هل ثَبَتَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ حكمًا مكروهًا ؟ وما مثال ذلك ؟
A-
A=
A+
الشيخ : هنا سائل يقول : هل ثَبَتَ أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فَعَلَ حكمًا مكروهًا كراهة تنزيهيَّة ؟ ومثال ذلك ؟
قد يقول مثل هذا الكلام بعض الفقهاء ، وقولُهم يحتاج إلى بيان الصحيح ، الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قد يفعَلُ فعلًا نهى أمَّته عنه لبيان أن هذا النهي ليس للتحريم ، لكن يجب أن نضمَّ إلى هذا الجواب ؛ أي : فعل ليبيِّن أن النهي ليس للتحريم ؛ أن فعله هو حينما فعل هو بالنسبة إليه عبادة وليس مكروهًا ؛ لأنه حينما نقول : فَعَلَ ذلك بيانًا ؛ فهذا البيان داخل في عموم قول ربِّنا - عز وجل - في القرآن : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) ، فبيانه للأحكام الشرعية إنما هو عبادةٌ منه لله وطاعة ، فلا يُوصف بالنسبة إليه أنَّ فعله ذاك مكروه ، لكن بيَّنَ أنه مكروه بالنسبة للأمَّة ، هذا هو توجيه مَن يقول بأن الرسول - عليه السلام - قد يفعل فعلًا هو مكروه كراهة تنزيه ليبيِّن ذلك للناس ، فنقول بالنسبة إليه : ذلك الفعل ليس مكروهًا ؛ لأنه فَعَلَ ما أُمِرَ به من البيان ، أما المثال فأنا في الواقع لا أستحضر الآن مثالًا ؛ مع أني أقول أنَّ مثل هذا المثال بالنسبة للقواعد الأصولية صعب تحقيقه أو إيجاده ؛ ذلك لأنه يجب أن نُثبِتَ قضايا حتى نستطيع أن نقول أن الرسول - عليه السلام - فَعَلَ هذا الفعل لبيان أن النهي إنما هو للكراهة ، يجب أن نثبت أوَّلًا أن الفعل تأخَّر عن النهي ، والنهي قول طبعًا ، فلما نهى الرسول عن شيء ثم ثبت عنه أنه فَعَلَه ، فيُعلَّل أنه إنما فعل ذلك لبيان أن النهي ليس للتحريم بالنسبة للأمة ، فلا بد أن يكون الفعل تأخَّر عن النهي حتى نتصوَّر هذا الكلام أنه فَعَلَه بيانًا ، وإلا إذا كان الفعل متقدِّمًا على النهي فحينئذٍ لا يصلح ذلك التأويل الذي حَكَيناه عن العلماء .
ثم يجب أن نثبت شيئًا آخر ، الشيء الأول قلنا أن نثبت تأخُّر الفعل عن النهي ، فإن وُجِدَ شيء من هذا فيجب أن نُثبِتَ أن هذا الفعل لم يقع منه - عليه الصلاة والسلام - خصوصيَّة له ، أو لعذرٍ وقع له ، وهذا أصعب ما يكون تجميعُه .
أصبح عندنا ثلاثة أشياء : أوَّلًا - قبل كل شيء - : يجب أن نثبت تخلُّف الفعل عن النهي . ثانيًا : أن نثبت أنه لم يفعل لخصوصية له . ثالثًا أن نُثبت - إذا قلنا ليس خصوصية - أن نثبت أنه لم يفعل ذلك لعذر . فإذا انتفى هذا وهذا ؛ أي : انتفى احتمال أن يكون خصوصية ، وانتفى أن يكون وقعَ ذلك منه لعذر ، وثَبَتَ أن الفعل متأخِّر عن النهي ؛ حين ذاك يُقال : هذا بيان لكون النهي إنما هو للتنزيه وليس للتحريم . وأنا في حدود علمي واطِّلاعي لا أعرف شيئًا من هذا توفَّر في فعل خالف النهي ، أما أفعال خالفت نواهي كثيرة عن الرسول - عليه السلام - فهذا فيه شيء كثير وكثير جدًّا ، ولكن قد يكون تأخَّرَ الفعل عن القول ، لكن ثبتَتْ خصوصية ، مثلًا : مَن ذا الذي لا يعلم أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - تزوَّج بأكثر من أربع من النساء ؟ وأنه مات وتحت عصمته تسع من النساء ؟ إذًا هذا متأخِّر ضرورةً عن قوله لذلك الرجل الذي أسلم وتحته تسع نسوة ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - : ( أمسِكْ أربعًا منهنَّ وطلِّقْ سائرهنَّ ) .
هذا مثال لتأخُّر الفعل عن النهي ، لكن ما توفَّر فيه الشرطان السابقان ، وهو أن لا يكون خصوصية ، ولا يكون فعل إيه ؟ لعذر ، فهذا خصوصية له - عليه الصلاة والسلام - .
كذلك - مثلًا - " نهى عن الشرب قائمًا " ، ولكن في الواقع ليس عندنا تاريخ ، وليس عندنا نصٌّ يحدِّد لنا متى كان النهي ومتى كان الشرب قائمًا ، فقد جاء في " صحيح البخاري " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ من ماء زمزم قائمًا ، قد يتبادر إلى الذهن أن النهي متقدِّم عن الفعل ؛ ذلك لأنَّ الفعل وقع في آخر حياته - عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع ؛ يعني قبل وفاته بنحو أربعة أشهر ، لكن أَلَا يحتمل أن يأتي النهي في برهة الأربعة أشهر هذه ؟ يحتمل ؛ لذلك لا نستطيع أن نقول أن هذا مثال لتأخُّر الفعل المخالف للنهي ، لكن قد يغلب على الظَّنِّ أن النهي متقدِّم يغلب على الظن ؛ لا لدليل قاطع أنه متقدِّم على الفعل ؛ فحين ذاك هل نقول أن فعل الرسول - عليه السلام - الشرب قائمًا هو فَعَلَه بيانًا لكون النهي للتنزيه ؟
تذكَّروا أننا ينبغي أن نثبت أنه لم يشرب قائمًا لعذر ، نثبت أنه ليس خصوصية له ، ونثبت أنه لم يفعل ذلك لعذر ، ودون هذا خرط القتاد كما يُقال ! ذلك أن شرب الرسول - عليه السلام - من زمزم - مثلًا - قائمًا لا نعلم قبل كل شيء لماذا شرب ، وثانيًا يحتمل احتمالًا قويًّا أنه شرب مضطرًّا لشدة الزحام على بئر زمزم في موسم الحج كما تشاهدون اليوم ، وكان من هديه - عليه الصلاة والسلام - ومن سيرته وشمائله أنه يُخالط أصحابه لا يتميَّز عليهم بشيء ، فهو لا يمشي بين أصحابه كما يمشي الملك بين حاشيته ؛ فهو يمشي أمامَهم وهم خلفه ، يفتحون له الطريق ؛ لذلك ... بعض الصحابة كان الرسول - عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع في طريقه إلى الجمرة في هذا الزحام الشديد ؛ أنه - عليه السلام - كان يمشي بين أصحابه ، " فلا طردَ - يقول هذا الصحابي - فلا طرد ، ولا إليك إليك " ؛ يعني بعِّدوا عن الرسول ، افتحوا له الطريق ، كأنه هو واحد من أصحابه ؛ لذلك لمَّا شَرِبَ - عليه الصلاة والسلام - شرب في شدة الزحام ، فمعقول أنه لا يستطيع الجلوس - والحالة هذه - فيشرب قائمًا لعذر .
خلاصة القول : أن الجواب السابق إذا وُجِدَ له مثال ؛ فإنما فَعَلَ ذلك بيانًا لكون النهي ليس للتحريم ، وأنه هو لم يرتكب مكروهًا ؛ لأنه فعل ما أُمِرَ به من التبليغ .
السائل : ... .
قد يقول مثل هذا الكلام بعض الفقهاء ، وقولُهم يحتاج إلى بيان الصحيح ، الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قد يفعَلُ فعلًا نهى أمَّته عنه لبيان أن هذا النهي ليس للتحريم ، لكن يجب أن نضمَّ إلى هذا الجواب ؛ أي : فعل ليبيِّن أن النهي ليس للتحريم ؛ أن فعله هو حينما فعل هو بالنسبة إليه عبادة وليس مكروهًا ؛ لأنه حينما نقول : فَعَلَ ذلك بيانًا ؛ فهذا البيان داخل في عموم قول ربِّنا - عز وجل - في القرآن : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) ، فبيانه للأحكام الشرعية إنما هو عبادةٌ منه لله وطاعة ، فلا يُوصف بالنسبة إليه أنَّ فعله ذاك مكروه ، لكن بيَّنَ أنه مكروه بالنسبة للأمَّة ، هذا هو توجيه مَن يقول بأن الرسول - عليه السلام - قد يفعل فعلًا هو مكروه كراهة تنزيه ليبيِّن ذلك للناس ، فنقول بالنسبة إليه : ذلك الفعل ليس مكروهًا ؛ لأنه فَعَلَ ما أُمِرَ به من البيان ، أما المثال فأنا في الواقع لا أستحضر الآن مثالًا ؛ مع أني أقول أنَّ مثل هذا المثال بالنسبة للقواعد الأصولية صعب تحقيقه أو إيجاده ؛ ذلك لأنه يجب أن نُثبِتَ قضايا حتى نستطيع أن نقول أن الرسول - عليه السلام - فَعَلَ هذا الفعل لبيان أن النهي إنما هو للكراهة ، يجب أن نثبت أوَّلًا أن الفعل تأخَّر عن النهي ، والنهي قول طبعًا ، فلما نهى الرسول عن شيء ثم ثبت عنه أنه فَعَلَه ، فيُعلَّل أنه إنما فعل ذلك لبيان أن النهي ليس للتحريم بالنسبة للأمة ، فلا بد أن يكون الفعل تأخَّر عن النهي حتى نتصوَّر هذا الكلام أنه فَعَلَه بيانًا ، وإلا إذا كان الفعل متقدِّمًا على النهي فحينئذٍ لا يصلح ذلك التأويل الذي حَكَيناه عن العلماء .
ثم يجب أن نثبت شيئًا آخر ، الشيء الأول قلنا أن نثبت تأخُّر الفعل عن النهي ، فإن وُجِدَ شيء من هذا فيجب أن نُثبِتَ أن هذا الفعل لم يقع منه - عليه الصلاة والسلام - خصوصيَّة له ، أو لعذرٍ وقع له ، وهذا أصعب ما يكون تجميعُه .
أصبح عندنا ثلاثة أشياء : أوَّلًا - قبل كل شيء - : يجب أن نثبت تخلُّف الفعل عن النهي . ثانيًا : أن نثبت أنه لم يفعل لخصوصية له . ثالثًا أن نُثبت - إذا قلنا ليس خصوصية - أن نثبت أنه لم يفعل ذلك لعذر . فإذا انتفى هذا وهذا ؛ أي : انتفى احتمال أن يكون خصوصية ، وانتفى أن يكون وقعَ ذلك منه لعذر ، وثَبَتَ أن الفعل متأخِّر عن النهي ؛ حين ذاك يُقال : هذا بيان لكون النهي إنما هو للتنزيه وليس للتحريم . وأنا في حدود علمي واطِّلاعي لا أعرف شيئًا من هذا توفَّر في فعل خالف النهي ، أما أفعال خالفت نواهي كثيرة عن الرسول - عليه السلام - فهذا فيه شيء كثير وكثير جدًّا ، ولكن قد يكون تأخَّرَ الفعل عن القول ، لكن ثبتَتْ خصوصية ، مثلًا : مَن ذا الذي لا يعلم أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - تزوَّج بأكثر من أربع من النساء ؟ وأنه مات وتحت عصمته تسع من النساء ؟ إذًا هذا متأخِّر ضرورةً عن قوله لذلك الرجل الذي أسلم وتحته تسع نسوة ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - : ( أمسِكْ أربعًا منهنَّ وطلِّقْ سائرهنَّ ) .
هذا مثال لتأخُّر الفعل عن النهي ، لكن ما توفَّر فيه الشرطان السابقان ، وهو أن لا يكون خصوصية ، ولا يكون فعل إيه ؟ لعذر ، فهذا خصوصية له - عليه الصلاة والسلام - .
كذلك - مثلًا - " نهى عن الشرب قائمًا " ، ولكن في الواقع ليس عندنا تاريخ ، وليس عندنا نصٌّ يحدِّد لنا متى كان النهي ومتى كان الشرب قائمًا ، فقد جاء في " صحيح البخاري " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ من ماء زمزم قائمًا ، قد يتبادر إلى الذهن أن النهي متقدِّم عن الفعل ؛ ذلك لأنَّ الفعل وقع في آخر حياته - عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع ؛ يعني قبل وفاته بنحو أربعة أشهر ، لكن أَلَا يحتمل أن يأتي النهي في برهة الأربعة أشهر هذه ؟ يحتمل ؛ لذلك لا نستطيع أن نقول أن هذا مثال لتأخُّر الفعل المخالف للنهي ، لكن قد يغلب على الظَّنِّ أن النهي متقدِّم يغلب على الظن ؛ لا لدليل قاطع أنه متقدِّم على الفعل ؛ فحين ذاك هل نقول أن فعل الرسول - عليه السلام - الشرب قائمًا هو فَعَلَه بيانًا لكون النهي للتنزيه ؟
تذكَّروا أننا ينبغي أن نثبت أنه لم يشرب قائمًا لعذر ، نثبت أنه ليس خصوصية له ، ونثبت أنه لم يفعل ذلك لعذر ، ودون هذا خرط القتاد كما يُقال ! ذلك أن شرب الرسول - عليه السلام - من زمزم - مثلًا - قائمًا لا نعلم قبل كل شيء لماذا شرب ، وثانيًا يحتمل احتمالًا قويًّا أنه شرب مضطرًّا لشدة الزحام على بئر زمزم في موسم الحج كما تشاهدون اليوم ، وكان من هديه - عليه الصلاة والسلام - ومن سيرته وشمائله أنه يُخالط أصحابه لا يتميَّز عليهم بشيء ، فهو لا يمشي بين أصحابه كما يمشي الملك بين حاشيته ؛ فهو يمشي أمامَهم وهم خلفه ، يفتحون له الطريق ؛ لذلك ... بعض الصحابة كان الرسول - عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع في طريقه إلى الجمرة في هذا الزحام الشديد ؛ أنه - عليه السلام - كان يمشي بين أصحابه ، " فلا طردَ - يقول هذا الصحابي - فلا طرد ، ولا إليك إليك " ؛ يعني بعِّدوا عن الرسول ، افتحوا له الطريق ، كأنه هو واحد من أصحابه ؛ لذلك لمَّا شَرِبَ - عليه الصلاة والسلام - شرب في شدة الزحام ، فمعقول أنه لا يستطيع الجلوس - والحالة هذه - فيشرب قائمًا لعذر .
خلاصة القول : أن الجواب السابق إذا وُجِدَ له مثال ؛ فإنما فَعَلَ ذلك بيانًا لكون النهي ليس للتحريم ، وأنه هو لم يرتكب مكروهًا ؛ لأنه فعل ما أُمِرَ به من التبليغ .
السائل : ... .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 213
- توقيت الفهرسة : 00:22:08
- نسخة مدققة إملائيًّا