بيان مكر المستشرقين بالأمة الإسلامية وبيان الرد عليهم من وجوه عدة .
A-
A=
A+
الشيخ : لما علم المستشرقون بأن من أقوى أسباب الخلاف الذي نشب بين الفرق الإسلامية هو ما يتعلق بالحديث و بشيء من هذا التفصيل الذي ذكرته آنفا أرادوا أن يشككوا المسلمين في هذا الأصل الثاني ألا وهو الحديث النبوي فكيف يشككون ، الأمر كما يقال في بعض الأمثال: " الغريق يتعلق ولو بخيوط القمر " ولو بقشة كما يقولون في بعض البلاد ، وهؤلاء المستشرقون هكذا يفعلون يتمسكون ببعض النصوص و يوحون فيها بأسلوب منهم و مكر خبيث إلى المسلمين أن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم نهى عن كتابة الحديث ، فإذن لا بد للمسلمين أن يستجيبوا لهذا النهي لأن نبيهم نهاهم وهم بلا شك مأمورون باتباعه إذن المسلمون لم يكتبوا الحديث فإذن بهذا الطرح لهذا الحديث ، ألقوا شبهة وهي قولهم ما دام أن الحديث لم يكتب في عهد النبي صلى الله عليه و على آله و سلم و إنما كتب فيما بعد فهنا يمكن أن يدخل في الحديث ما ليس منه نحن معاشر المسلمين أولاً لنا أصول لا بد لنا من اتباعها و الرجوع إليها حينما يشتد الخلاف بسبب بعض الإشكالات أو الشبهات من ذوي الأهواء أو الفتن كهؤلاء المستشرقين و أذنابهم من المستغربين من هذه الأصول ما ذكره الله تبارك و تعالى في قوله عز و جل: (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت مصيرا )) إذن سبيل المؤمنين من المراجع و المصادر التي يؤخذ العلم الشرعي منها سبيل المؤمنين أي ما سار عليه المسلمون من هدي و طريق و سبيل فلابد لهؤلاء المسلمين أن يسلكوا سبيل الأولين منهم ومن هنا استدل الإمام الشافعي رحمه الله بهذه الآية الكريمة على الإجماع ، و الإجماع له أقسام كثيرة منه ما هو حجة و منه ما ليس بحجة وأيضا نعرض عن الكلام في هذه النقطة حتى أيضا لا نبعد كثيرا عن جواب السؤال المطروح آنفا إذا كان من الواجب علينا أن نسلك سبيل المؤمنين فنحن يجب أن ننظر ماذا فعل المسلمون الأولون؟ هل كتبوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أم أهملوا الكتابة؟ و إذا كانوا أهملوا الكتابة متى بدؤوا الكتابة جوابنا على هذا أن كتابة الحديث ليس كما يقول المستشرقون أنه كتب في العهد إيش يقولون
السائل : في بداية القرن الثاني
الشيخ : ليس الأمر كما يزعم هؤلاء المستشرقون لأن كتابة الحديث بدأ و رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بين ظهراني أصحابه كتب الحديث في قيد حياته عليه الصلاة و السلام و من هنا يبدو أن المستشرقين ليسوا كما يتظاهرون أو يدعون لأنهم حينما يبحثون يبحثون للعلم متجردين للعلم ليس تعصبا لمذهب أو دين أو ما شابه ذلك فهم في الواقع غير صادقين في هذا لماذا؟ لأننا نراهم حينما يجدون حديثا و أي حديث في زعمهم لم يسجل في عهد الرسول عليه السلام إذن هم يحتجون به فهذا الاحتجاج بهذا الحديث إما أن يكون قد ثبتت صحته بطريقة علمية هم يؤمنون بها أو لا يؤمنون بها فإن كانت الطريقة الأولى أنهم يثبتون هذا الحديث و يحتجون به على المسلمين أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن كتابة الحديث إذا كان هذا الحديث ثبت لديهم بالسند كما هو طريق علماء الحديث إذن دندنتهم حول تلك الشبهة أن الحديث لم يكتب في عهد الرسول لا يضر لأنهم وصلوا إلى معرفة هذا الحديث الصحيح باتفاقهم مع علماء الحديث بطريق إيش السند و إن كانوا لا يعترفون بالأسانيد و يزعمون و هذه حقيقة دعواهم أنه قد دخل و دس في الحديث ما بين نطق الرسول به و ما بين عهد كتابته قد فعل بالحديث ما فعل بتوراتهم و بإنجيلهم من الزيادة و النقص إن كانوا يتبنون هذا المذهب حينئذ لا يصلح لهم أن يحتجوا على المسلمين الذين يخالفونهم في نهجهم العلمي هذا ، فهذا أول رد عليهم كسد طريق إلقاء الشبهة في السنة من طريق التشكيك فيها أنها لم تدون في عهد الرسول عليه السلام هذا أولاً و ثانيا نحن نقول أن الحديث النبوي بدئ كما ذكرت آنفا تسجيله و كتابته في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام طبعا نحن ندعي هذه الدعوة بناءً على الخط و الطريق العلمي الذي سلكه أئمة الحديث سابقا و لاحقا في معرفة الأحاديث الصحيحة ضاربين عرض الحائط بتشكيكهم في هذا الأسلوب في رواية الحديث أو إثبات الحديث كما ذكرت آنفا على هذا نحن نقول: أن الحديث النبوي بدئ بتدوينه و تسجيله في عهد الرسول عليه السلام و عندنا إثباتات كثيرة غير حديث واحد أو رواية واحدة أول ذلك مثلا و أعتقد أن بعض هؤلاء المستشرقين يريدون قصة كتابة الرسول عليه الصلاة و السلام إلى هرقل ملك الروم و إلى المقوقس مقوقس مصر و إلى ملوك آخرين كسرى مثلا إلى آخره و من هذه الكتب المعروف صحتها عند علماء الحديث وفي ظني أنهم لا ينكرون ذلك أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كتب إلى هرقل كتب إليه من محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى هرقل عظيم الروم بعد البسملة طبعا قال له: ( أسلم تسلم و إلا فإنما عليك إثم الأريسيين ) هذا كتاب أرسل إليه مع يحيى الكلبي فإطلاق القول بأن الحديث لم يكتب باطل لأن هذا كتاب كتبه الرسول إلى هرقل ثم إلى الملوك آخرين ثم ورد في صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله ثم عندنا في صحيح البخاري شهادة من صحابي جليل ابن صحابي أيضا عظيم ألا و هما عبد الله بن عمرو بن العاص ، عبد الله بن عمرو يشهد بأن أبا هريرة كان أكثر حديثا منه لأنه كان عفوا على العكس على العكس أبو هريرة يشهد لعبد الله بن عمرو بأنه كان أكثر حديثا منه قال: لأنه كان يكتب و لا أكتب فإذن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب الحديث في عهد الرسول عليه السلام وهذه الكتابة جعلت أبا هريرة وهو أحفظ أصحاب الرسول عليه السلام قاطبة لا اختلاف بين علماء الحديث في هذه الحقيقة العلمية أن أبا هريرة كان أحفظ أصحاب الرسول عليه السلام و السبب في ذلك يعود إلى أمرين اثنين الأمر الأول أنه كان رجلا قنوعا يكتفي بلقيمات يقمن صلبه ثم كان ديدنه أن يتابع الرسول عليه السلام و يسمع الأحاديث منه ثم يدور على سائر الصحابة و يلتقط الأحاديث منهم التي كان قد فاته سماعها مباشرة من النبي صلى الله عليه و آله و سلم لهذا و للسبب الآخر ألا وهو أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم دعا له حينما بسط له البساط أن يكون حافظا لحديث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فيقول: ما نسيت شيئا حفظته بعد ذلك , قصدي من هذا الحديث وهو في صحيح البخاري كما ذكرته أن عبدالله بن عمرو بن العاص كان يكتب الحديث في عهد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ففيه رد أيضا على المستشرقين ثم هناك أحاديث أخرى تشهد بأن ابن عمرو هذا كان يكتب حديث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من ذلك ما جاء في مسند الإمام أحمد و غيره من كتب السنة بالسند القوي أن ابن عمرو هذا جمعه مجلس مع المشركين فشككوه فيما يكتبه عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من حديث قالوا له: أنت تكتب الحديث هنا الشاهد أنت تكتب الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هو بشر كيف تكتب يشككونه فجاء عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لينقل إليه هذه الشبهة التي طرحها المشركون عليه فما كان منه عليه الصلاة و السلام إلا أن قال له: ( اكتب فوالذي نفس محمد بيده ما يخرج منه إلا حق )
إذن هنا جاء الأمر بالكتابة جاء الأمر بالكتابة فنحن نقول بعد أن نورد الحديث الأخير فيما يتعلق بهذا الموضوع لنعود إلى حديث النهي عن الكتابة أما الحديث الأخير ففيه دلالة قوية أنه لم يكن ابن عمرو هو الذي كان يكتب الحديث فقط و إنما كان يكتبه أيضا أصحاب آخرون معه ثم في هذا الحديث بشارة عظيمة جدا للمسلمين في العصر الحاضر الذي يكاد بعضهم ييئس من روح الله و ييئس من نصر الله ألا إن نصر الله قريب ذلك الحديث كما يرويه ابن أبي شيبة في مصنفه و الحاكم في مستدركه من طريقه وغيره أيضا بالسند الصحيح عن عبد الله بن عمرو هذا قال بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نكتب الحديث عنه إذ قال له رجل: يا رسول الله أقسطنطينية نفتحها أولا أم رومية؟؟ ، قسطنطينية معروف عندكم هي إسطنبول عاصمة تركيا أما رومية فهي روما عاصمة البابا اليوم و قبل اليوم ، سأل السائل أقسطنطينية نفتحها أولا أم رومية؟ هذا السؤال يلقي معنى في البال من أين تلقى هذا السائل أن هناك فتحين فتح لقسطنطينية و فتح لرومية من أين تلقى هذين الفتحين حتى اندفع ليسأل أي الفتحين يكون أولا لا شك أنه تلقى ذلك من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لأن هذا الفتح و ذاك من الأمور الغيبية التي ليست في طوق البشر إطلاقا أن يعرفوها إلا من طريق الوحي الذي ينزل على قلب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ومن هنا لا بد من لفت النظر إلى هذه الحقيقة العقدية الإسلامية و هي كما قال تعالى: (( قل لا يعلم من في السماوات و الأرض الغيب إلا الله )) حتى رسول الله المصطفى والذي هو سيد الرسل و الأنبياء يقول: (( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسني السوء )) وهذا بحث له مجال آخر أيضا و إنما هي الذكرى لكي تنتبهوا أن العلم بالغيبيات أمر مستحيل مغلق بابه لا يعرفه أحد من الرسل المصطفين الأخيار إلا بوحي السماء فإذا علم مسلم ما أن هناك فتحين فلا يمكن أن يكون قد عرفه إلا ممن ينزل الوحي عليه وهو رسولنا صلوات الله و سلامه عليه من هنا كان إنطلاق السائل بذاك السؤال أقسطنطينية نفتحها أولا أم رومية قال عليه السلام: ( بل قسطنطينية ) و فتح القسطنطينية معروف لديكم و صار من التاريخ حيث فتحها ذلك الملك العثماني المعروف عثمان الفاتح إذن بقي أمام المسلمين فتح آخر وهو الفتح الأكبر وهو فتح عاصمة النصارى عاصمة إيطاليا وهي روما اليوم و لا بد أن يكون هذا الفتح ولكن آسف أن أقول ليس بأيدينا لعله يكون بأيدي أجيال أو جيل يأتي من بعدنا هذا الجيل لا بد أن يكون قد اتصف بصفتين اثنتين ديننا الحاضر دخل في طريق إحدى الصفتين أما الصفة الأخرى فهو مع الأسف الشديد بعيد عنها أما الصفة الأولى فهي ما يعرف اليوم بالصحوة الإسلامية نحن لا نشك بأن المسلمين اليوم هم خير من ناحية الصحوة مما كانوا عليه من قبل ربع قرن من الزمان فأنتم تعلمون أنه أصبح معروفا لدى كثير من عامة الناس فضلا عن طلاب العلم أن هناك كتاب و سنة و أن العلم هو ما جاء في الكتاب و السنة وليس أن يقول قال الشيخ فلان أو العالم فلان أو الدكتور فلان هذا أصبح في خبر كان ومن ذلك قول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله الذي يعود إليه و بعد شيخه ابن تيمية فضل هذه الصحوة الحقيقة لأنه كان يعيش في جو جاهلي محض حينما دعا من حوله علماء و طلاب علم و عوام إلى أن يعودوا إلى الكتاب و السنة كما تعلمون فالآن نحن نعيش في بدء هذه الصحوة أقول بدء لأن الجمهور من المسلمين لا يزالون في تقليدهم القديم لا يزالون يقولون إذا قلت لهم يا أخي هذا ما يجوز هذا خلاف الحديث يجابهونك بأنه هذا مذهبي هذا مذهب إمامي إلى آخره لكن الحمد لله التفتح الآن موجود في كثير من المسلمين لا أعني العلماء أي بعض العلماء ولا أعني طلاب العلم بل حتى العامة منهم صار أحدهم يقول فيه عليه دليل هذا مع أنه لا يفهم الدليل لكن صار عنده وعي و انتباه أما الشيء الثاني وهو الذي أقول لابد من التصفية و التربية نحن الآن في دورة تصفية أما التربية فمع الأسف الشديد نحن بعيدون كل البعد وهذا ظاهر حتى في بعض طلاب العلم الذين يتهافتون لتأليف رسائل و نشرها ليظهروا أمام الناس بأنهم مؤلفون وهذا بحث أيضا طويل و طويل جدا إذن هذا الحديث يبشرنا بأن أمام المسلمين فتحا عظيما جدا وهو فتح روما عاصمة إيطاليا من يفتح روما المسلمون الذين جمعوا بين التصفية و التربية و يعودون كما قال عليه الصلاة و السلام في الحديث المعروف صحته: ( مثل المؤمنين في توادّهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد ) إلى آخر الحديث يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، إذا عرفنا هذه النصوص وهي تدل دلالة قاطعة على أن الحديث النبوي قد بدئ بتسجيله في عهده عليه الصلاة و السلام و ليس كما يزعم المستشرقون و أذنابهم حينئذ نعود لنقول حقيقة لا تضرنا وهي هل كُتبَ الحديث كله في عهد الرسول عليه الصلاة السلام؟ الجواب لا ولا يضرنا ذلك إنما أردت أن أبطل دعوى باطلة لأولئك المستشرقين حينما يتكئون فيها على قوله عليه السلام: ( لا تكتبوا الحديث عني ) لنقول أن هذا الحديث صحيح وأنه فعلا كما جاء في سؤال السائل روي موقوفا و روي مرفوعا وكل من الموقوف و المرفوع صحيح ولا يضر الوقف في الرفع ذلك لأن العبرة في نهاية المطاف هل صح المرفوع أم شذ رافعه فإن كان لم يشذ رافعه و إنما حفظه حينئذ يقول فقهاء الحديث في الحديث لا ضير أن يروى الحديث موقوفا و مرفوعا و أن يصح موقوفا و مرفوعا فإن الراوي تارة ينشط لرفع الحديث و تارة لا ينشط تارة يقنع بأن يذكر الحديث لا لأنه لم ينشط لرفعه و إنما يكون في جو يغنيه عن التصريح برفعه أي جو علم و طلاب علم فيقول جاء مثلا عن أبي سعبد الخدري الذي هو راوي هذا الحديث أنه قال: لا تكتبوا الحديث عني ثانيا مما يؤكد أن الحديث لفظه يشعر برفعه و إذا كان و لا بد من القول بخطأ الرافع أو الموقف له فالأرجح أن نقول أن الذي أوقفه أخطأ لأن من الذي يقول لا تكتبوا الحديث عني زيد و بكر و عمر أم الذي يجب على المسلمين أجمعين أن يتقبلوا حديثه بقبول حسن؟ خلاصة القول أن هذا الحديث رفعه صحيح عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ولكن لا يعني هذا الحديث أن النهي استمر إلى ما بعد وفاته صلى الله عليه و آله و سلم و أن المحو المأمور به في الحديث استمر عليه المسلمون إلى ما بعد و فاته عليه الصلاة و السلام لماذا ؟ لأننا أولا قد عرفنا أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أمر بكتابة الحديث في حديث ( اكتب فوالذي نفس محمد بيده ما يخرج منه إلا حقا ) فإذن الأمر بالشيء المنهي عنه من قبل يرفع هذا النهي و ينسخه و يلغيه كما هو معلوم في كثير من الأحكام الشرعية مثل مثلا (( يا أيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع )) حرم البيع إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة ، لكنه قال بعد ذلك: (( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله )) كذلك مثلا قوله تعالى: (( و إذا حللتم فاصطادوا )) أي المحرم كان محرّما عليه أن يصطاد فأمر بالصيد فألغى الأمر الذي استلزم تحريم الصيد بالنسبة للمحرم هكذا ...
سائل آخر : السلام عليكم
الشيخ : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته هكذا في حديث أبي سعيد الخدري فيه النهي عن كتابة الحديث فرفع بأمره صلى الله عليه و آله و سلم و بالتالي رفع الأمر بمحوه كذلك لأننا كما قدمنا في أول الجواب عن هذا السؤال أن المستشرقين حاولوا التشكيك في الحديث لأنهم يعلمون أن القرآن لا يفسر تفسيرا كما أراده الله إلا بطريق حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم
السائل : في بداية القرن الثاني
الشيخ : ليس الأمر كما يزعم هؤلاء المستشرقون لأن كتابة الحديث بدأ و رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بين ظهراني أصحابه كتب الحديث في قيد حياته عليه الصلاة و السلام و من هنا يبدو أن المستشرقين ليسوا كما يتظاهرون أو يدعون لأنهم حينما يبحثون يبحثون للعلم متجردين للعلم ليس تعصبا لمذهب أو دين أو ما شابه ذلك فهم في الواقع غير صادقين في هذا لماذا؟ لأننا نراهم حينما يجدون حديثا و أي حديث في زعمهم لم يسجل في عهد الرسول عليه السلام إذن هم يحتجون به فهذا الاحتجاج بهذا الحديث إما أن يكون قد ثبتت صحته بطريقة علمية هم يؤمنون بها أو لا يؤمنون بها فإن كانت الطريقة الأولى أنهم يثبتون هذا الحديث و يحتجون به على المسلمين أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن كتابة الحديث إذا كان هذا الحديث ثبت لديهم بالسند كما هو طريق علماء الحديث إذن دندنتهم حول تلك الشبهة أن الحديث لم يكتب في عهد الرسول لا يضر لأنهم وصلوا إلى معرفة هذا الحديث الصحيح باتفاقهم مع علماء الحديث بطريق إيش السند و إن كانوا لا يعترفون بالأسانيد و يزعمون و هذه حقيقة دعواهم أنه قد دخل و دس في الحديث ما بين نطق الرسول به و ما بين عهد كتابته قد فعل بالحديث ما فعل بتوراتهم و بإنجيلهم من الزيادة و النقص إن كانوا يتبنون هذا المذهب حينئذ لا يصلح لهم أن يحتجوا على المسلمين الذين يخالفونهم في نهجهم العلمي هذا ، فهذا أول رد عليهم كسد طريق إلقاء الشبهة في السنة من طريق التشكيك فيها أنها لم تدون في عهد الرسول عليه السلام هذا أولاً و ثانيا نحن نقول أن الحديث النبوي بدئ كما ذكرت آنفا تسجيله و كتابته في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام طبعا نحن ندعي هذه الدعوة بناءً على الخط و الطريق العلمي الذي سلكه أئمة الحديث سابقا و لاحقا في معرفة الأحاديث الصحيحة ضاربين عرض الحائط بتشكيكهم في هذا الأسلوب في رواية الحديث أو إثبات الحديث كما ذكرت آنفا على هذا نحن نقول: أن الحديث النبوي بدئ بتدوينه و تسجيله في عهد الرسول عليه السلام و عندنا إثباتات كثيرة غير حديث واحد أو رواية واحدة أول ذلك مثلا و أعتقد أن بعض هؤلاء المستشرقين يريدون قصة كتابة الرسول عليه الصلاة و السلام إلى هرقل ملك الروم و إلى المقوقس مقوقس مصر و إلى ملوك آخرين كسرى مثلا إلى آخره و من هذه الكتب المعروف صحتها عند علماء الحديث وفي ظني أنهم لا ينكرون ذلك أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كتب إلى هرقل كتب إليه من محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى هرقل عظيم الروم بعد البسملة طبعا قال له: ( أسلم تسلم و إلا فإنما عليك إثم الأريسيين ) هذا كتاب أرسل إليه مع يحيى الكلبي فإطلاق القول بأن الحديث لم يكتب باطل لأن هذا كتاب كتبه الرسول إلى هرقل ثم إلى الملوك آخرين ثم ورد في صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله ثم عندنا في صحيح البخاري شهادة من صحابي جليل ابن صحابي أيضا عظيم ألا و هما عبد الله بن عمرو بن العاص ، عبد الله بن عمرو يشهد بأن أبا هريرة كان أكثر حديثا منه لأنه كان عفوا على العكس على العكس أبو هريرة يشهد لعبد الله بن عمرو بأنه كان أكثر حديثا منه قال: لأنه كان يكتب و لا أكتب فإذن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب الحديث في عهد الرسول عليه السلام وهذه الكتابة جعلت أبا هريرة وهو أحفظ أصحاب الرسول عليه السلام قاطبة لا اختلاف بين علماء الحديث في هذه الحقيقة العلمية أن أبا هريرة كان أحفظ أصحاب الرسول عليه السلام و السبب في ذلك يعود إلى أمرين اثنين الأمر الأول أنه كان رجلا قنوعا يكتفي بلقيمات يقمن صلبه ثم كان ديدنه أن يتابع الرسول عليه السلام و يسمع الأحاديث منه ثم يدور على سائر الصحابة و يلتقط الأحاديث منهم التي كان قد فاته سماعها مباشرة من النبي صلى الله عليه و آله و سلم لهذا و للسبب الآخر ألا وهو أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم دعا له حينما بسط له البساط أن يكون حافظا لحديث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فيقول: ما نسيت شيئا حفظته بعد ذلك , قصدي من هذا الحديث وهو في صحيح البخاري كما ذكرته أن عبدالله بن عمرو بن العاص كان يكتب الحديث في عهد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ففيه رد أيضا على المستشرقين ثم هناك أحاديث أخرى تشهد بأن ابن عمرو هذا كان يكتب حديث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من ذلك ما جاء في مسند الإمام أحمد و غيره من كتب السنة بالسند القوي أن ابن عمرو هذا جمعه مجلس مع المشركين فشككوه فيما يكتبه عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من حديث قالوا له: أنت تكتب الحديث هنا الشاهد أنت تكتب الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هو بشر كيف تكتب يشككونه فجاء عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لينقل إليه هذه الشبهة التي طرحها المشركون عليه فما كان منه عليه الصلاة و السلام إلا أن قال له: ( اكتب فوالذي نفس محمد بيده ما يخرج منه إلا حق )
إذن هنا جاء الأمر بالكتابة جاء الأمر بالكتابة فنحن نقول بعد أن نورد الحديث الأخير فيما يتعلق بهذا الموضوع لنعود إلى حديث النهي عن الكتابة أما الحديث الأخير ففيه دلالة قوية أنه لم يكن ابن عمرو هو الذي كان يكتب الحديث فقط و إنما كان يكتبه أيضا أصحاب آخرون معه ثم في هذا الحديث بشارة عظيمة جدا للمسلمين في العصر الحاضر الذي يكاد بعضهم ييئس من روح الله و ييئس من نصر الله ألا إن نصر الله قريب ذلك الحديث كما يرويه ابن أبي شيبة في مصنفه و الحاكم في مستدركه من طريقه وغيره أيضا بالسند الصحيح عن عبد الله بن عمرو هذا قال بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نكتب الحديث عنه إذ قال له رجل: يا رسول الله أقسطنطينية نفتحها أولا أم رومية؟؟ ، قسطنطينية معروف عندكم هي إسطنبول عاصمة تركيا أما رومية فهي روما عاصمة البابا اليوم و قبل اليوم ، سأل السائل أقسطنطينية نفتحها أولا أم رومية؟ هذا السؤال يلقي معنى في البال من أين تلقى هذا السائل أن هناك فتحين فتح لقسطنطينية و فتح لرومية من أين تلقى هذين الفتحين حتى اندفع ليسأل أي الفتحين يكون أولا لا شك أنه تلقى ذلك من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لأن هذا الفتح و ذاك من الأمور الغيبية التي ليست في طوق البشر إطلاقا أن يعرفوها إلا من طريق الوحي الذي ينزل على قلب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ومن هنا لا بد من لفت النظر إلى هذه الحقيقة العقدية الإسلامية و هي كما قال تعالى: (( قل لا يعلم من في السماوات و الأرض الغيب إلا الله )) حتى رسول الله المصطفى والذي هو سيد الرسل و الأنبياء يقول: (( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسني السوء )) وهذا بحث له مجال آخر أيضا و إنما هي الذكرى لكي تنتبهوا أن العلم بالغيبيات أمر مستحيل مغلق بابه لا يعرفه أحد من الرسل المصطفين الأخيار إلا بوحي السماء فإذا علم مسلم ما أن هناك فتحين فلا يمكن أن يكون قد عرفه إلا ممن ينزل الوحي عليه وهو رسولنا صلوات الله و سلامه عليه من هنا كان إنطلاق السائل بذاك السؤال أقسطنطينية نفتحها أولا أم رومية قال عليه السلام: ( بل قسطنطينية ) و فتح القسطنطينية معروف لديكم و صار من التاريخ حيث فتحها ذلك الملك العثماني المعروف عثمان الفاتح إذن بقي أمام المسلمين فتح آخر وهو الفتح الأكبر وهو فتح عاصمة النصارى عاصمة إيطاليا وهي روما اليوم و لا بد أن يكون هذا الفتح ولكن آسف أن أقول ليس بأيدينا لعله يكون بأيدي أجيال أو جيل يأتي من بعدنا هذا الجيل لا بد أن يكون قد اتصف بصفتين اثنتين ديننا الحاضر دخل في طريق إحدى الصفتين أما الصفة الأخرى فهو مع الأسف الشديد بعيد عنها أما الصفة الأولى فهي ما يعرف اليوم بالصحوة الإسلامية نحن لا نشك بأن المسلمين اليوم هم خير من ناحية الصحوة مما كانوا عليه من قبل ربع قرن من الزمان فأنتم تعلمون أنه أصبح معروفا لدى كثير من عامة الناس فضلا عن طلاب العلم أن هناك كتاب و سنة و أن العلم هو ما جاء في الكتاب و السنة وليس أن يقول قال الشيخ فلان أو العالم فلان أو الدكتور فلان هذا أصبح في خبر كان ومن ذلك قول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله الذي يعود إليه و بعد شيخه ابن تيمية فضل هذه الصحوة الحقيقة لأنه كان يعيش في جو جاهلي محض حينما دعا من حوله علماء و طلاب علم و عوام إلى أن يعودوا إلى الكتاب و السنة كما تعلمون فالآن نحن نعيش في بدء هذه الصحوة أقول بدء لأن الجمهور من المسلمين لا يزالون في تقليدهم القديم لا يزالون يقولون إذا قلت لهم يا أخي هذا ما يجوز هذا خلاف الحديث يجابهونك بأنه هذا مذهبي هذا مذهب إمامي إلى آخره لكن الحمد لله التفتح الآن موجود في كثير من المسلمين لا أعني العلماء أي بعض العلماء ولا أعني طلاب العلم بل حتى العامة منهم صار أحدهم يقول فيه عليه دليل هذا مع أنه لا يفهم الدليل لكن صار عنده وعي و انتباه أما الشيء الثاني وهو الذي أقول لابد من التصفية و التربية نحن الآن في دورة تصفية أما التربية فمع الأسف الشديد نحن بعيدون كل البعد وهذا ظاهر حتى في بعض طلاب العلم الذين يتهافتون لتأليف رسائل و نشرها ليظهروا أمام الناس بأنهم مؤلفون وهذا بحث أيضا طويل و طويل جدا إذن هذا الحديث يبشرنا بأن أمام المسلمين فتحا عظيما جدا وهو فتح روما عاصمة إيطاليا من يفتح روما المسلمون الذين جمعوا بين التصفية و التربية و يعودون كما قال عليه الصلاة و السلام في الحديث المعروف صحته: ( مثل المؤمنين في توادّهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد ) إلى آخر الحديث يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، إذا عرفنا هذه النصوص وهي تدل دلالة قاطعة على أن الحديث النبوي قد بدئ بتسجيله في عهده عليه الصلاة و السلام و ليس كما يزعم المستشرقون و أذنابهم حينئذ نعود لنقول حقيقة لا تضرنا وهي هل كُتبَ الحديث كله في عهد الرسول عليه الصلاة السلام؟ الجواب لا ولا يضرنا ذلك إنما أردت أن أبطل دعوى باطلة لأولئك المستشرقين حينما يتكئون فيها على قوله عليه السلام: ( لا تكتبوا الحديث عني ) لنقول أن هذا الحديث صحيح وأنه فعلا كما جاء في سؤال السائل روي موقوفا و روي مرفوعا وكل من الموقوف و المرفوع صحيح ولا يضر الوقف في الرفع ذلك لأن العبرة في نهاية المطاف هل صح المرفوع أم شذ رافعه فإن كان لم يشذ رافعه و إنما حفظه حينئذ يقول فقهاء الحديث في الحديث لا ضير أن يروى الحديث موقوفا و مرفوعا و أن يصح موقوفا و مرفوعا فإن الراوي تارة ينشط لرفع الحديث و تارة لا ينشط تارة يقنع بأن يذكر الحديث لا لأنه لم ينشط لرفعه و إنما يكون في جو يغنيه عن التصريح برفعه أي جو علم و طلاب علم فيقول جاء مثلا عن أبي سعبد الخدري الذي هو راوي هذا الحديث أنه قال: لا تكتبوا الحديث عني ثانيا مما يؤكد أن الحديث لفظه يشعر برفعه و إذا كان و لا بد من القول بخطأ الرافع أو الموقف له فالأرجح أن نقول أن الذي أوقفه أخطأ لأن من الذي يقول لا تكتبوا الحديث عني زيد و بكر و عمر أم الذي يجب على المسلمين أجمعين أن يتقبلوا حديثه بقبول حسن؟ خلاصة القول أن هذا الحديث رفعه صحيح عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ولكن لا يعني هذا الحديث أن النهي استمر إلى ما بعد وفاته صلى الله عليه و آله و سلم و أن المحو المأمور به في الحديث استمر عليه المسلمون إلى ما بعد و فاته عليه الصلاة و السلام لماذا ؟ لأننا أولا قد عرفنا أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أمر بكتابة الحديث في حديث ( اكتب فوالذي نفس محمد بيده ما يخرج منه إلا حقا ) فإذن الأمر بالشيء المنهي عنه من قبل يرفع هذا النهي و ينسخه و يلغيه كما هو معلوم في كثير من الأحكام الشرعية مثل مثلا (( يا أيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع )) حرم البيع إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة ، لكنه قال بعد ذلك: (( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله )) كذلك مثلا قوله تعالى: (( و إذا حللتم فاصطادوا )) أي المحرم كان محرّما عليه أن يصطاد فأمر بالصيد فألغى الأمر الذي استلزم تحريم الصيد بالنسبة للمحرم هكذا ...
سائل آخر : السلام عليكم
الشيخ : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته هكذا في حديث أبي سعيد الخدري فيه النهي عن كتابة الحديث فرفع بأمره صلى الله عليه و آله و سلم و بالتالي رفع الأمر بمحوه كذلك لأننا كما قدمنا في أول الجواب عن هذا السؤال أن المستشرقين حاولوا التشكيك في الحديث لأنهم يعلمون أن القرآن لا يفسر تفسيرا كما أراده الله إلا بطريق حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 757
- توقيت الفهرسة : 00:09:53
- نسخة مدققة إملائيًّا