بيان أن التَّقليد ليس علمًا والدليل عليه .
A-
A=
A+
الشيخ : أوَّلًا : أما أن التقليد ليس بعلم فلأن الله - تبارك وتعالى - قد ذمَّه في غير ما آية في القرآن الكريم ؛ ولذلك تتابعت كلمات الأئمة المتمذهبين على النهي عنه ، وقد عقد إمام الأندلس " ابن عبد البر " في كتابه الجليل " جامع بيان العلم وفضله " بابًا خاصًّا في تحقيق ذلك ، فقال ما ملخَّصه :
" باب فساد التقليد ونفيه ، والفرق بين التقليد والاتباع : قد ذَمَّ الله - تبارك وتعالى - التقليد في غير موضع من كتابه فقال : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) ، ورُوِيَ عن حذيفة وغيره قال : " لم يعبدوهم من دون الله ، ولكنهم أحلُّوا لهم وحرَّموا عليهم فاتَّبعوهم " .
وقال عديُّ بن حاتم : أتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي عنقي صليب ، فقال لي : ( يا عديُّ ، ألقِ هذا الوثنَ من عنقك ) ، وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) . قال : قلت : يا رسول الله ، إنا لا نتَّخذهم أربابًا . قال : ( بلى ، أليس يحلُّون لكم ما حرَّم عليكم فتحلُّونه ؟! ويحرِّمون عليكم ما أحلَّ الله لكم فتحرِّمونه ؟ ) فقلت : بلى ، قال : ( تلك عبادتهم ) .
وقال - عز وجل - (( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ )) ، فمَنَعَهم الاقتداء بآبائهم من الاتباع فقالوا : (( إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ )) ، وقال - جل وعزَّ - عائبًا لأهل الكفر وذامًّا لهم : (( مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ )) .
ومثل هذا في القرآن كثير من ذمِّ تقليد الآباء والرؤساء ، وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ، ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها ؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر ، وإنما وقعَ التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلَّد ، كما لو قلَّد رجلًا فكفر ، وقلَّد آخر فأذنب ، وقلَّد آخر في مسألة فأخطأ فيها ، كان كل واحد ملومًا على التقليد بغير حجة ؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضًا ، وإن اختلفت الآثام فيه .
ثم روى عن ابن مسعود أنه كان يقول : " اغْدُ عالمًا أو متعلِّمًا ، ولا تَغْدُ إمَّعةً فيما بين ذلك " ، ومن طريق أخرى أنه قال : " كنا ندعو الإمَّعة في الجاهلية الذي يُدعى إلى الطعام فيذهب معه بغيره ، وهو فيكم اليوم المحقب دينه الرجال " يعني المقلِّد .
وعن ابن عباس قال : " ويل للأتباع من عثرات العالم ! " . قيل : كيف ذلك ؟ قال : " يقول العالم شيئًا برأيه ثم يجد مَن هو أعلم برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - منه ، فيترك قوله ذلك ، ثم تمضي الأتباع " " .
ثم قال ابن عبد البر : " وثبت عن النبي أنه قال : " تذهب العلماء ، ثم تتَّخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا يُسألون فيفتون بغير علمٍ ، فيَضِلُّون ويُضِلُّون " ، وهذا كله نفي للتقليد وإبطال له لِمَن فَهِمَه وهُدي لرشده ، ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد ، فأغنى ذلك عن الإكثار .
ونَقَلَه ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتاب " الإعلام " وقال : " لا يجوز الفتوى بالتقليد ، لأنه ليس بعلم ، والفتوى بغير علم حرام ، ولا خلاف بين الناس أن التقليد ليس بعلم ، وأن المقلِّد لا يُطلق عليه اسم عالم " .
وكذلك قال العلامة السيوطي أن المقلِّد لا يُسمَّى عالمًا ، كما نقله أبو الحسن السندي الحنفي في أول حاشيته على ابن ماجه وجَزَمَ الشوكاني في " إرشاد الفحول " وقال : " إن التقليد جهل وليس بعلم " .
وهذا يتَّفق مع ما جاء في كتب الحنفية أنه لا يجوز تولية الجاهل على القضاء وفسر العلامة ابن الهمام الجاهل هنا بالمقلد ، ومن هنا جاءت أقوال الأئمة المجتهدين تتابعوا على النهي الأكيد عن التقليد لهم أو لغيرهم : فقال أبو حنيفة : " لا يحلُّ لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلَمْ من أين أخذناه " ، وفي رواية : " حرام على من لم يعرف دليلي أن يُفتي بكلامي ؛ فإننا بشرٌ نقول القول اليوم ونرجع عنه غدًا " ، وقال مالك : " إنما أنا بشرٌ أخطئ وأصيب ؛ فانظروا في رأيي ؛ فكلُّ ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه " ، وقال الشافعي : " أجمع المسلمون على أنَّ مَن استبان له السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يحلَّ له أن يدَعَها لقول أحد " ، وقال : " كلُّ مسألة صحَّ فيها الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عند نقله خلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي " ، وقال : " كلُّ ما قلت فكان عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خلاف قولي مما يصح ؛ فحديث النبي أولى ؛ فلا تقلِّدوني " ، وقال الإمام أحمد : " لا تقلدني ، ولا تقلد مالكًا ، ولا الشافعي ، ولا الأوزاعي ، ولا الثوري ، وخُذْ من حيث أخذوا " ، واشتهر عنهم أنهم قالوا : " إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي " ، إلى غير ذلك من الأقوال المأثورة عنهم ، وقد ذكرت نخبةً منها طيِّبةً في مقدمة كتابي " صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " ، وفيما ذكرناه كفاية .
" باب فساد التقليد ونفيه ، والفرق بين التقليد والاتباع : قد ذَمَّ الله - تبارك وتعالى - التقليد في غير موضع من كتابه فقال : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) ، ورُوِيَ عن حذيفة وغيره قال : " لم يعبدوهم من دون الله ، ولكنهم أحلُّوا لهم وحرَّموا عليهم فاتَّبعوهم " .
وقال عديُّ بن حاتم : أتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي عنقي صليب ، فقال لي : ( يا عديُّ ، ألقِ هذا الوثنَ من عنقك ) ، وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) . قال : قلت : يا رسول الله ، إنا لا نتَّخذهم أربابًا . قال : ( بلى ، أليس يحلُّون لكم ما حرَّم عليكم فتحلُّونه ؟! ويحرِّمون عليكم ما أحلَّ الله لكم فتحرِّمونه ؟ ) فقلت : بلى ، قال : ( تلك عبادتهم ) .
وقال - عز وجل - (( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ )) ، فمَنَعَهم الاقتداء بآبائهم من الاتباع فقالوا : (( إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ )) ، وقال - جل وعزَّ - عائبًا لأهل الكفر وذامًّا لهم : (( مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ )) .
ومثل هذا في القرآن كثير من ذمِّ تقليد الآباء والرؤساء ، وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ، ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها ؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر ، وإنما وقعَ التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلَّد ، كما لو قلَّد رجلًا فكفر ، وقلَّد آخر فأذنب ، وقلَّد آخر في مسألة فأخطأ فيها ، كان كل واحد ملومًا على التقليد بغير حجة ؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضًا ، وإن اختلفت الآثام فيه .
ثم روى عن ابن مسعود أنه كان يقول : " اغْدُ عالمًا أو متعلِّمًا ، ولا تَغْدُ إمَّعةً فيما بين ذلك " ، ومن طريق أخرى أنه قال : " كنا ندعو الإمَّعة في الجاهلية الذي يُدعى إلى الطعام فيذهب معه بغيره ، وهو فيكم اليوم المحقب دينه الرجال " يعني المقلِّد .
وعن ابن عباس قال : " ويل للأتباع من عثرات العالم ! " . قيل : كيف ذلك ؟ قال : " يقول العالم شيئًا برأيه ثم يجد مَن هو أعلم برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - منه ، فيترك قوله ذلك ، ثم تمضي الأتباع " " .
ثم قال ابن عبد البر : " وثبت عن النبي أنه قال : " تذهب العلماء ، ثم تتَّخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا يُسألون فيفتون بغير علمٍ ، فيَضِلُّون ويُضِلُّون " ، وهذا كله نفي للتقليد وإبطال له لِمَن فَهِمَه وهُدي لرشده ، ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد ، فأغنى ذلك عن الإكثار .
ونَقَلَه ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتاب " الإعلام " وقال : " لا يجوز الفتوى بالتقليد ، لأنه ليس بعلم ، والفتوى بغير علم حرام ، ولا خلاف بين الناس أن التقليد ليس بعلم ، وأن المقلِّد لا يُطلق عليه اسم عالم " .
وكذلك قال العلامة السيوطي أن المقلِّد لا يُسمَّى عالمًا ، كما نقله أبو الحسن السندي الحنفي في أول حاشيته على ابن ماجه وجَزَمَ الشوكاني في " إرشاد الفحول " وقال : " إن التقليد جهل وليس بعلم " .
وهذا يتَّفق مع ما جاء في كتب الحنفية أنه لا يجوز تولية الجاهل على القضاء وفسر العلامة ابن الهمام الجاهل هنا بالمقلد ، ومن هنا جاءت أقوال الأئمة المجتهدين تتابعوا على النهي الأكيد عن التقليد لهم أو لغيرهم : فقال أبو حنيفة : " لا يحلُّ لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلَمْ من أين أخذناه " ، وفي رواية : " حرام على من لم يعرف دليلي أن يُفتي بكلامي ؛ فإننا بشرٌ نقول القول اليوم ونرجع عنه غدًا " ، وقال مالك : " إنما أنا بشرٌ أخطئ وأصيب ؛ فانظروا في رأيي ؛ فكلُّ ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه " ، وقال الشافعي : " أجمع المسلمون على أنَّ مَن استبان له السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يحلَّ له أن يدَعَها لقول أحد " ، وقال : " كلُّ مسألة صحَّ فيها الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عند نقله خلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي " ، وقال : " كلُّ ما قلت فكان عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خلاف قولي مما يصح ؛ فحديث النبي أولى ؛ فلا تقلِّدوني " ، وقال الإمام أحمد : " لا تقلدني ، ولا تقلد مالكًا ، ولا الشافعي ، ولا الأوزاعي ، ولا الثوري ، وخُذْ من حيث أخذوا " ، واشتهر عنهم أنهم قالوا : " إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي " ، إلى غير ذلك من الأقوال المأثورة عنهم ، وقد ذكرت نخبةً منها طيِّبةً في مقدمة كتابي " صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " ، وفيما ذكرناه كفاية .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 229
- توقيت الفهرسة : 01:17:21
- نسخة مدققة إملائيًّا