كلمة في ذم التفرق والحض على الاجتماع والتمسك بالكتاب والسنة .
A-
A=
A+
الشيخ : فواقع الأمة اليوم مما تحدّث عنه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قبل أن نرى ما رأينا بل و قبل أن يرى ما رأى و أجدادنا من قبل من الفرقة و التحزّب و التفرّق في الدين خلافا لقول ربّ العالمين: (( و لا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون )) و كما قال رب العالمين في الآية الأخرى: (( و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله )) و قد بيّن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم هذه السبل في الحديث الصحيح الذي صوّر تفرّق المسلمين و خروجا من الكثيرين منهم عن الخطّ المستقيم فيما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: " خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يوما خطا على الأرض مستقيما ثمّ خطّ حوله خطوطا قصيرة ثم تلى قوله تبارك وتعالى: (( و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله )) " ثم قال عليه السلام و قد مرّ بأصبعه الشريفة على الخطّ المستقيم: ( هذا صراط الله ) و أشار إلى الخطوط القصيرة التي على جانبي الطريق بقوله عليه الصلاة و السلام ( هذه طرق و على كلّ طريق منها شيطان يدعو الناس إليه ) فقد بين النبي صلى الله عليه و آله و سلم في هذا الحديث أن الطريق الموصل إلى الله عزّ و جلّ إنما هو طريق واحد و ليس كما يقول بعض الصوفية أو على الأقل بعض المتصوفة قالوا أو زعموا إن الطرق إلى الله عزّ و جلّ هي بعدد أنفاس الخلائق هذا كانوا يقولونه قديما أما اليوم فقد تعدّلت الطرق إلى تعدّد الجماعات و الأحزاب و كل حزب بما لديهم فرحون مع أن هؤلاء المسلمين اليوم جميعا يعلمون قول الله عزّ وجلّ: (( و لا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون )) و يعلمون أيضا قول النبي صلى عليه و آله و سلم: ( تفرقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة و تفرّقت النصارى إلى اثنتين و سبعين فرقة و ستفترق أمتي على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) قالوا: " ما هي يا رسول الله ؟ " قال: ( هي الجماعة ) هذه هي الرواية المشهورة و الصحيحة و الرواية الأخرى و هي المفسّرة للأولى قال: ( هي التي تكون على ما أنا عليه و أصحابي ) فقوله عليه الصلاة و السلام في هذه الرواية الثانية وهي رواية حسنة كما بيّنت ذلك في بعض كتبي فقوله عليه السلام: ( ما أنا عليه و أصحابي ) يحدد منهج الفرقة الواحدة و الطائفة المنصورة الناجية و هي التي تأخذ بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين وهنا نكتة لابدّ لي من ذكرها بمناسبة قوله عليه السلام: ( و أصحابي ) لأنه من الواضح أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لو اقتصر على قوله: ( ما أنا عليه ) لكان جوابه وافيا كافيا و لكنه لحكمة بالغة زاد على ذلك و عطف فقال: ( و أصحابي ) و الحكمة هي أن أصحاب النبي صلى الله عليه و آله و سلم كانوا جميعا على هدى من ربهم لأنهم تلقّوا الوحي النازل على قلب نبيّهم صلى الله عليه و آله و سلم غضا طريا كما أنزله الله عزّ و جلّ قبل أن يتسلّط على مفاهيمه و على دلالته العجمة أو الهوى الذي ران على قلوب بعض الذين جاؤوا من بعد السلف الصالح من الآراء و الأفكار المباينة و المخالفة لما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه و آله و سلّم لهذا ذكرهم و عطفهم على ما كان عليه صلى الله عليه و آله و سلم لأنه يعلم علم اليقين أن أصحابه سيكونون له متّبعين تمام الاتّباع و كذلك أثنى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على القرون الذين يأتون من بعد أصحابه صلى الله عليه و آله و سلّم و مجموع تلك القرون هي كما عليه السلام في الحديث الصحيح بل الحديث المتواتر في نقدي و في علمي و تتبعي ألا و هو قوله صلى الله عليه و آله و سلم: ( خير الناس قرني ) و بعض الناس يروونه بلفظ خير القرون قرني فأرى من الواجب عليّ أن أذكّر و الذكرى تنفع المؤمنين أن لفظ الحديث الصحيح ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم ) فهؤلاء القرون الثلاثة هم الذين شهد لهم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم بالخيرية و هم المقصودون بالآية الكريمة وهي قول الله عزّ و جلّ: (( و من يشاقق الرسول من بين تبيّن له الهدى و يتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى و نصله جهنّم و ساءت مصيرا )) فقوله تبارك و تعالى في هذه الآية الكريمة (( و يتّبع غير سبيل المؤمنين )) منه اقتبس نبيّنا صلى الله عليه و آله و سلّم قوله سابقا ( و أصحابي ) فالنّكتة في هذا الحديث كالنّكتة في هذه الآية الكريمة و في ذلك دلالة واضحة على أن المسلمين جميعا في هذه العصور المتأخّرة أنه لا يجوز لهم أن يخالفوا سبيل المؤمنين , سبيل المؤنين الأوّلين لأنهم كانوا على هدى من ربّهم و لذلك أيضا ذكر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أصحابه من المفضّلين على أصحابه الآخرين ألا وهم الخلفاء الراشدون المهديّون كما جاء في حديث العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و إن ولّي عليكم عبد حبشي و إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنّتي و سنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كلّ بدعة ضلالة ) هكذا ذكر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم مع سنّته في هذا الحديث سنّة الخلفاء الراشدين بتلك النكتة التي أشرنا إليها في الآية وفي حديث الفرقة الناجية و في كل هذه النصوص الثلاثة منهاج يوجب على المسلمين في العصر الحاضر أن يلتزموه و أن لا يكونوا بعيدين عنه كما هو شأن كثير ممن يشاركنا في الدعوة إلى الكتاب و السّنّة و لكنّهم يخالفوننا في منهجنا في رجوعنا إلى فهمنا للكتاب و السّنّة إلى فهم السلف الصالح من الصحابة و التابعين و أتباعهم ذلك مما يجب على كلّ مسلم أن يتّخذه منهجا له لكي لا ينحرف عن ما كان عليه سبيل المؤمنين فلا يكفي اليوم أن نقول نحن على الكتاب و السّنّة ثم يختلفون في فهم الكتاب و السنة فالرجوع إلى السلف الصالح هو ضمان و صيانة من أن يقع المسلمون اليوم في مثل ما وقع المسلمون الذين جاؤوا بعد السلف فاختلفوا اختلافا كثيرا ذلك لأنهم قد كانوا لم تتوفر لديهم أولا نصوص السّنّة التي تتولى بيان القرآن الكريم كما قال ربّ العالمين: (( و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم )) هذا هو السبب الأول من أسباب الخلاف الذي وقع بين المتقدّمين حتى بين بعض الأئمة المجتهدين من العلماء و الزهاد و الصالحين و لكن هناك أسباب أخرى و هي تسلط الأهواء و الآراء الخاصة ببعض الناس و لو كانوا على شيء من العلم بل و الزهد و الصلاح و لذلك نحن نقول إنه لا ضمان لكي لا يقع المسلمون في مخالفة الكتاب و السّنّة إلاّ بالرجوع إلى ما كان عليه سلفنا الصالح فأنا أعتقد أن من واقع الأمّة الإسلامية اليوم هو اختلافهم في تفسيرهم لبعض نصوص الكتاب و السّنّة بسبب اعتمادهم على غير هذا المنهج الذي نسمّيه بالمنهج السلفي هذا ما ينبغي أن نعرفه في واقع الأمة الإسلامية اليوم لكي يتمكّنوا من العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح و الذي اقترن بهم أن الله عزّ و جلّ أعزّهم و مكّن لهم في الأرض كما هو معلوم في التاريخ الإسلامي الأمجد , هذا ما يحضرني الآن جوابا عن هذه القطعة من السؤال و هو واقع الأمّة الإسلامية و قبل أن أنتقل إلى التحدّث عن أسباب الوهن أريد أن أسمع من بعضكم على الأقلّ لكي يطمئنّ هل وصلكم كلامي و صوتي واضحا بيّنا إن شاء الله حتّى أتابع الكلام و الجواب .
السائل : واضح جدا يا شيخنا .
الشيخ : بشّرك الله خيرا . و أنا أتابع إن شاء الله فأقول أما أسباب الوهن فهي عند العلماء كثيرة و كثيرة جدّا و قد يعلمون كلّهم أو على الأقل بعضهم أن النّبي صلّى الله عليه و آله و سلم جمعها في جملة واحدة في الحديث الثابت الصحيح عنه صلى الله عليه و آله و سلم وهو قوله: ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ) قالوا: " أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ " قال: ( لا بل أنتم يومئذ كثير و لكنّكم غثاء كغثاء السيل و لينزعنّ الله الرهبة من صدور عدوّكم و ليقذفنّ في قلوبكم الوهن ) قالوا: " و ما الوهن يا رسول الله ؟ " قال: ( حبّ الدنيا و كراهية الموت ) و صدق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم فليس يخفى على كل مسلم عاقل أن حب الدنيا رأس كل خطيئة و أنه سبب كل معصية و بلية كيف لا و هو الذي يحمل الناس على الشح بالمال و بالنفس التي تجاهدها بالإنفاق بالمال العزيز لديها و بالنفس التي هي أعزّ من المال و لذلك قال صلى الله عليه و سلم: ( اتّقوا الشّحّ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دمائهم و استحلوا محارمهم ) كما ورد في كثير من كتب السّنّة ومنها صحيح الإمام مسلم .
السائل : واضح جدا يا شيخنا .
الشيخ : بشّرك الله خيرا . و أنا أتابع إن شاء الله فأقول أما أسباب الوهن فهي عند العلماء كثيرة و كثيرة جدّا و قد يعلمون كلّهم أو على الأقل بعضهم أن النّبي صلّى الله عليه و آله و سلم جمعها في جملة واحدة في الحديث الثابت الصحيح عنه صلى الله عليه و آله و سلم وهو قوله: ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ) قالوا: " أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ " قال: ( لا بل أنتم يومئذ كثير و لكنّكم غثاء كغثاء السيل و لينزعنّ الله الرهبة من صدور عدوّكم و ليقذفنّ في قلوبكم الوهن ) قالوا: " و ما الوهن يا رسول الله ؟ " قال: ( حبّ الدنيا و كراهية الموت ) و صدق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم فليس يخفى على كل مسلم عاقل أن حب الدنيا رأس كل خطيئة و أنه سبب كل معصية و بلية كيف لا و هو الذي يحمل الناس على الشح بالمال و بالنفس التي تجاهدها بالإنفاق بالمال العزيز لديها و بالنفس التي هي أعزّ من المال و لذلك قال صلى الله عليه و سلم: ( اتّقوا الشّحّ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دمائهم و استحلوا محارمهم ) كما ورد في كثير من كتب السّنّة ومنها صحيح الإمام مسلم .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 690
- توقيت الفهرسة : 00:05:12
- نسخة مدققة إملائيًّا