الكلام عن ضابط البدعة والتحذير منها .
A-
A=
A+
الشيخ : ( فسيرى اختلافا كثيرًا ) ، من هذا الاختلاف ما نحن فيه الآن ، ناس بيقولوا : كل بدعة ضلالة ، وناس بيقولوا : لا ، البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة ، وهالجانبين من حسنة وسيئة تفصيلها إلى خمسة أقسام ؛ فماذا يفعل خاصَّة عامة المسلمين الذين لا يستطيعون أن يدخلوا في معارك البحوث هذه والمجادلات الكثيرة بين العلماء ؟ فما هو المخرج بالنسبة لعامة المسلمين ؟
أعطانا الجواب بكل صراحة : ( وإنه مَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ) ، فإذا رأيتم الاختلاف الكثير ( فعليكم بسُنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين ) ، انتهت المشكلة . فهذه البدع التي تسمعون الاختلاف فيها ما بين مُحسِّن ومقبِّح هل هي من سنة الرسول - عليه السلام - ؟ الجواب : لا ، لسنا نحن فقط نقول : لا ، حتى الذين يقولون بأنها بدعة حسنة يقولون : لا ؛ لأنهم يصفونها بأنها بدعة ؛ يعني شيء حدث بعد الرسول - عليه السلام - .
طيب ، هذه البدعة ليست من سنَّته - عليه السلام - ، هل هي من سنة الخلفاء الراشدين ؟ كمان يقولون : لا ، مثلًا - على سبيل المثال - : الاحتفال بالمولد النبوي ، احتفال بمولد الرسول - عليه السلام - هذا يُدخِلونه في باب تبجيله وتعظيمه ، وتعظيم الرسول - عليه السلام - هو فرض على كل مسلم ، بل لا يُتصوَّر مسلم ولا يُعظِّم الرسول ؛ هذا مستحيل ، ولكن هنا مشكلة ؛ كيف يكون تعظيم الرسول - عليه السلام - ؟ هل يكون تعظيم الرسول حسب هواي أنا وكيفي أو عقلي أو جهلي أو علمي ولَّا حسب ما شرع الله - عز وجل - لنبيِّه ؟ لا شك أنُّو التعظيم لازم يكون في حدود الشرع .
مثلًا هل أنا إذا زرت المسجد النبوي وصلَّيت فيه وأتيت القبر وسلَّمت عليه ؛ هل أسجد له ؟ هل أسجد له بدعوى إيه ؟ التعظيم ؟ كل المسلمين يقولون : لا ، لا تسجد ؛ لأن هذا السجود لا ينبغي إلا لله ؛ إذًا تعظيم الرسول ينبغي أن يكون في حدود الشرع .
طيب ، ما أسجد له ، أركع له هكذا ركوع نصف سجود ؟ لا ؛ ليه ؟ لأنُّو الركوع أخو السجود ، ولا ينبغي إلا لله . طيب ، هل أقوم بين يديه هكذا خاشعًا كما أقوم بين يدي ربِّ العالمين ؟ كمان الجواب ينبغي أن يكون لا ، مع أننا نرى كثير من الزوَّار هناك يقفون من بعيد لعله يقف أخشع مما يقف بين يدي الله - عز وجل - .
هذا كله تعظيم ، لكن هل هو تعظيم في حدود ما شرع ربُّ العالمين على لسان نبيِّه الكريم ؟ الجواب : لا ؛ إذًا كيف يكون التعظيم ؟ الجواب في القرآن : (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه )) ، فاتباع الرسول - عليه السلام - بما جاء به للإسلام هو التعظيم بدون إفراط ولا تفريط ، بدون زيادة ولا نقص .
يزعمون أنُّو من تعظيم الرسول - عليه السلام - الاحتفال بمولده ؛ لح نجيب نحن المثال ؛ نحن نقول : هل احتفل الرسول - عليه السلام - بولادته كما يحتفل الأوروبيون كل واحد منهم عيد ميلاده ؟ صار عمره ثمانين سنة بيعمل عيد ، كل سنة بيعمل عيد إلى آخره ، لابنه لزوجته ، هل فعل شيء من ذلك الرسول - عليه السلام - لنفسه ؟ الجواب : لا ، كل المسلمون يقولون هذا .
هل احتفل أصحاب الرسول بولادته ؟ الجواب : لا . أتباع الصحابة يعني التابعين ؟ الجواب : لا . أتباع التابعين ؟ الجواب : لا . الأئمة المجتهدين ؟ لا لا ، لَكان إيمتى حدث هذا ؟ حدث بعد الرسول - عليه السلام - بنحو أربع مئة سنة ، طيب ، هالقرون العديدة الصحابة والتابعين وأتباعهم إذًا ما عظَّموا الرسول - عليه السلام - حينما ما احتفلوا بولادته ؟ هذا مش معقول أبدًا ، طيب ؛ إذًا هذا التعظيم من أين جاؤوا به ؟ لو كان تعظيمًا مشروعًا لَفَعَلَه أبو بكر الصديق مع الرسول وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة المبشرين بالجنة وأصحاب البيعة تحت الشجرة وإلى آخره ، ثم التابعين ، ثم الأئمة المجتهدين ، ما أحد فعل هذا .
ومن الغرائب والعجائب أنُّو كل واحد منَّا بيزعم أنُّو هو حنفي وهذا شافعي وهذا مالكي وهذا حنبلي ، فإذا سألته : أنت حنفي ، في كتب أبي حنفية أنُّو من تعظيم الرسول الاحتفال بولادته ؟ بيسكت ، بيقول لك : شو فيها ؟ طيب ، ما لك حنفي أنت ؟ ما تجيب النص من المذهب الحنفي أنُّو هذا شرع ودين وعبادة وطاعة وتعظيم للرسول - عليه السلام - ؟! ما في جواب ، في تحكيم للأهواء والعادات بس . كذلك يُقال عن المالكي والشافعي والحنبلي ، لا أحد منهم يقول هَيْ النَّص من مذهبي ؛ لأنُّو لا يستطيع ، لأنُّو حدث بعد الأئمة كلهم .
فالخلاصة : فأيُّ بدعة تحدث يختلف العلماء إلى حسنة ولَّا سيئة ؛ فَهُم يتَّفقون أنه حدث بعد أن لم يكن ؛ إذًا أنت أيها المسلم ولو كنت ما تعرف شيء من العلم اسمع هذا الحديث : ( فعليكم بسنَّتي ، وسنة الخلفاء الراشدين ) ، هاللي بيقول لك من أيِّ شيخ مفتي أكبر أصغر : الاحتفال بمولد الرسول سنة وبدعة حسنة وما فيها شيء وإلى آخره ؛ خليك معه ... قل له : يا حضرة الشَّيخ ، هل احتفل أصحاب الرسول بمولد الرسول ؟ إذا كان يخشى الله ولا يكذب على الله ورسوله بيقول لك : لا ، ما احتفلوا . طيب ، التابعين ، بقية الصحابة ، التابعين ، الأئمة المجتهدين ، بيقول لك : لا لا لا . طيب ، شو رأيك هلق أمشي على ما مشى هؤلاء السلف بأكون أنا منحرف وعلى ضلال ولَّا بأكون على بيان وهدى ونور ؟ نفسه راح يسكت هو ؛ لأنُّو السلاح معك : ( فعليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) ، قد لا تستطيع أن تجادل ، لكن لما بيكون معك سلاح بترد على الأقل خصمك بتوقفه عند حدِّه .
ما دام الصحابة ما احتفلوا فنحن لا نحتفل ؛ ليه ؟ لأنُّو الدين كامل ، فهذا حديث يؤيِّد الآية السابقة : ( وإنه مَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ؛ فعليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضُّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ) ؛ الاحتفال بمولد الرسول - عليه السلام - من محدثات الأمور ولَّا لا ؟ كل العلماء بيقولوا : نعم ، هذا من المحدثات ؛ لأنُّو ما كان في زمن الرسول ولا زمن الصحابة ولا التابعين ؛ إذًا ارجع إلى السنة وتمسَّك بما كان عليه الرسول - عليه السلام - والصحابة ، هذا دليل .
دليل ثاني من الحديث وثالث من الأدلة : كان الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - يخطب في كل يوم جمعة ، وهذا من السنن التي تركها الخطباء ، الخطباء السنة الآتية تركوها ، وأحلُّوا محلَّها جُمَل صنفوها من عقولهم ، وتركوا ما جاء به الرسول - عليه السلام - ، وما هو ؟ كان - عليه الصلاة والسلام - في كل يوم جمعة بعد أن يحمد الله - عز وجل - ويُثني عليه بما هو أهلٌ له يقول : ( أما بعد : فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، كل يوم جمعة من بين يدي الخطبة لا بد أن يقول الرسول - عليه السلام - : ( وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) .
أنا أقول لكم بكلِّ صراحة : لا بد في ناس هنا الآن حاضرين يمكن لأول مرة ، وفي ناس حضروا مرة مرتين ثلاثة ، وفي ناس حضروا عشرات المرات ، وفي ناس صار لهم عشرين سنة عايشين معي ؛ بلا تشبيه إذا كان الرسول - عليه السلام - في كل خطبة جمعة يقول : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، أبو بكر الصديق هاللي عاش مع الرسول - عليه السلام - حتى فارق الرسول - عليه السلام - الحياة ، ماذا يفهم من هذا الكلام ؟ وكل خطبة بيكرِّر الرسول : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ؟ يفهم أنُّو مو كل بدعة ضلالة ولَّا بيفهم كل بدعة ضلالة ؟ في إنسان بيقول بيفهم : لا يا سيدي ؛ مو كل بدعة ضلالة ، في بدعة حسنة وفي بدعة سيئة ؛ ممكن أحد يفهم هذا الكلام ؟ أنا بأقول لإخواننا هدول : كم مرَّة ذكرت لكم : ( كل بدعة ضلالة ) ؛ شو فهمتوا مني ؟ أنُّو مو كل بدعة ضلالة ؟ مش معقول .
نعم ؟
السائل : ما في بدعة في الإسلام .
الشيخ : ما في ، هيك فهموا ، وهكذا أصحاب الرسول ... .
نعم ؟
السائل : شافوا الأمور .
الشيخ : شافوا الأمور ، هكذا أصحاب الرسول أولى ؛ لأنه أوَّلًا الرسول يتكلَّم بلغتهم ، وأنا أتكلم صحيح باللغة العربية لكن أنا أصلي ألباني ، فأين أنا وأين الرسول - عليه السلام - ؟ فإذا كان أفصح الناس يتكلَّم بين يدي أفصح الناس وهم العرب وأفقههم أبوبكر وعمر ؛ فماذا تتصوَّرون سيفهم هؤلاء الصحابة من تكرار الرسول - عليه السلام - على مسامعهم يوم الجمعة بصورة خاصَّة وبمناسبات أخرى كوصيته في حديث العرباض بمناسبة أخرى ؟ ماذا يمكن أن يتصوَّر أحدنا اليوم أن يَفهم هؤلاء الصحابة من تكرار الرسول على مسامعهم : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ؟ ممكن يفهموا لا ، مو كل بدعة ضلالة ، وأنُّو في بدعة حسنة وسيئة ؟ مستحيل هذا تمامًا ، مستحيل .
لذلك هذا يؤكد لكم أن قول العلماء الذين ينصحون الأمة اليوم ؛ ارجعوا إلى ما كان عليه الرسول - عليه السلام - ، خذوا دينكم كما مات عنه الرسول - عليه السلام - بدون زيادة ولا نقص ؛ بتكونوا على هدًى من ربكم وعلى نور ، فهذا الحديث هو - أيضًا - من جملة الأدلة التي تؤيد أن لا بدعة في الإسلام ، ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) .
وكما قلت في الأمس القريب في " الرقة " : هذا الحديث من حيث التركيب العربي والكلية التي تضمَّنته : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) كقوله - عليه السلام - : ( كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام ) ، هل يمكن لمسلم أن يقول ضربًا لحديث الرسول في الصدر ، الرسول يقول : ( كل مسكر خمر ) ، وهو بيقول : لا ، ليس كل مسكر خمر ؟ الرسول يقول : ( كل مسكر خمر ) ، مسلم يقول : لا ، ليس كل مسكر خمر ؟ تمام من حديث : ( وكل خمر حرام ) هو بيقول : لا ، ليس كل خمر حرام ؟! مستحيل أن يكون إنسان يعرف أنُّو هذا حديث الرسول - عليه السلام - ، نعم ممكن ما طرق سمعه هذا الحديث ، يتكلَّم بالشيء هذا من عنده فيُخطئ ، هذا ممكن ، لكن هو يقرأ الحديث في " صحيح مسلم " من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام ) ، تتخيَّلوا معي إنسان مسلم يؤمن بالله ورسوله حقًّا بيقول : لا يا سيدي ، ليس كل مسكر خمر ، ولا كل خمر حرام ؟
هذا أحد رجلين ، إما جاهل فيُعلَّم ، وإما كافر بالله ورسوله فيُعامل بما يستحقُّ من حكم الإسلام !!
كذلك هذا الذي يقول وهو يسمع الرسول - عليه السلام - يقول : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، هو شو بيقول لك ؟ بكل بلادة بكل برودة : لا ، في بدعة حسنة ، وفي بدعة سيئة . طيب ، وهذه الكلية التي كان يخطب بها الرسول على رؤوس الأشهاد كل يوم جمعة ، كيف تعطِّلونها ؟ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )) ، هو يقول لكم هكذا ، فلماذا لا تستجيبون له ؟ أنتم بدل ما تخضعوا له تريدون أن تُقطِّعوا كلامه لعاداتكم وآرائكم ، هذا دليل ثالث ؛ وهو قوله - عليه السلام - : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) يخطب بهذه الجملة في كل يوم جمعة .
ليس هذا فقط ؛ فقد روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) ، ( فهو ردٌّ ) يعني مردود عليه ، مضروب وجهه بهذا الذي أحدَثَه ، حديث صحيح في البخاري ومسلم : ( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) ؛ أي : مردود عليه ؛ فكيف يقال : لا ، هذه نعم بدعة ومحدثة ، لكن أنا أقبلها ولا أردُّها ، والرسول يحكم عليك بردِّها ؟!
الله أكبر ! لولا أننا نعتقد أن بعض الناس لم تبْلُغْهم هذه الأحاديث ، أو بلغتهم لكن لم يفهموها حقَّ فهمها ؛ لَقُلْتُ : إن الذي يُخالف هذه الأحاديث هو كافر ، غير خاضع لكلام الرسول ، غير مؤمن به ، لكن في احتمال أنه ما بلغه هذا الحديث فهو معذور ، في احتمال أنه بلغه هذا الحديث لكن ما فهمه حقَّ الفهم ؛ ولذلك فليس لنا إلا أن ندعوَ الله أن يهدي هؤلاء الناس الذين لا يلتفتون لأحاديث الرسول - عليه السلام - هذه ولا يعملون بها .
قد يقول بعض الناس ممَّن يغلب عليهم الجمود الفكري والتقليد المذهبي ، قد يقول : إي ، طيب ، هؤلاء المشايخ ما بيفهموا ؟ بيفهموا ، طيب ، بلكي يكون فهمكم خطأ ، أنت عم تقرِّر وتقول : هذا عام ، وما دخله تخصيص ، بلكي هذا الفهم خطأ ؟ بنقول : نعم ، ممكن يكون فهمي أنا خطأ ، وزيد وبكر وإلى آخره ، ف ح أجيب لكم بقى نصوص من أقوال الصحابة والأئمة الذين لا تستطيعون أن تلمزوهم ولا أن تغمزوا من قناتهم من علمهم وفهمهم ، قد يقول قائل : هذا الرجل ألباني مثل ما نسمع ، هذا ما بيعرف يتكلَّم اللغة العربية ، ونسمع أشياء أشياء ، اتركوا هذا الألباني ، هذا كبير من أكابر الصحابة ومن علمائهم عمر بن الخطاب كلُّنا يعرفه ، ولده الذي هو من أصلح الصحابة وأزهدهم وأعبدهم ومن أعلَمِهم عبد الله بن عمر بن الخطاب ، ماذا قال ؟ قال مؤكِّدًا لهذا العموم الذي أنا أؤكِّده لكم في قوله - عليه السلام - : ( كل بدعة ضلالة ) ؛ قال هو : " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " ؛ (( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ )) ؟ شو دخل الألباني في الموضوع ؟ ابن عمر بن الخطاب يقول : " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " ، سدَّ باب إذًا التحسين ، وأكَّد أن قول الرسول - عليه السلام - : ( كل بدعة ضلالة ) هو نصٌّ عام شامل لكل بدعة ولو رآها الناس حسنة ، هذا شيء .
وشيء آخر من صحابي آخر ألا وهو حذيفة بن اليمان ، حذيفة بن اليمان صاحب سرِّ النبي - عليه الصلاة والسلام - ، كان .
نعم ؟
عيد عباسي : يصح أن يقول الرسول ... ؟
الشيخ : أيوا .
كان يقول : " كل عبادة لم يتعبَّدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تعبَّدوها " ، كل عبادة لم يتعبَّدها الصحابة أنتو لا تتعبَّدوا الله بها ؛ فماذا نفعل نحن اليوم ؟ الألوف من البدع نتقرَّب بها إلى الله بزعم إنها بدعة حسنة ؛ إذًا نحن خالفنا حذيفة بن اليمان اللي هو - أيضًا - من كبار الصحابة ، وهو الذي اختصَّ بحفظ سرِّ الرسول - عليه السلام - فيما يتعلَّّق بمعرفة المنافقين في هذا الزمان ، هذا حذيفة بن اليمان إذًا يلتقي كلامه مع كلام ابن عمر أنُّو كل بدعة ضلالة ، ما دام الصحابة ما فعلوها فأنتو لا تفعلوها .
هذا ابن مسعود يقول : " اتَّبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كُفِيتم ، عليكم بالأمر العتيق " ، هذا رغمًا عمَّن يتَّهمون المسلمين بالرجعية ، نحن نقول : هذا الأثر الصحيح عن ابن مسعود ، يقول لنا : كونوا رجعيِّين حقيقين ، " عليكم بالأمر العتيق " ؛ يعني تمسَّكوا بما كان عليه الرسول ولا زيادة ، " اتَّبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كُفِيتُم " ، شو معنى كُفِيتُم ؟ الله قال : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) ؛ يعني أغناكم عن الابتداع في الدين ؛ لأنه أعطاكم دين كامل ، " اتَّبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كُفِيتُم ، عليكم بالأمر العتيق " .
هذا ابن مسعود الذي قال هذه القولة وتكلَّم بهذه الكلمة اسمعوا هذه القصة التي وقعت له في زمانه ، كان لفضله وعلمه يُؤتى إلى داره ، كان الناس كل يوم صباحًا يأتون إلى داره ينتظرون خروجه ليصحبوه إلى المسجد لعلَّهم يكتسبون منه فائدة ، جاء ذات صباح أبو موسى الأشعري ، فوجد الناس ينتظرونه ؛ أي : ينتظرون ابن مسعود ، فقال : أَخَرَجَ أبو عبد الرحمن ؟ - أبو عبد الرحمن كنية عبد الله بن مسعود - . قالوا : لا . فجلس حتى خرج ، قال أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ، لقد رأيت في المسجد آنفًا شيئًا أنكرته ، والحمد لله ، ولم أَرَ إلا خيرًا . لاحظوا هنا النكتة ، الشيء اللي أنكرته : والحمد لله لم أَرَ إلا خيرًا .
كيف لم يَرَ إلا خير ومع ذلك أنكره ؟ شيء عجيب !
قال له : ماذا رأيت ؟ قال : إن عشتَ فستراه ، رأيتُ في المسجد أناسًا حِلقًا حِلقًا ، وفي وسط كل حلقة منها رجل يقول لِمَن حوله : سبِّحوا كذا ، احمدوا كذا ، كبِّروا كذا . وأمام كل رجل منهم حصى يعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد ، قال ابن مسعود : أَفَلَا أنكرتَ عليهم ؟ أَفَلَا أمَرْتَهم أن يعدُّوا سيئاتهم وضمنْتَ لهم ألَّا يضيع من حسناتهم شيء ؟ قال : لا ، انتظار أمرك أو انتظار رأيك . فرجع ابن مسعود إلى الدار وخرج متلثِّما لا يظهر منه إلا عيناه ، ثم انطلق إلى المسجد ، فوقف على الحلقات ، فرأى ما وَصَفَ له أبو موسى ، فأزاح اللِّثام عن وجهه ، وقال : ويحكَم ، ما هذا الذي تصنعون ؟ أنا عبد الله بن مسعود صحابيُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، حصى نعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد . قال : عدُّوا سيئاتكم وأنا الضَّامن لكم أن لا يضيعَ من حسناتكم شيء ، ويحكم ما أسرع هَلَكَتَكم ! هذه ثيابه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم تبلَ ، وهذه آنيته لم تُكسَر ، والذي نفسي بيده أئنَّكم لَأهدى من أمة محمد أو إنكم متمسِّكون بذنَبِ ضلالة .
شو معنى هذا الكلام ؟ يقول ابن مسعود : ما أسرع هلاككم ! العهد بالرسول قريب ، ما مضى عليه مئة سنة ولا مئتين سنة ، هذه ثيابه كما هي لم تبلَ ، وهذه آنيته كما هي لم تُكسَرْ ؛ ما آن لكم أن تضلُّوا يمينًا ويسارًا ، وأن تُحْدِثوا هذه البدع . والذي نفسي بيده أئنَّكم لأهدى من أمة محمد يعني أصحاب محمد الذين هو منهم ، واحدة من ثنتين ؛ يا أنتم أهدى من صحابة الرسول - عليه السلام - الذين أنا منهم واحد منهم ، أو الأخرى أو إنكم متمسِّكون بذَنَب ضلالة .
ما قال لهن : متمسِّكون بضلالة ، وإنما بذَنَب ضلالة تبكيتًا لهم فيما أحدثوا في دين الله - عز وجل - وأدخلوا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قالوا وهذا لسان في اعتقادي ، وهذا لسان كلِّ الذين ابتُلُوا باتباع بعض الطرق وبعض المشايخ المبتدعين ، فجلُّ هؤلاء الأتباع نفوسهم صافية ، نواياهم طيِّبة يظنُّون أن هؤلاء يدلُّونهم على الخير ، ويدلُّونهم على السنة ، لكنهم يضلُّونهم ، فقالوا لما ابن مسعود بكَّتهم بذلك الكلام عادوا إلى رؤوسهم ، فقالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، ما أردنا إلا الخير . صحيح ما أرادوا إلا الخير ، فأجابهم بالحكمة البالغة قال : " وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! " ، " وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! إن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم حدَّثنا إن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يُجاوز حناجِرهم - يعني لا يصل الإيمان إلى قلوبهم - يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرميَّة . يقول ابن مسعود - رضي الله عنه وأرضاه - مبيِّنًا لهؤلاء الناس الذين ابتدعوا في دين الله أن الأمر ليس بالمقصد الحَسَن فقط ، ومِن هنا يخطئ كثير من الناس بيقول لك : " اتركه ، نيته طيبة " ، يأتي إلى الميت يناديه من دون الله بيجي الشَّيخ الضال لما بيسمع الشَّيخ عم يهديه بيقول له : " اتركه يا سيدي ، نيته طيبة " ، اسأله يعتقد أنُّو هذا الميت بينفع ويضرّ ؟ يا سيدنا هذا عم يشرك ، عم يقول : يا " باز " أغِثْني ، يا ستي زينب عافيني ، أو إلى آخره ، هذا ضلال .
فهنا ابن مسعود يُلفت النظر إلى هذه الحقيقة ، وهي لا يكفي أنُّو يكون قصد الإنسان حسن ، يجب أن يكون مقرونًا مع القصد الحَسَن العمل الحَسَن ، الرسول - عليه السلام - بيقول : " لا تجلسوا على القبور ولا تصلُّوا إليها " ، لو رأيت رجلًا جالسًا على قبر أيِّ قبر ، قبر مسلم ، مسلم عادي بتقول له : لا تجلس على القبر ، يا أخي الرسول نهى عن هذا ، بيقول لك : والله يا أخي أنا رجال تعبان ، أنا ما لي قاصد إهانة المسلم الميت المدفون في هذا القبر ، أنا تعبان ؛ هل يُسمع منه هذا الكلام ؟ لا ، لأنُّو الرسول يقول : لا تجلسوا على القبور ، فأنت دبِّر حالك مو على حساب الميت تريِّح حالك ، اترك لا تجلس ، فيجب أن يكون العمل حسنًا - أيضًا - مشروعًا مثل النية الحسنة .
تمام الحديث : ( لا تجلسوا على القبور ولا تصلُّوا إليها ) ، فإذا رأيت إنسان يصلِّي إلى قبر فانْهَهُ ، فإذا قال لك : يا سيدي ، أنا نيتي طيبة ، أنا ما لي قاصد الميت ، أنا قاصد رب العالمين ، بس مو أقصد التبرُّك به ، هو وقع في الشيء اللي فرَّ منه ولا يحسُّ ولا يشعر المسكين ، لكن هات بقى قنِّعه أنُّو نيته سيئة !! نيتك طيبة وقلبك صافي ، لكن عملك سيِّئ لأنك خالفت الرسول ، الرسول - عليه السلام - عم يقول لك : لا تصلِّ إلى القبر ، فأنت عم تصلي للقبر ، فحسِّن عملك مثل ما أنت بتزعم أنك محسِّن إيش ؟ نيتك .
هكذا ابن مسعود يقول لهؤلاء الذين قالوا : ما أردنا إلا الخير ؛ فكان الجواب : " وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! " . واحد بدو يحج ، بدل ما يطلع بالطائرة ليسافر إلى جدة ، ومنها هو بيركب بالسيارة بيروح لمكة ، بيطلع بالطائرة اللي بتاخذه لباريس أو لندن ، إيش الفائدة ؟ هذا ما راح يحج ؛ لأنُّو الحج من هنا وهو بيروح هديك الناحية ، فهو سلك الطريق اللي ما بيوصِّله إلى مرضاة الله - عز وجل - ؛ كم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! لماذا لا يُصيبه ؟ لأنه ما سَلَكَ الطريق الذي يوصله إلى هذا الخير ، فالطريق الموصل للخير في هذه الدنيا ما هو ؟ هل هناك طرق ولا طريق ؟
سائل آخر : طريق واحد .
الشيخ : طريق ، قال - تعالى - في القرآن الكريم : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ )) .
السُّبل جمع سبيل ، سبيل معنى طريق ، معنى الآية بصراحة : لا تتَّبعوا الطرق ، والمسلمين اليوم يتَّبعون الطرق ، والطريق الوحيد الفريد الذي أُمِرنا به بنصِّ القرآن باتباعه تاركينه جانبًا ، عكس الآية تمامًا : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) ، هذا ما أصاب الجماعة الذين أنكر عليهم ابن مسعود ، قال لهم : " وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! " ؛ يعني أنتم سلكتم الطريق الذي لا يوصلكم إلى الخير ، وتركتم الطريق الذي يوصلكم إلى الخير ؛ ألا وهو طريق محمد - عليه الصلاة والسلام - . وليس هناك أبدًا في الدنيا طريق موصل للخير مرضي لله - عز وجل - إلا طريق الرسول - عليه السلام - فقط لا غير ، فقط لا غير ، وهذا القرآن كله ممتلئ بمثل هذه النصوص الكريمة .
ثم استدل ابن مسعود على ذلك ، قال أن الرسول - عليه السلام - حدَّثنا إن أقوامًا من المسلمين يقرؤون القرآن ؛ يعني بألسنتهم ، ولكن لا يدخل هذا القرآن إلى قلوبهم ، ( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) ، يومئذٍ لم يكن عندنا بندقية ورصاص ونحو ذلك ، إنما كان عندهم الحِراب والسهام ونحو ذلك ، فكان أحدهم يصطاد الحمار الوحشي - مثلًا - بالسهم ، فإذا كان قويَّ العضل وماهر في الرمي أصاب الدابة فدخلت من هنا ، خرجت من هنا ، من قوة الضرب ، تشبيه بليغ جدًّا أن هناك ناس مسلمين يقرؤون القرآن بألسنتهم ، لكن لم تتأثَّر بها قلوبهم كما هو شأننا الآن في هذا المثال البسيط : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي )) الواحد ، (( مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) ، وين هدول المسلمين اللي عم نقرأ عليهم القرآن ؟ عم يقرؤوا بألسنتهم ولم يدخل هذا الذي يقرؤونه إلى قلوبهم ؛ بدليل أن الطرق لا يُمكن حصرها ، بل كثير من الطرقيِّين يصرِّحون بدون أيِّ حرج ؛ يقول قائلهم : الطرق الموصلة إلى الله بعدد إيه يا شيخ ؟ الطرق الموصلة إلى الله بعدد ؟ أنفاس الخلائق ، مش كدا ؟ الله يقول : الطريق الموصل هو طريق واحد ، وهم يقولون : بعدد أنفاس الخلائق !!
العبرة في نهاية هذه القصة .
السائل : معناته تنكرون على مَن لا يتَّبع طريقهم ؟
الشيخ : إي نعم .
العبرة في نهاية هذه القصة بعدما روى ابن مسعود هذا الحديث : ( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) ، الرجل اللي تابع الحادثة يقول : فلقد رأينا أولئك الأقوام يقاتلوننا يوم النهروان . الله أكبر !! أصحاب الحلقات اللي كانوا يبسبسوا ويطقطقوا بالحصباء أصبحوا خوارج ضد علي !! وقاتلوا علي ، فقاتلهم علي ، وقاتَلَهم واستأصلَ شأفتهم ، شايف ؟ ومن هنا يقول العلماء : " إن البدعة الصغيرة تؤدِّي إلى البدعة الكبيرة " ، هدول بدؤوا يجتمعوا اجتماعات لم تكن معروفة في عهد الرسول - عليه السلام - ، وبدأ أحدهم يتريَّس على الجماعة البسطاء الطَّيِّبي القلوب ، بيقول لهم : سبِّحوا خمسين ، مين قال لهم : سبِّحوا خمسين ؟ أنت نبيٌّ يُوحى إليك من السماء ؟ هيك طلع منه ، وبعد شوي بيطلع منه خمس وسبعين ، وعلى هالمساكين هدول يتَّبعوه ؛ لأنُّو شيخهم ، هذا عبارة عن تريُّس بالباطل على هؤلاء المسلمين الطَّيِّبين المساكين ، هدول هالجماعة برئيسهم صاروا خوارج ضد علي ، فقتلهم علي ؛ لأنهم خرجوا على الإسلام ، فالبدعة الصغيرة أوصَلَتْهم إلى البدعة الكبيرة .
هذا قصة وقعت لِمَن قال تلك الكلمة السابقة : " اتَّبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كُفِيتُم ، عليكم بالأمر العتيق " .
دعونا بقى الطرق دعونا الطقطقة بالمسبحة بالحصى بما شابه ذلك ، لأنُّو كل هذا لم يكن من عهد الرسول - عليه السلام - ، وما أظن أحد منكم راح يفهم مني أنُّو لا تذْكروا الله ولا تسبِّحوا الله ؛ لا ، إنما نعني اذكروا الله كما جاء في كتاب الله ، وسبِّحوا الله كما بيَّن رسول الله ؛ ألا يكفي أن الله قال : (( اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا )) ؟! ألا يكفي أن الرسول - عليه السلام - قال : ( مَن قال في يوم مئة مرة : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ؛ غُفِرَت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ) ، أحاديث كثيرة من هذا النوع والحمد لله ؛ فعلينا نحن نطبِّقها ، وبلاش مشيخة ونحط حالنا كأننا نبي معصوم !! نقول لهم : سبِّحوا ، اقرؤوا ، صلوا على الرسول - عليه السلام - بأم الأربع والأربعين ، أربعة آلاف وأربع مئة وأربع وأربعين مرة ، منين هادا الوحي جاء ؟ ما بتعرف الصلاة أربعة آلاف وأربع مئة وأربع وأربعين .
سائل آخر : ... .
الشيخ : الحمد لله .
هذا عدد لو نزل وحي السماء يمكن كثير من الناس ما بيعملوا فيه ، ما بيدخل في عقلهم ، لكن لما جاءهم من بعض الطرق خضعوا وسلَّموا تسليمًا .
الله أكبر !! هذا من آثار الابتداع في الدين ، الصلاة هاللي لما نزل قوله - تعالى - : (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) قالوا : يا رسول الله ، كيف الصلاة عليك ؟ قال : ( قولوا : اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ) ، الصلوات اللي بيعرفوها الأطفال الصغار يُصلَّى بها في التشهد الأخير .
هذه أفضل صلاة تفسير لقوله : ( صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا ) ، ما عجبت جماعة المسلمين ، فكل طريق له صيغة صلاة تختلف عن الصيغة الأخرى ، إيش معنى هذا ؟ معناه أنُّو يا رسول الله أنت جئتنا بصلاة هذه خاصة ببعض المساكين الدراويش ، أما من الجماعات اللي بيقولوا : حدَّثني قلبي عن ربي ، هدول بحاجة إلى صيغة أخرى غير هذه الصيغ ، لا والله مو هيك ، لَكان شو هو ؟ مو هيك ، مو بهالتأويل ، لَكان شو التأويل ؟ هَيْ الصيغة موجودة في " صحيح البخاري " و " صحيح مسلم " ، ليش لما بتذكروا تصلوا على الرسول - عليه السلام - ما بتقولوا : ( اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ) كما علَّمنا الرسول - عليه السلام - ؟ وإنما : " اللهم صلِّ على محمد الفاتح لِمَا أُغلِق ، الخاتم لِمَا سبق " إلى آخره ؟ قد يكون الكلام من حيث المعنى جميل في بعض الأحيان ، لكن أليس هذاك الذي جاء به الرسول أجمل وأكمل وأفصح و و إلى آخره ؟ مع ذلك فيأتي أحيانًا كثيرًا من الصلاة فيه الكفر بعينه والناس لا ينتبهون ؛ " الذي هو عينُك لا غيرك " في بعض الأذكار .
السائل : " الشاذلية " .
الشيخ : نعم .
السائل : " الشاذلية " .
الشيخ : لا ، " التيجانية " هذه أظن .
" الذي هو عينك لا غيرك ، صلِّ على محمد الذي هو عينك يا الله وليس غيرك " ، هذا هو الكفر بعينه ، لكن الناس ما بيعرفوا ، الناس العامة ما بينتبهوا ، شو ... لهؤلاء الناس ؟ لِكْ ارجعوا للسنة اخلصوا من المشاكل ، مو كل إنسان بنقدر نعمل له هالمحاضرة هَيْ كل ساعة كل دقيقة ، فالعصمة كما قال - عليه السلام - : ( تركت فيكم أمرين لن تضلُّوا ما إن تمسَّكتم بهما ؛ كتاب الله وسنَّتي ) ، اذكر الله صلِّ على الرسول ، بس اسأل الشَّيخ قل له : دلَّني على السنة ، بدي أصلي على الرسول بس على ما صلى عليه الرسول نفسه والصحابة وإلى آخره .
فهذه القصة - كما سمعتم - فيها عبرة ، انقلبوا إلى خوارج بسبب إيش ؟ إعراضهم عن السنة .
كمان عندنا أقوال أخرى عن الصحابة كيف أنهم فهموا حديث : ( كل بدعة ضلالة ) على عمومه ، مش أنا فهمته ؛ ابن عمر السابق الذكر يكون في مجلس كهذا ، فعَطَسَ رجل في المجلس وقال : الحمد لله والصلاة على رسول الله . قال ابن عمر متلطِّفًا رقيقًا جدًّا قال له : " وأنا أقول معك : الحمد لله والصلاة على رسول الله ، ولكن ما هكذا علَّمنا رسول الله " ؛ أنا بأصلي معك على الرسول - عليه السلام - ، لكن مو هيك علَّمنا الرسول - عليه السلام - ، لكان شو علَّمنا ؟ قول : " الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله على كل حال " .
ماذا فعل ابن عمر هنا ؟ ابن عمر فعل هنا كما يفعل بعض إخواننا من أهل السنة حينما يسمعون المؤذِّن بعدما بينتهي من الأذان : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ؛ بيستأنف " كوانة " أطول من الأذان ، بيبدأ بيصلي على الرسول في زعمه هو ، فهذا السني بيعرف أنه هَيْ الزيادة ليست من الأذان ، لكن ما عنده أسلوب ابن عمر ، أسلوب ابن عمر ما شفتوا شلون دخل معه ؟ قال له أنا : مثل حكايتك ، أنت شو قلت ؟ الحمد لله والصلاة على رسول الله ، أنا بأقول مثل حكايتك : الحمد لله والصلاة على رسول الله ، لكن كثير من إخواننا ما عندهم الأسلوب هذا ، فهذا أوَّلًا هبة ، ويحتاج إلى علم ، فبيسمع أحد إخواننا المؤذِّن هذا بيزيد على الأذان " كوانات ، كليشات " قديمة جدًّا ، بيقول له : زيد لا تصلي على الرسول ، هداك بينزل بيحكي عنه أنُّو هذا أنكر الصلاة على الرسول ، وبيقعوا بقى في فتنة لا نهاية لها ، والحقيقة أنُّو هذا السني لو أنكر الصلاة على الرسول كفر ؛ لأنُّو الصلاة على الرسول مذكورة في القرآن كما سمعتم .
لكن هو ما عارف يحكي له ، ما عارف يبيِّن له ، يقول له : يا أخي ، الصلاة على الرسول جاء ذكرُها في القرآن ، جاء الحضُّ عليها في حديث الرسول - عليه السلام - ، لكن مو هيك أذَّن بلال ، الرسول علَّم بلال يؤذِّن ، مو هيك علَّمه ، ما في هالأسلوب ؛ تقع هذه المشاكل وهذه الفتن ، فعلَّمنا .
السائل : اللي بيقولوا عنه وهابي ، ما بيصلي على النبي هادا .
الشيخ : هذا هو المشكلة .
فالشاهد ابن عمر علَّمنا هذا الأسلوب ؛ أنُّو أنا بأقول مثلك : الحمد لله والصلاة على رسول الله ، لكن ما هكذا علَّمنا رسول الله ، فماذا أخطأ هذا الرجل الذي عطس وصلى ؟ جماهير الذين يقولون : في بدعة حسنة ، ما بيحسُّوا أنُّو هذا أخطأ ، شو أخطأ ؟ صلى على الرسول ، الصلاة على الرسول خطأ ؟ أعوذ بالله !! لكن الذين يقولون : ( كل بدعة ضلالة ) مثل ابن عمر ونحن تَبَع له ؛ يقولوا : أخطأ ، شو وجه الخطأ ؟ وجه الخطأ أنه وضع العبادة في غير محلِّها .
هلق لو رجل جلس في التشهد وعقله زيَّن له الفلسفة الآتية ، يا ترى الفاتحة أفضل ولَّا التحيات لله والصلوات والطيبات أفضل ؟ في حدا بيقول : التحيات أفضل من الحمد ؟ لا ، بباعث هالدعوة الصحيحة طلعت معه الفلسفة الآتية ؛ ما دام الفاتحة أفضل من التحيات لله فأنا ليش بأقرأ التحيات في التشهد ؟ خليني أقرأ الفاتحة ، في حدا من المسلمين حتى اللي بيقولوا : في بالإسلام بدعة حسنة ؛ بيقول : هذا أصاب ؟ لا أحد يقولها ؛ ليه ؟ لأنُّو الفاتحة الشارع وضَعَها في القيام ، والتشهد وضعها في القعود ، فلما بيجي إنسان بيتفلسف وبيقلب الحقائق الشرعية فهو بيحدث شيء جديد ، فيأتي الحديث ليقول له : ( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) .
إنسان يأتي إلى التشهد كما جاءنا عن الرسول - عليه السلام - ، فبيدخِّل هو جمل من عنده ، مثلًا تشهُّد ابن مسعود : ( التحيات لله والصلوات والطيبات ) إلى آخره ، هو شو بيقول ؟ التحيات لله - سبحانه وتعالى - ، كَفَر شي هذا الإنسان ؟ ما كفر ، ذمَّ رب العالمين وطعن فيه ولَّا إيه مجَّده ؟ مجَّده ، لكن أحسن أم أساء ؟ أساء ؛ ليه ؟ لأنُّو زاد شيء ما جاء به الرسول اللي قال : قولوا إذا جلس أحدكم في التشهد فليقل : التحيات لله إلى آخره ، التحيات لله - سبحانه وتعالى - ، والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله - عز وجل - وبركاته ، كمان شو ساوى ؟ زوَّد . أساء أم أحسن ؟ أساء ، مع أنُّو ما جاء إلا بتعظيم لله - عز وجل - ، هذا الكلام هلق لو حكينا مع الذين يقولون : في بالإسلام بدعة حسنة ؟ بيقول لك : لا ، هي مو مزبوطة ؛ ليه ؟ زيادة . طيب ، نمشي لنشوف لنهاية المطاف ؛ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله - عز وجل - ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - سبحانه وتعالى - ، هذا كله ما بيجوز الزيادات هَيْ .
طيب ، اللهم صلِّ على سيدنا محمد جاز ؟ جاز . ليش ؟ سيدنا محمد سيدنا . طيب ، وربنا - عز وجل - مو - عز وجل - ؟ ليش هَيْ ما قبلتوها وهَيْ قبلتوها ؟ ما في فرق أبدًا ، اللهم صلِّ على سيدنا اعتَدْناها ، وصارت جزء من ديننا ومن حياتنا ، أما هالتعظيم لربِّ العالمين في التحيات ما اعتدناها ، والإنسان بينكر أول ما بيسمع حتى السنة أول ما بيسمعها بينكرها ، فلما بيسمع التحيات لله - سبحانه وتعالى - إلى آخر هالتصوير أو الصورة اللي قدَّمناها بينكرها ؛ لأنُّو ما اعتاد عليها ، فإذا جئت أنت بسنة ما اعتاد عليها بينكرها أيضًا ؛ فما الفرق الآن بين الزيادة في التشهد وبين الزيادة في الصلوات الإبراهيمية ؟ كله من باب واحد ، كله من باب قول عمر : وأنا أقول معك : والصلاة على رسول الله ، وأنا أقول معكم : هاللي بتقولوا بالتشهد - الله يحفظكم - : اللهم صلِّ على سيدنا محمد ؛ أنا أقول معكم : اللهم صلِّ على سيدنا محمد ، لكن ما هكذا علَّمنا سيدنا محمد ، وهو كما قال : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) ، ( آدم فَمَن دونه تحت لوائي يوم القيامة ) .
فابن عمر إذًا جاءنا بهذا النموذج من الإنكار الذي يدل على تفصيل قوله السابق : " كل بدعة ضلالة ، وإن رآها الناس حسنة " ، هذا الرجل قال : ما فيها شيء ، الصلاة على الرسول خير ، وجاء في القرآن فأنكَرَها ابن عمر عليه .
نأتي إلى مثال آخر عن سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشَّرين بالجنة ، روى الإمام أحمد في " مسنده " أن سعدًا سمع رجلًا يلبِّي في الحج يقول : ( لبيك ذا المعارج ) ، كمان الثاني كلهم خرجوا من مدرسة الرسول - عليه السلام - المؤمنين .
... فأكتفي برواية عن الإمام مالك ، الإمام مالك إمام دار الهجرة : " مَن ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة ؛ فقد زَعَمَ أن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - خانَ الرسالة ، اقرؤوا قولَ الله - تبارك وتعالى - : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) ؛ فما لم يكن يومئذ دينًا لا يكون اليوم دينًا ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلُح به أولها " . انظروا إلى كلمة مالك هذه ما أعظم شأنها ! هو يقول : مَن ابتدع بدعة واحدة في الإسلام ؛ فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة ؛ ليه ؟ لأنُّو في رسالته يقول عن ربِّ العالمين : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )) ، فإذا كانت هذه البدعة الحسنة ليش كَتَمَها الرسول - عليه السلام - ؟ إذًا هذا معناه أن الرسول خائن ، ومن قال هذا فهو كافر .
إذًا الرسول أدَّى الرسالة وبلَّغ الأمانة ، فالذي يقول : هذه بدعة حسنة ؛ هو الذي خان الرسالة ولم يبلِّغ الأمانة وكفر بالإسلام ، واحدة من ثنتين ، يا الرسول خان وهذا كفر ، ولا يقول به مسلم ، أو أنت اللي عم تقول : هذه بدعة حسنة ، هنا الخيانة ؛ لأنُّو هذا ضد الإسلام .
ثم يقول : " فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا " ؛ يعني كل عبادة -- ... -- ترجع كلمة الإمام مالك إلى كلمة حذيفة بن اليمان السابقة : " كل عبادة لم يتعبَّدها أصحاب رسول الله فلا تعبَّدوها " ، مالك يقول : " فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا " ، يلتقي قول مالك مع قول حذيفة ؛ ليه ؟ لأنُّو كلٌّ يأخذون من مشكاة واحدة ، السلف الصحابة التابعون يأخذون عمَّن قبلهم ، وأتباع التابعين يأخذون عمَّن قبلهم ، وهكذا ، لكن الخلف بقى تركوا السلف ووقع الانحراف في الضلال ، " فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا " .
في أصرح مِن هذا أنُّو ما في بدعة حسنة في الإسلام ؟ " مَن ابتدع في الإسلام بدعةً حسنة يراها حسنة ؛ فقد زعم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - خان الرسالة ، اقرؤوا قول الله - عز وجل - : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) ، فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلُح به أولها " ، فإن أرَدْنا صلاح الأمة اليوم فالطريق أن نعود إلى ما كان عليه سلفنا الصالح ، هذا من تمام كلام الإمام مالك .
فبعض هذه النصوص كما ترون تؤكِّد أن البدعة في الإسلام في الدين ضلالة مهما كان شأنها ، لكنَّ الذين يذهبون إلى أنَّ في الإسلام بدعة حسنة لهم بعض الشبهات ، فلا يتمُّ هذا البحث ولا يتركَّز خلاصته في ذهن السامعين إلا بأن يسمعوا جواب عن تلك الشبهات التي يركَن إليها المخالفون لهذه النصوص الصريحة بأن كل بدعة ضلالة ، فمن تلك الشبهات حديث صحيح مشهور ، وهو : ( مَن سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر مَن عَمِلَ بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقصَ من أجورهم شيء ، ومَن سنَّ في الإسلام سنة سيِّئة فعليه وزرها ، ووزر مَن عَمِلَ بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقص من أوزارهم شيء ) ، هؤلاء يفهمون هذا الحديث ويفسِّرونه بقولهم : ( مَن سنَّ في الإسلام سنة حسنة ) أي : مَن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، والشطر الثاني ( مَن سنَّ في الإسلام سنَّة سيِّئة ) ؛ مَن ابتدع في الإسلام بدعة سيئة .
هذا التفسير نحن نراه خطأ فاحشًا ، وعندنا الدليل على ذلك من ناحيتين :
الناحية الأولى : أن نستحضر لكم المناسبة التي قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - هذا الحديث ، ثم انظروا هل يتَّفق هذا المعنى الذي فسروا به الحديث مع تلك المناسبة ؟ فسترون التباين الكلي بين هذا المعنى المزعوم وبين المناسبة الآتية ؛ روى الإمام مسلم في " صحيحه " من رواية جرير بن عبد الله البَجَلي - رضي الله عنه - قال : كنا جلوسًا عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فجاء أعرابٌ مجتابي النمار ، متقلِّدي السيوف ، عامَّتهم من مضر ، بل كلهم من مضر ، فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تمعَّرَ وجهه - يعني تغيَّرت ملامح وجهه أسفًا وحزنًا على فاقتهم وفقرهم - ، فوقف في الصحابة خطيبًا ، وقال : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ )) ، ثم قال - عليه السلام - : ( تصدَّق - أي : ليتصدَّق - رجل بدرهمه ، بديناره ، بصاع برِّه ، بصاع شعيره ) ، ووَعَظَهم الرسول - عليه السلام - ، وحضَّهم على أن يحسنوا إلى هؤلاء الفقراء ، فقام رجل من الصحابة وانطلق إلى داره ، ثم رجع يحمل في طرف ثوبه ما تيسر له من طعام تمر قمح شعير اللي هو ، أو دراهم وضَعَها أمام الرسول - عليه السلام - ، فتنبَّهَ الصحابة الآخرون وقام كلٌّ منهم ليعود ويحمل - أيضًا - ما تيسر له من طعام من دراهم ، ووضَعَها أمام الرسول - عليه السلام - ، وضعوها أمام الرسول - عليه السلام - ، فاجتمع بين يديه كأكوام الجبال صغيرة من طعام ودراهم ، فلما رأى ذلك - عليه الصلاة والسلام - تهلَّلَ وجهه كأنه مُذهبة .
أي : الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ظهرت آثار الفرح والسرور على وجهه حتى صار وجهه كأنه مُذهبة ؛ أي : كالفضة البيضاء المطليَّة بالذهب ، هكذا ، فرحًا باستجابة أصحابه له ، غير ناسٍ أن الفضل بعده يعود إلى الرجل الأول الذي جاء بالصدقة الأولى فاتَّبعه أصحابه ، فقال - عليه الصلاة والسلام - بهذه المناسبة : ( مَن سَنَّ في الإسلام سنة حسنة ) ، أين البدعة هنا ؟ وهم يفسِّرون الحديث بما سمعتم : مَن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، ليس هناك بدعة ؛ فهذا يؤكد لكم أن هذا التفسير من أفحش الأخطاء التي تصدر من بعض الناس .
ليس في هذه الحادثة كما سمعتم ما يمكن أن يسمَّى بدعة ؛ لأن الصدقة تأتي بالكتاب ، وفي تلك اللحظة قال لهم : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ )) ، قال الله - تبارك وتعالى - .
السائل : ... .
الشيخ : إي نعم .
فالصدقة ليست بدعة ؛ فإذًا كيف يقول الرسول بهذه المناسبة : ( مَن ابتدع ) وليس هناك بدعة ؟ هذا شيء عجيب .
الناحية الثانية من الرَّدِّ والجواب عن هذه الشبهة : نغضُّ النظر الآن عن هذه المناسبة التي توضِّح تمام التوضيح أن هذا التفسير خطأ ، لنناقشهم في نفس التفسير الذي زعموه ، أنتم تقولون أن معنى الحديث مَن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، ومَن ابتدع في الإسلام بدعة سيئة ، نسأل هؤلاء نقول لهم : ما هو الطريق أو بأيِّ وسيلة يُمكن معرفة كون البدعة حسنة أو كونها سيئة ؟ أَهُوَ بعقلي وبعقلك ، بعلمي بعلمك ، بفهمي بفهمك ، أم بالقرآن والسنة ؟
ما هو الشيء الحسن ؟ أليس هو الذي حسَّنه الله ؟ ما هو الشيء القبيح ؟ أليس هو الذي قبَّحه الله ؟ إذًا أنتم بتقولوا : معنى الحديث : مَن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ؛ إذًا كون هذه البدعة حسنة لا بد أن يكون هناك دليل في الكتاب أو في السنة يدلُّ على أنه حسنة ، أو على أنها سيِّئة ، لا يمكنهم أن يقولوا إلا هكذا ، كون هذه البدعة حسنة إنما يثبت ذلك بدليل الكتاب والسنة ، وكون تلك البدعة سيِّئة إنما يثبت ذلك بالكتاب والسنة .
فكلُّ بدعة هم يزعمون أنها حسنة نقول لهم : (( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) ، هاتوا الدليل من الكتاب والسنة أن هذه البدعة بدعة حسنة ، ونحن معكم على أنها بدعة حسنة ؛ لا لأنكم استحسنتموها ، وإنما لأنكم جئتم بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة على تحسينها .
وتلك الأخرى جئتم عليها بدليل من الكتاب و السنة على أنها سيِّئة ، وحينئذٍ يزول الخلاف ؛ لأن كل بدعة حسنة في زعمهم لا بد أن يكون دليل حُسنها في الكتاب والسنة ؛ فأين دليل حسن - مثلًا - الاحتفال بمولد الرسول - عليه السلام - مثلًا ؟ ما في دليل ، ما في آية ، ما في حديث ، ما في الصحابة فعلوا ، ما في التابعين فعلوا ، ما في أتباع التابعين ؛ إذًا ما قام الدليل الشرعي على حُسنِها حتى على تفسيركم فالحديث ليس حجَّة لكم ، ما دام كل سنة حسنة لا بد ليكون لها دليل من الكتاب والسنة .
أنا آتيكم الآن بمثال يوضِّح لكم هذا ، عمر بن الخطاب من الأشياء التي يعني تُسجَّل في مناقبه ومحاسنه - رضي الله عنه - أنه أخرج اليهود من خيبر ، أظن تعرفون جميعًا هذا ، طيب ، فإخراج عمر لليهود من خيبر أمر حادث لم يكن ؛ لأنُّو الرسول مات واليهود في خيبر ، ألستُم تعلمون هذا ؟ الرسول مات واليهود في خيبر ، مين أخرَجَهم ؟ عمر ؛ إذًا هذا أمر حادث ، تعال لنطبِّق الحديث هاللي فسَّروه بقولهم : من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، نسألهم : فِعْلة عمر هذه بدعة حسنة ولَّا سيئة ؟ باعتبار شيء جديد حدث ، فإن قالوا : بدعة حسنة ؛ نطالبهم بالدليل ، وإن قالوا : بدعة سيئة ؛ نطالبهم بالدليل من الكتاب والسنة .
الواقع نحن راح نقدِّم لهم الدليل أنُّو هذا الفعل اللي فعله عمر أنا ما أقول طبعًا بدعة حسنة ، لكن أجاريهم مجاراة ، أعتقد أنُّو هذا أمر مشروع ، وهو يمكن يسمُّونه بدعة حسنة ، من أين جاءت شرعية هذه الحادثة وهي حادثة بعد الرسول - عليه السلام - ؟ الدليل على ذلك حديثان :
الحديث الأول : أن الرسول - عليه السلام - لما فتح خيبر صالح اليهود على أن يبقوا فيها يزرعوها ، وعلى أن لهم النصف الشطر ، وللرسول - عليه السلام - الشطر ، معاملة مزارعة ، وقال لهم في الاتفاق الذي عَقَدَه بينه وبينهم ( على أن نقرَّكم فيها ما نشاء ) ؛ نقرُّكم في خيبر ما نشاء ، مش إلى الأبد ؛ ما نشاء ، فمات الرسول - عليه السلام - وهنّ في خيبر ، جاء أبو بكر من بعده ومات وهم في خيبر ، ثم بدا لعمر إخراجهم ، لماذا الرسول - عليه السلام - أقَرَّ اليهود في خيبر وهذا خلاف كل الفتوحات الإسلامية تقريبًا ؟ كان يضع المسلمين هناك ويحكمون في البلدة ، ويكون هنالك كالأسرى والعبيد ، لماذا عامل اليهود هذه المعاملة ؟ لأنهم كانوا صاحب خبرة في الزراعة ، ولم يكن في الصحابة بعد مَن تعلَّم الزراعة فتَرَكَهم ، فلما مع الزمن تعلَّم الصحابة المهاجرون والأنصار الزراعة ؛ طالعهم برَّاة خيبر وحلَّ محلَّهم المسلمون الذين صاروا يعرفون الزراعة .
السائل : ... سنة حسنة .
الشيخ : هذا الدليل الأول أنُّو الرسول قال : ( نُقِرُّكم فيها ما نشاء ) ؛ فأخرجهم عمر ، فإخراجه ليس بدعة عندنا ؛ لأنُّو البدعة ضلالة ، وهذا إنما نفَّذَ نصًّا نبويًّا ، ( نقرُّكم فيها ما نشاء ) .
النص الثاني : قال - عليه الصلاة والسلام - : ( أخرجوا اليهود من جزيرة العرب ) ؛ فإذًا هو نفَّذَ نصًّا نبويًّا ، هذا لا يسمَّى بدعة ؛ فإذًا ؟
نعم ؟
السائل : ... .
الشيخ : ... نعم .
فإذًا سيدنا عمر بن الخطاب نفَّذَ نصًّا نبويًّا ؛ فهذا لا يسمَّى بدعة ، إن سمَّيتموها أنتم بدعة حسنة فلأنُّو الدليل الشرعي قام في الحسن ؛ فيبقى الخلاف بقى بيننا وبينهم في اللفظ ، هنّ بيسموه بدعة حسنة ، نحن شو بنسميها ؟ سنة حسنة ، لكن المهم أصحك تستحسنوا البدعة بعقلكم ، المهم أن تأتوا بالدليل من الكتاب والسنة على أنُّو هذا الذي تسمُّونه ببدعة حسنة قام الدليل الشرعي على أنه حسنة فعلًا ، يبقى الخلاف في التسمية ، ولا مشاحة في الاصطلاح كما يقولون .
هكذا إذًا كلُّ مَن يدَّعي أنُّو هناك في الإسلام بدعة حسنة لا بد من أن يأتي بدليل من الشرع على أن هذه البدعة حسنة ؛ لا سيما وهناك اختلاف نَشَبَ قديمًا بين أهل السنة من جهة ، والمعتزلة من جهة أخرى ، فالمعتزلة يقولون : الحَسَن ما حسَّنَه العقل ، والقبيح ما قبَّحَه العقل ؛ يعني ما رآه العقل حسنًا فهو حسن ، وما رآه العقل قبيحًا فهو قبيح ، أهل السنة قالوا : لا ، العقل لا يستقلُّ بمعرفة كون هذا الشيء حسن وكون ذاك الشيء قبيح ، لكن العقل يستطيع أن يفهم حُسْنَ الشيء بعد أن يأتي الشرع بتحسينه ، ويستطيع أن يفهم قبح الشيء بعد أن يأتي الشرع بتقبيحه ، أما أن يستقلَّ العقل البشري بأن يحسِّن يقبِّح ؛ لا ، هذا موضع خلاف بين أهل السنة والمعتزلة قديم ، ولا شك أن الحق مع أهل السنة لا المعتزلة ، لكن جماعة آخر الزمان اليوم صاروا معتزلة ؛ ليه ؟ كل ما بتجي بدعة يقول لك : شو فيها ؟ يا أخي هَيْ بدعة حسنة ، فحكَّموا عقولهم ، ووقعوا ضد أئمة السنة الذين كانوا ضد المعتزلة ، وقعوا في التحسين والتقبيح العقلي ، هذا حَسَن ؛ ليه ؟ والله عقلي شايفه حسن ما فيها شيء ، وهذا عبارة يعني بيلهجوا فيها بأدنى مناسبة .
هذا من الشبهات التي يركنون إليها ، ( مَن سَنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) ، فعرفتم الجواب من وجهين : الجواب الأول : أن المناسبة تدل أنُّو ليس معنى الحديث : مَن ابتدع ، وإنما من افتتح طريقًا للخير ، والخير هناك هي الصدقة ، وهي مشروعة من قبل . والجواب رقم اثنين : أنُّو إذا فسرتم أنتم الحديث بما سبق فنحن نطالبكم في كل بدعة حسنة بدليلها ، فإن جئتم بالدليل مثل ما نحن أتينا بدليل سنة عمر هناك اللي أحياها ، فنحن معكم ؛ لأنُّو اتبعنا الدليل جميعًا ، وإن لم تأتوا بالدليل فمعناه أنتم صرتم مع المعتزلة الذين يحسِّنون بعقولهم .
ومن شبهاتهم حديث : " ما رآه المسلمون حَسَنًا فهو عند الله حَسَن " .
الجواب : هذا الحديث لا أصل له في شيء من كتب السنة إطلاقًا كحديث عن الرسول - عليه السلام - ، لكنه مِن قول ابن مسعود ؛ يعني حديث موقوف في اصطلاح المحدثين ، ثم لا يعني ما يعنيه هؤلاء المتأخِّرون مِن توسيع دائرة المسلمين في هنا ، ما رآه المسلمون ، لا يعني ابن مسعود كل المسلمين في كل زمان في كل مكان ، وإنما يعني نُخبة أفضل المسلمين بعد الرسول - عليه السلام - ، والدليل على هذا أن هذه الجملة من كلام ابن مسعود لها مناسبة مثل مناسبة حديث : ( مَن سنَّ في الإسلام سنة حسنة ) ، لما عرفنا مناسبة الحديث تجلَّى معنا خطأ التفسير السابق ، كذلك إذا عرفتم الآن مناسبة قول ابن مسعود : " ما رآه المسلمون حَسَنًا " سيتجلَّى لكم خطأ الاستدلال على استحسان البدعة في الدين .
لما توفِّيَ الرسول - عليه السلام - واجتمع أصحابه الكرام لاختيار خليفة له مِن بعده ، فاختاروا أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - كما هو معروف ، بهذه المناسبة بمناسبة اختيار أبا بكر قال ابن مسعود : " إن الله - تبارك وتعالى - بَعَثَ محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - رسولًا نبيًّا ، وجعل له وزراء وأنصارًا ؛ فما رآه المسلمون " ، وين رجع المسلمون ؟ للوزراء والأنصار ، " إن الله بَعَثَ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا رسولًا ، وجعل له وزراء وأنصارًا ؛ فما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حَسَن " ؛ بيعنينا نحنا ؟ بيعنينا ومن قبلنا ؟ بيعني التابعين ؟ لا ، بيعني الصحابة كلهم ؟ كمان لا ، وإنما يعني نخبة الصحابة هاللي كنى عنهم بقوله : " وزراء وأنصارًا " ، فما رآه هؤلاء الوزراء والأنصار حسنًا ؛ فهو عند الله حَسَن .
وهكذا الذين اختاروا أبا بكر الصديق خليفةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا من وزراء الرسول - عليه السلام - وأنصاره ، من المهاجرين والأنصار ، وهذا يلتقي أخيرًا مع قوله - عليه السلام - في الحديث الصحيح : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) . فاجتمع كبار صحابة الرسول - عليه السلام - على اختيار أبي بكر الصديق خليفة ، فشو علاقة هذه الكلمة مع قول ليست من حديث الرسول وإنه من كلام ابن مسعود قالها بمناسبة اختيار الصحابة الكبار لأبي بكر الصديق ؟ شو علاقتها كلُّ ما واحد ابتدع بدعة واستحسَنَها بعقله ؛ يا أخي قال رسول الله : " ما رآه المسلمون حَسَن فهو عند الله حَسَن " ؟ ما قال الرسول هذا الحديث أوَّلًا ، وإنما قال هذا ابن مسعود ، وما قالها بالمعنى الذي يريده هؤلاء ، وإنما المعنى ضيِّق جدًّا أراده هو وزراء الرسول وأنصاره ، (( وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ )) .
وأخيرًا : يحتجُّون بقول عمر بن الخطاب : " نعمت البدعة هذه " في صلاة التراويح .
عيد عباسي : بدي أسألك عنها .
الشيخ : فبتذْكروا ... كشف ، هَيْ نحن كشفناك هلق [ الجميع يضحك ! ] .
الله أكبر ! هذا فعلًا قالَه عمر ، ولكن بأيِّ معنى قاله ؟ هنا الموضوع ، جماهير القائلين بالبدعة الحسنة يفسِّرون كلمة عمر : " نعمت البدعة هذه " ؛ أي : أن عمر أحدث صلاة التراويح جماعة من عنده ، مثل ما أخرج اليهود من عنده ! يعني اليهود قطعًا ما أخرجهم اليهود ، ما ، عفوًا ما أخرجهم الرسول ، مين أخرجهم ؟ عمر ، صلاة التراويح في زعم هؤلاء المستدلين بقول عمر : " نعمت البدعة هذه " ما فعلها الرسول ، مين فعلها ؟ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، هكذا يقولون ، وهذا خطأ ، وهذا فيه اتِّهام لعمر بالجهل .
لتعلموا هذه الحقيقة نروي لكم حديث البخاري في " صحيحه " من رواية عبد الرحمن بن عبد القاري أنه خرج مع عمر بن الخطاب ليلةً إلى مسجد الرسول - عليه السلام - ، فرآهم يصلون قيام رمضان زرافاتٍ ووحدانًا ، فقال ؛ لو جمعناهم وراء إمام واحد ، ثم بدا له ذلك وعزم على ذلك ، في ثاني يوم أمَرَ أبيَّ بن كعب أن يصلي بهم إمامًا ، فخرج لأول مرة يرى المسلمين يصلون جماعة في صلاة التراويح وراء إمام واحد هو أبي بن كعب ، فقال : " نعمت البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل " .
تشبَّثَ بهذه الكلمة القائلون بالبدعة الحسنة ، تمسَّكوا بها لفظيًّا دون أن يُمعِنُوا النظر إلى ما قصد منها ، قالوا : هَيْ عمر بن الخطاب قال قبل كل شيء أنُّو : " نعمت البدعة هذه " ، وثاني شيء قالها في صلاة التراويح ، وهَيْ لم يفعلها الرسول - عليه السلام - ؛ وأقول بصراحة هنا حرمةً للسنة وتعظيمًا لعمر : كذبوا حين قالوا أنُّو عمر أحدث هذا ، كذبوا ، إنما سَنَّ ذلك الرسول ، وعمر أحيا ذلك ؛ فإنكم تعلمون الحديث الذي في " صحيح البخاري " من حديث السيدة عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ في العشر الأخير من رمضان ، فصلى في المسجد ، فرآه بعض الصحابة فاقتدوا خلفَه ، ثاني يوم انتشر خبر صلاة الرسول في الليلة السابقة ، فلما خرج الرسول في الليلة الثانية اللاحقة كثُرَ المصلون خلفه ، في الليلة الثالثة امتلأ المسجد ، في الليلة الرابعة اجتمعوا كما كانوا سابقًا في الليلة الثالثة ، وانتظروا وانتظروا وانتظروا حتى مَلَّ بعضهم ، فأخذوا حصباء من المسجد ويحصبون باب بيت الرسول - عليه السلام - بظنِّ أن الرسول نايم ، مسيطر عليه النوم ، لكن الرسول كان يقظان ، وكان عن عمد متأخرًا عن الخروج ، وفتح الباب وخرج عليهم مُغْضبًا قائلًا : ( إنه لم يخفَ عليَّ مكانكم هذا ، إني عمدًا صنعتُ أو تركتُ ، إني خشيتُ أن تُكتَبَ عليكم ) .
السائل : تُفرض .
الشيخ : معنى تُكتب أي : تُفرض ؛ ( فصلوا أيها الناس في بيوتكم ؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) ، ثم مات - عليه الصلاة والسلام - في ربيع الأول ولم يدرك رمضان الثاني ، فهنا أول شيء الرسول سَنَّ صلاة التراويح جماعة ، لكن ما تابع كما رأيتم خشية أن تُفرضَ عليهم ، وبوفاة الرسول - عليه السلام - تزول الخشية هذه ؛ لأنُّو بوفاته تمَّت الشريعة ، التراويح فرض ؟ لا مو فرض ؛ لأنُّو ما داوم الرسول - عليه السلام - عليها حتى يصير فرض ، فجاء عمر وأحيا هذه السنة بعد أن زالت الخشية التي مِن أجلها تَرَكَ الرسول - عليه السلام - المواظبة عليها .
السائل : ... .
الشيخ : والشيء الثاني ، أخِّر سؤالك ، والشيء الثاني : أن أبا داود روى في " سننه " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( مَن صلى صلاة العشاء في رمضان مع الإمام ، ثم قام معه ؛ كُتِب له قيام ليلة ) ، إذا صلى العشاء مع الجماعة ، وصلى قيام رمضان مع الجماعة كأنه قام الليل كله ، ففي هذا الحديث حضٌّ على صلاة التراويح جماعة ؛ فإذًا أين البدعة اللي ابتدعها سيدنا عمر ؟ ما ابتدع شيئًا ، بل الحقيقة هو أحيا سنة فَعَلَها الرسول وحضَّ عليها بقوله .
هنا يأتي سؤال طبيعي مثل ما استعجل صاحبنا الأخ هنا ، ليش أبو بكر ما أحياها ؟ نحن نقول : هنا جوابين ، الجواب الأول : الذي نعتقده أن أبا بكر الصديق كانت مدة خلافته قصيرة سنتين ونصف اللي بيعرف التاريخ ، سنتين ونصف ، وثانيًا كانت خلافته مع قِصر مدَّتها كانت مشغولة بانصرافه إلى محاربة أهل الرِّدَّة ويخشى على الإسلام أن يرجع القهقهرى بسبب الردة التي أُصِيبَ بها بعض المسلمين في الجزيرة العربية ؛ فكان هو مشغول بما هو أهم مِن أن يحيي سنة من السنن ، لو أجمع المسلمون على تَرَكَها ما تقوم قيام الساعة عليهم ؛ لأنُّو ما هو فرض عليهم ، فكيف قُدَّامه جيوش جرَّارة من المرتدين عن دينهم عم ينتشروا ينتشروا الأراضي في البلاد ؛ ولذلك هو وجَّه كل همَّته لصد اعتداء هؤلاء أو انتشار هؤلاء أهل الردة ؛ فهو لم يكن متفرِّغًا لمثل إحياء هذه السنة . هذا الشيء الأول .
الشيء الثاني : يا سيدي ما خطر في باله أبو بكر الصديق ، شو صار ؟ نحن بيهمنا نعرف أنُّو أخطأ عمر ولَّا أصاب ، أما ليش ؟ مثلًا الشَّيخ بيقوم في الليل والناس نيام ، أنا ما أقوم ؛ ليش ما أقوم ؟ وليش هو بيقوم ؟ الله هداه وفَّقه لِمَا لم يوفِّق الثاني ، لكن أنا ما لي آثم ؛ لأني ما تركت فريضة ، وهون ما هو ممكن ... لأنُّو عم يصلي قيام الليل هاللي شُرعت في كتاب الله وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فالمهم في بحثنا هنا مش نعرف ليش ما فعل أبو بكر ؛ لا ، نعرف الذي فَعَلَه عمر هل هو بدعة ولَّا سنة ، هذا هو بيت القصيد في الموضوع .
فإذا عرفنا ليش ما فعل أبو بكر ، فوالله زيادة علم ونور على نور ، وإن ما عرفنا ما نقص منَّا خطورة هالبحث هذا وقوته وأهميته شيء إطلاقًا ؛ لأنُّو نحن نريد أن نثبت أن نردَّ على هؤلاء الذين يتَّهمون عمر بن الخطاب بأنه ابتدع صلاة التراويح جماعة ، حاشاه أن يبتدع شيئًا في دين الله ، وإنما هو أحيا سنة من سنن رسول الله صلَّاها ثلاث ليالي بنفسه ، ثم حضَّ الناس على أن يصلوها مع الجماعة حين تزول الخشية ، فلما زالت الخشية بوفاة الرسول - عليه السلام - أحياها عمر بن الخطاب .
يأتي السؤال الأخير : لمَ قال : " نعمت البدعة هذه " ؟ لأنها كانت متروكة من قبل ، ما بين ترك الرسول لها وإحيائه إياها مضى زمن ما يعرفوها الناس هكذا جماعة وراء إمام واحد ؛ فهذه تُسمَّى بدعة لغوية مش بدعة شرعية ؛ لأنُّو إذا قلنا : هذه بدعة شرعية ، ردِّينا هالأحاديث الصحيحة لأنُّو الرسول صلَّاها والرسول حضَّ عليها ؛ فهذه ليست بدعة شرعية ، وإنما سمَّاها بدعة باعتبارها حدثت جديدًا بعد انقطاعها من بعد ترك الرسول - عليه السلام - إياها بعدما صلَّاها ثلاث أيام .
هذا ما يحضرني من شبهات القائلين بالبدعة الحسنة ، وأنتم ترون بوضوح أنه لا شيء في هذه الأدلة مما يجوز التمسُّك به لضرب تلك النصوص القاطعة ... والقائلة بأن كل بدعة في الإسلام ضلالة ، إنما هذه شبهات ، والجواب - والحمد لله - واضح ، ولعل في هذا المقدار كفاية .
أعطانا الجواب بكل صراحة : ( وإنه مَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ) ، فإذا رأيتم الاختلاف الكثير ( فعليكم بسُنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين ) ، انتهت المشكلة . فهذه البدع التي تسمعون الاختلاف فيها ما بين مُحسِّن ومقبِّح هل هي من سنة الرسول - عليه السلام - ؟ الجواب : لا ، لسنا نحن فقط نقول : لا ، حتى الذين يقولون بأنها بدعة حسنة يقولون : لا ؛ لأنهم يصفونها بأنها بدعة ؛ يعني شيء حدث بعد الرسول - عليه السلام - .
طيب ، هذه البدعة ليست من سنَّته - عليه السلام - ، هل هي من سنة الخلفاء الراشدين ؟ كمان يقولون : لا ، مثلًا - على سبيل المثال - : الاحتفال بالمولد النبوي ، احتفال بمولد الرسول - عليه السلام - هذا يُدخِلونه في باب تبجيله وتعظيمه ، وتعظيم الرسول - عليه السلام - هو فرض على كل مسلم ، بل لا يُتصوَّر مسلم ولا يُعظِّم الرسول ؛ هذا مستحيل ، ولكن هنا مشكلة ؛ كيف يكون تعظيم الرسول - عليه السلام - ؟ هل يكون تعظيم الرسول حسب هواي أنا وكيفي أو عقلي أو جهلي أو علمي ولَّا حسب ما شرع الله - عز وجل - لنبيِّه ؟ لا شك أنُّو التعظيم لازم يكون في حدود الشرع .
مثلًا هل أنا إذا زرت المسجد النبوي وصلَّيت فيه وأتيت القبر وسلَّمت عليه ؛ هل أسجد له ؟ هل أسجد له بدعوى إيه ؟ التعظيم ؟ كل المسلمين يقولون : لا ، لا تسجد ؛ لأن هذا السجود لا ينبغي إلا لله ؛ إذًا تعظيم الرسول ينبغي أن يكون في حدود الشرع .
طيب ، ما أسجد له ، أركع له هكذا ركوع نصف سجود ؟ لا ؛ ليه ؟ لأنُّو الركوع أخو السجود ، ولا ينبغي إلا لله . طيب ، هل أقوم بين يديه هكذا خاشعًا كما أقوم بين يدي ربِّ العالمين ؟ كمان الجواب ينبغي أن يكون لا ، مع أننا نرى كثير من الزوَّار هناك يقفون من بعيد لعله يقف أخشع مما يقف بين يدي الله - عز وجل - .
هذا كله تعظيم ، لكن هل هو تعظيم في حدود ما شرع ربُّ العالمين على لسان نبيِّه الكريم ؟ الجواب : لا ؛ إذًا كيف يكون التعظيم ؟ الجواب في القرآن : (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه )) ، فاتباع الرسول - عليه السلام - بما جاء به للإسلام هو التعظيم بدون إفراط ولا تفريط ، بدون زيادة ولا نقص .
يزعمون أنُّو من تعظيم الرسول - عليه السلام - الاحتفال بمولده ؛ لح نجيب نحن المثال ؛ نحن نقول : هل احتفل الرسول - عليه السلام - بولادته كما يحتفل الأوروبيون كل واحد منهم عيد ميلاده ؟ صار عمره ثمانين سنة بيعمل عيد ، كل سنة بيعمل عيد إلى آخره ، لابنه لزوجته ، هل فعل شيء من ذلك الرسول - عليه السلام - لنفسه ؟ الجواب : لا ، كل المسلمون يقولون هذا .
هل احتفل أصحاب الرسول بولادته ؟ الجواب : لا . أتباع الصحابة يعني التابعين ؟ الجواب : لا . أتباع التابعين ؟ الجواب : لا . الأئمة المجتهدين ؟ لا لا ، لَكان إيمتى حدث هذا ؟ حدث بعد الرسول - عليه السلام - بنحو أربع مئة سنة ، طيب ، هالقرون العديدة الصحابة والتابعين وأتباعهم إذًا ما عظَّموا الرسول - عليه السلام - حينما ما احتفلوا بولادته ؟ هذا مش معقول أبدًا ، طيب ؛ إذًا هذا التعظيم من أين جاؤوا به ؟ لو كان تعظيمًا مشروعًا لَفَعَلَه أبو بكر الصديق مع الرسول وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة المبشرين بالجنة وأصحاب البيعة تحت الشجرة وإلى آخره ، ثم التابعين ، ثم الأئمة المجتهدين ، ما أحد فعل هذا .
ومن الغرائب والعجائب أنُّو كل واحد منَّا بيزعم أنُّو هو حنفي وهذا شافعي وهذا مالكي وهذا حنبلي ، فإذا سألته : أنت حنفي ، في كتب أبي حنفية أنُّو من تعظيم الرسول الاحتفال بولادته ؟ بيسكت ، بيقول لك : شو فيها ؟ طيب ، ما لك حنفي أنت ؟ ما تجيب النص من المذهب الحنفي أنُّو هذا شرع ودين وعبادة وطاعة وتعظيم للرسول - عليه السلام - ؟! ما في جواب ، في تحكيم للأهواء والعادات بس . كذلك يُقال عن المالكي والشافعي والحنبلي ، لا أحد منهم يقول هَيْ النَّص من مذهبي ؛ لأنُّو لا يستطيع ، لأنُّو حدث بعد الأئمة كلهم .
فالخلاصة : فأيُّ بدعة تحدث يختلف العلماء إلى حسنة ولَّا سيئة ؛ فَهُم يتَّفقون أنه حدث بعد أن لم يكن ؛ إذًا أنت أيها المسلم ولو كنت ما تعرف شيء من العلم اسمع هذا الحديث : ( فعليكم بسنَّتي ، وسنة الخلفاء الراشدين ) ، هاللي بيقول لك من أيِّ شيخ مفتي أكبر أصغر : الاحتفال بمولد الرسول سنة وبدعة حسنة وما فيها شيء وإلى آخره ؛ خليك معه ... قل له : يا حضرة الشَّيخ ، هل احتفل أصحاب الرسول بمولد الرسول ؟ إذا كان يخشى الله ولا يكذب على الله ورسوله بيقول لك : لا ، ما احتفلوا . طيب ، التابعين ، بقية الصحابة ، التابعين ، الأئمة المجتهدين ، بيقول لك : لا لا لا . طيب ، شو رأيك هلق أمشي على ما مشى هؤلاء السلف بأكون أنا منحرف وعلى ضلال ولَّا بأكون على بيان وهدى ونور ؟ نفسه راح يسكت هو ؛ لأنُّو السلاح معك : ( فعليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) ، قد لا تستطيع أن تجادل ، لكن لما بيكون معك سلاح بترد على الأقل خصمك بتوقفه عند حدِّه .
ما دام الصحابة ما احتفلوا فنحن لا نحتفل ؛ ليه ؟ لأنُّو الدين كامل ، فهذا حديث يؤيِّد الآية السابقة : ( وإنه مَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ؛ فعليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضُّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ) ؛ الاحتفال بمولد الرسول - عليه السلام - من محدثات الأمور ولَّا لا ؟ كل العلماء بيقولوا : نعم ، هذا من المحدثات ؛ لأنُّو ما كان في زمن الرسول ولا زمن الصحابة ولا التابعين ؛ إذًا ارجع إلى السنة وتمسَّك بما كان عليه الرسول - عليه السلام - والصحابة ، هذا دليل .
دليل ثاني من الحديث وثالث من الأدلة : كان الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - يخطب في كل يوم جمعة ، وهذا من السنن التي تركها الخطباء ، الخطباء السنة الآتية تركوها ، وأحلُّوا محلَّها جُمَل صنفوها من عقولهم ، وتركوا ما جاء به الرسول - عليه السلام - ، وما هو ؟ كان - عليه الصلاة والسلام - في كل يوم جمعة بعد أن يحمد الله - عز وجل - ويُثني عليه بما هو أهلٌ له يقول : ( أما بعد : فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، كل يوم جمعة من بين يدي الخطبة لا بد أن يقول الرسول - عليه السلام - : ( وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) .
أنا أقول لكم بكلِّ صراحة : لا بد في ناس هنا الآن حاضرين يمكن لأول مرة ، وفي ناس حضروا مرة مرتين ثلاثة ، وفي ناس حضروا عشرات المرات ، وفي ناس صار لهم عشرين سنة عايشين معي ؛ بلا تشبيه إذا كان الرسول - عليه السلام - في كل خطبة جمعة يقول : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، أبو بكر الصديق هاللي عاش مع الرسول - عليه السلام - حتى فارق الرسول - عليه السلام - الحياة ، ماذا يفهم من هذا الكلام ؟ وكل خطبة بيكرِّر الرسول : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ؟ يفهم أنُّو مو كل بدعة ضلالة ولَّا بيفهم كل بدعة ضلالة ؟ في إنسان بيقول بيفهم : لا يا سيدي ؛ مو كل بدعة ضلالة ، في بدعة حسنة وفي بدعة سيئة ؛ ممكن أحد يفهم هذا الكلام ؟ أنا بأقول لإخواننا هدول : كم مرَّة ذكرت لكم : ( كل بدعة ضلالة ) ؛ شو فهمتوا مني ؟ أنُّو مو كل بدعة ضلالة ؟ مش معقول .
نعم ؟
السائل : ما في بدعة في الإسلام .
الشيخ : ما في ، هيك فهموا ، وهكذا أصحاب الرسول ... .
نعم ؟
السائل : شافوا الأمور .
الشيخ : شافوا الأمور ، هكذا أصحاب الرسول أولى ؛ لأنه أوَّلًا الرسول يتكلَّم بلغتهم ، وأنا أتكلم صحيح باللغة العربية لكن أنا أصلي ألباني ، فأين أنا وأين الرسول - عليه السلام - ؟ فإذا كان أفصح الناس يتكلَّم بين يدي أفصح الناس وهم العرب وأفقههم أبوبكر وعمر ؛ فماذا تتصوَّرون سيفهم هؤلاء الصحابة من تكرار الرسول - عليه السلام - على مسامعهم يوم الجمعة بصورة خاصَّة وبمناسبات أخرى كوصيته في حديث العرباض بمناسبة أخرى ؟ ماذا يمكن أن يتصوَّر أحدنا اليوم أن يَفهم هؤلاء الصحابة من تكرار الرسول على مسامعهم : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ؟ ممكن يفهموا لا ، مو كل بدعة ضلالة ، وأنُّو في بدعة حسنة وسيئة ؟ مستحيل هذا تمامًا ، مستحيل .
لذلك هذا يؤكد لكم أن قول العلماء الذين ينصحون الأمة اليوم ؛ ارجعوا إلى ما كان عليه الرسول - عليه السلام - ، خذوا دينكم كما مات عنه الرسول - عليه السلام - بدون زيادة ولا نقص ؛ بتكونوا على هدًى من ربكم وعلى نور ، فهذا الحديث هو - أيضًا - من جملة الأدلة التي تؤيد أن لا بدعة في الإسلام ، ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) .
وكما قلت في الأمس القريب في " الرقة " : هذا الحديث من حيث التركيب العربي والكلية التي تضمَّنته : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) كقوله - عليه السلام - : ( كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام ) ، هل يمكن لمسلم أن يقول ضربًا لحديث الرسول في الصدر ، الرسول يقول : ( كل مسكر خمر ) ، وهو بيقول : لا ، ليس كل مسكر خمر ؟ الرسول يقول : ( كل مسكر خمر ) ، مسلم يقول : لا ، ليس كل مسكر خمر ؟ تمام من حديث : ( وكل خمر حرام ) هو بيقول : لا ، ليس كل خمر حرام ؟! مستحيل أن يكون إنسان يعرف أنُّو هذا حديث الرسول - عليه السلام - ، نعم ممكن ما طرق سمعه هذا الحديث ، يتكلَّم بالشيء هذا من عنده فيُخطئ ، هذا ممكن ، لكن هو يقرأ الحديث في " صحيح مسلم " من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام ) ، تتخيَّلوا معي إنسان مسلم يؤمن بالله ورسوله حقًّا بيقول : لا يا سيدي ، ليس كل مسكر خمر ، ولا كل خمر حرام ؟
هذا أحد رجلين ، إما جاهل فيُعلَّم ، وإما كافر بالله ورسوله فيُعامل بما يستحقُّ من حكم الإسلام !!
كذلك هذا الذي يقول وهو يسمع الرسول - عليه السلام - يقول : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، هو شو بيقول لك ؟ بكل بلادة بكل برودة : لا ، في بدعة حسنة ، وفي بدعة سيئة . طيب ، وهذه الكلية التي كان يخطب بها الرسول على رؤوس الأشهاد كل يوم جمعة ، كيف تعطِّلونها ؟ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )) ، هو يقول لكم هكذا ، فلماذا لا تستجيبون له ؟ أنتم بدل ما تخضعوا له تريدون أن تُقطِّعوا كلامه لعاداتكم وآرائكم ، هذا دليل ثالث ؛ وهو قوله - عليه السلام - : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) يخطب بهذه الجملة في كل يوم جمعة .
ليس هذا فقط ؛ فقد روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) ، ( فهو ردٌّ ) يعني مردود عليه ، مضروب وجهه بهذا الذي أحدَثَه ، حديث صحيح في البخاري ومسلم : ( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) ؛ أي : مردود عليه ؛ فكيف يقال : لا ، هذه نعم بدعة ومحدثة ، لكن أنا أقبلها ولا أردُّها ، والرسول يحكم عليك بردِّها ؟!
الله أكبر ! لولا أننا نعتقد أن بعض الناس لم تبْلُغْهم هذه الأحاديث ، أو بلغتهم لكن لم يفهموها حقَّ فهمها ؛ لَقُلْتُ : إن الذي يُخالف هذه الأحاديث هو كافر ، غير خاضع لكلام الرسول ، غير مؤمن به ، لكن في احتمال أنه ما بلغه هذا الحديث فهو معذور ، في احتمال أنه بلغه هذا الحديث لكن ما فهمه حقَّ الفهم ؛ ولذلك فليس لنا إلا أن ندعوَ الله أن يهدي هؤلاء الناس الذين لا يلتفتون لأحاديث الرسول - عليه السلام - هذه ولا يعملون بها .
قد يقول بعض الناس ممَّن يغلب عليهم الجمود الفكري والتقليد المذهبي ، قد يقول : إي ، طيب ، هؤلاء المشايخ ما بيفهموا ؟ بيفهموا ، طيب ، بلكي يكون فهمكم خطأ ، أنت عم تقرِّر وتقول : هذا عام ، وما دخله تخصيص ، بلكي هذا الفهم خطأ ؟ بنقول : نعم ، ممكن يكون فهمي أنا خطأ ، وزيد وبكر وإلى آخره ، ف ح أجيب لكم بقى نصوص من أقوال الصحابة والأئمة الذين لا تستطيعون أن تلمزوهم ولا أن تغمزوا من قناتهم من علمهم وفهمهم ، قد يقول قائل : هذا الرجل ألباني مثل ما نسمع ، هذا ما بيعرف يتكلَّم اللغة العربية ، ونسمع أشياء أشياء ، اتركوا هذا الألباني ، هذا كبير من أكابر الصحابة ومن علمائهم عمر بن الخطاب كلُّنا يعرفه ، ولده الذي هو من أصلح الصحابة وأزهدهم وأعبدهم ومن أعلَمِهم عبد الله بن عمر بن الخطاب ، ماذا قال ؟ قال مؤكِّدًا لهذا العموم الذي أنا أؤكِّده لكم في قوله - عليه السلام - : ( كل بدعة ضلالة ) ؛ قال هو : " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " ؛ (( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ )) ؟ شو دخل الألباني في الموضوع ؟ ابن عمر بن الخطاب يقول : " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " ، سدَّ باب إذًا التحسين ، وأكَّد أن قول الرسول - عليه السلام - : ( كل بدعة ضلالة ) هو نصٌّ عام شامل لكل بدعة ولو رآها الناس حسنة ، هذا شيء .
وشيء آخر من صحابي آخر ألا وهو حذيفة بن اليمان ، حذيفة بن اليمان صاحب سرِّ النبي - عليه الصلاة والسلام - ، كان .
نعم ؟
عيد عباسي : يصح أن يقول الرسول ... ؟
الشيخ : أيوا .
كان يقول : " كل عبادة لم يتعبَّدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تعبَّدوها " ، كل عبادة لم يتعبَّدها الصحابة أنتو لا تتعبَّدوا الله بها ؛ فماذا نفعل نحن اليوم ؟ الألوف من البدع نتقرَّب بها إلى الله بزعم إنها بدعة حسنة ؛ إذًا نحن خالفنا حذيفة بن اليمان اللي هو - أيضًا - من كبار الصحابة ، وهو الذي اختصَّ بحفظ سرِّ الرسول - عليه السلام - فيما يتعلَّّق بمعرفة المنافقين في هذا الزمان ، هذا حذيفة بن اليمان إذًا يلتقي كلامه مع كلام ابن عمر أنُّو كل بدعة ضلالة ، ما دام الصحابة ما فعلوها فأنتو لا تفعلوها .
هذا ابن مسعود يقول : " اتَّبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كُفِيتم ، عليكم بالأمر العتيق " ، هذا رغمًا عمَّن يتَّهمون المسلمين بالرجعية ، نحن نقول : هذا الأثر الصحيح عن ابن مسعود ، يقول لنا : كونوا رجعيِّين حقيقين ، " عليكم بالأمر العتيق " ؛ يعني تمسَّكوا بما كان عليه الرسول ولا زيادة ، " اتَّبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كُفِيتُم " ، شو معنى كُفِيتُم ؟ الله قال : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) ؛ يعني أغناكم عن الابتداع في الدين ؛ لأنه أعطاكم دين كامل ، " اتَّبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كُفِيتُم ، عليكم بالأمر العتيق " .
هذا ابن مسعود الذي قال هذه القولة وتكلَّم بهذه الكلمة اسمعوا هذه القصة التي وقعت له في زمانه ، كان لفضله وعلمه يُؤتى إلى داره ، كان الناس كل يوم صباحًا يأتون إلى داره ينتظرون خروجه ليصحبوه إلى المسجد لعلَّهم يكتسبون منه فائدة ، جاء ذات صباح أبو موسى الأشعري ، فوجد الناس ينتظرونه ؛ أي : ينتظرون ابن مسعود ، فقال : أَخَرَجَ أبو عبد الرحمن ؟ - أبو عبد الرحمن كنية عبد الله بن مسعود - . قالوا : لا . فجلس حتى خرج ، قال أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ، لقد رأيت في المسجد آنفًا شيئًا أنكرته ، والحمد لله ، ولم أَرَ إلا خيرًا . لاحظوا هنا النكتة ، الشيء اللي أنكرته : والحمد لله لم أَرَ إلا خيرًا .
كيف لم يَرَ إلا خير ومع ذلك أنكره ؟ شيء عجيب !
قال له : ماذا رأيت ؟ قال : إن عشتَ فستراه ، رأيتُ في المسجد أناسًا حِلقًا حِلقًا ، وفي وسط كل حلقة منها رجل يقول لِمَن حوله : سبِّحوا كذا ، احمدوا كذا ، كبِّروا كذا . وأمام كل رجل منهم حصى يعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد ، قال ابن مسعود : أَفَلَا أنكرتَ عليهم ؟ أَفَلَا أمَرْتَهم أن يعدُّوا سيئاتهم وضمنْتَ لهم ألَّا يضيع من حسناتهم شيء ؟ قال : لا ، انتظار أمرك أو انتظار رأيك . فرجع ابن مسعود إلى الدار وخرج متلثِّما لا يظهر منه إلا عيناه ، ثم انطلق إلى المسجد ، فوقف على الحلقات ، فرأى ما وَصَفَ له أبو موسى ، فأزاح اللِّثام عن وجهه ، وقال : ويحكَم ، ما هذا الذي تصنعون ؟ أنا عبد الله بن مسعود صحابيُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، حصى نعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد . قال : عدُّوا سيئاتكم وأنا الضَّامن لكم أن لا يضيعَ من حسناتكم شيء ، ويحكم ما أسرع هَلَكَتَكم ! هذه ثيابه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم تبلَ ، وهذه آنيته لم تُكسَر ، والذي نفسي بيده أئنَّكم لَأهدى من أمة محمد أو إنكم متمسِّكون بذنَبِ ضلالة .
شو معنى هذا الكلام ؟ يقول ابن مسعود : ما أسرع هلاككم ! العهد بالرسول قريب ، ما مضى عليه مئة سنة ولا مئتين سنة ، هذه ثيابه كما هي لم تبلَ ، وهذه آنيته كما هي لم تُكسَرْ ؛ ما آن لكم أن تضلُّوا يمينًا ويسارًا ، وأن تُحْدِثوا هذه البدع . والذي نفسي بيده أئنَّكم لأهدى من أمة محمد يعني أصحاب محمد الذين هو منهم ، واحدة من ثنتين ؛ يا أنتم أهدى من صحابة الرسول - عليه السلام - الذين أنا منهم واحد منهم ، أو الأخرى أو إنكم متمسِّكون بذَنَب ضلالة .
ما قال لهن : متمسِّكون بضلالة ، وإنما بذَنَب ضلالة تبكيتًا لهم فيما أحدثوا في دين الله - عز وجل - وأدخلوا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قالوا وهذا لسان في اعتقادي ، وهذا لسان كلِّ الذين ابتُلُوا باتباع بعض الطرق وبعض المشايخ المبتدعين ، فجلُّ هؤلاء الأتباع نفوسهم صافية ، نواياهم طيِّبة يظنُّون أن هؤلاء يدلُّونهم على الخير ، ويدلُّونهم على السنة ، لكنهم يضلُّونهم ، فقالوا لما ابن مسعود بكَّتهم بذلك الكلام عادوا إلى رؤوسهم ، فقالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، ما أردنا إلا الخير . صحيح ما أرادوا إلا الخير ، فأجابهم بالحكمة البالغة قال : " وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! " ، " وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! إن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم حدَّثنا إن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يُجاوز حناجِرهم - يعني لا يصل الإيمان إلى قلوبهم - يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرميَّة . يقول ابن مسعود - رضي الله عنه وأرضاه - مبيِّنًا لهؤلاء الناس الذين ابتدعوا في دين الله أن الأمر ليس بالمقصد الحَسَن فقط ، ومِن هنا يخطئ كثير من الناس بيقول لك : " اتركه ، نيته طيبة " ، يأتي إلى الميت يناديه من دون الله بيجي الشَّيخ الضال لما بيسمع الشَّيخ عم يهديه بيقول له : " اتركه يا سيدي ، نيته طيبة " ، اسأله يعتقد أنُّو هذا الميت بينفع ويضرّ ؟ يا سيدنا هذا عم يشرك ، عم يقول : يا " باز " أغِثْني ، يا ستي زينب عافيني ، أو إلى آخره ، هذا ضلال .
فهنا ابن مسعود يُلفت النظر إلى هذه الحقيقة ، وهي لا يكفي أنُّو يكون قصد الإنسان حسن ، يجب أن يكون مقرونًا مع القصد الحَسَن العمل الحَسَن ، الرسول - عليه السلام - بيقول : " لا تجلسوا على القبور ولا تصلُّوا إليها " ، لو رأيت رجلًا جالسًا على قبر أيِّ قبر ، قبر مسلم ، مسلم عادي بتقول له : لا تجلس على القبر ، يا أخي الرسول نهى عن هذا ، بيقول لك : والله يا أخي أنا رجال تعبان ، أنا ما لي قاصد إهانة المسلم الميت المدفون في هذا القبر ، أنا تعبان ؛ هل يُسمع منه هذا الكلام ؟ لا ، لأنُّو الرسول يقول : لا تجلسوا على القبور ، فأنت دبِّر حالك مو على حساب الميت تريِّح حالك ، اترك لا تجلس ، فيجب أن يكون العمل حسنًا - أيضًا - مشروعًا مثل النية الحسنة .
تمام الحديث : ( لا تجلسوا على القبور ولا تصلُّوا إليها ) ، فإذا رأيت إنسان يصلِّي إلى قبر فانْهَهُ ، فإذا قال لك : يا سيدي ، أنا نيتي طيبة ، أنا ما لي قاصد الميت ، أنا قاصد رب العالمين ، بس مو أقصد التبرُّك به ، هو وقع في الشيء اللي فرَّ منه ولا يحسُّ ولا يشعر المسكين ، لكن هات بقى قنِّعه أنُّو نيته سيئة !! نيتك طيبة وقلبك صافي ، لكن عملك سيِّئ لأنك خالفت الرسول ، الرسول - عليه السلام - عم يقول لك : لا تصلِّ إلى القبر ، فأنت عم تصلي للقبر ، فحسِّن عملك مثل ما أنت بتزعم أنك محسِّن إيش ؟ نيتك .
هكذا ابن مسعود يقول لهؤلاء الذين قالوا : ما أردنا إلا الخير ؛ فكان الجواب : " وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! " . واحد بدو يحج ، بدل ما يطلع بالطائرة ليسافر إلى جدة ، ومنها هو بيركب بالسيارة بيروح لمكة ، بيطلع بالطائرة اللي بتاخذه لباريس أو لندن ، إيش الفائدة ؟ هذا ما راح يحج ؛ لأنُّو الحج من هنا وهو بيروح هديك الناحية ، فهو سلك الطريق اللي ما بيوصِّله إلى مرضاة الله - عز وجل - ؛ كم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! لماذا لا يُصيبه ؟ لأنه ما سَلَكَ الطريق الذي يوصله إلى هذا الخير ، فالطريق الموصل للخير في هذه الدنيا ما هو ؟ هل هناك طرق ولا طريق ؟
سائل آخر : طريق واحد .
الشيخ : طريق ، قال - تعالى - في القرآن الكريم : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ )) .
السُّبل جمع سبيل ، سبيل معنى طريق ، معنى الآية بصراحة : لا تتَّبعوا الطرق ، والمسلمين اليوم يتَّبعون الطرق ، والطريق الوحيد الفريد الذي أُمِرنا به بنصِّ القرآن باتباعه تاركينه جانبًا ، عكس الآية تمامًا : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) ، هذا ما أصاب الجماعة الذين أنكر عليهم ابن مسعود ، قال لهم : " وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! " ؛ يعني أنتم سلكتم الطريق الذي لا يوصلكم إلى الخير ، وتركتم الطريق الذي يوصلكم إلى الخير ؛ ألا وهو طريق محمد - عليه الصلاة والسلام - . وليس هناك أبدًا في الدنيا طريق موصل للخير مرضي لله - عز وجل - إلا طريق الرسول - عليه السلام - فقط لا غير ، فقط لا غير ، وهذا القرآن كله ممتلئ بمثل هذه النصوص الكريمة .
ثم استدل ابن مسعود على ذلك ، قال أن الرسول - عليه السلام - حدَّثنا إن أقوامًا من المسلمين يقرؤون القرآن ؛ يعني بألسنتهم ، ولكن لا يدخل هذا القرآن إلى قلوبهم ، ( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) ، يومئذٍ لم يكن عندنا بندقية ورصاص ونحو ذلك ، إنما كان عندهم الحِراب والسهام ونحو ذلك ، فكان أحدهم يصطاد الحمار الوحشي - مثلًا - بالسهم ، فإذا كان قويَّ العضل وماهر في الرمي أصاب الدابة فدخلت من هنا ، خرجت من هنا ، من قوة الضرب ، تشبيه بليغ جدًّا أن هناك ناس مسلمين يقرؤون القرآن بألسنتهم ، لكن لم تتأثَّر بها قلوبهم كما هو شأننا الآن في هذا المثال البسيط : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي )) الواحد ، (( مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) ، وين هدول المسلمين اللي عم نقرأ عليهم القرآن ؟ عم يقرؤوا بألسنتهم ولم يدخل هذا الذي يقرؤونه إلى قلوبهم ؛ بدليل أن الطرق لا يُمكن حصرها ، بل كثير من الطرقيِّين يصرِّحون بدون أيِّ حرج ؛ يقول قائلهم : الطرق الموصلة إلى الله بعدد إيه يا شيخ ؟ الطرق الموصلة إلى الله بعدد ؟ أنفاس الخلائق ، مش كدا ؟ الله يقول : الطريق الموصل هو طريق واحد ، وهم يقولون : بعدد أنفاس الخلائق !!
العبرة في نهاية هذه القصة .
السائل : معناته تنكرون على مَن لا يتَّبع طريقهم ؟
الشيخ : إي نعم .
العبرة في نهاية هذه القصة بعدما روى ابن مسعود هذا الحديث : ( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) ، الرجل اللي تابع الحادثة يقول : فلقد رأينا أولئك الأقوام يقاتلوننا يوم النهروان . الله أكبر !! أصحاب الحلقات اللي كانوا يبسبسوا ويطقطقوا بالحصباء أصبحوا خوارج ضد علي !! وقاتلوا علي ، فقاتلهم علي ، وقاتَلَهم واستأصلَ شأفتهم ، شايف ؟ ومن هنا يقول العلماء : " إن البدعة الصغيرة تؤدِّي إلى البدعة الكبيرة " ، هدول بدؤوا يجتمعوا اجتماعات لم تكن معروفة في عهد الرسول - عليه السلام - ، وبدأ أحدهم يتريَّس على الجماعة البسطاء الطَّيِّبي القلوب ، بيقول لهم : سبِّحوا خمسين ، مين قال لهم : سبِّحوا خمسين ؟ أنت نبيٌّ يُوحى إليك من السماء ؟ هيك طلع منه ، وبعد شوي بيطلع منه خمس وسبعين ، وعلى هالمساكين هدول يتَّبعوه ؛ لأنُّو شيخهم ، هذا عبارة عن تريُّس بالباطل على هؤلاء المسلمين الطَّيِّبين المساكين ، هدول هالجماعة برئيسهم صاروا خوارج ضد علي ، فقتلهم علي ؛ لأنهم خرجوا على الإسلام ، فالبدعة الصغيرة أوصَلَتْهم إلى البدعة الكبيرة .
هذا قصة وقعت لِمَن قال تلك الكلمة السابقة : " اتَّبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كُفِيتُم ، عليكم بالأمر العتيق " .
دعونا بقى الطرق دعونا الطقطقة بالمسبحة بالحصى بما شابه ذلك ، لأنُّو كل هذا لم يكن من عهد الرسول - عليه السلام - ، وما أظن أحد منكم راح يفهم مني أنُّو لا تذْكروا الله ولا تسبِّحوا الله ؛ لا ، إنما نعني اذكروا الله كما جاء في كتاب الله ، وسبِّحوا الله كما بيَّن رسول الله ؛ ألا يكفي أن الله قال : (( اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا )) ؟! ألا يكفي أن الرسول - عليه السلام - قال : ( مَن قال في يوم مئة مرة : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ؛ غُفِرَت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ) ، أحاديث كثيرة من هذا النوع والحمد لله ؛ فعلينا نحن نطبِّقها ، وبلاش مشيخة ونحط حالنا كأننا نبي معصوم !! نقول لهم : سبِّحوا ، اقرؤوا ، صلوا على الرسول - عليه السلام - بأم الأربع والأربعين ، أربعة آلاف وأربع مئة وأربع وأربعين مرة ، منين هادا الوحي جاء ؟ ما بتعرف الصلاة أربعة آلاف وأربع مئة وأربع وأربعين .
سائل آخر : ... .
الشيخ : الحمد لله .
هذا عدد لو نزل وحي السماء يمكن كثير من الناس ما بيعملوا فيه ، ما بيدخل في عقلهم ، لكن لما جاءهم من بعض الطرق خضعوا وسلَّموا تسليمًا .
الله أكبر !! هذا من آثار الابتداع في الدين ، الصلاة هاللي لما نزل قوله - تعالى - : (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) قالوا : يا رسول الله ، كيف الصلاة عليك ؟ قال : ( قولوا : اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ) ، الصلوات اللي بيعرفوها الأطفال الصغار يُصلَّى بها في التشهد الأخير .
هذه أفضل صلاة تفسير لقوله : ( صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا ) ، ما عجبت جماعة المسلمين ، فكل طريق له صيغة صلاة تختلف عن الصيغة الأخرى ، إيش معنى هذا ؟ معناه أنُّو يا رسول الله أنت جئتنا بصلاة هذه خاصة ببعض المساكين الدراويش ، أما من الجماعات اللي بيقولوا : حدَّثني قلبي عن ربي ، هدول بحاجة إلى صيغة أخرى غير هذه الصيغ ، لا والله مو هيك ، لَكان شو هو ؟ مو هيك ، مو بهالتأويل ، لَكان شو التأويل ؟ هَيْ الصيغة موجودة في " صحيح البخاري " و " صحيح مسلم " ، ليش لما بتذكروا تصلوا على الرسول - عليه السلام - ما بتقولوا : ( اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ) كما علَّمنا الرسول - عليه السلام - ؟ وإنما : " اللهم صلِّ على محمد الفاتح لِمَا أُغلِق ، الخاتم لِمَا سبق " إلى آخره ؟ قد يكون الكلام من حيث المعنى جميل في بعض الأحيان ، لكن أليس هذاك الذي جاء به الرسول أجمل وأكمل وأفصح و و إلى آخره ؟ مع ذلك فيأتي أحيانًا كثيرًا من الصلاة فيه الكفر بعينه والناس لا ينتبهون ؛ " الذي هو عينُك لا غيرك " في بعض الأذكار .
السائل : " الشاذلية " .
الشيخ : نعم .
السائل : " الشاذلية " .
الشيخ : لا ، " التيجانية " هذه أظن .
" الذي هو عينك لا غيرك ، صلِّ على محمد الذي هو عينك يا الله وليس غيرك " ، هذا هو الكفر بعينه ، لكن الناس ما بيعرفوا ، الناس العامة ما بينتبهوا ، شو ... لهؤلاء الناس ؟ لِكْ ارجعوا للسنة اخلصوا من المشاكل ، مو كل إنسان بنقدر نعمل له هالمحاضرة هَيْ كل ساعة كل دقيقة ، فالعصمة كما قال - عليه السلام - : ( تركت فيكم أمرين لن تضلُّوا ما إن تمسَّكتم بهما ؛ كتاب الله وسنَّتي ) ، اذكر الله صلِّ على الرسول ، بس اسأل الشَّيخ قل له : دلَّني على السنة ، بدي أصلي على الرسول بس على ما صلى عليه الرسول نفسه والصحابة وإلى آخره .
فهذه القصة - كما سمعتم - فيها عبرة ، انقلبوا إلى خوارج بسبب إيش ؟ إعراضهم عن السنة .
كمان عندنا أقوال أخرى عن الصحابة كيف أنهم فهموا حديث : ( كل بدعة ضلالة ) على عمومه ، مش أنا فهمته ؛ ابن عمر السابق الذكر يكون في مجلس كهذا ، فعَطَسَ رجل في المجلس وقال : الحمد لله والصلاة على رسول الله . قال ابن عمر متلطِّفًا رقيقًا جدًّا قال له : " وأنا أقول معك : الحمد لله والصلاة على رسول الله ، ولكن ما هكذا علَّمنا رسول الله " ؛ أنا بأصلي معك على الرسول - عليه السلام - ، لكن مو هيك علَّمنا الرسول - عليه السلام - ، لكان شو علَّمنا ؟ قول : " الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله على كل حال " .
ماذا فعل ابن عمر هنا ؟ ابن عمر فعل هنا كما يفعل بعض إخواننا من أهل السنة حينما يسمعون المؤذِّن بعدما بينتهي من الأذان : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ؛ بيستأنف " كوانة " أطول من الأذان ، بيبدأ بيصلي على الرسول في زعمه هو ، فهذا السني بيعرف أنه هَيْ الزيادة ليست من الأذان ، لكن ما عنده أسلوب ابن عمر ، أسلوب ابن عمر ما شفتوا شلون دخل معه ؟ قال له أنا : مثل حكايتك ، أنت شو قلت ؟ الحمد لله والصلاة على رسول الله ، أنا بأقول مثل حكايتك : الحمد لله والصلاة على رسول الله ، لكن كثير من إخواننا ما عندهم الأسلوب هذا ، فهذا أوَّلًا هبة ، ويحتاج إلى علم ، فبيسمع أحد إخواننا المؤذِّن هذا بيزيد على الأذان " كوانات ، كليشات " قديمة جدًّا ، بيقول له : زيد لا تصلي على الرسول ، هداك بينزل بيحكي عنه أنُّو هذا أنكر الصلاة على الرسول ، وبيقعوا بقى في فتنة لا نهاية لها ، والحقيقة أنُّو هذا السني لو أنكر الصلاة على الرسول كفر ؛ لأنُّو الصلاة على الرسول مذكورة في القرآن كما سمعتم .
لكن هو ما عارف يحكي له ، ما عارف يبيِّن له ، يقول له : يا أخي ، الصلاة على الرسول جاء ذكرُها في القرآن ، جاء الحضُّ عليها في حديث الرسول - عليه السلام - ، لكن مو هيك أذَّن بلال ، الرسول علَّم بلال يؤذِّن ، مو هيك علَّمه ، ما في هالأسلوب ؛ تقع هذه المشاكل وهذه الفتن ، فعلَّمنا .
السائل : اللي بيقولوا عنه وهابي ، ما بيصلي على النبي هادا .
الشيخ : هذا هو المشكلة .
فالشاهد ابن عمر علَّمنا هذا الأسلوب ؛ أنُّو أنا بأقول مثلك : الحمد لله والصلاة على رسول الله ، لكن ما هكذا علَّمنا رسول الله ، فماذا أخطأ هذا الرجل الذي عطس وصلى ؟ جماهير الذين يقولون : في بدعة حسنة ، ما بيحسُّوا أنُّو هذا أخطأ ، شو أخطأ ؟ صلى على الرسول ، الصلاة على الرسول خطأ ؟ أعوذ بالله !! لكن الذين يقولون : ( كل بدعة ضلالة ) مثل ابن عمر ونحن تَبَع له ؛ يقولوا : أخطأ ، شو وجه الخطأ ؟ وجه الخطأ أنه وضع العبادة في غير محلِّها .
هلق لو رجل جلس في التشهد وعقله زيَّن له الفلسفة الآتية ، يا ترى الفاتحة أفضل ولَّا التحيات لله والصلوات والطيبات أفضل ؟ في حدا بيقول : التحيات أفضل من الحمد ؟ لا ، بباعث هالدعوة الصحيحة طلعت معه الفلسفة الآتية ؛ ما دام الفاتحة أفضل من التحيات لله فأنا ليش بأقرأ التحيات في التشهد ؟ خليني أقرأ الفاتحة ، في حدا من المسلمين حتى اللي بيقولوا : في بالإسلام بدعة حسنة ؛ بيقول : هذا أصاب ؟ لا أحد يقولها ؛ ليه ؟ لأنُّو الفاتحة الشارع وضَعَها في القيام ، والتشهد وضعها في القعود ، فلما بيجي إنسان بيتفلسف وبيقلب الحقائق الشرعية فهو بيحدث شيء جديد ، فيأتي الحديث ليقول له : ( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) .
إنسان يأتي إلى التشهد كما جاءنا عن الرسول - عليه السلام - ، فبيدخِّل هو جمل من عنده ، مثلًا تشهُّد ابن مسعود : ( التحيات لله والصلوات والطيبات ) إلى آخره ، هو شو بيقول ؟ التحيات لله - سبحانه وتعالى - ، كَفَر شي هذا الإنسان ؟ ما كفر ، ذمَّ رب العالمين وطعن فيه ولَّا إيه مجَّده ؟ مجَّده ، لكن أحسن أم أساء ؟ أساء ؛ ليه ؟ لأنُّو زاد شيء ما جاء به الرسول اللي قال : قولوا إذا جلس أحدكم في التشهد فليقل : التحيات لله إلى آخره ، التحيات لله - سبحانه وتعالى - ، والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله - عز وجل - وبركاته ، كمان شو ساوى ؟ زوَّد . أساء أم أحسن ؟ أساء ، مع أنُّو ما جاء إلا بتعظيم لله - عز وجل - ، هذا الكلام هلق لو حكينا مع الذين يقولون : في بالإسلام بدعة حسنة ؟ بيقول لك : لا ، هي مو مزبوطة ؛ ليه ؟ زيادة . طيب ، نمشي لنشوف لنهاية المطاف ؛ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله - عز وجل - ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - سبحانه وتعالى - ، هذا كله ما بيجوز الزيادات هَيْ .
طيب ، اللهم صلِّ على سيدنا محمد جاز ؟ جاز . ليش ؟ سيدنا محمد سيدنا . طيب ، وربنا - عز وجل - مو - عز وجل - ؟ ليش هَيْ ما قبلتوها وهَيْ قبلتوها ؟ ما في فرق أبدًا ، اللهم صلِّ على سيدنا اعتَدْناها ، وصارت جزء من ديننا ومن حياتنا ، أما هالتعظيم لربِّ العالمين في التحيات ما اعتدناها ، والإنسان بينكر أول ما بيسمع حتى السنة أول ما بيسمعها بينكرها ، فلما بيسمع التحيات لله - سبحانه وتعالى - إلى آخر هالتصوير أو الصورة اللي قدَّمناها بينكرها ؛ لأنُّو ما اعتاد عليها ، فإذا جئت أنت بسنة ما اعتاد عليها بينكرها أيضًا ؛ فما الفرق الآن بين الزيادة في التشهد وبين الزيادة في الصلوات الإبراهيمية ؟ كله من باب واحد ، كله من باب قول عمر : وأنا أقول معك : والصلاة على رسول الله ، وأنا أقول معكم : هاللي بتقولوا بالتشهد - الله يحفظكم - : اللهم صلِّ على سيدنا محمد ؛ أنا أقول معكم : اللهم صلِّ على سيدنا محمد ، لكن ما هكذا علَّمنا سيدنا محمد ، وهو كما قال : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) ، ( آدم فَمَن دونه تحت لوائي يوم القيامة ) .
فابن عمر إذًا جاءنا بهذا النموذج من الإنكار الذي يدل على تفصيل قوله السابق : " كل بدعة ضلالة ، وإن رآها الناس حسنة " ، هذا الرجل قال : ما فيها شيء ، الصلاة على الرسول خير ، وجاء في القرآن فأنكَرَها ابن عمر عليه .
نأتي إلى مثال آخر عن سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشَّرين بالجنة ، روى الإمام أحمد في " مسنده " أن سعدًا سمع رجلًا يلبِّي في الحج يقول : ( لبيك ذا المعارج ) ، كمان الثاني كلهم خرجوا من مدرسة الرسول - عليه السلام - المؤمنين .
... فأكتفي برواية عن الإمام مالك ، الإمام مالك إمام دار الهجرة : " مَن ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة ؛ فقد زَعَمَ أن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - خانَ الرسالة ، اقرؤوا قولَ الله - تبارك وتعالى - : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) ؛ فما لم يكن يومئذ دينًا لا يكون اليوم دينًا ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلُح به أولها " . انظروا إلى كلمة مالك هذه ما أعظم شأنها ! هو يقول : مَن ابتدع بدعة واحدة في الإسلام ؛ فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة ؛ ليه ؟ لأنُّو في رسالته يقول عن ربِّ العالمين : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )) ، فإذا كانت هذه البدعة الحسنة ليش كَتَمَها الرسول - عليه السلام - ؟ إذًا هذا معناه أن الرسول خائن ، ومن قال هذا فهو كافر .
إذًا الرسول أدَّى الرسالة وبلَّغ الأمانة ، فالذي يقول : هذه بدعة حسنة ؛ هو الذي خان الرسالة ولم يبلِّغ الأمانة وكفر بالإسلام ، واحدة من ثنتين ، يا الرسول خان وهذا كفر ، ولا يقول به مسلم ، أو أنت اللي عم تقول : هذه بدعة حسنة ، هنا الخيانة ؛ لأنُّو هذا ضد الإسلام .
ثم يقول : " فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا " ؛ يعني كل عبادة -- ... -- ترجع كلمة الإمام مالك إلى كلمة حذيفة بن اليمان السابقة : " كل عبادة لم يتعبَّدها أصحاب رسول الله فلا تعبَّدوها " ، مالك يقول : " فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا " ، يلتقي قول مالك مع قول حذيفة ؛ ليه ؟ لأنُّو كلٌّ يأخذون من مشكاة واحدة ، السلف الصحابة التابعون يأخذون عمَّن قبلهم ، وأتباع التابعين يأخذون عمَّن قبلهم ، وهكذا ، لكن الخلف بقى تركوا السلف ووقع الانحراف في الضلال ، " فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا " .
في أصرح مِن هذا أنُّو ما في بدعة حسنة في الإسلام ؟ " مَن ابتدع في الإسلام بدعةً حسنة يراها حسنة ؛ فقد زعم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - خان الرسالة ، اقرؤوا قول الله - عز وجل - : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) ، فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلُح به أولها " ، فإن أرَدْنا صلاح الأمة اليوم فالطريق أن نعود إلى ما كان عليه سلفنا الصالح ، هذا من تمام كلام الإمام مالك .
فبعض هذه النصوص كما ترون تؤكِّد أن البدعة في الإسلام في الدين ضلالة مهما كان شأنها ، لكنَّ الذين يذهبون إلى أنَّ في الإسلام بدعة حسنة لهم بعض الشبهات ، فلا يتمُّ هذا البحث ولا يتركَّز خلاصته في ذهن السامعين إلا بأن يسمعوا جواب عن تلك الشبهات التي يركَن إليها المخالفون لهذه النصوص الصريحة بأن كل بدعة ضلالة ، فمن تلك الشبهات حديث صحيح مشهور ، وهو : ( مَن سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر مَن عَمِلَ بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقصَ من أجورهم شيء ، ومَن سنَّ في الإسلام سنة سيِّئة فعليه وزرها ، ووزر مَن عَمِلَ بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقص من أوزارهم شيء ) ، هؤلاء يفهمون هذا الحديث ويفسِّرونه بقولهم : ( مَن سنَّ في الإسلام سنة حسنة ) أي : مَن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، والشطر الثاني ( مَن سنَّ في الإسلام سنَّة سيِّئة ) ؛ مَن ابتدع في الإسلام بدعة سيئة .
هذا التفسير نحن نراه خطأ فاحشًا ، وعندنا الدليل على ذلك من ناحيتين :
الناحية الأولى : أن نستحضر لكم المناسبة التي قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - هذا الحديث ، ثم انظروا هل يتَّفق هذا المعنى الذي فسروا به الحديث مع تلك المناسبة ؟ فسترون التباين الكلي بين هذا المعنى المزعوم وبين المناسبة الآتية ؛ روى الإمام مسلم في " صحيحه " من رواية جرير بن عبد الله البَجَلي - رضي الله عنه - قال : كنا جلوسًا عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فجاء أعرابٌ مجتابي النمار ، متقلِّدي السيوف ، عامَّتهم من مضر ، بل كلهم من مضر ، فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تمعَّرَ وجهه - يعني تغيَّرت ملامح وجهه أسفًا وحزنًا على فاقتهم وفقرهم - ، فوقف في الصحابة خطيبًا ، وقال : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ )) ، ثم قال - عليه السلام - : ( تصدَّق - أي : ليتصدَّق - رجل بدرهمه ، بديناره ، بصاع برِّه ، بصاع شعيره ) ، ووَعَظَهم الرسول - عليه السلام - ، وحضَّهم على أن يحسنوا إلى هؤلاء الفقراء ، فقام رجل من الصحابة وانطلق إلى داره ، ثم رجع يحمل في طرف ثوبه ما تيسر له من طعام تمر قمح شعير اللي هو ، أو دراهم وضَعَها أمام الرسول - عليه السلام - ، فتنبَّهَ الصحابة الآخرون وقام كلٌّ منهم ليعود ويحمل - أيضًا - ما تيسر له من طعام من دراهم ، ووضَعَها أمام الرسول - عليه السلام - ، وضعوها أمام الرسول - عليه السلام - ، فاجتمع بين يديه كأكوام الجبال صغيرة من طعام ودراهم ، فلما رأى ذلك - عليه الصلاة والسلام - تهلَّلَ وجهه كأنه مُذهبة .
أي : الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ظهرت آثار الفرح والسرور على وجهه حتى صار وجهه كأنه مُذهبة ؛ أي : كالفضة البيضاء المطليَّة بالذهب ، هكذا ، فرحًا باستجابة أصحابه له ، غير ناسٍ أن الفضل بعده يعود إلى الرجل الأول الذي جاء بالصدقة الأولى فاتَّبعه أصحابه ، فقال - عليه الصلاة والسلام - بهذه المناسبة : ( مَن سَنَّ في الإسلام سنة حسنة ) ، أين البدعة هنا ؟ وهم يفسِّرون الحديث بما سمعتم : مَن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، ليس هناك بدعة ؛ فهذا يؤكد لكم أن هذا التفسير من أفحش الأخطاء التي تصدر من بعض الناس .
ليس في هذه الحادثة كما سمعتم ما يمكن أن يسمَّى بدعة ؛ لأن الصدقة تأتي بالكتاب ، وفي تلك اللحظة قال لهم : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ )) ، قال الله - تبارك وتعالى - .
السائل : ... .
الشيخ : إي نعم .
فالصدقة ليست بدعة ؛ فإذًا كيف يقول الرسول بهذه المناسبة : ( مَن ابتدع ) وليس هناك بدعة ؟ هذا شيء عجيب .
الناحية الثانية من الرَّدِّ والجواب عن هذه الشبهة : نغضُّ النظر الآن عن هذه المناسبة التي توضِّح تمام التوضيح أن هذا التفسير خطأ ، لنناقشهم في نفس التفسير الذي زعموه ، أنتم تقولون أن معنى الحديث مَن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، ومَن ابتدع في الإسلام بدعة سيئة ، نسأل هؤلاء نقول لهم : ما هو الطريق أو بأيِّ وسيلة يُمكن معرفة كون البدعة حسنة أو كونها سيئة ؟ أَهُوَ بعقلي وبعقلك ، بعلمي بعلمك ، بفهمي بفهمك ، أم بالقرآن والسنة ؟
ما هو الشيء الحسن ؟ أليس هو الذي حسَّنه الله ؟ ما هو الشيء القبيح ؟ أليس هو الذي قبَّحه الله ؟ إذًا أنتم بتقولوا : معنى الحديث : مَن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ؛ إذًا كون هذه البدعة حسنة لا بد أن يكون هناك دليل في الكتاب أو في السنة يدلُّ على أنه حسنة ، أو على أنها سيِّئة ، لا يمكنهم أن يقولوا إلا هكذا ، كون هذه البدعة حسنة إنما يثبت ذلك بدليل الكتاب والسنة ، وكون تلك البدعة سيِّئة إنما يثبت ذلك بالكتاب والسنة .
فكلُّ بدعة هم يزعمون أنها حسنة نقول لهم : (( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) ، هاتوا الدليل من الكتاب والسنة أن هذه البدعة بدعة حسنة ، ونحن معكم على أنها بدعة حسنة ؛ لا لأنكم استحسنتموها ، وإنما لأنكم جئتم بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة على تحسينها .
وتلك الأخرى جئتم عليها بدليل من الكتاب و السنة على أنها سيِّئة ، وحينئذٍ يزول الخلاف ؛ لأن كل بدعة حسنة في زعمهم لا بد أن يكون دليل حُسنها في الكتاب والسنة ؛ فأين دليل حسن - مثلًا - الاحتفال بمولد الرسول - عليه السلام - مثلًا ؟ ما في دليل ، ما في آية ، ما في حديث ، ما في الصحابة فعلوا ، ما في التابعين فعلوا ، ما في أتباع التابعين ؛ إذًا ما قام الدليل الشرعي على حُسنِها حتى على تفسيركم فالحديث ليس حجَّة لكم ، ما دام كل سنة حسنة لا بد ليكون لها دليل من الكتاب والسنة .
أنا آتيكم الآن بمثال يوضِّح لكم هذا ، عمر بن الخطاب من الأشياء التي يعني تُسجَّل في مناقبه ومحاسنه - رضي الله عنه - أنه أخرج اليهود من خيبر ، أظن تعرفون جميعًا هذا ، طيب ، فإخراج عمر لليهود من خيبر أمر حادث لم يكن ؛ لأنُّو الرسول مات واليهود في خيبر ، ألستُم تعلمون هذا ؟ الرسول مات واليهود في خيبر ، مين أخرَجَهم ؟ عمر ؛ إذًا هذا أمر حادث ، تعال لنطبِّق الحديث هاللي فسَّروه بقولهم : من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، نسألهم : فِعْلة عمر هذه بدعة حسنة ولَّا سيئة ؟ باعتبار شيء جديد حدث ، فإن قالوا : بدعة حسنة ؛ نطالبهم بالدليل ، وإن قالوا : بدعة سيئة ؛ نطالبهم بالدليل من الكتاب والسنة .
الواقع نحن راح نقدِّم لهم الدليل أنُّو هذا الفعل اللي فعله عمر أنا ما أقول طبعًا بدعة حسنة ، لكن أجاريهم مجاراة ، أعتقد أنُّو هذا أمر مشروع ، وهو يمكن يسمُّونه بدعة حسنة ، من أين جاءت شرعية هذه الحادثة وهي حادثة بعد الرسول - عليه السلام - ؟ الدليل على ذلك حديثان :
الحديث الأول : أن الرسول - عليه السلام - لما فتح خيبر صالح اليهود على أن يبقوا فيها يزرعوها ، وعلى أن لهم النصف الشطر ، وللرسول - عليه السلام - الشطر ، معاملة مزارعة ، وقال لهم في الاتفاق الذي عَقَدَه بينه وبينهم ( على أن نقرَّكم فيها ما نشاء ) ؛ نقرُّكم في خيبر ما نشاء ، مش إلى الأبد ؛ ما نشاء ، فمات الرسول - عليه السلام - وهنّ في خيبر ، جاء أبو بكر من بعده ومات وهم في خيبر ، ثم بدا لعمر إخراجهم ، لماذا الرسول - عليه السلام - أقَرَّ اليهود في خيبر وهذا خلاف كل الفتوحات الإسلامية تقريبًا ؟ كان يضع المسلمين هناك ويحكمون في البلدة ، ويكون هنالك كالأسرى والعبيد ، لماذا عامل اليهود هذه المعاملة ؟ لأنهم كانوا صاحب خبرة في الزراعة ، ولم يكن في الصحابة بعد مَن تعلَّم الزراعة فتَرَكَهم ، فلما مع الزمن تعلَّم الصحابة المهاجرون والأنصار الزراعة ؛ طالعهم برَّاة خيبر وحلَّ محلَّهم المسلمون الذين صاروا يعرفون الزراعة .
السائل : ... سنة حسنة .
الشيخ : هذا الدليل الأول أنُّو الرسول قال : ( نُقِرُّكم فيها ما نشاء ) ؛ فأخرجهم عمر ، فإخراجه ليس بدعة عندنا ؛ لأنُّو البدعة ضلالة ، وهذا إنما نفَّذَ نصًّا نبويًّا ، ( نقرُّكم فيها ما نشاء ) .
النص الثاني : قال - عليه الصلاة والسلام - : ( أخرجوا اليهود من جزيرة العرب ) ؛ فإذًا هو نفَّذَ نصًّا نبويًّا ، هذا لا يسمَّى بدعة ؛ فإذًا ؟
نعم ؟
السائل : ... .
الشيخ : ... نعم .
فإذًا سيدنا عمر بن الخطاب نفَّذَ نصًّا نبويًّا ؛ فهذا لا يسمَّى بدعة ، إن سمَّيتموها أنتم بدعة حسنة فلأنُّو الدليل الشرعي قام في الحسن ؛ فيبقى الخلاف بقى بيننا وبينهم في اللفظ ، هنّ بيسموه بدعة حسنة ، نحن شو بنسميها ؟ سنة حسنة ، لكن المهم أصحك تستحسنوا البدعة بعقلكم ، المهم أن تأتوا بالدليل من الكتاب والسنة على أنُّو هذا الذي تسمُّونه ببدعة حسنة قام الدليل الشرعي على أنه حسنة فعلًا ، يبقى الخلاف في التسمية ، ولا مشاحة في الاصطلاح كما يقولون .
هكذا إذًا كلُّ مَن يدَّعي أنُّو هناك في الإسلام بدعة حسنة لا بد من أن يأتي بدليل من الشرع على أن هذه البدعة حسنة ؛ لا سيما وهناك اختلاف نَشَبَ قديمًا بين أهل السنة من جهة ، والمعتزلة من جهة أخرى ، فالمعتزلة يقولون : الحَسَن ما حسَّنَه العقل ، والقبيح ما قبَّحَه العقل ؛ يعني ما رآه العقل حسنًا فهو حسن ، وما رآه العقل قبيحًا فهو قبيح ، أهل السنة قالوا : لا ، العقل لا يستقلُّ بمعرفة كون هذا الشيء حسن وكون ذاك الشيء قبيح ، لكن العقل يستطيع أن يفهم حُسْنَ الشيء بعد أن يأتي الشرع بتحسينه ، ويستطيع أن يفهم قبح الشيء بعد أن يأتي الشرع بتقبيحه ، أما أن يستقلَّ العقل البشري بأن يحسِّن يقبِّح ؛ لا ، هذا موضع خلاف بين أهل السنة والمعتزلة قديم ، ولا شك أن الحق مع أهل السنة لا المعتزلة ، لكن جماعة آخر الزمان اليوم صاروا معتزلة ؛ ليه ؟ كل ما بتجي بدعة يقول لك : شو فيها ؟ يا أخي هَيْ بدعة حسنة ، فحكَّموا عقولهم ، ووقعوا ضد أئمة السنة الذين كانوا ضد المعتزلة ، وقعوا في التحسين والتقبيح العقلي ، هذا حَسَن ؛ ليه ؟ والله عقلي شايفه حسن ما فيها شيء ، وهذا عبارة يعني بيلهجوا فيها بأدنى مناسبة .
هذا من الشبهات التي يركنون إليها ، ( مَن سَنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) ، فعرفتم الجواب من وجهين : الجواب الأول : أن المناسبة تدل أنُّو ليس معنى الحديث : مَن ابتدع ، وإنما من افتتح طريقًا للخير ، والخير هناك هي الصدقة ، وهي مشروعة من قبل . والجواب رقم اثنين : أنُّو إذا فسرتم أنتم الحديث بما سبق فنحن نطالبكم في كل بدعة حسنة بدليلها ، فإن جئتم بالدليل مثل ما نحن أتينا بدليل سنة عمر هناك اللي أحياها ، فنحن معكم ؛ لأنُّو اتبعنا الدليل جميعًا ، وإن لم تأتوا بالدليل فمعناه أنتم صرتم مع المعتزلة الذين يحسِّنون بعقولهم .
ومن شبهاتهم حديث : " ما رآه المسلمون حَسَنًا فهو عند الله حَسَن " .
الجواب : هذا الحديث لا أصل له في شيء من كتب السنة إطلاقًا كحديث عن الرسول - عليه السلام - ، لكنه مِن قول ابن مسعود ؛ يعني حديث موقوف في اصطلاح المحدثين ، ثم لا يعني ما يعنيه هؤلاء المتأخِّرون مِن توسيع دائرة المسلمين في هنا ، ما رآه المسلمون ، لا يعني ابن مسعود كل المسلمين في كل زمان في كل مكان ، وإنما يعني نُخبة أفضل المسلمين بعد الرسول - عليه السلام - ، والدليل على هذا أن هذه الجملة من كلام ابن مسعود لها مناسبة مثل مناسبة حديث : ( مَن سنَّ في الإسلام سنة حسنة ) ، لما عرفنا مناسبة الحديث تجلَّى معنا خطأ التفسير السابق ، كذلك إذا عرفتم الآن مناسبة قول ابن مسعود : " ما رآه المسلمون حَسَنًا " سيتجلَّى لكم خطأ الاستدلال على استحسان البدعة في الدين .
لما توفِّيَ الرسول - عليه السلام - واجتمع أصحابه الكرام لاختيار خليفة له مِن بعده ، فاختاروا أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - كما هو معروف ، بهذه المناسبة بمناسبة اختيار أبا بكر قال ابن مسعود : " إن الله - تبارك وتعالى - بَعَثَ محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - رسولًا نبيًّا ، وجعل له وزراء وأنصارًا ؛ فما رآه المسلمون " ، وين رجع المسلمون ؟ للوزراء والأنصار ، " إن الله بَعَثَ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا رسولًا ، وجعل له وزراء وأنصارًا ؛ فما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حَسَن " ؛ بيعنينا نحنا ؟ بيعنينا ومن قبلنا ؟ بيعني التابعين ؟ لا ، بيعني الصحابة كلهم ؟ كمان لا ، وإنما يعني نخبة الصحابة هاللي كنى عنهم بقوله : " وزراء وأنصارًا " ، فما رآه هؤلاء الوزراء والأنصار حسنًا ؛ فهو عند الله حَسَن .
وهكذا الذين اختاروا أبا بكر الصديق خليفةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا من وزراء الرسول - عليه السلام - وأنصاره ، من المهاجرين والأنصار ، وهذا يلتقي أخيرًا مع قوله - عليه السلام - في الحديث الصحيح : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) . فاجتمع كبار صحابة الرسول - عليه السلام - على اختيار أبي بكر الصديق خليفة ، فشو علاقة هذه الكلمة مع قول ليست من حديث الرسول وإنه من كلام ابن مسعود قالها بمناسبة اختيار الصحابة الكبار لأبي بكر الصديق ؟ شو علاقتها كلُّ ما واحد ابتدع بدعة واستحسَنَها بعقله ؛ يا أخي قال رسول الله : " ما رآه المسلمون حَسَن فهو عند الله حَسَن " ؟ ما قال الرسول هذا الحديث أوَّلًا ، وإنما قال هذا ابن مسعود ، وما قالها بالمعنى الذي يريده هؤلاء ، وإنما المعنى ضيِّق جدًّا أراده هو وزراء الرسول وأنصاره ، (( وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ )) .
وأخيرًا : يحتجُّون بقول عمر بن الخطاب : " نعمت البدعة هذه " في صلاة التراويح .
عيد عباسي : بدي أسألك عنها .
الشيخ : فبتذْكروا ... كشف ، هَيْ نحن كشفناك هلق [ الجميع يضحك ! ] .
الله أكبر ! هذا فعلًا قالَه عمر ، ولكن بأيِّ معنى قاله ؟ هنا الموضوع ، جماهير القائلين بالبدعة الحسنة يفسِّرون كلمة عمر : " نعمت البدعة هذه " ؛ أي : أن عمر أحدث صلاة التراويح جماعة من عنده ، مثل ما أخرج اليهود من عنده ! يعني اليهود قطعًا ما أخرجهم اليهود ، ما ، عفوًا ما أخرجهم الرسول ، مين أخرجهم ؟ عمر ، صلاة التراويح في زعم هؤلاء المستدلين بقول عمر : " نعمت البدعة هذه " ما فعلها الرسول ، مين فعلها ؟ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، هكذا يقولون ، وهذا خطأ ، وهذا فيه اتِّهام لعمر بالجهل .
لتعلموا هذه الحقيقة نروي لكم حديث البخاري في " صحيحه " من رواية عبد الرحمن بن عبد القاري أنه خرج مع عمر بن الخطاب ليلةً إلى مسجد الرسول - عليه السلام - ، فرآهم يصلون قيام رمضان زرافاتٍ ووحدانًا ، فقال ؛ لو جمعناهم وراء إمام واحد ، ثم بدا له ذلك وعزم على ذلك ، في ثاني يوم أمَرَ أبيَّ بن كعب أن يصلي بهم إمامًا ، فخرج لأول مرة يرى المسلمين يصلون جماعة في صلاة التراويح وراء إمام واحد هو أبي بن كعب ، فقال : " نعمت البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل " .
تشبَّثَ بهذه الكلمة القائلون بالبدعة الحسنة ، تمسَّكوا بها لفظيًّا دون أن يُمعِنُوا النظر إلى ما قصد منها ، قالوا : هَيْ عمر بن الخطاب قال قبل كل شيء أنُّو : " نعمت البدعة هذه " ، وثاني شيء قالها في صلاة التراويح ، وهَيْ لم يفعلها الرسول - عليه السلام - ؛ وأقول بصراحة هنا حرمةً للسنة وتعظيمًا لعمر : كذبوا حين قالوا أنُّو عمر أحدث هذا ، كذبوا ، إنما سَنَّ ذلك الرسول ، وعمر أحيا ذلك ؛ فإنكم تعلمون الحديث الذي في " صحيح البخاري " من حديث السيدة عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ في العشر الأخير من رمضان ، فصلى في المسجد ، فرآه بعض الصحابة فاقتدوا خلفَه ، ثاني يوم انتشر خبر صلاة الرسول في الليلة السابقة ، فلما خرج الرسول في الليلة الثانية اللاحقة كثُرَ المصلون خلفه ، في الليلة الثالثة امتلأ المسجد ، في الليلة الرابعة اجتمعوا كما كانوا سابقًا في الليلة الثالثة ، وانتظروا وانتظروا وانتظروا حتى مَلَّ بعضهم ، فأخذوا حصباء من المسجد ويحصبون باب بيت الرسول - عليه السلام - بظنِّ أن الرسول نايم ، مسيطر عليه النوم ، لكن الرسول كان يقظان ، وكان عن عمد متأخرًا عن الخروج ، وفتح الباب وخرج عليهم مُغْضبًا قائلًا : ( إنه لم يخفَ عليَّ مكانكم هذا ، إني عمدًا صنعتُ أو تركتُ ، إني خشيتُ أن تُكتَبَ عليكم ) .
السائل : تُفرض .
الشيخ : معنى تُكتب أي : تُفرض ؛ ( فصلوا أيها الناس في بيوتكم ؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) ، ثم مات - عليه الصلاة والسلام - في ربيع الأول ولم يدرك رمضان الثاني ، فهنا أول شيء الرسول سَنَّ صلاة التراويح جماعة ، لكن ما تابع كما رأيتم خشية أن تُفرضَ عليهم ، وبوفاة الرسول - عليه السلام - تزول الخشية هذه ؛ لأنُّو بوفاته تمَّت الشريعة ، التراويح فرض ؟ لا مو فرض ؛ لأنُّو ما داوم الرسول - عليه السلام - عليها حتى يصير فرض ، فجاء عمر وأحيا هذه السنة بعد أن زالت الخشية التي مِن أجلها تَرَكَ الرسول - عليه السلام - المواظبة عليها .
السائل : ... .
الشيخ : والشيء الثاني ، أخِّر سؤالك ، والشيء الثاني : أن أبا داود روى في " سننه " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( مَن صلى صلاة العشاء في رمضان مع الإمام ، ثم قام معه ؛ كُتِب له قيام ليلة ) ، إذا صلى العشاء مع الجماعة ، وصلى قيام رمضان مع الجماعة كأنه قام الليل كله ، ففي هذا الحديث حضٌّ على صلاة التراويح جماعة ؛ فإذًا أين البدعة اللي ابتدعها سيدنا عمر ؟ ما ابتدع شيئًا ، بل الحقيقة هو أحيا سنة فَعَلَها الرسول وحضَّ عليها بقوله .
هنا يأتي سؤال طبيعي مثل ما استعجل صاحبنا الأخ هنا ، ليش أبو بكر ما أحياها ؟ نحن نقول : هنا جوابين ، الجواب الأول : الذي نعتقده أن أبا بكر الصديق كانت مدة خلافته قصيرة سنتين ونصف اللي بيعرف التاريخ ، سنتين ونصف ، وثانيًا كانت خلافته مع قِصر مدَّتها كانت مشغولة بانصرافه إلى محاربة أهل الرِّدَّة ويخشى على الإسلام أن يرجع القهقهرى بسبب الردة التي أُصِيبَ بها بعض المسلمين في الجزيرة العربية ؛ فكان هو مشغول بما هو أهم مِن أن يحيي سنة من السنن ، لو أجمع المسلمون على تَرَكَها ما تقوم قيام الساعة عليهم ؛ لأنُّو ما هو فرض عليهم ، فكيف قُدَّامه جيوش جرَّارة من المرتدين عن دينهم عم ينتشروا ينتشروا الأراضي في البلاد ؛ ولذلك هو وجَّه كل همَّته لصد اعتداء هؤلاء أو انتشار هؤلاء أهل الردة ؛ فهو لم يكن متفرِّغًا لمثل إحياء هذه السنة . هذا الشيء الأول .
الشيء الثاني : يا سيدي ما خطر في باله أبو بكر الصديق ، شو صار ؟ نحن بيهمنا نعرف أنُّو أخطأ عمر ولَّا أصاب ، أما ليش ؟ مثلًا الشَّيخ بيقوم في الليل والناس نيام ، أنا ما أقوم ؛ ليش ما أقوم ؟ وليش هو بيقوم ؟ الله هداه وفَّقه لِمَا لم يوفِّق الثاني ، لكن أنا ما لي آثم ؛ لأني ما تركت فريضة ، وهون ما هو ممكن ... لأنُّو عم يصلي قيام الليل هاللي شُرعت في كتاب الله وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فالمهم في بحثنا هنا مش نعرف ليش ما فعل أبو بكر ؛ لا ، نعرف الذي فَعَلَه عمر هل هو بدعة ولَّا سنة ، هذا هو بيت القصيد في الموضوع .
فإذا عرفنا ليش ما فعل أبو بكر ، فوالله زيادة علم ونور على نور ، وإن ما عرفنا ما نقص منَّا خطورة هالبحث هذا وقوته وأهميته شيء إطلاقًا ؛ لأنُّو نحن نريد أن نثبت أن نردَّ على هؤلاء الذين يتَّهمون عمر بن الخطاب بأنه ابتدع صلاة التراويح جماعة ، حاشاه أن يبتدع شيئًا في دين الله ، وإنما هو أحيا سنة من سنن رسول الله صلَّاها ثلاث ليالي بنفسه ، ثم حضَّ الناس على أن يصلوها مع الجماعة حين تزول الخشية ، فلما زالت الخشية بوفاة الرسول - عليه السلام - أحياها عمر بن الخطاب .
يأتي السؤال الأخير : لمَ قال : " نعمت البدعة هذه " ؟ لأنها كانت متروكة من قبل ، ما بين ترك الرسول لها وإحيائه إياها مضى زمن ما يعرفوها الناس هكذا جماعة وراء إمام واحد ؛ فهذه تُسمَّى بدعة لغوية مش بدعة شرعية ؛ لأنُّو إذا قلنا : هذه بدعة شرعية ، ردِّينا هالأحاديث الصحيحة لأنُّو الرسول صلَّاها والرسول حضَّ عليها ؛ فهذه ليست بدعة شرعية ، وإنما سمَّاها بدعة باعتبارها حدثت جديدًا بعد انقطاعها من بعد ترك الرسول - عليه السلام - إياها بعدما صلَّاها ثلاث أيام .
هذا ما يحضرني من شبهات القائلين بالبدعة الحسنة ، وأنتم ترون بوضوح أنه لا شيء في هذه الأدلة مما يجوز التمسُّك به لضرب تلك النصوص القاطعة ... والقائلة بأن كل بدعة في الإسلام ضلالة ، إنما هذه شبهات ، والجواب - والحمد لله - واضح ، ولعل في هذا المقدار كفاية .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 270
- توقيت الفهرسة : 00:00:03
- نسخة مدققة إملائيًّا