشُّوشرة " والخلاف ، وثانيًا لكي نعرف الصواب أو أقرب ما يكون للصواب في هذه المسألة ، لا نخطِّر في بالنا المسافة التي قطعناها كم كيلومتر اليوم كثيرة أو قليلة ، والشيء الثاني أن نلاحظ أننا نحن لما خرجنا من البلدة هل خرجنا قاصدين السفر ومستعدِّين للسفر أم لا ؟ وأنا في الأمس القريب يعني سُئلت ونحن في الطريق إلى المكان الذي اجتمَعْنا فيه أمس . إيش تسمُّونه هذا المكان المخيم ؟

نعم ؟

السائل : " الصِّبِّيَّة " .

الشيخ : " الحبِّيَّة " ، فسألنا بعضهم : هذا سفر ولَّا لا ؟ أنا غريب عن البلدة بالطبع ، وأهل الدار أدرى بما فيها ، لكن أنا قلت : والله أنا ما أشعر أني هنا بهذه المسافة مسافر ، أما من حيث أنا خرجت من عمان إلى سورية فأنا لا أزال مسافرًا ، أما لو كنت مقيمًا هنا وخرجت هذه المسافة ما أشعر إطلاقًا أنني في سفر ، بل أنا في نزهة ، لا أخذت طعام ولا شراب ولا تزوَّدت ولا ودَّعت أهلي ولا أي شيء مما يتعلق عادةً بإيش ؟ بوضع المسافر ، ما شعرت بشيء من هذا إطلاقًا ؛ مع ذلك أنا أحكم بهذا ولا يجوز لي لا شرعًا ولا عقلًا أنُّو أحكم على أهل الدار ؛ لأنُّو أهل الدار أدرى بما فيها ، لكن أنا أقول كمثال : أنا لما خرجت من هنا وقيل لي نحن خارجون إلى البرِّ وهناك لنا مخيم وإلى آخره ونجتمع مع الإخوان ، وركبنا السيارة ، وانطلقت بنا تطوي الأرض طيًّا ؛ ما شعرت إطلاقًا بأنني مسافر أبدًا ، لكن هل الأمر كذلك لما جئت من قطر إليكم ؟ طبعًا الأمر يختلف تمامًا ؛ لذلك .

السائل : بالعافية حتَّى جئت .

الشيخ : نعم ؟

السائل : أقول : بالعافية حتى جئت .

الشيخ : هو بالعافية صحيح ، ولكن بالعافية أروح إلى أمريكا - أيضًا - ، لكن .

السائل : يعني سفر حقيقي هذا .

الشيخ : القضية الآن ، على كل حال نحن إذا كان لكم رأي فيما نتكلم نحن نريد أن نسمعه ، والمرء قويٌّ بأخيه ، إي نعم ، فأقول : فالشيء الذي ينبغي ملاحظته وهذا شيء أساسي في الحقيقة لا تبحثوا في طول المسافة وقصرها ؛ لأنُّو هَيْ القضية مو هي التي تحلُّ المشكلة وتقضي عليها ، وإنما ابحثوا في ذوات أنفسكم ؛ لأنُّو ضربنا - مثلًا - لا خلاف فيه أبدًا ؛ رجلان خرجا من بلدة ؛ أحدهما يعتبر مسافر والآخر لا يعتبر مسافرًا ، والمسافة واحدة ؛ إذًا المسافة ما تحدد المسافر من غير المسافر ، إنما تتحدَّد قضية السفر بوضع الإنسان ونيَّته ، فإذا فعلًا استعدَّ استعداد المسافر ، وهذا الاستعداد له دلالات عرفية ، أول ذلك - مثلًا - : هل الغالب على الناس حينما يسافر أحدهم فعلًا سفرًا ومعروف عند الناس أنه سفر ؛ هل شأنه كما لو خرج - مثلًا - من الدار إلى السوق يودِّع أهله ؟

الجواب بطبيعة الحال : لا ، لكن العكس من ذلك لما يسافر سفرًا يودِّع أهله ، قد يعانق مَن يجوز معانقته ، ويقبِّل مَن يجوز معانقته ، ويصافح مَن لا يجوز تقبيله ، ونحو ذلك ، فيودِّع بطريقة ليست يعني هذه الصورة هي من عادة المقيم والذي لا يريد أن يسافر .

هذه ظاهرة أريد منها أن ألفت النَّظر أنُّو يعني كيف نعرف كون الإنسان بعد أن يقصد النية كيف يمكن أن نعرف بالنسبة ... أنُّو هذا مسافر ولَّا لا ؟ فمن ذلك أنه يودِّع أهله بأيِّ طريقة ما ، والطرائق هنا قد تختلف . شيء ثاني في هناك عرف ، عرف عام في كثير من البلاد التي نحن نعيشها ، عندنا - مثلًا - نحن في دمشق مصيف اسمه " مضايا " ، " الزبداني " ، " بقين " ، يبعد عن دمشق خمسين كيلومتر ، لما أحدنا يخرج من دمشق لا يقول : أنا أسافر إلى " الزبداني " أو " مضايا " و " بقين " ، إنما أنا ذاهب للتنزُّه هناك ، بينما إذا ذهب إلى بيروت والمسافة ضعف هذه المسافة ؛ يعني مئة كيلومتر يقول : أنا مسافر إلى بيروت ، مسافر إلى حماة ، مسافر إلى حمص أقرب من حماة ؛ فضلًا عن حلب ؛ فإذًا الذي يُريحنا - أيضًا - في هذه القضية أن ننظر ما هو عرف الناس في خروج أهل البلد من بلدهم إلى بلدة أخرى ؟

أقول هذا بهذا التحديد لأنه قد يخرج الإنسان إلى الصحراء ليس هناك مكان يقصده بذاته ، فهنا حقيقة يأتي بقى أنُّو رجل مسافر ؛ لأنه لا يدري أين يحطُّ رحله ، فإذا كان في هناك عرف عام كما ذكر بعض الإخوان أمسِ أنُّو من هنا إلى " الوفرة " ؛ قال أنهم كانوا قديمًا يعتبرون هذه السفرة يعتبرونها إيش ؟ سفرًا ، والآن لا يعتبرونه سفرًا .

أنا الآن طبعًا ناقل ، قيل لي هكذا ، فقلت : إذا كان الآن هذا الانطلاق من الكويت إلى " الوفرة " لا يُعتبر سفرًا عرفًا فإذًا هذا ليس بسفر ، العرف له دخل في مثل هذه القضايا ؛ لأنُّو العرف ممَّ يتشكَّل ؟ ممَّ يتألَّف ؟ من نظرة الناس إلى واقعهم ، فالذين يقطعون هذه المسافة ما بين الكويت ما بين " الوفرة " إحساسهم الخاصُّ هو الذي يُوحي إليهم أنهم في سفر أو ليسوا في سفر ، فإذًا من الأمور التي يمكن أن يستعين بها طالب العلم ويعرف إذا كان هو مسافر أو غير مسافر النظر إلى عرف الناس ، فإذا اختلف العرف وهذا قد يقع فعلًا فَلْنرجع للضوابط التي أمكَنَنَا آنفًا أن نذكر بعضها ، وعلى كلِّ حال في اعتقادي أنُّو هذه المسألة ما دام هي موضع خلاف بين العلماء قديمًا فما أستحسن أن يقع فيه جدل كثير وطويل بين بعضنا البعض ، وإنما كلُّ إنسان بقى كما قال - تعالى - : (( بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ )) ، فأنتَ حينما تخرج من بلد إلى تلك البلدة معي أنا ، وقد أرى نفسي غير مسافر ، وترى نفسك مسافرًا ، أو العكس ؛ أرى نفسي مسافرًا ، ولا ترى نفسك مسافرًا ؛ فالأمر إذًا واسع ، والإنسان يُدان بحسب ما قام في نفسه .

ونسأل الله - عز وجل - أن يوفِّقنا لما اختلف فيه الناس من الحق .

السائل : جزاك الله خير .

الشيخ : وإياك ، بارك الله فيك .

السائل : نحن متطابقون .

الشيخ : كيف ؟

السائل : نحن متطابقان .

الشيخ : جزاك الله خير .

مواضيع متعلقة