التحذير من البدع في الأذكار ، وبيان أنه ليس في الإسلام بدعة حسنة ، وذكر قصة ابن مسعود وردِّه على القوم الذين كانوا يذكرون الله في المسجد جماعات ومعهم حصى يعدُّون التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير .
A-
A=
A+
الشيخ : ( اذكر الله عند كلِّ حجرٍ وعند كلِّ شجرٍ ) ، لست مُكلَّفًا أن تتَّخذ هيئات وصفات واستعدادات ، ومن ذلك إعلان خاص كأنما يجتمع المسلمون لصلاة الاستسقاء أو لصلاة الكسوف ، هذه العبادات التي شَرَعَها الإسلام على لسان الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ثم - مع الأسف الشديد - أصبحت نسيًا منسيًّا ، ومن أسباب ذلك أن الناس أحلُّوا محلَّها وأقاموا مقامها عبادات اخترعوها هم بأنفسهم ، فهلَّا سمعتم أحدًا منهم أعلَنَ في بضع سنين صلاة استسقاء ، صلاة خسوف أو كسوف ؟ أبدًا ، أما الصلاة التي يستطيعها المسلم بينه وبين ربِّه في أيِّ وقت بدا أو تيسَّر له هذه تُعقد لها مجالس خاصة ؛ وذلك ليس من السنة في شيء .
وأنا حين أقول هذا أعرف أن ناسًا سينقمون ويستنكرون ، فنجابِهُهم سلفًا بسنة أصحاب الرسول - عليه السلام - وخُطَّتهم لإنكارهم لِمُحدثات الأمور ولو كانت هذه المحدثات حسنة في زعم الجمهور كما يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " كلُّ بدعة ضلالة ، وإن رآها الناس حسنة " ، نجابِهُهم بقصة ابن مسعود مع أصحاب مجالس الذكر المجالس الخاصَّة ؛ فقد جاء في " سنن الدارمي " بإسناد صحيح أن أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - أتى صباح يوم دارَ عبد الله بن مسعود ، فوجد طائفةً من الناس بانتظاره ، فقال لهم : أَخَرَجَ أبو عبد الرحمن - يعني ابن مسعود - ؟ قالوا : لا . فجلس ينتظره ، فلما خرج قال : يا أبا عبد الرحمن ، لقد دخلتُ المسجدَ آنفًا فرأيت فيه ناسًا حلقًا حلقًا ، وأمام كل رجل منهم حصى يعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد ، وفي وسط كلِّ حلقة رجل يقول لِمَن حوله : سبِّحوا كذا ، احمدوا كذا ، كبِّروا كذا . قال ابن مسعود : أَفَلَا أنكرتَ عليهم ؟ قال : لا ، انتظار أمرك أو انتظار رأيك . قال : أَفَلَا أمَرْتَهم أن يعدُّوا سيِّئاتهم وضمِنتَ لهم ألَّا يضيع من حسناتهم شيء ؟ ثم عاد إلى داره ، وخرج متلثِّمًا لا يُعرف حتى دخل المسجد ، ورأى ما وُصِف له من التحلُّق والذكر المعدود بعدد لم يُشرَعْ ، لما تبيَّن الأمر كشف عن وجهه اللثام ، وقال : ويحكم ! ما هذا الذي تصنعون ؟ أنا عبد الله بن مسعود صحابيُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالوا : والله - يا أبا عبد الرحمن - ، حصى نعدُّ به التسبيح والتكبير والحميد . قال : عدُّوا سيئاتكم وأنا الضَّامن لكم ألَّا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم ! ما أسرع هَلَكَتَكم ! هذه ثيابه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم تبلَ ، وهذه آنيته لم تُكسَرْ ، والذي نفس محمد بيده أئنَّكم لَأهدى من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أو إنكم متمسِّكون بذَنَبِ ضلالة . ما قال : متمسِّكون بضلالة فحسب ، وإنما بذَنَبِ ضلالة . قالوا : والله - يا أبا عبد الرحمن - ، ما أردنا إلا الخير .
وهذا جواب جماهير المبتدعة خاصَّة التابعين منهم ، أما المتبوعون فالغالب عليهم أنهم يعرفون وينحرفون لمآرب كثيرة الله أعلم بما في نفوسهم ، أما التابعون فجمهورهم يتَّبعون رؤساءهم في نوايا حسنة يصوِّرون لهم أنُّو هذا ذكر ، وأنه ذكر مشروع ، فيتَّبعونهم على ذلك تمامًا كما قال القوم لابن مسعود : والله ما أردنا إلا الخير . لكن الجواب القاطع للظهور قول ابن مسعود : " وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! " ؛ أي : لا يكفي أن يكون قصدُ أحدكم الخير ، وإنما يجب أن يقترن مع هذا القصد الخيِّر أن يكون الطريق - أيضًا - الذي يسلكه في طلب الخير خيرًا في نفسه ، ولا يكون كذلك أبدًا إلا إذا كان هو طريق الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ كما قال الله - عز وجل - في القرآن : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) .
فهذا الطريق إذا سَلَكَه القاصد للخير فهو في خير يقينًا ، أما إذا سلك طريقًا آخر وهو يقصد الخير فلن يصيب هذا الخير إطلاقًا ، وهذا من معاني قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، ومن مقاصد قوله الآخر : ( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) ؛ لذلك قال ابن مسعود : " وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! " ؛ لأنكم تقصدون الخير بخلاف طريق محمد - عليه السلام - ؛ إذًا لن تصيبوا هذا الخير ، ثم ضرب لهم على ذلك مثلًا حديثًا سَمِعَه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إنَّ أقوامًا يقرؤون القرآن لا يُجاوز حناجرهم ) ؛ أي : لا يصل إلى قلوبهم ، إنما لقلقة لسان وتجارة بتلاوة القرآن كما هو الواقع في آخر الزمان ، ( لا يُجاوز حناجرهم يمْرُقُون من الدين كما يمْرُقُ السهم من الرميّة ) .
إلى هنا تنتهي قصة ابن مسعود مع أصحابين المجالس المبتدعة ، لكن العبرة في تمام القصة التي يرويها مُشاهدها قال : " فلقد رأينا أولئك الأقوام - أي : أصحاب حلقات الذكر غير المشروع - رأيناهم يقاتلوننا يوم النهروان ؛ أي : إن أصحاب حلقات الذكر صاروا من الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فقاتَلَهم علي - رضي الله عنه - واستأصلَ شأفتهم إلا أفرادًا قليلين منهم ، فلم تُفِدْهم مجالسهم شيئًا ؛ وذلك لأنهم خالفوا في ذلك السنة ، وهذا شاهد لقول العلماء : " الصغائر بريد الكبائر " ، وأنا أقتبس من قولهم هذا فأقول : " البدعة الصغيرة بريد البدعة الكبيرة " .
هذا هو الشاهد لضابط ما أقول تمامًا ، حلقات مُبتَدَعة يذكرون الله بصورة غير مشروعة أوصَلَتهم إلى البدعة الكبرى ؛ وهي الخروج على أمير المؤمنين وقتالهم إياه . لذلك فيجب أن نقف عند حدود الله ، وألا نتألَّى على الله فنُشرِّع بآرائنا وعقولنا وأهوائنا وعاداتنا شيئًا لم يسُنَّه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بل هو على العكس من ذلك يفسح لنا المجال أن نذكُرَ الله كيفما اتَّفق لنا دون أن نتَّخذ كيفية وصورة معيَّنة ، وإنما حسب ما تيسر كما قال في هذا الحديث : ( واذكر الله عند كلِّ حجرٍ وعند كلِّ شجرٍ ) .
وأنا حين أقول هذا أعرف أن ناسًا سينقمون ويستنكرون ، فنجابِهُهم سلفًا بسنة أصحاب الرسول - عليه السلام - وخُطَّتهم لإنكارهم لِمُحدثات الأمور ولو كانت هذه المحدثات حسنة في زعم الجمهور كما يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " كلُّ بدعة ضلالة ، وإن رآها الناس حسنة " ، نجابِهُهم بقصة ابن مسعود مع أصحاب مجالس الذكر المجالس الخاصَّة ؛ فقد جاء في " سنن الدارمي " بإسناد صحيح أن أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - أتى صباح يوم دارَ عبد الله بن مسعود ، فوجد طائفةً من الناس بانتظاره ، فقال لهم : أَخَرَجَ أبو عبد الرحمن - يعني ابن مسعود - ؟ قالوا : لا . فجلس ينتظره ، فلما خرج قال : يا أبا عبد الرحمن ، لقد دخلتُ المسجدَ آنفًا فرأيت فيه ناسًا حلقًا حلقًا ، وأمام كل رجل منهم حصى يعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد ، وفي وسط كلِّ حلقة رجل يقول لِمَن حوله : سبِّحوا كذا ، احمدوا كذا ، كبِّروا كذا . قال ابن مسعود : أَفَلَا أنكرتَ عليهم ؟ قال : لا ، انتظار أمرك أو انتظار رأيك . قال : أَفَلَا أمَرْتَهم أن يعدُّوا سيِّئاتهم وضمِنتَ لهم ألَّا يضيع من حسناتهم شيء ؟ ثم عاد إلى داره ، وخرج متلثِّمًا لا يُعرف حتى دخل المسجد ، ورأى ما وُصِف له من التحلُّق والذكر المعدود بعدد لم يُشرَعْ ، لما تبيَّن الأمر كشف عن وجهه اللثام ، وقال : ويحكم ! ما هذا الذي تصنعون ؟ أنا عبد الله بن مسعود صحابيُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالوا : والله - يا أبا عبد الرحمن - ، حصى نعدُّ به التسبيح والتكبير والحميد . قال : عدُّوا سيئاتكم وأنا الضَّامن لكم ألَّا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم ! ما أسرع هَلَكَتَكم ! هذه ثيابه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم تبلَ ، وهذه آنيته لم تُكسَرْ ، والذي نفس محمد بيده أئنَّكم لَأهدى من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أو إنكم متمسِّكون بذَنَبِ ضلالة . ما قال : متمسِّكون بضلالة فحسب ، وإنما بذَنَبِ ضلالة . قالوا : والله - يا أبا عبد الرحمن - ، ما أردنا إلا الخير .
وهذا جواب جماهير المبتدعة خاصَّة التابعين منهم ، أما المتبوعون فالغالب عليهم أنهم يعرفون وينحرفون لمآرب كثيرة الله أعلم بما في نفوسهم ، أما التابعون فجمهورهم يتَّبعون رؤساءهم في نوايا حسنة يصوِّرون لهم أنُّو هذا ذكر ، وأنه ذكر مشروع ، فيتَّبعونهم على ذلك تمامًا كما قال القوم لابن مسعود : والله ما أردنا إلا الخير . لكن الجواب القاطع للظهور قول ابن مسعود : " وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! " ؛ أي : لا يكفي أن يكون قصدُ أحدكم الخير ، وإنما يجب أن يقترن مع هذا القصد الخيِّر أن يكون الطريق - أيضًا - الذي يسلكه في طلب الخير خيرًا في نفسه ، ولا يكون كذلك أبدًا إلا إذا كان هو طريق الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ كما قال الله - عز وجل - في القرآن : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) .
فهذا الطريق إذا سَلَكَه القاصد للخير فهو في خير يقينًا ، أما إذا سلك طريقًا آخر وهو يقصد الخير فلن يصيب هذا الخير إطلاقًا ، وهذا من معاني قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، ومن مقاصد قوله الآخر : ( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) ؛ لذلك قال ابن مسعود : " وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! " ؛ لأنكم تقصدون الخير بخلاف طريق محمد - عليه السلام - ؛ إذًا لن تصيبوا هذا الخير ، ثم ضرب لهم على ذلك مثلًا حديثًا سَمِعَه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إنَّ أقوامًا يقرؤون القرآن لا يُجاوز حناجرهم ) ؛ أي : لا يصل إلى قلوبهم ، إنما لقلقة لسان وتجارة بتلاوة القرآن كما هو الواقع في آخر الزمان ، ( لا يُجاوز حناجرهم يمْرُقُون من الدين كما يمْرُقُ السهم من الرميّة ) .
إلى هنا تنتهي قصة ابن مسعود مع أصحابين المجالس المبتدعة ، لكن العبرة في تمام القصة التي يرويها مُشاهدها قال : " فلقد رأينا أولئك الأقوام - أي : أصحاب حلقات الذكر غير المشروع - رأيناهم يقاتلوننا يوم النهروان ؛ أي : إن أصحاب حلقات الذكر صاروا من الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فقاتَلَهم علي - رضي الله عنه - واستأصلَ شأفتهم إلا أفرادًا قليلين منهم ، فلم تُفِدْهم مجالسهم شيئًا ؛ وذلك لأنهم خالفوا في ذلك السنة ، وهذا شاهد لقول العلماء : " الصغائر بريد الكبائر " ، وأنا أقتبس من قولهم هذا فأقول : " البدعة الصغيرة بريد البدعة الكبيرة " .
هذا هو الشاهد لضابط ما أقول تمامًا ، حلقات مُبتَدَعة يذكرون الله بصورة غير مشروعة أوصَلَتهم إلى البدعة الكبرى ؛ وهي الخروج على أمير المؤمنين وقتالهم إياه . لذلك فيجب أن نقف عند حدود الله ، وألا نتألَّى على الله فنُشرِّع بآرائنا وعقولنا وأهوائنا وعاداتنا شيئًا لم يسُنَّه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بل هو على العكس من ذلك يفسح لنا المجال أن نذكُرَ الله كيفما اتَّفق لنا دون أن نتَّخذ كيفية وصورة معيَّنة ، وإنما حسب ما تيسر كما قال في هذا الحديث : ( واذكر الله عند كلِّ حجرٍ وعند كلِّ شجرٍ ) .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 243
- توقيت الفهرسة : 01:08:07
- نسخة مدققة إملائيًّا