مسألة استثناء الدُّمى من الصور المحرَّمة وأدلة ذلك . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
مسألة استثناء الدُّمى من الصور المحرَّمة وأدلة ذلك .
A-
A=
A+
الشيخ : وهناك بحث أو تتمَّة لهذا البحث ، وهو بعد أن عرفنا أن الصور كلها محرَّمة على هذا التفصيل السابق ؛ فهل هناك شيء يُستثنى منها ؟

الحديث الذي ترويه السيدة عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يسرِّب إليها صاحباتها من بنات جنسها وأترابها لتلعبْنَ معها بلُعَب البنات ؛ أي : بالصور التي كانت تُصنع للبنت لتلعبَ بها وتتسلَّى في بيتها ، فكانت جيرانها من أترابها يسرِّبهنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أي : يدفعهنَّ إليها ليلعبْنَ معها . هذا حديث رواه البخاري في " صحيحه " .

وروى أبو داود عنها بإسناده الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل عليها يومًا فوجدها بين لُعَبِها ، وفيها خيلٌ ذواتُ أجنحة ، فتعجَّبَ أو أظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعجُّبَه قائلًا : ( خيلٌ ذوات أجنحة ؟! ) . فقالت : يا رسول الله ، ألم يبلُغْك أن خيل سليمان - عليه السلام - كانت ذوات أجنحة ؟ فضحك الرسول - عليه الصلاة والسلام - .

ومعنى هذا إقراره إيَّاها على أمرين اثنين : الأول : على اللعب بهذه اللُّعَب . والأمر الثاني : أن هذه اللُّعب لا مانع ولا بأس أن تكون مجسَّمة وممثِّلةً لخلق لا وجود له إلا في الخيال ، وأعني بذلك الخيل ذوات الأجنحة ، فنستفيد من هذا الحديث الأخير الذي رواه أبو داود فائدةً لا نستفيدها من الحديث الأول الذي رواه البخاري ، وهما كلاهما معًا نستفيد منهما فائدة جواز لعب الأطفال بالصور المجسَّمة ، أما حديث عائشة عند أبي داود فالفائدة التي نستفيدها ما كانت لِتخطُرَ على بالنا لولا أن بعض الكُتَّاب في العصر الحاضر حَمَلَ الأحاديث المحرِّمة للتصوير على ما إذا كان التصوير مغايرًا لِمَا خلق الله ، وعلى ذلك حَمَلَ الحديث أو أحد الأحاديث المتقدِّمة في الدرس الماضي الحديث القدسي : ( ومَن أظلم ممَّن ذهب يخلق كخلقي ؛ فليخلقوا ذرَّة ، فليخلقوا حبَّة ، فليخلقوا شعيرة ) . حَمَلَ هذا الحديث على التصوير المُبايِن لما صوَّرَ الله وخلق ، فاستفدنا ردًّا على هذا الحمل من حديث عائشة المذكور ؛ لأن عائشة صوَّرت خيلًا ذوات أجنحة ، فهذا يخالف ما خلق الله ، فلو كان التحريم منصبًّا فقط على الصور التي تُخالف في صورتها ما صوَّر الله وخلق لَكانت هذه الصور من الخيل ذوات الأجنحة لم يقرَّها الرسول - عليه الصلاة والسلام - لأنها لا تشبه ما خلق الله .

فهذه الفائدة استقلَّ بها حديث أبي داود عن عائشة دلَّنا على أن العلة في تحريم الصور ليس هو أنه لا يشبه خلق الله ، بل التحريم مطلق يشمل كلَّ صورة يصنعها الإنسان المخلوق إلا ما نحن في صدد استثنائه الآن ؛ حيث إن حديث عائشة الأول والثاني دلَّ على جواز لعب الأطفال بلعب البنات - يعني الدمى - ، وكذلك يدل على ذلك حديث أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا حينما كانوا يصوِّمون أطفالَهم الذين لم يبلغوا الحنثَ وسنَّ التكليف كانوا يصنعون لهم لعبًا من العهنَ والقطنَ ليلتهوا بها عن الطعام والشراب ، حتى يفطروا مع الصائمين الرجال الكبار .

فدلَّ هذا الحديث وذاك على جواز استعمال الصور التي الأصل فيها المنع فيما إذا كان يترتَّب على هذا الاستعمال فائدةٌ راجحة لا يرتبط معها مفسدة واضحة ، هذا الحديث وذاك حديث هام في نقدي وعلمي ؛ لأنه يُفسح المجال لأهل العلم أن يتَّخذوا مذهبًا وسطًا بين إباحة التَّصوير الذي جَنَحَ إليه اليوم كثير من العلماء والكُتَّاب إباحةً عامَّة بحجة أن الصور اليوم تُصوَّر بالآلة الفوتوفراغية ، وقد عرفتم أن هذه الحجة حجة داحضة ، وبين علماء آخرين يلتزمون التحريم مطلقًا دون أيِّ استثناء ، فحديث عائشة وحديث الصحابة في اتِّخاذ اللُّعب من العهن هذا وذاك يدل أو يُفسِح المجال لأهل العلم أن يستثنوا بعض الصور من التحريم ، وهذا البعض ينبغي أن يكون مثل لُعب عائشة ولعب الأطفال الصائمين ؛ أي : لا يترتَّب من وراء ذلك إلا مصلحة ، أما لعب عائشة فالمصلحة فيها واضحة ، وهي ما في ذلك من تمرين الطفلة منذ حداثة سنِّها على الاعتناء بتربية أطفالها وأولادها والعناية بثيابها فتقًا ورتقًا وخياطةً ونحو ذلك .

أما الحديث الآخر ففيه اتِّخاذ الصور ملهاةً للأطفال عن الانصراف إلى الإفطار في الصيام الواجب ، فيمكن إذا تبيَّن هذا إلحاق كلِّ صورة بمثل هذه الصور إذا ترتَّب من وراء ذلك كما قلنا مصلحة راجحة ، ولم يقترن معها مفسدة ظاهرة .

مواضيع متعلقة