هل يتقوَّى الحديث الضعيف إذا جاءت التجارب العلمية الحديثة تؤيِّد معناه ؟
A-
A=
A+
السائل : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله :
يا شيخ ، إذا جاء العلم الحديث موافقًا لمعنى حديث ضعيف ؛ مثال ذلك : ما جاء في الحديث وكنت قد خرَّجته في الأحاديث الضعيفة : " أُوقد على النار ألف عام حتى احمرَّت ، وأُوقد عليها ألف عام حتى ابيضَّت ، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودَّت ؛ فهي سوداء مظلمة " ؛ فهل يقوِّي ما جاء به العلم الحديث معنى الحديث الضعيف ؟ لا سيَّما وأنَّا درسنا في المصطلح أن الحديث الضعيف وإن كان ضعيفًا فلا أحد يستطيع يجزم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقله ؛ فما قولكم ؟
الشيخ : نعم ، أوَّلًا الجواب - بإيجاز - : أنه لا يلزم من تأييد العلم التجربي لمعنى حديث ضعيف أن يكون الحديث صحيحًا قد قاله النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ لاحتمال أن ذاك الحديث الضعيف قد قالَه إنسان حكيم ينظر في دراساته الدقيقة إلى عواقب الأمور ، ويتَّفق أنه ما تفرَّسه قد طابق الواقع فيما بعد ؛ فلا يجوز نسبة الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لمثل هذا المعنى الذي نفترض أنه ثبت علميًّا ، لكني أقول لك : من أين لك أن هذا الحديث الضعيف الذي سردته كاملًا بتمامه قد ثبت علميًّا ؟
السائل : ... الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ؛ تكلَّم أنه ثبت أن النار السوداء أشدُّ حرارةً من البيضاء ، والبيضاء أشدُّ حرارةً من الحمراء .
الشيخ : هذا كلام - بارك الله فيك - لا يؤيِّد الحديث ؛ لأن الحديث كما ذكرت فيه ذكر مدَّة معيَّنة ؛ أليس كذلك ؟ أوقد على النار كم ؟ ألف سنة ، هذا ثبت علميًّا ؟ لذلك .
السائل : استدلَّ بالحديث استدلَّ بهذا الحديث .
الشيخ : ما يهمني الاستدلال يا أخي ، أنت أصل سؤالك كان واضحًا ثم انحرفت به لما قامت الحجة ، كان سؤالك هكذا : إذا جاء حديث بإسناده ضعيف ثم هذا الحديث ثبت معناه علميًّا ؛ أيلزم من ذلك أن يكون الحديث صحيحًا ؟ كان جوابي - بإيجاز - : لا يلزم ، وذكرت لك وجه ذلك ، لكن استدركتُ عليك فقلت : أين هذا العلم الذي يشهد لمعنى هذا الحديث ؟ فقلت : فلان العالم الفاضل استدلَّ به . استدلَّ به على ماذا ؟ على جزء مما جاء في هذا الحديث ، لكن أنت كان سؤالك أولًا عامًّا ؛ إذا جاء الحديث بإسناد ضعيف وشهد له العلم بالصحة ؛ هل معنى ذلك أن الحديث صحيح ؟ كان الجواب لا ؛ لأنه لا يجوز أن يُنسب إلى الرسول - عليه السلام - إلا ما ثبت بالطريقة العلمية الإسلامية الحديثة ، أما ما ثبت بالطرق العلمية التجرُبية ؛ فهذا له جانب آخر لا ننكره ننحن ، بل نقرُّه إذا ثبت ، ولا نستغلُّه في سبيل تأييد بعض نصوص من الكتاب والسنة ؛ لأن الكتاب والسنة الصحيحة في غُنية عن تأييد بتجارب علمية حديثة .
فالشاهد : أنه لا يوجد حتى هذه الساعة - فيما أعلم - ما يشهد لهذا الحديث بالتفصيل الذي فيه ما يؤيِّده من العلم التجربي ، أما أن يتفق أن العلم وافق جزءًا من حديث ما ؛ فهذا لا يدل أن الحديث كله قد قاله - عليه الصلاة والسلام - ، بل أنا أقول : لو جاء حديث يصرِّح بمسألة واحدة وإسناده ضعيف ، ثم جاء العلم يشهد بصحة هذا الحديث في هذه المسألة الخاصة التي تعرَّض بها ؛ لا يجوز أن نقول هذا حديث صحيح قاله رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ لماذا ؟ ذكرت آنفًا لاحتمال أن يكون هذا الحديث قد قاله بعض أهل العلم والفطنة والكياسة ، فصدف أن جاء العلم مشاهدًا له ؛ لماذا ننسبه إلى الرسول - عليه السلام - ؟ بل يمكن أن يكون ما جاء في هذا الحديث الضعيف ووافقه العلم ؛ يمكن أن يكون من الإسرائيليات ، وفي التوراة والإنجيل أمور تتحدَّث عن بدء الخلق مثلًا ، وعما جاء في تكوين هذا الكون من تصرف الله - عز وجل - فيه ممكن أن يكون حديث من الأحاديث الضعيفة أصله من الإسرائيليات ثم جاء العلم يشهد له ؛ فهو يشهد له لما جاء في التوراة والإنجيل ، ولا يجعلنا نحن نقول أنُّو هذا الحديث الضعيف صحيح لأن العلم يشهد له ، فهناك أسباب كثيرة وكثيرة جدًّا .
ولذلك قلنا لبعضهم - وهم موجودون في العصر الحاضر ؛ هؤلاء الذي يقيسون الأحاديث بآرائهم ، فما قبلته عقولهم وآراؤهم من الأحاديث قالوا هذه أحاديث صحيحة ؛ ولو كانت عند أئمة الحديث ضعيفة ، والعكس بالعكس عندهم ؛ لو جاءهم حديث صحيح ولم تقبله عقولهم رفضوه ؛ ولو كان مما اتفق عليه المسلمون تلقِّيًا له بالقبول من " صحيح البخاري ومسلم " - قلنا لبعض هؤلاء : لو قال لك إنسان ما مفتريًا على رسول الله حديثًا ما معناه صحيح ؛ فهل معنى ذلك أن الرسول - عليه السلام - قاله ؟ الجواب : لا ، لم ؟ لأنَّ الحكمة الحكمة ليست محصورة بالرسل والأنبياء ، بل قد يُؤتي ربنا - عز وجل - منها من يشاء من عباده ، فأنتم تعلمون - مثلًا - أن لقمان - عليه السلام - - أو رضي الله عنه - كان يُعرف بلقمان الحكيم ، وقد حكى رب العالمين في القرآن الكريم بعض وصاياه لابنه : (( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم )) ، فإذا جاءتنا حكمةٌ ما عن حكيمٍ ما كلقمان هذا ، وقد جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم إن كان نبيًّا أو لا في بعض الناس ، ونحن كذلك لا نعلم إن كان لقمان هذا كان نبيًّا أو لا ، لكن صاحب حِكَم ، فإذ جاءتنا حكمة ما منسوبة لأحد الأشخاص ؛ فهل يجوز أن نقول : قال رسول الله فيها لأنها حكمة ؟ طبعًا لا يجوز أن نقول هذا ، وكل إنسان منَّا يستطيع أن يتكلم بكلمة أقل ما يقال فيها إن معناها صحيح ؛ فلو أن مغرضًا ما أراد أن يشيعَ كلمته - وهي حق - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فما هو الميزان لمعرفة أن هذه الكلمة بالذات هي دخيلة ومفتراة على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وإن كانت مقبولة معناها ؟
لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بطريق الإسانيد والروايات التي سنَّها لنا علماء الإسلام الأوَّلون - جزاهم الله خيرًا - .
هذا ما عندي بمناسبة ذاك السؤال .
تفضل .
يا شيخ ، إذا جاء العلم الحديث موافقًا لمعنى حديث ضعيف ؛ مثال ذلك : ما جاء في الحديث وكنت قد خرَّجته في الأحاديث الضعيفة : " أُوقد على النار ألف عام حتى احمرَّت ، وأُوقد عليها ألف عام حتى ابيضَّت ، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودَّت ؛ فهي سوداء مظلمة " ؛ فهل يقوِّي ما جاء به العلم الحديث معنى الحديث الضعيف ؟ لا سيَّما وأنَّا درسنا في المصطلح أن الحديث الضعيف وإن كان ضعيفًا فلا أحد يستطيع يجزم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقله ؛ فما قولكم ؟
الشيخ : نعم ، أوَّلًا الجواب - بإيجاز - : أنه لا يلزم من تأييد العلم التجربي لمعنى حديث ضعيف أن يكون الحديث صحيحًا قد قاله النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ لاحتمال أن ذاك الحديث الضعيف قد قالَه إنسان حكيم ينظر في دراساته الدقيقة إلى عواقب الأمور ، ويتَّفق أنه ما تفرَّسه قد طابق الواقع فيما بعد ؛ فلا يجوز نسبة الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لمثل هذا المعنى الذي نفترض أنه ثبت علميًّا ، لكني أقول لك : من أين لك أن هذا الحديث الضعيف الذي سردته كاملًا بتمامه قد ثبت علميًّا ؟
السائل : ... الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ؛ تكلَّم أنه ثبت أن النار السوداء أشدُّ حرارةً من البيضاء ، والبيضاء أشدُّ حرارةً من الحمراء .
الشيخ : هذا كلام - بارك الله فيك - لا يؤيِّد الحديث ؛ لأن الحديث كما ذكرت فيه ذكر مدَّة معيَّنة ؛ أليس كذلك ؟ أوقد على النار كم ؟ ألف سنة ، هذا ثبت علميًّا ؟ لذلك .
السائل : استدلَّ بالحديث استدلَّ بهذا الحديث .
الشيخ : ما يهمني الاستدلال يا أخي ، أنت أصل سؤالك كان واضحًا ثم انحرفت به لما قامت الحجة ، كان سؤالك هكذا : إذا جاء حديث بإسناده ضعيف ثم هذا الحديث ثبت معناه علميًّا ؛ أيلزم من ذلك أن يكون الحديث صحيحًا ؟ كان جوابي - بإيجاز - : لا يلزم ، وذكرت لك وجه ذلك ، لكن استدركتُ عليك فقلت : أين هذا العلم الذي يشهد لمعنى هذا الحديث ؟ فقلت : فلان العالم الفاضل استدلَّ به . استدلَّ به على ماذا ؟ على جزء مما جاء في هذا الحديث ، لكن أنت كان سؤالك أولًا عامًّا ؛ إذا جاء الحديث بإسناد ضعيف وشهد له العلم بالصحة ؛ هل معنى ذلك أن الحديث صحيح ؟ كان الجواب لا ؛ لأنه لا يجوز أن يُنسب إلى الرسول - عليه السلام - إلا ما ثبت بالطريقة العلمية الإسلامية الحديثة ، أما ما ثبت بالطرق العلمية التجرُبية ؛ فهذا له جانب آخر لا ننكره ننحن ، بل نقرُّه إذا ثبت ، ولا نستغلُّه في سبيل تأييد بعض نصوص من الكتاب والسنة ؛ لأن الكتاب والسنة الصحيحة في غُنية عن تأييد بتجارب علمية حديثة .
فالشاهد : أنه لا يوجد حتى هذه الساعة - فيما أعلم - ما يشهد لهذا الحديث بالتفصيل الذي فيه ما يؤيِّده من العلم التجربي ، أما أن يتفق أن العلم وافق جزءًا من حديث ما ؛ فهذا لا يدل أن الحديث كله قد قاله - عليه الصلاة والسلام - ، بل أنا أقول : لو جاء حديث يصرِّح بمسألة واحدة وإسناده ضعيف ، ثم جاء العلم يشهد بصحة هذا الحديث في هذه المسألة الخاصة التي تعرَّض بها ؛ لا يجوز أن نقول هذا حديث صحيح قاله رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ لماذا ؟ ذكرت آنفًا لاحتمال أن يكون هذا الحديث قد قاله بعض أهل العلم والفطنة والكياسة ، فصدف أن جاء العلم مشاهدًا له ؛ لماذا ننسبه إلى الرسول - عليه السلام - ؟ بل يمكن أن يكون ما جاء في هذا الحديث الضعيف ووافقه العلم ؛ يمكن أن يكون من الإسرائيليات ، وفي التوراة والإنجيل أمور تتحدَّث عن بدء الخلق مثلًا ، وعما جاء في تكوين هذا الكون من تصرف الله - عز وجل - فيه ممكن أن يكون حديث من الأحاديث الضعيفة أصله من الإسرائيليات ثم جاء العلم يشهد له ؛ فهو يشهد له لما جاء في التوراة والإنجيل ، ولا يجعلنا نحن نقول أنُّو هذا الحديث الضعيف صحيح لأن العلم يشهد له ، فهناك أسباب كثيرة وكثيرة جدًّا .
ولذلك قلنا لبعضهم - وهم موجودون في العصر الحاضر ؛ هؤلاء الذي يقيسون الأحاديث بآرائهم ، فما قبلته عقولهم وآراؤهم من الأحاديث قالوا هذه أحاديث صحيحة ؛ ولو كانت عند أئمة الحديث ضعيفة ، والعكس بالعكس عندهم ؛ لو جاءهم حديث صحيح ولم تقبله عقولهم رفضوه ؛ ولو كان مما اتفق عليه المسلمون تلقِّيًا له بالقبول من " صحيح البخاري ومسلم " - قلنا لبعض هؤلاء : لو قال لك إنسان ما مفتريًا على رسول الله حديثًا ما معناه صحيح ؛ فهل معنى ذلك أن الرسول - عليه السلام - قاله ؟ الجواب : لا ، لم ؟ لأنَّ الحكمة الحكمة ليست محصورة بالرسل والأنبياء ، بل قد يُؤتي ربنا - عز وجل - منها من يشاء من عباده ، فأنتم تعلمون - مثلًا - أن لقمان - عليه السلام - - أو رضي الله عنه - كان يُعرف بلقمان الحكيم ، وقد حكى رب العالمين في القرآن الكريم بعض وصاياه لابنه : (( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم )) ، فإذا جاءتنا حكمةٌ ما عن حكيمٍ ما كلقمان هذا ، وقد جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم إن كان نبيًّا أو لا في بعض الناس ، ونحن كذلك لا نعلم إن كان لقمان هذا كان نبيًّا أو لا ، لكن صاحب حِكَم ، فإذ جاءتنا حكمة ما منسوبة لأحد الأشخاص ؛ فهل يجوز أن نقول : قال رسول الله فيها لأنها حكمة ؟ طبعًا لا يجوز أن نقول هذا ، وكل إنسان منَّا يستطيع أن يتكلم بكلمة أقل ما يقال فيها إن معناها صحيح ؛ فلو أن مغرضًا ما أراد أن يشيعَ كلمته - وهي حق - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فما هو الميزان لمعرفة أن هذه الكلمة بالذات هي دخيلة ومفتراة على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وإن كانت مقبولة معناها ؟
لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بطريق الإسانيد والروايات التي سنَّها لنا علماء الإسلام الأوَّلون - جزاهم الله خيرًا - .
هذا ما عندي بمناسبة ذاك السؤال .
تفضل .