بيان موقف الدعوة السلفية من المذاهب وأئمتها . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان موقف الدعوة السلفية من المذاهب وأئمتها .
A-
A=
A+
الشيخ : الأمر الآخر : هل فيمَن ينتسب إلى الدعوة مَن يتكلَّم بمثل هذا الكلام الذي ذَكَرَه الكاتب وعزا طرفًا منه إلى كبارِهم ، وطرفًا آخر منه إلى أوسطهم ، أما الأمر الأول فنحن ندندن دائمًا وأبدًا وتكلَّمنا عن شيء من ذلك في الدرس السابق فلا أريد الإطالة ، نقول دائمًا وأبدًا أن هذه الدعوة - الدعوة السلفية - إنما تقوم على فهم الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح الذين هم الذين كانوا في القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية في الحديث الصحيح المتواتر : ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) ، والأئمة الأربعة وغيرهم ممَّن عاصَرَهم أو تقدَّم عنهم ، عليهم أو تأخَّر عنهم شيئًا قليلًا ، كل هؤلاء من أئمة السلف الصالح ، فنحن بهم نقتدي وإياهم نتَّبع في دعوتنا هذه ؛ ولذلك فلا يُتصوَّر إطلاقًا أن يذمَّ رجلٌ سلفيُّ المشرب والمذهب ؛ لا يُتصوَّر أن يطعن مثل هذا في إمام من أئمة المسلمين ، أو أن يذمَّهم ، أو أن يتمنَّى حرق كتب هؤلاء الأئمة وعدم الاستفادة بها .

لقد كنتُ تحدَّثت عن جانب من هذه الحقيقة في مقدمة " صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " ، وذكرت أن الأئمة وبخاصَّة الأئمة الأربعة لهم الفضل الأول في توجيهنا هذا المنهج الصحيح في اتباع الكتاب والسنة ، وقد جمعت في مقدمة " صفة الصلاة " أقوال الأئمة الأربعة التي فيها توضيح هذا المنهج باتباع الكتاب والسنة وعدم الجمود على التقليد والجمود على اتباع المذاهب ، ذكرتُ أقوالهم هناك ، ولا أريد الإطالة بذكرها ، وحسبي مثال واحد منها ؛ حيث اتَّفقوا جميعًا على التلفُّظ بهذا المثال ؛ ألا وهو قولهم : " إذا صح الحديث فهو مذهبي " .

لذلك فنحن نعتقد أن الدعوة السلفية قائمة على تقدير الأئمة حقَّ قدرهم ، فإن وُجِدَ هناك أناس ينتمون إلى الدعوة السلفية ولكن يصدُر منهم بعض الكلمات التي تُعتبر ظلمًا للأئمة ولجهودهم ولعلومهم ، بل وذمًّا لهم بمثل هذه الكلمات التي ذَكَرَها الكاتب ، فنحن نقول بصراحة : إن من المبادئ التي قامت عليها الدعوة السلفية بناءً على أنها قائمة على الكتاب والسنة ، وفي الكتاب والسنة ما يؤيد أنه لا يَحمل أحد وزر أحد كما قال - تعالى - : (( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )) ، وجاء في السنة الصحيحة أن رجلًا من الصحابة أتى النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعه غلام له ، فقال : ( هذا ابنك ؟ ) . قال : نعم . قال : ( أما إنك لا تجني عليه ولا يجني عليك ) ، ( لا تجني عليه ولا يجني عليك ) هذا كتفسير للآية السابقة : (( أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )) .

فإذا صدرت مثل هذه الكلمات من بعض مَن ينتمون إلى الدعوة السلفية ، الدعوة ليست مسؤولة عنهم ولا عن قائليها لهذا الذي سمعتم من الآية والحديث الصحيح ، ونحن نعترف آسفين أنه قد تصدُر مثل هذه الكلمات عن بعض المتحمِّسين من السلفيين من الذين لهم خُلُق أو طبع خاص ، من ذلك الحدَّة ، ومن ذلك أن يكون عقله وراء لسانه ولسانه قبل عقله ؛ فهو يقول قبل أن يُفكِّر ، هذا لا نستطيع أن نبرِّئ من مثله بل ومن أمثاله دعوةً من الدعوات ؛ فهؤلاء أصحاب الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - لم يخلُ فيهم مَن نزلت فيه بعض الآيات ، ومَنْ غضب منه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأحيانًا ربما سبَّه وشتَمَه ولعَنَه ؛ ذلك لأن لكل طائفة وفي كل جماعة مَن لم يتأدَّبوا بأدب الدعوة ولم يتخلَّقوا بأخلاقها ، فنحن نأخذ من هذه السطور في نقد هذا الكاتب لبعض الدعاة المُنتمين إلى السلفية ، نأخذ ناحيتين اثنتين ، قلت : إحداهما أهم من الأخرى ، الأولى أن يعرف الجميع أن الدعوة السلفية لا تقوم على هضم حقوق العلماء ، كيف والقرآن الكريم يقول : (( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )) ؟ فإذا كان القرآن الكريم يأمر المسلمين جميعًا بأن يعدلوا في إصدار أحكامهم حتى فيمَن يبغضونهم ؛ فكيف يكون شأنهم فيمن يُحبُّونهم ؟ لذلك فنحن على ما كنَّا ذكرنا منذ قرابة عشرين سنة من احترامنا لأئمتنا واقتدائنا واتباعنا إياهم ، ولكن - وهذا من بيت القصيد كما يُقال - إنما نختلف عن جماهير المسلمين الذين لا ينتمون للدعوة السلفية ؛ نختلف عنهم في اتباعنا وفي تعظيمنا وتوقيرنا لأئمتنا اختلافًا جذريًّا .

ولعل هذا الاختلاف يكون سببًا ومَثَارًا لحفيظة بعض مَن لم يهضم الدعوة السلفية جيِّدًا ؛ سواء ممَّن ينتمي إليها أو ممَّن لا ينتمي إليها ولكنه يتبنَّى بعض أفكارها وآرائها .

مواضيع متعلقة