درس " الأدب المفرد " ، " باب الذي يصبر على أذى الناس " ، حديث ابن عمر رقم ( 388 ) : ( المُؤمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم خَيرٌ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم ) .
A-
A=
A+
الشيخ : ... من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد :
فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
قال المؤلف - رحمه الله - : " باب الذي يصبر على أذى الناس " . روى بإسناده صحيح عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( المُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم خَيرٌ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم ) .
هذا الحديث يبيِّن أن المسلم خيرٌ له أن يعاشر الناس وأن يعاملهم وأن يخالطهم ؛ لأن في هذه المعاشرة وفي هذه المخالطة خيرًا له ولَمِن يخالطه ؛ ذلك لأن المخالِط إما أن يكون بحاجة إلى علم فهو في مخالطته للناس يستفيد ممَّا عندهم ؛ لا سيَّما إذا كان هؤلاء الناس من أهل العلم والفضل والخلق الحسن ، وإن كان هو من هؤلاء - أي : من أهل العلم والفضل والخلق الحسن - فأولى به أن يكون منفعةً لغيره من هؤلاء الناس الذين يخالطهم ويعاشرهم .
والحقيقة أن هذا الحديث فيه ردٌّ على اتجاه يتَّجهه بعض الطوائف الإسلامية منذ سنين طويلة ؛ ألا وهم أولئك الذين يُعرفون بالصوفية ؛ فإن هؤلاء الصوفية عُرِفوا من بين كلِّ الجماعات أو الطوائف الإسلامية بأنهم منزَوُون على أنفسهم ، ويقبعون في زواياهم وفي بيوت كانوا يسمُّونها بأسماء خاصة تكايا وزوايا ، بل غَلا بعضهم حتى خرج عن مساكنة الناس مطلقًا حتى في هذه الزوايا والتكايا ؛ فكان أحدهم يخرج يعيش مع الوحوش في الصحارى والبراري والقفار ، كل ذلك تهرُّبًا منهم من مخالطة الناس ؛ ذلك بأنهم يعتقدون أن هذه المخالطة لا تأتيهم بخير وإنما تجلب إليهم الشر ؛ ولذلك كانوا يُؤثرون أن يعيشوا خارج البنيان ، ولهم في ذلك قصص وقصص كثيرة وكثيرة جدًّا سِيقت في كتب الرقائق وكتب كرامات الأولياء والصالحين - زعموا ! - ؛ فهذا الحديث فيه ردٌّ صريح على هؤلاء الناس .
والإسلام لم يبعثه ربنا - تبارك وتعالى - ليعيش في صفٍّ واحد ، وإنما أنزل الله - عز وجل - دينَه وبعث رُسُلَه لتكون هناك أمة يعيش بعضهم مع بعض ويتعاون بعضهم مع بعض على الخير ويتناهون عن المنكر كما قال - عز وجل - : (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )) ، فالرجل الذي يعيش لوحده ولا يعيش بين بني جنسه ليس لديه مجال أن يتَّصف بهذه الصفة الخيرية التي وصف الله - عز وجل - بها هذه الأمة ، وكان من أبرز صفاتها تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ، فالرجل الذي يعيش في البراري والصحارى والقفار لا يجد أحدًا يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر ، لا يجد أحدًا يعلِّمه شيئًا مما علَّمه الله إن كان على علم وإن كان على جهل فلا يجد أحدًا يتعلم منه مما علمه الله - تبارك وتعالى - ؛ لذلك يعيش طيلة حياته قفرًا كالأراضي التي هو يعيش فيها قفرًا من العلم ، قفرًا من الخُلُق ومن النعومة والليونة التي ينبغي على المسلم أن يتصف بها على اعتبار أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصف المؤمن بصفات كثيرة ؛ منها أنه قال : ( المؤمن هيِّن ليِّن ) ، فهذه الصفة كونه هيِّنًا ليِّنًا لا يمكن أن ينطبعَ بها ذلك الإنسان الذي يعيش في الصحارى ؛ لذلك جاء في كثير من الأحاديث الصحيحة ... فيها الرسول - عليه السلام - الأعراب الذين يعيشون في الصحارى ولا يعيشون في المدن بأنهم قساة القلوب غلاظ الأكباد ؛ فلا جرم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى في بعض الأحاديث الأعرابيَّ الذي هاجر من بداوته إلى مدينة إلى الحضارة نهاه أن يعود إلى ما كان عليه من البداوة ؛ لذلك قال - عليه الصلاة والسلام - تأكيدًا لهذا المعنى الذي ندندن حوله : ( مَن بَدَا جَفَا ) . ( من بَدَا ) يعني من سكن البادية ، يعني من عاش عيشة البدو ، ( مَن بَدَا جَفَا ) أي : صارت طبيعته جافية غليظة ، فكيف يترك المسلم المجتمع الإسلامي وهو لا يخالطهم ولا يعاشرهم ليعيش وحده كما ذكرنا خارج المدن في البراري والصحارى ؟ حينئذٍ يغلظ طبعه ويقلُّ علمه ، وتصبح الأمور الشرعية عنده معكوسة ومقلوبة .
فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
قال المؤلف - رحمه الله - : " باب الذي يصبر على أذى الناس " . روى بإسناده صحيح عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( المُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم خَيرٌ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم ) .
هذا الحديث يبيِّن أن المسلم خيرٌ له أن يعاشر الناس وأن يعاملهم وأن يخالطهم ؛ لأن في هذه المعاشرة وفي هذه المخالطة خيرًا له ولَمِن يخالطه ؛ ذلك لأن المخالِط إما أن يكون بحاجة إلى علم فهو في مخالطته للناس يستفيد ممَّا عندهم ؛ لا سيَّما إذا كان هؤلاء الناس من أهل العلم والفضل والخلق الحسن ، وإن كان هو من هؤلاء - أي : من أهل العلم والفضل والخلق الحسن - فأولى به أن يكون منفعةً لغيره من هؤلاء الناس الذين يخالطهم ويعاشرهم .
والحقيقة أن هذا الحديث فيه ردٌّ على اتجاه يتَّجهه بعض الطوائف الإسلامية منذ سنين طويلة ؛ ألا وهم أولئك الذين يُعرفون بالصوفية ؛ فإن هؤلاء الصوفية عُرِفوا من بين كلِّ الجماعات أو الطوائف الإسلامية بأنهم منزَوُون على أنفسهم ، ويقبعون في زواياهم وفي بيوت كانوا يسمُّونها بأسماء خاصة تكايا وزوايا ، بل غَلا بعضهم حتى خرج عن مساكنة الناس مطلقًا حتى في هذه الزوايا والتكايا ؛ فكان أحدهم يخرج يعيش مع الوحوش في الصحارى والبراري والقفار ، كل ذلك تهرُّبًا منهم من مخالطة الناس ؛ ذلك بأنهم يعتقدون أن هذه المخالطة لا تأتيهم بخير وإنما تجلب إليهم الشر ؛ ولذلك كانوا يُؤثرون أن يعيشوا خارج البنيان ، ولهم في ذلك قصص وقصص كثيرة وكثيرة جدًّا سِيقت في كتب الرقائق وكتب كرامات الأولياء والصالحين - زعموا ! - ؛ فهذا الحديث فيه ردٌّ صريح على هؤلاء الناس .
والإسلام لم يبعثه ربنا - تبارك وتعالى - ليعيش في صفٍّ واحد ، وإنما أنزل الله - عز وجل - دينَه وبعث رُسُلَه لتكون هناك أمة يعيش بعضهم مع بعض ويتعاون بعضهم مع بعض على الخير ويتناهون عن المنكر كما قال - عز وجل - : (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )) ، فالرجل الذي يعيش لوحده ولا يعيش بين بني جنسه ليس لديه مجال أن يتَّصف بهذه الصفة الخيرية التي وصف الله - عز وجل - بها هذه الأمة ، وكان من أبرز صفاتها تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ، فالرجل الذي يعيش في البراري والصحارى والقفار لا يجد أحدًا يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر ، لا يجد أحدًا يعلِّمه شيئًا مما علَّمه الله إن كان على علم وإن كان على جهل فلا يجد أحدًا يتعلم منه مما علمه الله - تبارك وتعالى - ؛ لذلك يعيش طيلة حياته قفرًا كالأراضي التي هو يعيش فيها قفرًا من العلم ، قفرًا من الخُلُق ومن النعومة والليونة التي ينبغي على المسلم أن يتصف بها على اعتبار أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصف المؤمن بصفات كثيرة ؛ منها أنه قال : ( المؤمن هيِّن ليِّن ) ، فهذه الصفة كونه هيِّنًا ليِّنًا لا يمكن أن ينطبعَ بها ذلك الإنسان الذي يعيش في الصحارى ؛ لذلك جاء في كثير من الأحاديث الصحيحة ... فيها الرسول - عليه السلام - الأعراب الذين يعيشون في الصحارى ولا يعيشون في المدن بأنهم قساة القلوب غلاظ الأكباد ؛ فلا جرم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى في بعض الأحاديث الأعرابيَّ الذي هاجر من بداوته إلى مدينة إلى الحضارة نهاه أن يعود إلى ما كان عليه من البداوة ؛ لذلك قال - عليه الصلاة والسلام - تأكيدًا لهذا المعنى الذي ندندن حوله : ( مَن بَدَا جَفَا ) . ( من بَدَا ) يعني من سكن البادية ، يعني من عاش عيشة البدو ، ( مَن بَدَا جَفَا ) أي : صارت طبيعته جافية غليظة ، فكيف يترك المسلم المجتمع الإسلامي وهو لا يخالطهم ولا يعاشرهم ليعيش وحده كما ذكرنا خارج المدن في البراري والصحارى ؟ حينئذٍ يغلظ طبعه ويقلُّ علمه ، وتصبح الأمور الشرعية عنده معكوسة ومقلوبة .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 114
- توقيت الفهرسة : 00:00:00
- نسخة مدققة إملائيًّا