ذكر أبو مالك مقدمة عن عبد الرحيم طحان من أجل الحديث الذي صححه وضعفه الشيخ الألباني (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم) .
A-
A=
A+
أبو مالك : و إن كان مرادك أن إحسان الله إلى نبيه بعد موته كإحسانه له في حياته مما أجرى على يده من الخير إلى أمته فأصاب من الثواب و الفضل ما لو أصاب أدناه عديد من الأنبياء لوسعهم فنحن نسلم لك هذا و لا ريب و لا يستطيع واحد من العقلاء أن ينفيه و الله سبحانه يجزي على الإحسان الإحسان مثله و فضله واسع و خيره عظيم و قد أوحى إلى نبيه أن يقول لأمته ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجره و أجر من عمل بها إلى يوم القيام لا ينقص من أجورهم شيء ) فإن كان واحد من الأمة يصيب من الفضل بسنة أظهرها من سنن المصطفى عليه الصلاة و السلام ما يصيب من هذا الأجر فكيف إذا سيكون الفضل الذي سيدركه عليه الصلاة و السلام بالرسالة و النبوة التي أخرج بها الملايين من الظلمات إلى النور و من المعلوم بداهة أن الذين دخلوا في الإسلام في حياته عليه السلام يعدون في قلة عددهم كالشعرة السوداء في الثوب الأبيض بالنسبة إلى الأعداد التي دخلت الإسلام من بعد موته صلى الله عليه و سلم و إذا فإن ينيله الله إحسانا بعد موته هذا أمرا ليس يحتاج إثباته إلى برهان بل لو قلنا إن إحسانه إليه بعد موته لما أجرى الله على يده من الخير للقرون العاقبة من الأمة ربما كان أضعاف ما أجراه من الإحسان له في حياته على ما تحمل من الأذى و شدة الوحي و مسؤولية البلاغ أعظم أعظم من الإحسان الذي ناله إياه قبل موته لما جاوزت الصواب لكنه يبقى إحسانا وهبه بفضل النبوة و الرسالة التي أكرمه الله سبحانه بها و مثل هذا التوضيح يندفع الإيهام الذي يقع في الأذهان بسبب الإطلاق غير المقيد و التعميم غير المخصص و لا ريب أن السامع الذي يسمع قولك و هوإحسان ممتد إلى الأمة لا يبعد أن يظن أنك إنما تريد أن الرسول عليه الصلاة و السلام ينفع أمته بشيء يصدر عنه في قبره كشيء كان يصدر منه قبل موته بل هو صرحت به تصريحا لا يقبل الخفاء معتمدا على الحديث الذي جعلته محور هذه المسألة و هو قوله عليه السلام ( حياتي خير لكم و مماتي خير لكم ) و لو أننا جرينا على سنن التسليم و التأويل و التصديق لكل من ينقل للناس من الكتب بلا تمحيص و لا تدقيق لرضينا بالذي قلت و لصدقنا بالذي حكمت و مثل هذا يوقعنا في حيرة مظلمة لا نستفيد منها بصيص شعاع لنقف به على حدود صواب المعرفة فضلا عن أن نتوسطها أو نجاوز طرفها و ليس هذا انتقاصا لك و لا تبخيسا لعلمك فيكفي أن تشتغل في علوم السنة المطهرة و هذه نعمة تغبط عليها لكن يا شيخ عبد الرحيم أما كان الأمثل و الأجمل أن تسمع لحكم الشيخ ناصر لهذا الحديث بدلا من أن تحكم عليه حكما ربما كان الظن فيه على الأقل يكفي ببطلان ما حكم فكنت بذلك قد جانبت اثنتين الأولى جورك على الشيخ ظلمك إياه بقولك يجب الحجر عليه و الثاني أن تحقق فائدة علمية إما أن تلزم الشيخ بها فيفرح بها و يحمدها لك و إما أن تدع خطأ وقعته و ذممت به الشيخ فتفرح به و تحمده له و تكون قد عملت بأدب الذي تعلم الناس سنته في دروسك و مواعظك صلوات الله و سلامه عليه و من بده القول أن التسوية في الخيرية حتى على فرض صحة الحديث كما ذهب لا يستقيم و موته صلى الله عليه و سلم كان مصيبة عظيمة على الأمة ( إذا عظمت مصيبة أحدكم فليذكر مصيبته فيّ ) ... إلا أن تكون مصبية الأمة في موته عليه الصلاة و السلام على فداحتها تعرض الخير الذي يفيئ الله بها عليها من حياته صلى الله عليه و سلم فيظل موصلا بها ما دام حيا و لا يشك إنسان في أن فضل الصحبة التي كانت للصحابة رضوان االله عليهم لم تكن لسائر الأمة سواء من جاء منهم بعد موته أم من كان في حياته و لم يكتب له شرف الصحبة و لو لا ذلك لما كان حرص البعيدين عن المدينة أن يأتوها ليلقوه عليه الصلاة و السلام فينال بلقياه شرف صحبته و لا أحسبك إلا أنك قائل معي إن الخيرية التي نالها الصحابة بصحبته عليه السلام فاقوا بها الأمة كلها شرفا من غير منازع إذا فالخيرية التي أجراها الله لبعض هذه الأمة بلقياه عليه السلام جعلت له فضلا زائدا على سائرها و ما كان ليكون لهم هذا الفضل إلا بشيء أدركوه هم بحياته فيهم و بصحبتهم إياه و مكثهم معه و إلا لكان محصلا هذا الفضل أويس القرني فأين إذا الإحسان الذي تفضل به عليه في حياته من أويس القرني هذا أفلا يكون أويس الذي بشر به الرسول صلى الله عليه و سلم أصحابه و طلب منهم أن يطلبوا منه أن يدعوا لهم إن لقوه أولى بالإحسان أو بإحسان رسول الله صلى الله عليه و سلم في حال حياته فيكون له منه حظ كحظ أصحابه و لا يرد هنا أن إحسانه عليه السلام بعد موته ممتد إلى أمته يتفاوت فيهم بتفاوتهم في القرب منه و البعد عنه فإن ذلك يبقى أمرا غيبيا محظا لا يجوز الحكم عليه بمثل هذا و كلامنا هنا مثل كلامنا فيما أسلفنا القول فيه و المحظور الذي يخشى يا شيخ عبد الرحيم من هذه المسألة ليس محظورا ينشأ بمخالفة عن حكم شرعي فرعي و لو كان لهان بل إنه محظور ناشئ من مخالفة عن عقيدة يقضي المخالف بها إلى أمر إد ليس له منزع إلا بالمخالفة عن هذه المخالفة محظور لا يدفع معه من بعد القواعد الشرعية كلها و أولها قاعدة سد الذريعة و قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح يا شيخ عبد الرحيم هل جرّ على المسلمين بلاء الشرك كالاستغاثة بالأنبياء و الصالحين و الذبح لغير الله و مضاهاة الكفار في عباداتهم و ما إلى ذلك من المخالفات الصارخة في العقيدة إلا التساهل في الألفاظ و فضفضة المصطلحات و فقدان الدقة الضابطة للمعاني الشرعية و بناء على ما قررت يا عبد الرحيم من صحة الحديث وعلى اعتمادك على الكتب التي أوردت طرقه و على كلام العلماء الذين لا ينكر علمهم و لا فضلهم في علوم السنة فيه .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 802
- توقيت الفهرسة : 00:01:03